الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اجراءات تنفيذ احكام التحكيم الداخلية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / تنفيذ احكام المحكمين الاجنبية في جمهورية مصر العربية بين قانون المرافعات وقانون التحكيم

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    825

التفاصيل طباعة نسخ

1- انضمت مصر إلى اتفاقية مصر إلى اتفاقية نيويورك 1958 بشأن الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها بموجب القرار الجمهوري رقم 1959/171، وبذلك أصبحت جزءاً من التشريع المـصري ونافذة إعتباراً من 1959/6/8. وقد جرى نص المادة الثالثة منها على أن: (تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ وطبقاً للشروط المنصوص عليها فـي المـواد التاليـة. ولا تفـرض للإعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها احكام الإتفاقية الحالية شـروط أكثـر شدة ولا رسوم قضائية أكثر إرتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنيين).

- ولما كان الفصل الرابع من الكتاب الثاني من قانون المرافعات قـد تـضمـن نـصوصاً خاصة بشروط وإجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الاجنبية (المواد مـن 296 إلـى 299)، وكان قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقـم 1994/27 قـد إشتمل على نصوص أخرى تتعلق بشروط وإجراءات تنفيذ احكام التحكيم الذي يجـري في مصر والتحكيم التجاري الدولي الذي يجري في الخارج إذا اتفـق أطرافـه علـى إخضاعه لأحكام القانون المذكور (المواد 9، 56، 57، 58)، ولمـا كـانـت إجـراءات الحصول على أمر تنفيذ أحكام التحكيم طبقاً لقانون التحكيم أيسر من اجراءات الحصول على أمر التنفيذ وفقاً لقانون المرافعات، إذ يصدر الأمر بالتنفيذ طبقاً للقانون الأول بإجراءات الأوامر على العرائض Ordonnance Sur requéte من قاضي المحكمة المنصوص عليها في المادة التاسعة من ذلك القانون، بينما يصدر الأمر بالتنفيـذ طبقـاً للقانون الثاني بحكم يصدر من المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتهـا وذلـك بالأوضاع المعتـادة لرفـع الـدعوى Un procés par La voie normale أصدرت الدائرة (63) تجاري بمحكمة إستئناف القاهرة (وكان للباحث شرف رئاسـتها) حكماً قضى بتنفيذ حكم تحكيم أجنبي طبقاً للإجراءات المقررة فـي قـانون التحكـيم اعتباراً بأنها أيسر من تلك الإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات وذلـك إعمالا لحكم الفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك 1958، فضلا عن المادة (301) من قانون المرافعات التي تعطي الأولوية لتطبيـق المعاهـدات الدوليـة عنـد تعارضها مع التشريع الداخلي، وقد تأيد هذا النظر واستقر قـضاء محكمـة اسـتئناف القاهرة على الأخذ به ثم إنحاز إليه بعد ذلك قضاء حديث لمحكمـة الـنقض بجلـسة 2005/1/10 في الطعن رقم 73/966 ق. –

2- ومن الإطلالة الموجزة السابقة، يبين أن تنفيذ أحكام التحكيم في الأجنبية في مصر يتنازعه نظامان للإختصاص والإجراءات، الأول: خاص بتنفيذ احكام التحكيم الأجنبيـة وتنظمـه المواد من 296 إلى 301 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقـم 1968/13، والثاني: خاص بتنفيذ أحكام التحكيم الداخلية وقد ورد في قانون التحكـيم فـي المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 1994/27 في المواد 9، 56، 57، 58. ولما كانت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك قد أوجبت ألا تفرض علـى تنفيـذ احكام التحكيم الأجنبية شروطاً أكثر شدة ولا رسوم أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلـك التي تفرض لتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية، فقد ذهب رأى إلى القول بخضوع تنفيـذ احكـام التحكيم الأجنبية من حيث الإختصاص والإجراءات لما ينص عليـه قـانون التحكيم دون قانون المرافعات، وقال رأي آخر بإخضاع تنفيذ الأحكام المذكورة بالنسبة للإختـصاص والإجراءات لما ينص عليه قانون المرافعات دون قانون التحكيم. وذهب رأى ثالـث إلـى تطبيق نصوص قانون التحكيم المتعلقة بالتنفيذ إذا كان الحكم صادرا في تحكيم تجاري دولي واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام القانون المذكور، وفيما عدا ذلك يخضع تنفيذ أحكـام التحكيم الأجنبية لقواعد قانون المرافعات إلا إذا زاحمتها قواعد اتفاقيـة نيويورك 1958 ومع ذلك فقد رأى الأستاذ الدكتور أكثم الخولي أن قواعد التنفيذ الواردة في قانون التحكـيم لا تسرى إلا بالنسبة لأحكام التحكيم الصادرة في مصر، أما احكام التحكيم الـصادرة فـي الخارج فإنها تخضع لأحكام المواد من 296 إلى 301 من قانون المرافعات حتى ولو اتفق الطرفان على خضوع التحكيم لقانون التحكيم إعتباراً بأن حكم التحكيم الصادر في الخارج يظل حكماً أجنبياً يخضع لمواد قانون المرافعات سالفة البيان". كما ذهب رأى إلى قابليـة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية للتنفيذ سواء طبقاً لقواعد تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الـواردة في قانون المرافعات، أو وفقاً لقواعد تنفيذ احكام التحكيم الداخلية المنصوص عليهـا فـي قانون التحكيم وذلك طبقاً لإختيار طالب التنفيذ. وإذ كان لكل من هذه الآراء أسانيده فقـد رأينا أن نعرض فيما يلي لكل منها بكلمة. .

أولاً: تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في قانون التحكيم دون تلك الواردة في قانون المرافعات:

3- نقطة البداية عند أصحاب هذا الرأي تمثل في المقارنة بين اجراءات تنفيذ احكام المحكمـين الأجنبية Foreign طبقا لمواد قانون المرافعات (المواد من 296 إلى 301) مـن ناحيـة وإجراءات تنفيذ أحكام المحكمين الداخلية (domestic or internal) المنصوص عليها في قانون التحكيم (المواد من 55 إلى 58)، فقد رؤى أنه طبقاً لمواد القانون الأول يقدم طلـب تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي إلى المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيـذ فـي دائرتهـا، وذلـك بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى بما يتطلبه ذلك من إعلانات ومراحل نظرها إلى أن يصدر الحكم الذي يخضع للطرق المقررة للطعن في الأحكام، وما يترتب على ذلك من تأخير في التنفيذ ونفقات ورسوم قضائية أكثر ارتفاعاً، وهي اجراءات اكثر شدة من تلك المقررة في قانون التحكيم، ذلك أن التنفيذ طبقاً له يتم بطلب استصدار أمر على عريضة يقدم إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة ويصدر الأمر بعد التحقق من عدم معارضة حكم التحكيم المطلوب تنفيذه مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام وتمام الإعلان الصحيح بالحكم، فإن رفض رئيس المحكمة إصدار الأمر يقدم التظلم إلى محكمة الإستئناف وهي إجراءات أكثر يسراً من تلك الواردة فـي قـانون المرافعات الأمر الذي يتفق مع الغرض الذي من أجله شرع قانون التحكيم حسبما جاء في مذكرته الايضاحية، من أن قواعد المرافعات المدنية والتجارية لا تحقق الهدف المنشود من التحكيم بما يتطلبه من سرعة الفصل في المنازعات وما ينطوي عليه من طبيعـة خاصـة اقتضت تيسير الإجراءات. لما كان ذلك. وكانت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقيـة نيويورك 1958 تقضي بألا تفرض على تنفيذ احكام التحكيم الأجنبية شروطاً أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض لتنفيـذ احكـام التحكـيم الوطنية، وكانت المادة 23 من القانون المدني تقضي بأولوية تطبيق احكام المعاهدة الدولية النافذة في مصر إذا تعارضت مع تشريع سابق أو لاحق، ونص المادة 301 مرافعات الذي قيد تطبيق قواعد تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بشرط عدم إخلالها بأحكام المعاهدات الدولية المعقودة أو التي تعقد بين الجمهورية وغيرها من الدول، ومن ثم فإن ذلك كلـه يقتـضي إستبعاد تطبيق اجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الواردة في قانون المرافعات بإعتبارها أكثر شدة من تلك الواردة في قانون التحكيم رقم 1994/27، ويكون هذا القانون الأخير هو وحده الواجب التطبيق دون حاجة إلى اتفاق الأطراف على تطبيقه إعتباراً بأنـه يتـضمن قواعد اجرائية أقل شدة من تلك الواردة في قانون المرافعات .

ثانياً: تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات دون تلك الواردة في قانون التحكيم:

4- وجه أصحاب هذا الرأي سهام نقدهم الجارحة إلى فكرة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبيـة طبقـاً للإجراءات المقررة في قانون التحكيم بغية القضاء عليها لولا فضل من ربك ورحمة؟. فقد ذهب استاذنا الأستاذ الدكتور فتحي والي إلى أن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية يخضع للقواعد المنصوص عليها في الفصل الرابع من الكتاب الثاني من قانون المرافعـات دون القواعـد التي قررها قانون التحكيم لتنفيذ أحكام المحكمين الوطنية حتى ولو اتفق الاطـراف علـى تطبيقها، وأنه يجب في جميع الأحوال تطبيق نصوص قانون المرافعات ورفـع الـدعوى بالإجراءات المعتادة للحصول على الأمر بالتنفيذ. وقد استند سيادته في ذلك إلى أنـه وان كانت إجراءات الحصول على أمر بالتنفيذ وفقاً لقانون التحكيم أيسر من اجراءات الحصول على أمر التنفيذ وفقاً لقانون المرافعات، إذ وفقاً لقانون التحكيم يصدر أمر التنفيذ بأمر على عريضة، في حين أنه يصدر وفقاً لقانون المرافعات بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، إلا أن المادة 2/3 من اتفاقية نيويورك لم تتكلم عن اجراءات، وانما تكلمت عن شروط ورسوم قضائية إذ قضت بأن "ولا تفرض للإعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبـق عليهـا الاتفاقية الحالية شروط أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلـك التي تفرض للإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنية" وأن هناك فـارق بـيـن الـشروط Conditions والإجراءات Procedure وأن الاتفاقية لم تضع أي قيد على حرية الدولـة الموقعة على الإتفاقية في وضع إجراءات بالنسبة للإعتراف أو تنفيـذ احكـام المحكمـين الأجنبية، تختلف عن تلك التي تضعها بالنسبة لأحكام التحكيم الوطنية، وأن الفقرة الأولـى من المادة الثالثة من الاتفاقية قد فرقت جيداً بين القواعد الإجرائيـة للإعتـراف أو الأمـر بالتنفيذ وبين شروطه. فتوجب هذه المادة تطبيق قواعد المرافعـات المتبعـة فـي الاقلـيم المطلوب إليه التنفيذ بالنسبة للقواعد الإجرائية، بينما بالنسبة للشروط فإنها توجب أن تكون طبقاً للشروط المنصوص عليها في المادة 4 وما بعدها من الاتفاقية. وبعبـارة أخـرى أن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من الاتفاقية حظرت فرض شروط أكثر شدة أو رسوم قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة، ولكنها لم تضع قيداً بالنسبة للإجراءات. فالإجراءات واجبـة الاتباع هي المقررة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ، فتطبيق اتفاقيـة نيويورك لا يتعلـق بالإجراءات، وانما يتعلق بالشروط الموضوعية للأمر بالتنفيذ، أما تحديد المحكمة المختصة واجراءات أمر التنفيذ فإنه يخضع لما ينص عليه قانون المرافعات في الدولة المطلوب إليها التنفيذ.

5- وفي تقديرنا أن الرد على الرأي المعارض لتطبيق اجراءات الأمر بتنفيذ احكام المحكمـين على الأمر بتنفيذ احكام المحكمين الأجنبية، لا بد أن يمر أولاً عبر تحديد المعنى الحقيقـي الذي قصده واضعو اتفاقية نيويورك من نص مادتها الثالثة بفقرتيها الأولى والثانية، ورفـع الغموض الذي اكتنف صياغة فقرتها الثانية بسبب كلمة شروط Conditions الواردة فيها. ولن يتأتى تحقيق كل ذلك بصورة مرضية إلا بالوقوف على التاريخ التشريعي للمادة الثالثة المذكورة والمراحل التي قطعتها عملية إعدادها حتى وصلت إلى صيغتها النهائيـة كمـا جاءت في الاتفاقية.

6- يرجع تاريخ المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك 1958 إلى اتفاقية جينيف 1927 بشأن تنفيـذ أحكام التحكيم الأجنبية، إذ جرى نص المادة 1/1 على أن حكم التحكيم يعتبر ملزماً ويجب تنفيذه طبقاً لقواعد الإجراءات المعمول بها في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ، ثم جاء مشروع الاتفاقية التي أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة ECOSOC سنة 1955 وقد اشتمل على نص مشابه. وعند مناقشة ذلك المشروع أعربـت وفـود بعـض الـدول والمنظمات غير الحكومية عن أملها في تكملة النص المذكور بحيث يتضمن: 1- قواعـد موحدة uniform للإجراءات بحيث تطبق على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، أو 2 – النص على أن يجري تنفيذ احكام التحكيم الأجنبية وفقاً لإجراءات تنفيذ مستعجلة Summary“ "enforcement procedure، أو 3 – النص على أن يكون تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبيـة طبقاً لنفس الإجراءات المقررة لتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية.

- وقد رأى السكرتير العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن الأخـذ بـأي مـن هـذه المقترحات سيثير عدداً من الصعوبات، ذلك أن محاولة وضع قواعد تفصيلية لإجراءات التنفيذ في الإتفاقية قد تبدو غير عملية، وأن الاشارة إلى "اجراءات تنفيذ مستعجلة" قد لا تكون لهذه الإجراءات معنى واحد في دول لها أنظمة اجراءات تنفيذ مختلفـة، كمـا أن تطبيق اجراءات التنفيذ المقررة لأحكام التحكيم الوطنية على تنفيذ الأحكام الأجنبية قـد يزيد من صعوبة التنفيذ أو يطيل مدة اجراءاته. وللتغلب على الصعوبة المذكورة اقترح السكرتير العام النص على أن يكون تنفيذ احكام المحكمين الأجنبيـة طبقـاً لإجـراءات مبسطة وسريعة "Simplified and expeditious“ على ألا تكون، بأي حال، أكثـر شدة "more onerous من اجراءات التنفيذ المطبقة على احكام التحكيم الوطنية.

- وفي اثناء مؤتمر نيويورك 1958 قدم وفد المملكة المتحدة اقتراحاً بتعديل النص الوارد في مشروع المجلس الاقتصادي والاجتماعي بحيث يقضى بألا تكون قواعد الإجـراءات أكثر تعقيداً "more complicated“ من تلك المقررة لتنفيذ أحكام التحكيم الأخـرى.. وألا تكون الرسوم والمصاريف المطلوبة أكثر greater من تلك المقررة لتنفيذ أحكـام التحكيم الأخرى – ومن ناحيته إقترح وفد بلجيكا أن يكون تنفيذ احكام المحكيمن الأجنبية بنفس الإجراءات المتبعة في تنفيذ أحكام التحكيم الوطنية. وقد بدا من المناقـشأت عـدم موافقة غالبية الوفود على الاقتراح البلجيكي انتهى الأمر إلى رفضه وتكليف مجموعـة عمل لإعداد صيغة مناسبة للنص. وقد توصلت هذه المجموعة إلى اعداد نصين، الأول يتكون من النص الأصلي الوارد في مشروع اتفاقية المجلس الاقتصادي والاجتمـاعي، والنص الثاني عبارة عن صيغة معدلة للاقتراح المقدم من وفد المملكة المتحـدة. وقـد أنتهى الأمر أخيراً إلى أن اعتمد المؤتمر كلى النصين ليكونا معاً نص المادة الثالثة مـن اتفاقية نيويورك 1958 بفقرتيها الأولى والثانية.

8- وهكذا يبين من العرض السابق للتاريخ التشريعي لنص المادة الثالثة أن القواعد الخاصـة بإجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وإن كانت قد تركت – بـصفة أساسية – لقواعـد المرافعات المعمول بها في الدول الأطراف، إلا أن ذلك لم يكن بـصفة مطلقـة أو مانعـة exclusive. ذلك أنه بعد أن قضت الفقرة الأولى من المادة المذكورة بأن يكون تنفيذ احكام التحكيم طبقا لقواعد المرافعات المتبعة في الأقليم المطلوب إليه التنفيذ، وضعت الفقرة الثانية قيداً على ذلك مفاده ألا تفرض للإعتراف أو تنفيذ احكام المحكمين الأجنبية شروطاً اجرائية Conditions of procedure اكثر شدة ولا رسوم أو مصروفات أكثر ارتفاعـاً بدرجـة ملحوظة من تلك التي تفرض للإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنية.

9- وتجدر الاشارة هنا إلى أن المقصود بعبـارة "شـروط أكثـر شـدة more onerous conditions الواردة في الفقرة الثانية من المادة الثالثة هو الشروط المتعلقة بـالإجراءات Conditions of procedure أو القواعد الاجرائية the rules of procedure وبالتـالي فإنها لا تعنى إطلاقاً الشروط الموضوعية Conditions de fond للأمـر بتنفيـذ احكـام المحكمين الأجنبية المنصوص عليها في المادة الرابعة وما بعدها من الاتفاقيـة. وبعبـارة أخرى، أن معنى كلمة Conditions الواردة في الفقرة الأولى من المادة الثالثة يختلف عن معنی نفس الكلمة Conditions في الفقرة الثانية من نفس المادة، إذ يقصد بها في الفقـرة الأولى الشروط الموضوعية للأمر بالتنفيذ، بينما يقصد بها في الفقـرة الثانيـة الـشروط الاجرائية أو قواعد المرافعات الخاصة بالتنفيذ rules of procedure. وبناء على ذلك فإن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك 1958 تقضي بألا تفرض شروط إجرائية أو اجراءات لتنفيذ احكام المحكمين الأجنبية تكون أكثر شدة من تلك المتبعة لتنفيـذ احكـام التحكيم الوطنية.

-  ولعل هذا اللبس الواقع نتيجة استعمال كلمة شروط Conditions بمعنيين مختلفين في المادة الثالثة من الإتفاقية هو الذي دفع أصحاب الرأي القائل بخـضوع تنفيـذ احكـام التحكيم الأجنبية لنصوص قانون المرافعات دون غيرها، إلى القول أن الفقرة الثانية من المادة الثالثة لم تتكلم عن إجراءات وانما تكلمت عن شروط، وأن هنـاك فـارق بـين الشروط Conditions والإجراءات procedure، وأنها لم تضع أي قيد على حريـة الدول الأطراف في وضع الإجراءات التي تراها لتنفيذ احكام المحكمـين الأجنبيــة وفي رأينا أن هذا القول محل نظر إذ لا يتفق مع المعنى الحقيقي الذي قصده واضـعو الاتفاقية من عبارات الفقرة الثانية من المادة الثالثة كما سبق البيان.

10- ومن ناحية أخرى، فإننا لا نتفق مع القول أن نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة (لأتفرض للإعتراف أو تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية شروطاً أكثر شدة... الخ) إنما يخاطب المـشرع وليس القاضي الذي لا يملك أن يقرر إخضاع طلب تنفيذ حكم التحكيم الاجنبي لإجـراءات أخرى غير تلك التي قررها المشرع صراحة في قانون المرافعات. ذلك أنه من ناحية، أن اتفاقية نيويورك تعتبر قانوناً نافذاً في مصر إعتباراً من 1959/6/8، وبذلك فهي تخاطـب القاضي شأنها شأن أي قانون آخر من قوانين الدولة، كما أن القاضي حين يخضع اجراءات تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي لإجراءات الأوامر على العرائض بإعتبارها الإجراءات الأقـل شدة من تلك التي يقررها قانون المرافعات المادة 297 منه، فإنه لا يفعل أكثر من تطبيـق حكم الفقرة الثانية من المادة الثالثة من الاتفاقية إعمالاً لنص المادة 301 مـن قـانون المرافعات والمادة 23 من القانون المدني.

11- وفيما يتعلق بالشروط الموضوعية لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية كما هي واردة في المادة الرابعة وما بعدها من اتفاقية نيويورك، فإن هذه الشروط ملزمة للدول الأطـراف كوحـدة واحدة، بمعنى أن هذه الدول لا تملك التحلل من أحد الشروط الموضـوعية المذكورة أو إضافة شروط أخرى إليها، بحيث أنه لا يعمل بأي شرط موضوعي، لتنفيذ احكام المحكمين الأجنبية، يقضي به قانون المرافعات في احدى الدول الأطراف في اتفاقية نيويورك ما لـم يكن منصوصاً عليه في هذه الاتفاقية. ومن ثم فإن القول أن قانون المرافعات لا يفـرض شروطاً أكثر تشدداً من تلك التي يضعها قانون التحكيم، وأن كل من التنظيمين ينصان على وجوب مراعاة نفس الشروط، هو قول صحيح إن قصد به الشروط الموضوعية لتنفيـذ احكام المحكمين الأجنبية والمشار إليها في الفقرة الأولى من المادة الثالثة مـن الاتفاقيـة ولكنه يضحى محل نظر بالنسبة لحكم الفقرة الثانية من المادة الثالثة المذكورة، لأنها تتعلق بقواعد الإجراءات أي الـشروط الاجرائيـة Les Compétence et de procedure régles de وهي في مواد قانون المرافعات المصرى أكثر شدة من قواعـد الاختـصاص والإجراءات التي يقررها قانون التحكيم بالنسبة لتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية.

ثالثاً: تنفيذ أحكام التحكيم الاجنبية سواء طبقاً للاجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات وتلك المقررة طبقاً لقانون التحكيم:

12- ينطلق هذا الرأي من الاعتراض على سلامة المذهب الذي اعتنقته محكمة النقض المصرية في حكمها الصادر بجلسة 2005/1/10 في الطعن رقم 966 / 73 ق، والذي أقرت فيـه تطبيـق اجراءات الأوامر على العرائض التي نص عليها قانون التحكيم علـى تنفيـذ احكـام التحكـيم الاجنبية، وذلك إستناداً إلى نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك، وإعتبــاراً بأن تلك الإجراءات أيسر وأقل كلفة من الإجراءات التي نص عليها قانون المرافعات.

ويرى أصحاب هذا الرأي كذلك أن مذهب محكمة النقض في هذا الخـصوص فـي غيـر محله، لأن قانون التحكيم مقصور على أحكام المحكمين التي تصدر في مصر، ولم يتناول احكام التحكيم الأجنبية التي نظم قانون المرافعات اجراءات خاصة لتنفيذها في المواد مـن 296 إلى 301، كما يردد أصحاب هذا الرأي كذلك ذات الحجج التي استند إليهـا مـذهب القائلين بتنفيذ أحكام المحكمين طبقاً لقواعد قانون المرافعات دون اجراءات قانون التحكيم، ولكنهم رغم ذلك يرون أنه كما يجوز لصاحب الشأن أن يطلب تنفيذ حكم التحكيم الأجنبـي طبقاً للإجراءات المقررة في قانون المرافعات، فإنه يجوز لـه كـذلك أن يسلك سبيل الإجراءات التي نص عليها قانون التحكيم إن شاء.

13- ولا يتفق الباحث مع هذا الرأي لسببين، الأول: يتمثل في ذات الأوجه التي تقدم بيانها فـي مقام عرض المذهب القائل بتطبيق إجراءات قانون التحكيم دون غيرها، والرد على الرأي المخالف له. أما السبب الثاني: فهو تعارض هذا الرأي مع مقتضيات النظام العام، وذلك هو مقرر من أن "إجراءات منح القوة التنفيذية لحكم تحكيم أجنبي تتعلق بسيادة الدولـة، كما أن تحديد وسيلة الإلتجاء إلى القضاء للحصول على أمـر بالتنفيـذ بإعتبــاره طريقـاً للحصول على حماية قضائية يتعلق بالنظام العام" فضلاً عما هو مقـرر أيـضـاً مـن أن قواعد اجراءات التقاضي تتعلق بالنظام العام، ولذلك كله فليس للأطراف الاتفاق على ما يخالفها، أو إختيار قواعد إجراءات خاصة بتنفيذ الأحكام طبقاً لمشيئتهم.

14- الخلاصة: أن الإجراءات المقررة في قانون التحكيم لتنفيذ احكام المحكمين الوطنيـة طبقـاً لنظام الأوامر على العرائض، هي الواجبة التطبيق على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبيـة دون الإجراءات المنصوص عليها في قانون المرفعات في المواد 296 وما بعدها، وذلك إعتباراً بأن الإجراءات الأولى أيسر وأبسط وأقل تكلفة من الإجراءات الثانية إعمالاً لنص الفقـرة الثانية من المادة الثالثة من الإتفاقية، وتحقيقاً لقصد واضعيها في ضمان تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بموجب اجراءات مبسطة وسريعة بحيث لا تكون – في أي حـال - أكثـر شـدة وكلفة من تلك المقررة لتنفيذ احكام المحكمين الوطنية. وقد سبق بيان أن قـضاء محكمـة النقض الحديث واحكام محكمة استئناف القاهرة مستقرة على تطبيق اجراءات تنفيذ احكـام المحكمين الواردة في قانون التحكيم بالنسبة لأحكام المحكمين الأجنبية بإعتبارها أقل شـدة وكلفة من تلك المنصوص عليها في قانون المرافعات.