الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية / الكتب / الحماية الدولية لأحكام التحكيم الاجنبية / الأوضاع الشكلية لإجراءات التنفيذ في إتفاقية نيويورك

  • الاسم

    د. هشام إسماعيل
  • تاريخ النشر

    2012-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    1141
  • رقم الصفحة

    307

التفاصيل طباعة نسخ

الأوضاع الشكلية لإجراءات التنفيذ في إتفاقية نيويورك

   تتباين إجراءات وشروط تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية تبايناً كبيراً بين دول العالم المختلفة على الرغم من إبرام العديد من الإتفاقيات الدولية التي عنيت بهذا الموضوع، خاصة إتفاقية نيويورك، التي أكدت على وجود هذا التباين و آثاره على نظام تنفيذ تلك الأحكام".

   ومُفاد هاتين المادتين أنه لا يجوز لأى دولة من الدول الموقعة على الإتفاقية أن تحيد عن هذه الأحكام في تشريعاتها الخاصة بالتنفيذ، ولايمكن للأطراف المتنازعة كذلك أن تخرج عن هذه الأحكام أو الإتفاق على نظام أكثر إرهاقاً من خلال النص على ذلك في إتفاق التحكيم.

القواعد الإجرائية الواجبة التطبيق على الإعتراف والتنفيذطبقاً للمادة الثالثة من الإتفاقية

   تعد المادة الثالثة هي مصدر الشروط الواردة فى المادة الرابعة التي يتعين إستيفاؤها من قبل أى طرف يطلب الإعتراف بحكم تحكيم أجنبى و/أو تنفيذه داخل إقليم أى دولة من دول الإتفاقية، وإذا كان الهدف الأساسى من أى دعوى تحكيم هو الحصول على حكم تحكيم . يكون قابلاً للإعتراف به وتنفيذه ، فإنه يقال فى هذا السياق أن معظم أحكام التحكيم يتم الإلتزام بها من جانب الأطراف المتنازعة .

القواعد الإجرائية الواجبة التطبيق

   لا تُحدد الإتفاقية ماهية القواعد الإجرائية التي ينبغى بموجبها الإعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه، حيث تشير ببساطة في الفقرة الأولى من المادة الثالثة إلى أنه: "تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ وطبقاً للشروط المنصوص عليها في المواد التالية...

   ومع ذلك فقد أضافت الإتفاقية شرطاً جوهرياً في الفقرة الثانية من المادة الثالثة، حظرت بموجبه على الدول أن تفرض على الإعتراف بأحكام التحكيم التي تنطبق عليها هذه الإتفاقية أو على تنفيذها: شروط أكثر شدة ولا رسوماً قضائية أكثر إرتفاعاً بدرجة ملحوظة . من تلك التي تفرض للإعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية".

   وتقوم محكمة التنفيذ بتطبيق القواعد الإجرائية الواردة فى تشريعات التنفيذ لــديها علـى إجراءات التنفيذ المعروضة عليها مع مُراعاة شروط المادة الثالثة وعلى الرغم من أن هذه المادة لاتطالب الدول الموقعة على الإتفاقية بتطبيق نفس إجراءات التنفيذ على كل من أحكام التحكيم الأجنبية والمحلية، إذ أنه لا ينبغى أن يكون النظام المتبع لتنفيذ أحكام التحكـ الأجنبيــة هـو بالضرورة المطبق على أحكام التحكيم المحلية.

   ومع ذلك، فإن تقصى القواعد التي تحكم إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في دول العالم المختلفة يكشف بجلاء عن تباين هذه القواعد، ليس فقط بين تلك الدول، بـل وفي داخـــل الدولة الواحدة كماهو الحال فى مصر -، وهوما ينعكس على فاعلية تلك الأحكام، ولذلك فإننا سوف

 نعرض في الفرع الأول للتباين القائم بين دول القانون العام ودول القانون المدنى بالنسبة لهذه القواعد مع إفراد الفرع الثانى للوضع فى القانون المصرى فى ضوء قيام حالة التنازع بــين القواعد الإجرائية المنظمة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر.

القواعد التي تحكم إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم فى دول القانون العام  وفي دول القانون المدني

 (أ) التنفيذ في دول القانون العام:

   ينبغي لتنفيذ حكم تحكيم فى دول القانون العام أن تتم صياغته فى صورة حكم قضائي، وبالتالي، يتحول حكم التحكيم في هذه الحالة إلى حكم قضائى صادر من المحكمة، ومن ثم، يُصبح الحكم الأخير هو الواجب التنفيذ وليس حكم التحكيم، وعلى سبيل المثال، ينص القسم (۹) من قانون التحكيم الفيدرالي الأمريكي على أنه: "إذا كان الطرفان قد وافقا في إتفاقهما على أنه يجب صياغة حكم التحكيم فى شكل حكم قضائي صادر من المحكمة .... فإنه يجوز لأى طرف في إتفاق التحكيم أن يُقدم طلباً إلى المحكمة لاستصدار أمر يؤكد حكم التحكيم“.

   كما ينص القسم (٦٦) من قانون التحكيم الإنجليزى لعام ۱۹۹٦ ، على أنه: "(۱) يجوز أن يكون حكم التحكيم الذى أصدرته الهيئة وفقاً لإتفاق تحكيم واجب التنفيذ بموجب إذن مــــن المحكمة بنفس الطريقة التي يصدر بها حكم أو أمر من المحكمة لهذا الغرض، (٢) عندما يتم إعطاء الإذن، يجوز صياغة حكم التحكيم في شكل حكم قضائي“.

  وينطبق هذا النص، مالم تكن هناك مُعارضة في التنفيذ بسبب عدم إختصاص هيئة التحكيم، ففي هذه الحالة، يجوز للمحكمة أن تأمر بإتخاذ أياً من القرارات التالية: "(أ) تأكيد حكم التحكيم، أو (ب) تعديله، أو (ج) القضاء ببطلانه، كُلياً أو جزئياً“ (القسم ٦٧ الفقرة ٣).

   أما إذا كانت هناك مُعارضة لحكم التحكيم بسبب ثبوت وقوع مُخالفات جسيمة فيه، فإنـه يجوز للمحكمة في هذه الحالة: "(أ) إحالة الحكم، سواء كُلياً أو جزئياً، إلى هيئة التحكيم مـــرةً أُخرى، لإعادة النظر فيه، أو (ب) القضاء ببطلانه، كُلياً أو جزئياً، أو (ج) الإعلان عن نفاذه كلياً أو جزئياً» (القسم ٦٨ الفقرة ٣).

(ب) التنفيذ في دول القانون المدني:

 تتفق قوانين التحكيم في دول القانون المدنى على أن حكم التحكيم يكون واجب النفاذ بذاته، بمعنى أنه لن يحتاج للتحول إلى حكم قضائى صادر من المحكمة لكي يكون صالحاً للتنفيذ، إلا أن إختلافاً بيناً وبصورة كبيرة بالنسبة لباقى القواعد التي تحكم إجراءات التنفيذ، في هذه الدول.

   كما تنص المادة ۱۹۰ (۱) من القانون الدولى الخاص السويسرى لعام ١٩٨٧ على نهائية حكم التحكيم، ولا يحتاج هذا الحكم كذلك إلى أمر بالتنفيذ من أجل سريانه، إلا أنه يعقب ذلك في المادة ۱۹۰ (۲) ذكر خمسة أسباب للقضاء ببطلانه .

   وفى فرنسا، يحتاج حكم التحكيم لسريانه إلى أمر بالتنفيذ من رئيس المحكمة، ولايتم رفض إصدار هذا الأمر إلا إذا كان هذا الحكم يُخالف بوضوح النظام العام، وفضلاً عن إتفاقية نيويورك على أحكام التحكيم الأجنبية، إلا أن أسباب الرفض الواردة في هذه الإتفاقية تعد أكثر إتساعاً مما عليه الحال فى قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الجديد، حيث تنص المادة ١٤٧٩ من هذا القانون على أن: قواعد التنفيذ المؤقت لدعاوى المحكمة تسرى على أحكام التحكيم“، كما تنص المادة ١٤٧٨ من ذات القانون على أن يجب أن يصدر الأمر برفض التنفيذ مسبباً، ولذلك، فإنه يُلاحظ أن طالب التنفيذ يُفضل فى الغالب الإستناد فى طلبه على إجراءات التنفيذ الواردة فى القانون الفرنسي ، لما تتسم به هذه الإجراءات من بساطة وتناسق“ .

  وفي إيطاليا، تنص المادة ٨٢٥ من قانون الإجراءات المدنية المعدل في عام ١٩٩٤، على أن للقاضي: "بعد التحقق من أن حكم التحكيم ... قد قدم في غضون المهلة الزمنية، وأنه يفي بجميع المتطلبات الشكلية، أن يصدر أمراً بتنفيذه "، ويجوز الطعن في رفض تنفيذ حكم التحكيم بصحيفة ترفع إلى المحكمة في غضون ثلاثين يوماً من تاريخ الإخطار ؛ وتُصدر هيئة المحكمة منعقدة في غرفة المشورة، وبعد الإستماع إلى الطرفين، قراراً لايقبل الطعن عليه بأى شكل من الأشكال».

   وتميز ألمانيا (۱۹۹۸) بين تنفيذ حكم التحكيم المحلى الذى يخضع للقسم ١٠٦٠، وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبى الذى يخضع للقسم ١٠٦١، ففى الحالة الأولى: "يجوز رفض طلب إعلان النفاذ، ويُصبح حكم التحكيم باطلاً إذا توافرت أحد أسباب البطلان الواردة في القسم ١٠٥٩ (۲)، وهي: "إذا وجدت المحكمة (أ) أن موضوع التراع غير قابل للتسوية عن طريق التحكيم وفقاً للقانون الألماني ؛ أو (ب) أن الإعتراف أو التنفيذ يؤدى إلى نتيجة تتعارض مع النظام العام“، وفى الحالة الثانية أحكام التحكيم الأجنبية): "يتم منح التنفيذ وفقاً لإتفاقية نيويورك للإعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها .." ، وإذا تم رفض التنفيذ: يجب على المحكمة أن تقضى بأن حكــم التحكيم غير معترف به في ألمانيا».

  وقد إنتهجت هولندا فى قانونها للإجراءات المدنية الصادر في عام ١٩٨٦، نهجاً مماثلاً يُمايز بين أحكام التحكيم المحلية وأحكام التحكيم الأجنبية، حيث يجوز لرئيس المحكمة المحلية منح إذن بالتنفيذ الأحكام التحكيم المحلية، ويكون الطعن على هذا الإذن من خلال دعوى البطلان المــادة ١٠٦٢ (٤))، ولا يجوز رفض التنفيذ إلا إذا كان حكم التحكيم يتعارض بشكل واضح مع النظام العام أو الآداب، ويجوز الطعن على القرار الصادر من رئيس المحكمة فى هذه الحالة (المادة ١٠٦٣(١))، وبالنسبة لأحكام التحكيم الأجنبية، تكون المحكمة المحلية هي المختصة بنظر طلب التنفيذ عند سريان الإتفاقية (إتفاقية نيويورك) (المادة (۱۰۷٥)، وفى حالة عدم سريان أى إتفاقية أو كانت الإتفاقية (إتفاقية نيويورك تسمح لأى طرف بالإستناد على قانون هولندا، تسرى في هـذه الحالة الأسباب الواردة في المادة ۱۰۷٦ والتى تماثل أسباب البطلان على رفض إصدار الأمـــر بالتنفيذ .

   وصفوة القول أن الأمثلة السابقة تبرهن على التباين الواضح والكبير في قواعد تنفيذ أحكام التحكيم بين الدول المختلفة، كما تشير هذه الأمثلة إلى أنه لا توجد متطلبات للحصول على أمر أو إذن من المحكمة بالتنفيذ، إلا أنه تتوافر فقط أسباب للبطلان وهذا التباين بين قواعد التنفيذ المختلفة يُلقى بآثاره على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، حيث أنه يجوز طلب تنفيذ حكم تحكيم إما وفقاً لقواعد إتفاقية نيويورك، أو بموجب قانون التحكيم الوطنى للدولة التي يتم طلب التنفيذ فيها (المادة (۷) من الإتفاقية - شرط الحق الأكثر تفضيلاً) .

   وحتى مع إعتناق دولاً كثيرة للقانون النموذجى فى قوانينها الوطنية، فمازالت هناك مساحة كبيرة للتنازع والإختلاف بداخل هذه الدول فى ظل عدم التناغم بين هذه القوانين، وهو الشأن في الوضع بالنسبة لإجراءات التنفيذ فى القانون المصرى، حيث . يتضح أن هناك تن تنازع للقواعـــــد الإجرائية المنظمة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية فى مصر، وهو ما ألقى بظلالـه علـى قرارات وأحكام القضاء المصرى الصادرة فى هذا الشأن، وهو ما نبحثه في الفرع التالى.

تنازع القواعد الإجرائية المنظمة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر

   يخضع تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية فى مصر لإتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ .

   يختلف النظام الإجرائي للأمر بتنفيذ أحكام التحكيم، بحسب ما إذا كان حكـــم التحكيم المطلوب الأمر بتنفيذه حكم تحكيم مصرى، أى صدر في مصر، أم أنه حكم تحكيم أجنبى، رأى صدر خارجها.

   ووفقاً للفقرة الأولى من المادة الثالثة من إتفاقية نيويورك: "تعترف كل من الدول المتعاقــــدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ، وطبقاً للشروط المنصوص عليها في المواد التالية، ولما كانت نصوص هذه الإتفاقية وكأثر لإنضمام مصر إليها وصيرورتها نافذة بما قد أصبحت قانوناً من قوانين الدولة، ومن ثم فإن الشروط الواردة بما تكون واجبة ،الإحترام وتُصبح لها الأولوية فى التطبيق إذا تعارضت مع تشريع داخلى سابق أو لاحق في هذا الشأن.

  ومن ثم فقد أدى هذا الوضع إلى إثارة مُشكلة تنازع القوانين المنظمة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر، والتي قد يكون القانون المصرى قد إنفرد بها دون باقى القوانين الوطنية الأخرى في ضوء عدم إلغاء المادة (۲۹۹) من قانون المرافعات التي تنص على سريان قواعد تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية الواردة فى المادة من (۲۹٦-۲۹۹) من هذا القانون على أحكام التحكيم الأجنبية.

   ومن هنا، فقد ثار خلافُ فى الفقه والقضاء المصرى حول القانون الواجب التطبيق على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر، في ضوء تعارض قانون المرافعات المصرى، مع قانون التحكيم المصرى، سواء من حيث شكل الطلب الذى يُقدم للحصول على الأمر بتنفيذ هذه الأحكام، أو المحكمة المختصة بنظره، بما يُخالف إلتزام مصر الدولى طبقا للفقرة الثانية المادة الثالثة الإتفاقية، والتي أكدت على إلتزام الدول الأعضاء بألا تُفرض للإعتراف أو تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية شروطاً أكثر شدة ولا رسوماً قضائية أكثر إرتفاعاً بدرجة ملحوظة . من تلك المفروضة للإعتراف بأحكام التحكيم الوطنية وتنفيذها.

   وعلى هذا الأساس، سوف نستهل هذا الفرع بعرض القواعد الإجرائية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية طبقاً لقانون المرافعات المصرى، وبعد ذلك، سوف نتناول هذه القواعد طبقاً لقانون التحكيم المصرى، وبعدئذ، سوف نتطرق إلى عرض موقف الفقه المصرى من هذا الخلاف، ثم تتبع ذلك باستعراض ما تضمنته بعض التطبيقات القضائية فى مصر بالنسبة للقواعد الشكلية لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.

أولاً : القواعد الإجرائية لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في قانون المرافعات المصرى:

  وضع المشرع المصرى فى الفصل الرابع من قانون المرافعات المصرى الصادر بالقانون رقم ١٣ لسنة ١٩٦٨ والمتعلق بـ"تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية نظاماً خاصاً لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، طبق فيها على هذه الأحكام ذات القواعد التي قررها في المواد ٢٩٦، ۲۹۷، ۲۹۸ بشأن تنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة فى بلد أجنبى، بشرط أن يكون الحكـم صادراً في مسألة يجوز التحكيم فيها طبقاً لقانون الجمهورية (المادة (۲۹۹) .

  فقد قننت المادة ۲۹٦ مبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة لتنفيذ الأحكام والأوامر الأجنبية بنصها على أن: "الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبى يجوز الأمر بتنفيذها بنفس الشروط المقررة في قانون ذلك البلد بالنسبة لتنفيذ الأحكام والأوامر المصرية فيه».

   وبالنسبة لإجراءات التنفيذ، وطبقاً للمادة ۲۹۷ من ذات القانون: "يُقدم طلب الأمر بالتنفيذ المحكمة الإبتدائية التى يُراد التنفيذ فى دائرتها، وذلك بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى“. كما تضمنت المادة ۲۹۸ من ذات القانون النص على بعض الشروط الموضوعية لايجوز الأمــــر بالتنفيذ بدونها حاصلها (أ) ألا تكون المحاكم المصرية مُختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم، (ب) أن الخصوم فى دعوى التحكيم قد كلفوا بالحضور ومثلوا فيها تمثيلاً صحيحاً، (ج) أن يكون حكم التحكيم المطلوب تنفيذه حائزاً لقوة الأمر المقضى طبقاً لقانون الدولة التي صدر فيها، (د) ألا يتعارض الحكم المذكور مع حكم سبق صدوره من محاكم الجمهورية، وألا يتضمن مايُخالف النظام العام أو الآداب فيها، وهذه الشروط - فيما عدا الشرط الوارد في الفقرة (ب)- تُعد شروطاً مُضافة لتلك الواردة في المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك للأمر بتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في مصر.

   كما أكدت المادة ٣٠١ من ذات القانون على أن العمل بالقواعد المنصوص عليها في المواد السابقة لايُخل بأحكام المعاهدات المعقودة أو التي تُعقد بين الجمهورية وبين غيرها من الدول في هذا الشأن.

ثانياً : القواعد الإجرائية لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية فى قانون التحكيم المصرى:

   تسرى القواعد الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الواردة فى المواد من (٥٥) إلى (٥٨) الواردة في الباب السابع من قانون التحكيم المصرى رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ - وإعمالاً لمؤدى نص المادة الأولى منه - على الأحكام الصادرة فى كل تحكيم يجرى في مصر، فضلاً عن تلك الصادرة في تحکیم تجارى دولى يجرى فى الخارج وإتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون.

   وهذه القواعد تتميز ببساطتها ويُسرها بما يتسق مع ما يتطلبه التحكيم التجارى من سُرعةالفصل في المنازعات، وماينطوى عليه من طبيعة خاصة إقتضت تيسير إجراءاته، حيث تنص المادة (٥٥) على أنه : "تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقاً لهذا القانون حُجية الأمر المقضى، وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون، ولاتستلزم المادة (٥٨) من ذات القانون للأمر بتنفيذ الحكم سوى عدم تعارضه مع حكم سَبَقَ صدوره من المحاكم المصرية في موضوع التراع، وعدم . مخالفته للنظام العام فى مصر، وتمام الإعلان الصحيح.

   ويجب أن يُرفق مع العريضة (1) أصل الحكم أو صورة موقعة منه (۲) صورة من إتفاق

التحكيم، (۳) ترجمة مُصدق عليها من جهة مُعتمدة إلى اللغة العربية لحكم التحكيم إذا لم يكن صادراً بها، (٤) صورة من المحضر الدال على إيداع الحكم وفقاً للمادة (٤٧) من هذا القانون

(المادة (٥٦)).

  ومفاد ذلك، أن طلب الأمر بالتنفيذ يقدم بطريق الأمر على عريضة فى غيبة المحكوم ضده، وبعد إستبعاد ماقضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته من نص الفقرة الثالثة من المادة ٥٨ والذي جاء قاصراً على حالة عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ الحكم دون باقی ماتضمنه النص، وبالتالي، فقد أصبح من الجائز - وبموجب هذا الحكم - التظلم من القرار الصادر في طلب التنفيذ سواء بالأمر بالتنفيذ أو برفض الأمر، إلى "المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة (٩) من هـذا القانون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره“.

ثالثاً : موقف الفقه المصرى:

  هناك اتجاهين فى الفقه المصرى بالنسبة للقواعد الإجرائية لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، أحدهما يرى تطبيق أحكام قانون المرافعات على إجراءات تنفيذ هذه الأحكام، بينما يرى الاتجاه الآخر خلافاً لذلك خضوع هذه الأحكام لإجراءات التنفيذ الواردة فى قانون التحكيم.

رابعاً : موقف القضاء المصرى :

   يتنازع القضاء المصرى إتجاهين فى هذا الصدد، أحدهما يرى عدم جواز تطبيق قواعد تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الواردة فى قانون المرافعات، بينما يرى الآخر على خلاف ذلك – وقبل صدور قانون التحكيم – سريان نصوص قانون المرافعات الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية

الإتجاه الأول:

تواتر قضاء محكمة إستئناف القاهرة فى العديد من الدعاوى المعروضة للتنفيذ، عدم جواز تطبيق قواعد تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الواردة في قانون المرافعات، لتضمنها شروطاً أكثر شدة من تلك المقررة لتنفيذ أحكام المحكمين الوطنية في القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، ووجوب تطبيق القواعد الواردة في هذا القانون الأخير، وذلك إعمالاً لنص المادة الثانية من المادة الثالثة من إتفاقية نيويورك.

 وقد تأيد هذا الإتجاه بالحكم الصادر حديثاً من محكمة النقض المصرية، والذي حسمت بــه المحكمة الخلاف الذى ثار حول القانون الداخلى الواجب التطبيق على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، إذا لم يكن أطراف التحكيم قد إتفقوا على إخضاعه لأحكام قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، حيث أيدت محكمة النقض محكمة إستئناف القاهرة فيما إنتهت إليــه مــن خضوع تنفيذ تلك الأحكام للقواعد الإجرائية المنصوص عليها في المادة (٥٦) من قانون التحكيم المصرى".

 وقد أوردت المحكمة فى حكمها : أن الدول الموقعة على إتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ تتمتع

بسلطة فرض الشروط الإجرائية على الطلبات المقدمة للإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية أو تنفيذها، طالما لاتعد هذه الشروط من الناحية الجوهرية أكثر صرا امة من تلك المفروضة على الإعتراف بأحكام التحكيم المحلية أو على تنفيذها، ومع ذلك فإنه يتعين تفسير نص المادة (۳) في ضوء الهدف العام للإتفاقية من حيث كونها تسعى إلى النص على نظام للإعتراف والتنفيذ أكثر سهولة وأقل إرهاقاً ...».

  وتساندت المحكمة فى حكمها هذا إلى ما نصت عليه المادة (١/٣٥) من قانون لجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى UNCITRAL، والذى إستلهم منه قانون التحكيم المصرى جُل أحكامه، من أنه "يكون قرار التحكيم مُلزماً، بصرف النظر عن البلد الذي صدر فيه، ويُنفذ بناءً على طلب كتابي يُقدم إلى محكمة مُختصة..“، وخلصت المحكمة من ذلك، إلى أن "القواعد التق تضمنها قانون التحكيم المصرى بشأن تنفيذ الأحكام الوطنية تُعد في الواقع هي الأقـــل تشدداً والأكثر يُسراً من تلك المقابلة لها في قانون المرافعات المصرى، والخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية.

الإتجاه الثاني:

  جرت أحكام محكمة النقض المصرية ـ وقبل صدور قانون التحكيم المصرى – على تطبيق نصوص قانون المرافعات الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية (٢٩٧-٢٩٩) على أحكــام المحكمين الأجنبية، وتطبيق قانون المرافعات الواردة فى باب التحكيم على تنفيذ أحكام المحكمين المصرية، وقد أخذت بهذا الإتجاه بعض الأوامر الصادرة من رئيس محكمة إستئناف القاهرة في الطلبات المقدمة لتنفيذ لأحكام التحكيم الأجنبية، حتى بعد صدور قانون التحكيم المصرى.

  ففى إثنين من الطلبات تم رفض إصدار الأمر المطلوب فيهما لعدم الإختصاص، سواء لخلـــو الأوراق من أى إتفاق لأطراف التحكيم على إخضاعه لأحكام قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة 1994 ، أو لأن: "هذا التحكيم تحكيمياً دولياً بالخارج، ومن ثم تُطبق إتفاقية نيويورك، وتختص بوضع الصيغة التنفيذية المحكمة الإبتدائية التى يُراد التنفيذ بدائرتها، وذلك بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى المادة ۲۹۷ مرافعات، ولا يُطبق قانون التحكيم ا، وفى طلب آخر، تم رفض إصدار الأمر تأسيساً على أن قانون المرافعات هو القانون الواجب التطبيق على طلب تنفيذ الحكم محل العريضة، دون قانون التحكيم المصرى " .

خامساً : سبل فض تنازع القواعد الإجرائية لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر :

  تبين مما سبق أن القواعد الإجرائية لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر في قانون التحكيم المصرى تُعد أقل شدة وأكثر تيسيراً وأقل نفقة عما عليه نظيرتها فى قانون المرافعات المصرى، سواء من حيث الإختصاص أو فى شروط التنفيذ، ومن ثم فلاتُعد القواعد الأخيرة مُحققةً للهدف المنشود من التحكيم بما يتطلبه من ضرورة تيسير إجراءات تنفيذ هذه الأحكام.

  وحسماً لهذا الخلاف، فإن الأمر يوجب تدخل المشرع المصرى لفض هذا التنازع تجاوباً مـــع قضاء النقض والإستئناف المصريين اللذين أكدا على أن "القواعد التي تضمنها قانون التحكيم المصرى بشأن تنفيذ الأحكام الوطنية تُعد فى الواقع هى الأقل تشدداً والأكثر يُسراً من تلك المقابلة لها في قانون المرافعات المصرى، والخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية ، وعلى أن "إخضاع تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية للقواعد المنصوص عليها فى المواد (۲۹٦) ومايليها من قانون المرافعات، دون نظيرتها الواردة فى قانون التحكيم، يُخالف على نحو جلى إلتزام مصر الوارد في المادة (٢/٣) إتفاقية نيويورك، وكذلك نص المادة (۲۳) من القانون المدنى، ونص المادة (۳۰۱) من قانون المرافعات، فضلاً. عن مُخالفة ماقضت به المادة الأولى من قانون التحكيم من عدم تطبيق أحكامه إن تعارضت مع أحكام الإتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية“.

  وفي سبيل فض هذا التنازع، فإن ينبغي إلغاء نص المادة (۲۹۹) من قانون المرافعات فيمـــا تضمنته من سريان أحكام المواد المنظمة لتنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية على أحكام التحكيم الأجنبية، والإكتفاء بما تضمنه نص المادة (٥٦) من قانون التحكيم من قواعد إجرائية في هـذا الصدد، بحيث يكون تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر - إذا كان التحكيم تجارياً دولياً  بموجب أمر على عريضة يُقدم إلى رئيس المحكمة المشار إليها في المادة التاسعة من هذا القانون (وهى محكمة إستئناف القاهرة)، أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين، مالم يتفق الطرفان على إختصاص محكمة إستئناف أُخرى في مصر.

  ولاشك في أن وحدة وبساطة ومرونة القواعد المنظمة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية على هذا النحو من شأنه أن يؤدى إلى القدرة على التنبؤ، ويُدعم أهداف التحكيم من خلال كفالة فاعلية أحكامه وحمايتها، وسرعة تنفيذها تحقيقاً لغايتها في حسم النزاع بين الخصوم وإعمال حكم القانون.