حيث أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة إرتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول قبول تظلم الشركة المدعية من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وكان النص المطعون فيه فيما قرره من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ هذا الحكم هـو الذي يحول دون ذلك، فإن مصلحتها الشخصية المباشرة في الدعوى تكون قائمة، ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أسـاس حرياً بالرفض. ولا ينال من ذلك قيام الشركة المدعية بتنفيذ الحكم فعلاً، ذلك أن هذه المحكمة عند بحثها لشرط المصلحة في الدعوى الدستورية تقتصر على التحقق من أن الحكم الذي يصدر فيها يؤثر على الحكم في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها. وحيث أن المادة (٥٦) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المشار إليها تنص على أن يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين ........... وتنص المادة (٥٨) على أن ١- لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد إنقضى. -۲- لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتي: (أ) أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع. (ب) أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية. (ج) أنه قد تم إعلانه للمحكوم إعلاناً صحيحاً. ٣- ولا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم. أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة (۹) من هذا القانون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره». وحيث أن الشركة المراعية تنعي على النص الطعين أنه إذ يخول طالب التنفيذ التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ بينما يحرم المحكوم ضده من التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ، فإنـه يتعارض مع مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ويخل بحق التقاضي بالمخالفة لأحكام المادتين (٤٠) و ٦٨) من الدستور. وحيث أن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتعتبر تخوماً لها لا يجوز إقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين، فإن القواعد القانونية التي تصدر عن أيتهما في هذا النطاق لا يجوز أن تنال من الحقوق التي كفل الدستور أصلها، سواء بنقضها أو إنتقاصها من أطرافها، وإلا كان ذلك عدواناً على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها. وحيث أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة (٤٠) من الدستور والذي رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على إختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صــور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون وحيث أن الدستور بمــا نـص عليه في المادة (٦٨) من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، قد دل - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – علــى أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عنــــد توافر شروطها، إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال إقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها. لما كان ما تقدم، فإن النص الطعين بمنحه الطرف الذي يتقدم بطلب تنفيذ حكم المحكمين الحق في التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ ليثبت توافر طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم على الضوابط الثلاثة التي تطلبها البند (۲) من المادة (٥٨) الالف الإشارة إليه، وحرمانه الطرف الآخر في خصومة التحكيم مكنة التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ لينفي في المقابل توافر طلب الأمر بالتنفيذ على الضوابط عينها، يكون قد مايز – فـــي مجــال ممارسة حق التقاضي - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وعائقاً لحــــق التقاضي، مخالفاً بذلك أحكام المادتين (٤٠ و ٦٨) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية النص الطعين. ولا يقيل ذلك النص من عثرته التذرع بالطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يهدف إليه من تيسير الإجراءات وتحقيق السرعة في حسم الأنزعة، ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الاعتبار لا يجوز أن يهدر المبادئ الدستورية السالف الإشارة إليها، فإن الأمر بالتنفيذ الذي يصدره القاضى المختص في وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذا الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية، وأنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً. ومن ثم فإنه وقد أجــــاز النص الطعين لأحد أطراف الخصومة التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ، وقد بات حتما تقرير ذات الحق للطرف الآخر بالتظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ إن تبين له أن هذا الأمر قد صدر دون التحقق من توافره على الضوابط السابق الإشارة إليها. وحيث أن الحجية المطلقة التي أسبغها قانون هذه المحكمة على أحكامها في المسائل الدستورية لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها وتنظيماتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها - من خلال السلطة التشريعية كلما كان ذلك ضرورياً - على تطبيقها. وإذ كان القضاء بعدم دستورية النص الطعين يعني أن الحظر الذي أورده يناقض الدستور، مما يفيد بالضرورة إنفتاح طريق التظلم لمن صدر ضده الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن ذلك يقتضي تدخلاً تشريعياً لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم. فلهذه الأسباب، حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (۳) من المادة (٥٨) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ فيما نص عليه من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
(دستورية عليا ۲۰۰۱/۱/۲ في القضية رقم ۹۲ لسنة ۲۱ق. دستورية)