اهتمت التشريعات الوطنية بوضع قواعد تنفيذ الأحكام الأجنبية والدولية وراض واستبعاد تنفيذ الأحكام التي تتعارض مع النظام العام.
وفي سنة 1937 أصدرت محكمة النقض الفرنسية حكماً شهيراً غيرت فيه ما كان سائداً من قبل، وأقرت بأن قرار التحكيم الأجنبي يجب أن يعامل معاملة قرار التحكيم الوطني، ومن ثم يستصدر الأمر بتنفيذه من رئيس المحكمة دون مواجهة بين الخصوم ودون دعوى قضائية. وقد بنت محكم النقض حكمها السابق على أساس أن قرار التحكيم ينبني أساساً على اتفاق بين الخصوم، ومن ثم فهما (أى اتفاق التحكيم والقرار التحكيمي) يتشاركان فى نفس الصفة الاتفاقية وبالتالي فالقرار التحكيم الأجنبى يماثل قرار التحكيم الوطني كذلك في الصفة الاتفاقية. ولكن هذا التماثل في معاملة قرار التحكيم الأجنبي نفس معاملة قرار التحكيم الوطني قد النصر على معاملتهما معاملة واحدة فيما يتعلق باستصدار أمر تنفيذ التحكيم الأجنبي في فرنسا إذ لا يلزم له إلا العرض على رئيس المحكمة دون حاجة على رفع دعوى أمام المحكمة، وهو نفس الإجراء الواجب إتباعه، طبقاً للقانون الفرنسي بالنسبة لقرار التحكيم الوطني.
وقد عدل قانون المرافعات الفرنسي بموجب تشريع صدر عام 1981 يتعلق بالتحكيم الدولى والتحكيم الأجنبى، وينظم ما يتعلق بالاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية.
وبموجب هذا التشريع الأخير عدلت المواد من 1492 إلى 1507 من تقنين المرافعات - وأصبح الوضع الجديد بعد التعديل يقتضى بمساواة قرارات التحكيم الأجنبية والدولية بقرارات التحكيم الوطنية الصادرة في فرنسا في تحكيم وطني .بحت. وقد اشترطت المادة 1498 من تقنين المرافعات أن يكون الاعتراف بالقرار الأجنبي أو الدولي في فرنسا وتنفيذه ليس به أية مخالفة للنظام العام الدولي. كما قضت المادة 1499 بأن إصدار أمر التنفيذ في حالة قرارات التحكيم الأجنبية أو الدولية التى يطلب تنفيذها فى فرنسا هو من اختصاص قاضي محكمة أول درجة، شأنها في ذلك شأن قرارات التحكيم الوطنية، وأن المستندات التى يجب على صاحب الشأن طالب الأمر بالتنفيذ) أن يقدمها لقاضى التنفيذ هى نفس المستندات المطلوبة في حالة طلب تنفيذ قرار التحكيم الوطنى ولكن هذه المساواة - التي أقرتها التعديلات الجديدة لتقنين المرافعات - بين قرار التحكم الأجنبي أو الدولي وبين قرار التحكيم الوطنى ليست مطلقة، إذ أجاز التعديل الجديد إمكان استئناف أمر التنفيذ فى حالة القرار التحكيمي الأجنبي أو الدولي، بينما أن ذلك غير جائز بالنسبة للقرار التحكيمي الوطني، ذلك الذي يجوز - طبقا للقانون الفرنسي - الطعن فيه بطرق الطعن المختلفة في حالة الخطأ أو البطلان فكأن المشرع الفرنسي قد استعاض عن عدم إمكانية الطعن في القرار التحكيمي الأجنبي ذاته بأن أقر إمكان استئناف أمر تنفيذ هذا القرار التحكيمي الأجنبي، ذلك الأمر بالتنفيذ الذي يصدر عن قاضي المحكمة الابتدائية بموجب تقديم عريضة طلب صدور الأمر بالتنفيذ وليس بموجب دعوى يرفعها صاحب الشأن. وقد جاءت صياغة المادة 1498 من تقنين المرافعات الفرنسي الجديد تنص على أن الأمر بتنفيذ القرار التحكيمي (الأجنبي أو الدولي) يمكن أن يُلغى إذا كان الاعتراف بالقرار أو تنفيذه مخالف للنظام العام الدولي.
والخلاصة فيما يتعلق بموقف القانون الفرنسي أن الوضع استقر الآن في فرنسا أنها وقضاء وتشريعاً على اعتبار أن قرار التحكيم الأجنبي يجب أن يعامل معاملة قرار التحكيم الوطني فيما يتعلق بتنفيذه مع بعض التعديلات بالنسبة لقرار التحكيم الأجنبى من ناحية إخضاعه لرقابة وإشراف من جانب قاضى التنفيذ أشد مما يخضع له قرار التحكيم الوطني.
أما في التشريعات العربية فقد حرص المشرعون على أن يخضع تنفيذ الحكم لرقابة القضاء فتطلب ضرورة أمر بتنفيذ الحكم من القضاء ومن خلال إصدار الأمر يتثبت القاضى من وجود شرط التحكيم، وأن التحكيم قد روعي فيه الشكل الذى يتطلبه القانون، سواء عند الفصل في النزاع، أو عند كتابة الحكم، دون أن يكون للقاضي رقابة على حكم المحكم من الناحية الموضوعية، ومن ناحية مطابقته للقانون، فرقابة القضاء على حكم التحكيم عند إصدار الأمر بالتنفيذ، تستهدف فقط التثبت من خلو هذا الحكم من العيوب الجوهرية التي قد تشوبه والتحقق من عدم وجود ما يحول دون تنفيذه.
في هذا الإطار نصت الفقرة الثانية من المادة (58) من قانون التحكم المصرى على أن: "لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتي:
1 - أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم في موضوع النزاع.
2 - أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية".
وهذا النص يماثل نص المادة (2/58) من قانون التحكيم العماني .
نصت المادة (235) من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي رقم 11 لسنة 1993 في فقرتها الثانية على أن: "ويطلب الأمر بالتنفيذ أمام المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى، ولا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق مما يأتي: هـ أنه لا يتعارض مع حكم أو أمر سبق صدوره من محكمة بالدولة ولا يتضمن ما يخالف الآداب أو النظام العام فيها".
ويتفق هذا النص مع نص المادة (186) من قانون المرافعات الكويتي والمادة (1/271) من قانون المرافعات القطري.
أما القانون السعودى فلم يتعرض صراحة لتنفيذ الأحكام الأجنبية والدولية إلا في موضع واحد هو نظام ديوان المظالم، إذ وردت الإشارة إليها فى المادة الثامنة فقرة (ز) من هذا النظام في نطاق بيان اختصاصات الديوان إذ ذكرت هذه الفقرة أن من اختصاصات الديوان طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية.
ويبدو أن المقصود من ذلك هو الأحكام الصادرة من محاكم الدول العربية - وهو ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية لنظام ديوان المظالم. ويلاحظ أن المملكة العربية السعودية قد وقعت اتفاقية جامعة الدول العربية لتنفيذ الأحكام، وهى الاتفاقية التي وافق عليها مجلس الجامعة بتاريخ 14 من سبتمبر لعام 1952 في دور الانعقاد العادي السادس عشر، والتى تشمل الأحكام القضائية وكذلك أحكام التحكيم. أما نظام المرافعات الشرعية الصادر في عام 1410هـ فلم يتعرض لهذا الموضوع. وقد ذكرت قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم الصادرة من مجلس الوزراء بالقرار رقم 190 وتاريخ 1409/11/16هـ فى المادة السادسة ما نصه: ترفع دعاوى المطالبة بتنفيذ الأحكام الأجنبية وفقا لإجراءات رفع الدعاوى الإدارية المنصوص عليها في المادة الأولى من هذه القواعد وتصدر الدائرة المختصة حكمها بعد استكمال وثائق الدعوى وسماع أقوال طرفي الخصومة أو وكلاتهم أما برفض الدعوى أو بتنفيذ الحكم الأجنبي على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، وذلك فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ويسلم المحكوم له صورة تنفيذية من الحكم مذيلة بالصيغة الآتية: ويطلب من كافة الدوائر والجهات الحكومية المختصة العمل على تنفيذ هذا الحكم بجميع الوسائل النظامية المتبعة ولو أدى ذلك الى استعمال القوة الجبرية عن طريق الشرطة. هذا ولم يشر النص السابق إلى أسباب أو حالات رفض التنفيذ، وإنما اشترط فقط لإمكان صدور الحكم بالتنفيذ أن تكون هناك معاملة بالمثل وألا يتعارض الحكم المطلوب تنفيذه مع الشريعة الإسلامية.
وقد صدر أخيراً المرسوم الملكي الكريم رقم م/ 11 وتاريخ 1414/7/16هـ بالموافقة على انضمام المملكة إلى اتفاقية الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية اتفاقية) نيويورك لسنة 1958 على أن تتضمن وثيقة انضمام المملكة إلى هذه الاتفاقية التي ستودع لدى الأمم المتحدة التصريح التالي: تصرح المملكة على أساس المعاملة بالمثل أنها ستقصر تطبيق الاتفاقية على الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة على إقليم دولة متعاقدة.
وعلى ذلك فإن الوضع في القانون السعودي أن حكم التحكيم الأجنبي يمكن تنفيذه عن طريق صدور حكم من ديوان المظالم بذلك التنفيذ بعد سماع أقوال طرفي الخصومة، وبشرط المعاملة بالمثل و شرط عدم تعارض حكم التحكيم الأجنبى مع الشيعة الإسلامية، وأن يكون حكم التحكيم قد صدر على إقليم إحدى الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك لسنة 1958.