التنفيذ / اجراءات تنفيذ احكام التحكيم الداخلية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 20 / تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة ضد الإدارة وحدودها في الجزائر
لتنفيذ حكم التحكيم تبنى قانون التحكيم الجزائري نفس القواعد سواء كان تحكيماً داخلياً أم تحكيماً دوليا.
في البداية نشير الى أن التحكيم يعد عملاً قضائياً من حيث الآثار المترتبة عليه، وعملاً اتفاقياً من حيث مصدره، لذلك فهو يتمتع بحجية الشيئ المقضي به، إلا أن ما ينبغي معرفته هل يكتسب حكم التحكيم حجية الأمر المقضي به بمجرد صدوره؟ هنا نميز بين الحجية المنصوص عليها في المادة (338) من القانون المدني الجزائري، وقوة الأمر المقضي به، فيقصد بحجية الشيء المقضي به، عدم جواز طرح نفس النزاع من جديد أمام القضاء، وإذا طرح مجدداً وجب على المحكمة أن تصرح بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها، وهذا هو الحكم الذي تقصده المادة (1031) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية "تحوز أحكام التحكيم حجية الشيء المقضي فيه بمجرد صدورها فيما يخص النزاع المفصول فيه"، في حين يقصد بقوة الأمر المقضي به تلك الدرجة من القوة التي يصل إليها الحكم القضائي، وتجعله قابلا للتنفيذ الجبري.
إن الأمر الصادر عن القضاء بتنفيذ حكم التحكيم هو الذي يسمح للطرف الصادر لصالحه الحكم بأن يلجأ إلى وسائل التنفيذ المنصوص عليها في القانون الخاص من أجل إجبار الطرف الممتنع عن التنفيذ باحترام الحكم الصادر عن قضاء التحكيم.
ولكن السؤال الذي يثار في هذا الصدد هل يجوز اللجوء إلى تلك الوسائل من أجل إجبار الإدارة على تنفيذ حكم التحكيم الذي رفضت أو تراضت على تنفيذه؟
في الواقع إن تطبيق وسائل الإجبار المنصوص عليها في القانون الخاص على الإدارة بهدف تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضدها هو أمر لا يمكن تصوره، ذلك أن استخدام تلك الوسائل ضد الإدارة من شأنها الاصطدام بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون العام، وبخاصة حصانة الدولة ضد التنفيذ.
وعليه سنحاول في هذا المقال التطرق إلى:
- وسائل الإجبار المنصوص عليها في القانون الداخلي (فرع أول)، وتمسك الدولة بحصانتها ضد التنفيذ في المجال الدولي وحدودها (فرع ثان).
الفرع الأول: وسائل الإجبار المنصوص عليها في القانون الداخلي:
إن عدم تنفيذ الأحكام الإدارية أمر لا يتعلق فقط بالمجال الدولي، ولكن نلمس تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها والحائزة حجية الشيء المقضي به دون أن يستطيع المحكوم له استخدام طرق التنفيذ المنصوص عليها في القانون الخاص كالحجوز بكافة أنواعها التحفظية والتنفيذية سواء كانت على المنقول أم على العقار.
هذا الوضع الذي وصفه جانب من الفقه الفرنسي بأنه غير عادي ومؤلم قد تواترت عليه جهة الإدارة بشكل ملفت للنظر، وأقرتها في ذلك – منذ القدم – الأحكام الصادرة عن جهات القضاء الفرنسي.
فقد قضت محكمة التنازع في حكمها الصادر بتاريخ 9 من ديسمبر عام 1899 بأن طرق التنفيذ المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية المتعلقة بتحصيل الديون التي على الأفراد لا تسري أحكامها على الأشخاص المعنوية.
«(.....)lesdites Associations présentent les caractères essentiels d'établissement publics; vis-à-vis des quels ne peuvent être suivies les voies d'exécution instituées par le code de procédure civile pour le recouvrement des créances sur des particuliers ».
وهذا ما أفصح عنه أيضاً مجلس الدولة الفرنسي، وأيضاً محكمة النقض الفرنسية، إذ قضت هذه الأخيرة في حكمها الصادر بتاريخ 21 ديسمبر عام 1987 بأن أموال الأشخاص المعنوية العامة غير قابلة للحجز عليها، ويستبعد بشأنها تطبيق طرق التنفيذ المنصوص عليها في القانون الخاص.
وهذا ما أخذ به التشريع الجزائري حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 636 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه: "فضلاً عن الأموال التي تنص القوانين الخاصة على عدم جواز الحجز عليها، لا يجوز الحجز على الأموال الآتية:
1- الأموال العامة المملوكة للدولة أو للجماعات الإقليمية أو للمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك....".
وفي نفس الاتجاه نجد المشرع المصري، حيث نصت المادة 78 من القانون المدني على أنه:
«1- تعتبر أموالا عامة، العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص.
2- وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم».
ويترتب على ذلك أن تنفيذ الأحكام الإدارية يعتمد في الأساس على إرادة جهة الإدارة، بحيث إذا رفضت تنفيذ الحكم الصادر ضدها فإن المحكوم له لا يستطيع أن يتخذ ضدها إجراءات التنفيذ المنصوص عليها في القانون الخاص.
وإزاء هذا الوضع الذي يعتبر مجافياً للعدالة، ويتعارض مع أبسط قواعد الديمقراطية، كما ورد في كتاب رئيس الوزراء الفرنسي الموجه إلى نائب رئيس مجلس الدولة بتاريخ 13 من أكتوبر عام 1988 بمناسبة دعوته إلى اقتراح بعض الإجراءات لضمان تنفيذ الأحكام القضائية، فقد تدخلت السلطة التشريعية في فرنسا على فترات زمنية مختلفة ووضعت بعض التدابير التي من شأنها حض الإدارة على تنفيذ الأحكام الإدارية واحترام حجية الشيء المقضي به.
ففي النصف الثاني من القرن العشرين وتحديداً في 30 من يوليو عام 1963 صدر المرسوم رقم 799–63، ونص في مادته الثالثة على أن يقدم مجلس الدولة تقريراً سنوياً للمحكمة حول نشاطه الإداري والقضائي، على أن يشير هذا التقرير إلى الصعوبات التي تعترض تنفيذ الإحكام الصادرة عن جهة القضاء الإداري.
وبتاريخ 3 من يناير عام 1973 صدر القانون رقم 6-73 والذي جاء بنظام وسيط الجمهورية 11 médiateur de la république وأناط به عدة اختصاصات، أهمها تذليل الصعوبات التي تعترض تنفيذ الأحكام الإدارية.
وأضاف إليه قانون 24 أغسطس عام 1976 مكنة تحديد موعد للإدارة لكي تنفذ الأحكام القضائية الحائزة قوة الأمر المقضي حال امتناعها عن تنفيذها.
ثم اصدر المشرع الفرنسي بعد ذلك القانون رقم 539-80 بتاريخ 16 يوليو 1980 بشأن الغرامات التهديدية في المواد الإدارية وتنفيذ الأحكام القضائية، والذي تم إدخال تعديل عليه بموجب القانون رقم 588–87 بتاريخ 30 يوليو 1987، وأجاز للقاضي الإداري بأن يقضي بغرامات تهديدية ضد الأشخاص المعنوية العامة أو الأشخاص الخاصة المكلفة بإدارة مرفق عام، وذلك في حالات عدم تنفيذ الأحكام القضائية أو التأخير في تنفيذها.
وأخيرا أصدر المشرع الفرنسي القانون رقم 125-95 بتاريخ 8 فبراير 1995، والذي يعتبر مكملاً لأحكام قانون 16 يوليو 1980 وأعطى للقاضي الإداري سلطة توجيه الأوامر إلى الإدارة لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدها.
ويبدو أن المشرع الجزائري شديد التأثر بالمشرع الفرنسي في هذا الاتجاه.
ففي قانون الإجراءات المدنية السابق الصادر بالأمر رقم 66-154 المؤرخ في 8 جوان 1966 المعدل والمتمم لا نكاد نجد نصاً صريحاً ينظم الحجز على الأموال العامة في حالة رفض الإدارة الاستجابة للوفاء بالديون الملقاة على عاتقها.
ثم صدر القانون رقم 91-02 المؤرخ في 1991/01/08 ليحدد القواعد الخاصة المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، متضمناً آليات تحصيل الديون دون الحاجة إلى اللجوء للحجز، وهو ما تضمنه القرار الصادر عن المحكمة العليا: " من المقرر قانوناً انه يمكن للمتقاضين المستفيدين من أحكام القضاء التي تتضمن إدانة الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أن يحصلوا على مبلغ الديون لدى الخزينة العمومية التي يقع فيها موطنهم، على أن يقدم المعنيون لأمين الخزينة، عريضة مرفقة بالوثائق التي تثبت الإجراءات المذكورة".
ومن خلال الاطلاع على مواد القانون رقم 91-02 يتضح بأن صفة الدائن ليست محل اعتبار أو مقياساً لتطبيق أحكامه، إذ خول المشرع كل شخص سواء كان طبيعياً أو معنوياً حائزاً لحكم قضائي سلطة المطالبة باستحقاق ديونه الواجبة الدفع لدى أمين الخزينة العمومية المختص إقليمياً بغض النظر عن مركزه، بحيث لا يشترط في الدائن أن يكون بالضرورة شخصاً طبيعياً لاحتمال أن يكون الدائن شخصاً ينتمي للقانون العام كأن نجد ولاية دائنة أو مدينة نحو المستشفى فالطرف الأول (الولاية) ينتمي للجماعات المحلية، بينما الطرف الثاني (المستشفى) يعد مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية، في هذه الحالة يجوز للدائن مطالبة المدين أمام أمين الخزينة العمومية لاستعادة المبالغ المحكوم بها، كما يحتمل أن يكون الدائن مواطناً عادياً والمدين بلدية، فللمواطن كذلك الحق في التوجه إلى أمين الخزينة العمومية لاستعادة المبالغ المحكوم بها، وقد جاء ذكر الحالتين في المادتين 01 و 05 من القانون رقم 91-02.
وإذا كان المشرع لا يشترط صفة محددة لدى الدائن، فإنه بالمقابل يقيد تطبيق أحكام القانون رقم 91-02 بضرورة أن يكون المدين أحد الأشخاص المعنوية العامة، بحيث تنص المادة الأولى من القانون رقم 91-02"، يمكن للجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري والمستفيدة من أحكام القضاء الصادرة في النزاعات الواقعة بينها والمتضمنة إدانات مالية أن تحصل على مبلغ الإدانات لدى الخزينة بالشروط المحددة في المواد 2 و 3 و 4 من هذا القانون".
كما نصت المادة 05 من نفس القانون: "يمكن أن يحصل على مبلغ الديون لدى الخزينة العمومية بالشروط المحددة في المادة 6 وما يتبعها المتقاضون المستفيدون من أحكام القضاء التي تتضمن إدانة الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري".
وللحصول على الديون المستحقة فقد اشترط القانون 91-02 في مادتيه الثانية والسابعة شروطاً لكافة الدائنين، وان اختلفت صفتهم سواء كانوا ينتمون للقانون الخاص أم القانون العام باستثناء مهلة المساعي المتخذة للتنفيذ بالطرق الودية، ويتضمن الملف المقدم إلى أمين الخزينة العمومية على:
1- عريضة مكتوبة موجهة إلى أمين الخزينة العمومية يشرح من خلالها الدائن المحكوم له أسباب مطالبته بتطبيق أحكام القانون رقم 91-02.
2- النسخة التنفيذية الأصلية من السند القضائي الصادرة من المحكمة الإدارية أو مجلس الدولة.
3- الوثائق والسندات الدالة على فشل الطرق الودية كالتكليف بالوفاء.
4- مهلة المحاولات الودية، وهنا نميز بين أمرين:
أ- إذا تعلق الأمر بين أشخاص القانون العام كطرفي نزاع فالمهلة هي أربعة أشهر تسري من تاريخ إيداع الملف لدى الضابط العمومي.
ب- إذا تعلق الأمر بطالب التنفيذ، وكان شخصا يخضع للقانون الخاص، فالمهلة هي شهران تسري من تاريخ إيداع الملف لدى الضابط العمومي.
وبعد استيفاء هذه الشروط يقوم أمين الخزينة العمومية بالولاية بموافاة كل من النائب العام والجهة المدينة بنسخة من الملف المقدم من طرف الدائن، ولكن السؤال المطروح ما مدى إلزام الشخص المعنوي العام في حالة امتناعه عن التنفيذ؟
بالرجوع إلى أحكام القانون رقم 91-02 المؤرخ في 1991/01/08 المتعلق بتنفيذ بعض أحكام القضاء15، نجده قد تطرق إلى الإشكال المتعلق بعدم استجابة الأشخاص المعنوية العامة لرفع المستحقات المالية، حيث تنص المادة الخامسة من نفس القانون على أنه: "يمكن" أن يحصل على مبلغ الديون لدى الخزينة العمومية، وبالشروط المحددة في المواد "6"، وما يتبعها المتقاضون المستفيدون من أحكام القضاء التي تتضمن إدانة الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري" فعبارة "يمكن" مكنت الطرف المنفذ عليه "الإدارة" الاستطالة على تنفيذ أحكام القضاء والتملص من مسؤولياتها تجاه الطرف المنفذ له، بحيث لا نجد أي نص صريح يجيز للقضاء حمل الأشخاص المعنوية العامة على اتخاذ تدابير معينة أو إجبارها على التنفيذ بطريق التهديد المالي، هذا الفراغ القانوني ساهم في اتساع دائرة عدم الاستجابة التلقائية للحكم المقضي به وارتفاع نسبة السندات التنفيذية العالقة.
وهكذا فإن الإشكال ظل قائما إذا لم يكن لصاحب المصلحة في ظل قانون 02/91، إلا الحق في رفع دعوى المسؤولية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي سببها له الامتناع عن التنفيذ، والاكتفاء بحق المطالبة بالتعويض والوضع هذا كان محل انتقاد العديد من الأساتذة استناداً للملاحظات الآتية:
أولاً- لا يحصل المحكوم له في هذه الحالة إلا على تعويض مالي من جراء دعواه الجديدة مع أن الهدف من دعواه الأولى هو إعدام القرار ومحو آثاره، فعندما يكون موضوع القرار المطعون فيه هو وقف الاستيلاء، فإن الهدف من إبطاله هو المحافظة على المركز القانوني وبالنتيجة استعادة العين، ولا يمكن في هذه الحالة أن يشكل التعويض بديلاً عادلاً من الحرمان من الانتفاع بالملكية، ولو مؤقتاً.
ثانياً- يتحمل المحكوم له أعباء دعوى ثانية من دون سبب جدي.
ثالثاً- السماح للإدارة بالتنصل من مسؤولية تنفيذ الحكم يعني ضياع هيبة مرفق القضاء.
رابعاً- التعويض المحكوم به عن مسؤولية الامتناع عن التنفيذ تتحمله خزينة الشخص المعنوي وليس ممثله الذي رفض التنفيذ. وتداركا لهذا الفراغ القانوني صدر قانون رقم 08-09 المؤرخ في 23 فيفري 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي نص على أحكام تنفيذ جديدة في المادة الإدارية منها على وجه الخصوص:
1- إلزام أحد الأشخاص المعنوية العامة باتخاذ تدابير تنفيذ معينة.
2- الغرامة التهديدية ضد أحد الأشخاص المعنوية العامة.
ففيما يتعلق بإلزام أحد الأشخاص المعنوية العامة باتخاذ تدابير تنفيذ معينة، المشرع ميز بين حالتين:
الحالة الأولى:
تقديم الطلب المتضمن إلزام أحد الأشخاص المعنوية العامة أو هيئة تخضع منازعاتها لاختصاص الجهات القضائية الإدارية باتخاذ تدابير تنفيذ أثناء سير الخصومة "عندما يتطلب الأمر أو الحكم أو القرار إلزام أحد الأشخاص المعنوية العامة أو هيئة تخضع منازعاتها لاختصاص الجهات القضائية الإدارية باتخاذ تدابير تنفيذ معينة، تأمر الجهة القضائية الإدارية المطلوب منها ذلك، في نفس الحكم القضائي، بالتدبير المطلوب مع تحديد اجل للتنفيذ عند الاقتضاء" ونص هذه المادة يظهر تأثر المشرع الجزائري الكبير بالمادة 911-1 من قانون القضاء الإداري الفرنسي كما أن الأمر باتخاذ تدابير تنفيذ معينة يتم بموجب نفس الحكم القضائي الفاصل في الدعوى، إذا تمت المطالبة بها أثناء سير الخصومة أو بموجب عريضة افتتاح الدعوى .
الحالة الثانية:
تقديم الطلب المتضمن إلزام احد الأشخاص المعنوية العامة أو هيئة تخضع منازعاتها لاختصاص الجهات القضائية الإدارية باتخاذ تدابير تنفيذ معينة بموجب دعوى بعد الفصل في الدعوى، "عندما يتطلب الأمر أو الحكم أو القرار إلزام أحد الأشخاص المعنوية العامة أو هيئة تخضع منازعاتها لاختصاص الجهات القضائية الإدارية باتخاذ تدابير تنفيذ معينة لم يسبق أن أمرت بها بسبب عدم طلبها في الخصومة السابقة، تأمر الجهة القضائية الإدارية المطلوب منها ذلك بإصدار قرار إداري جديد في أجل محدد".
فإن مضمون المادة 979 هو الآخر جاء مستوحى من المادة 911-2 من قانون القضاء الإداري الفرنسي. وان هذا الأمر يأتي بناء على طلب صاحب المصلحة بعد الفصل في دعواه ويشترط في قبوله من الناحية الشكلية أن لا يكون قد سبق التقدم به إلى الجهة القضائية وهي بصدد نظر الخصومة، وعندما تقوم الجهة القضائية الإدارية المطلوب منها الأمر باتخاذ تدابير تنفيذ معينة بإصدار قرار إداري جديد يعد سنداً تنفيذياً.
أما فيما يتعلق بالغرامة التهديدية ضد احد الأشخاص المعنوية العامة فمثلما لا يجوز للقضاء العادي أن يأمر بالغرامة التهديدية، إلا إذا تعلق الأمر بتنفيذ التزام بعمل أو الامتناع عن عمل، وفقاً للمادة 625 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا يجوز كذلك الأمر بالغرامة التهديدية، إلا إذا اقتضى الأمر أو الحكم أو القرار إلزام الجهة المحكوم ضدها باتخاذ تدابير تنفيذ معينة مع تحديد تاريخ سريان مفعولها "يجوز للجهة القضائية الإدارية المطلوب منها اتخاذ أمر بالتنفيذ، وفقاً للمادتين 978 و 979 أعلاه أن تأمر بغرامة تهديدية مع تحديد تاريخ سريان مفعولها"23، فالغرامة التهديدية لا يقضى بها في غير المادتين 978 و 979 كأن تقتصر الدعوى على المطالبة بإلغاء قرار إداري أو التعويض، وما جاءت به المادة 981 التي تنص: "في حالة عدم تنفيذ أمر أو حكم أو قرار قضائي، ولم تحدد تدابير التنفيذ، تقوم الجهة القضائية المطلوب منها ذلك بتحديدها، ويجوز لها تحديد أجل للتنفيذ والأمر بغرامة تهديدية".
والملاحظ أن ما جاءت به المادة 981 يشكل امتداداً لمضمون المادة 980 حيث يجوز للجهة القضائية المطلوب منها تحديد تدابير التنفيذ التي لم يسبق تحديدها بموجب الأمر أو الحكم أو القرار القضائي محل عدم التنفيذ، أن تأمر بغرامة تهديدية، ولتصفية الغرامة التهديدية يقوم صاحب المصلحة بموجب دعوى قضائية يرفعها امام نفس الجهة القضائية التي قضت بالغرامة التهديدية يطالبها فيها بتصفيتها، وهذه الدعوى تخضع لكافة إجراءات سير الدعوى من حيث شكل ومضمون عريضة افتتاح الدعوى وتكليف الخصم والآجال ودعوى تصفية الغرامة التهديدية تكون مستوجبة سواء كنا أمام عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي أم حالة التأخير في التنفيذ " في حالة عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي أو في حالة التأخير في التنفيذ تقوم الجهة القضائية الإدارية بتصفية الغرامة التهديدية التي أمرت بها".
وقد حددت المادتان 987 و 988 شروط تقديم طلب من أجل الأمر باتخاذ التدابير الضرورية للتنفيذ، علماً أن الأمر في المادة 987 يتعلق باتخاذ التدابير الضرورية mesures nécessaires a l'exécution d'un jugement définitif prescrire "لا يجوز تقديم طلب إلى المحكمة الإدارية من أجل الأمر باتخاذ التدابير الضرورية لتنفيذ حكمها النهائي وطلب الغرامة التهديدية لتنفيذه عند الاقتضاء، إلا بعد رفض التنفيذ من طرف المحكوم عليه، وانقضاء أجل ثلاثة "03" أشهر يبدأ من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم" في حين يتعلق الأمر بالنسبة للمادة 988 باتخاذ تدابير تنفيذ معينة prenne une mesure d'exécution dans un sens déterminé " في حالة رفض التظلم الموجه إلى الإدارة من اجل تنفيذ الحكم الصادر عن الجهة القضائية الإدارية، يبدأ سريان الأجل المحدد في المادة 987 أعلاه، بعد قرار الرفض' .
والجدير بالذكر أن المادتين 987 و 988 مأخوذتان من المادة 921-1 من قانون القضاء الإداري الفرنسي 29، وشروط تقديم طلب من أجل الأمر باتخاذ التدابير الضرورية للتنفيذ حسب نص المادتين 987 و 988 هي:
1- أن يتعلق الأمر بتنفيذ حكم نهائي صادر عن محكمة إدارية.
2- رفض التنفيذ من طرف المحكوم عليه.
3- انقضاء أجل ثلاثة أشهر يبدأ من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم وليس من تاريخ التكليف بالوفاء، باستثناء الأوامر الاستعجالية التي يجوز تقديم الطلب بشأنها بدون أجل.
وإذا كانت المحكمة الإدارية قد حددت في حكمها محل التنفيذ أجلا للمحكوم عليه لاتخاذ تدابير تنفيذ معينة، كما هو مبين في المادة 987، لا يجوز تقديم الطلب إلا بعد انقضاء هذا الأجل، أما إذا سبق لطالب التنفيذ أن وجه تظلماً إلى الإدارة من اجل تنفيذ الحكم الصادر عن الجهة القضائية الإدارية، وتم رفضه فيبدأ سريان الأجل المحدد بثلاثة أشهر بعد قرار الرفض.
كما لم يغفل المشرع الجزائري بخصوص فرض تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر القضائية وحمل الجميع بما فيهم الإدارة على تنفيذها- آلية اللجوء إلى القاضي الجزائي، حيث أخذ بنظام المسؤولية الجنائية للموظف حال امتناعه عن تنفيذ الأحكام القضائية، حيث تنص المادة 138 مكرر من قانون العقوبات: " كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته لوقف تنفيذ حكم قضائي أو امتنع أو اعترض أو عرقل عمداً تنفيذه يعاقب بالسجن من ستة (6) أشهر إلى ثلاث (3) سنوات وبغرامة من 5000 دج إلى 50.000 دج" وجريمة عدم تنفيذ حكم قضائي أدرجت ضمن قانون العقوبات بعد تعديله بموجب القانون رقم 01-09 المؤرخ في 26 جوان 2001 بغرض مواجهة الرفض التعسفي من طرف الموظفين العموميين لتنفيذ حكم قضائي، لأنه يترتب على هذا الرفض:
1- الإساءة إلى الجهة المنفذ عليها.
2- الحيلولة دون تنفيذ السندات.
3- تحميل تلك الجهة تبعة التعويضات نتيجة رفض موظفها الاستجابة للتنفيذ.
وعلى الرغم من وجود هذا النص في القانون الوضعي الجزائري إلا أنه لا يساهم في حلّ مشكلة عدم تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة ضد الإدارة ومرجع ذلك أن نص المادة 138 من قانون العقوبات تخص فقط الأحكام الصادرة عن القضاء الوطني دون الأحكام الصادرة عن قضاء التحكيم الذي لا يدخل في مفهوم محاكم الدولة، وبالتالي لا يمكن الاستناد إلى هذه المادة لتحريك المسؤولية الجنائية ضد الموظف الممتنع عن تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضد الإدارة من أجل إرغامه على تنفيذ هذا الحكم، وذلك إعمالا لمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة بدون نص".
الفرع الثاني: تمسك الدولة بحصانتها ضد التنفيذ في المجال الدولي وحدودها:
تمسك الدولة بحصانتها ضد التنفيذ عبارة عن إجراء تسعى الدولة أو احد أشخاصها المعنوية العامة من خلاله إلى عرقلة إجراءات التنفيذ التي اتخذها أو يريد أن يتخذها لمن في يده حكم تحكيمي أو قضائي صادر ضدها، وتستطيع بذلك أن تمنع السلطة القضائية من اتخاذ أية إجراءات ضدها، ويرى فريق من الفقه بأن حصانة الدولة ضد التنفيذ تعد حصانة مطلقة تستطيع الدولة التمسك بها بصرف النظر عن نوع العقد الذي أبرمته، أي حتى لو كان من طبيعة تجارية خالصة، وقد أرجع الفقه السبب في ذلك إلى أن التنفيذ الجبري للأحكام الصادرة ضد الدولة يؤدي إلى إحداث خلل جسيم في العلاقات الدولية ويشكل انتهاكاً شديداً لسيادتها.
ولقد استند هذا الاتجاه إلى الأحكام الصادرة عن القضاء الفرنسي، والتي اتجهت فيها إلى رفض الربط بين الحصانة القضائية والحصانة ضد التنفيذ وإضفائها على الأخيرة الطابع المطلق الذي يجب تطبيقه حتى لو تعلق الأمر بتصرفات تستند إلى القانون الخاص32. وينتهي هذا الاتجاه الفقهي إلى انه إذا كانت الدولة تستطيع أن تتنازل عن حصانتها القضائية أو كانت لا تستطيع التمسك بتلك الحصانة عندما تكون الدعوى الموجهة ضدها تتعلق بنشاطاتها الخاصة، فان الأمر على خلاف ذلك بالنسبة لحصانتها ضد التنفيذ التي تستطيع الدولة أن تتمسك بها في كافة أعمالها الإدارية والخاصة".
وإذا كان المفهوم المطلق الذي تتمتع به الدولة من حصانة ضد التنفيذ على هذا النحو يشكل عقبة أمام التنفيذ الجبري لأحكام التحكيم في المجال الدولي، فإن هذا يقودنا إلى طرح التساؤل عن جدوى قضاء التحكيم الدولي إذا كانت أحكامه لا تحترم، وهل يجب في هذه الحالة أن نعتبر أن كل دعاوى التحكيم الموجهة ضد الإدارة غير مجدية؟.
في الواقع إنه وفقاً لمبادئ القانون الدولي العام، فإن من حق الدولة التدخل دبلوماسياً لحماية شخص أو أموال رعاياها التي تقع في إقليم دولة أجنبية من الأضرار التي قد تلحق بها نتيجة إجراءات اتخذتها أو قد تتخذها حكومة الدولة الأجنبية، وبالتالي إذا رفضت حكومة الدولة الأجنبية تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضدها، فإن في وسع المحكوم له أن يطلب من دولته الوطنية التدخل دبلوماسيا لإجبار الدولة الأجنبية على تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضدها.
وإذا كان مبدأ الحماية الدبلوماسية يعد إحدى الوسائل التي يمكن استخدامها لتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة ضد الأشخاص المعنوية العامة، إلا أن هذه الوسيلة غير فعالة ولا تتفق مع احتياجات التجارة الدولية، ومرد ذلك أن إجراءات طلب الحماية الدبلوماسية تتسم بأنها إجراءات شاقة، ومعقدة فضلاً عن إمكانية اتفاق الدول على استبعادها، وبالتالي يظل هذا المبدأ غير قادر على اختراق حصانة الدولة ضد التنفيذ، ويبقى حكم التحكيم فارغاً من أي معنى له في حالة عدم تنفيذه طواعية من جانب الدولة، مما يعوق عملية تطور نظام التحكيم على الصعيد الدولي كإحدى الوسائل البديلة للفصل في المنازعات بين الدول والأشخاص الخاصة، وعدم تحقق الاستقرار اللازم للاستثمارات الأجنبية، ولذلك إذا ما أريد للتحكيم أن يتنامي على الصعيد الدولي ويصبح من الوسائل الفعالة لحسم المنازعات الدولية، فانه ينبغي أن يصاحب ذلك تطور في القواعد التي تحكم حصانة الدولة ضد التنفيذ.
ولعل هذا ما حدا القضاء الفرنسي على محاولة التلطيف من حدة المفهوم المطلق لحصانة الدولة ضد التنفيذ وتكييفها بما يتلاءم مع احتياجات التجارة الدولية، وذلك عن طريق التفرقة بين الأموال المخصصة للمنفعة العامة وتلك المخصصة لأغراض تجارية أو خاصة، بحيث يجوز الحجز على النوع الثاني من الأموال دون الأول.
وتجسد هذا الاتجاه في القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة الفرنسية في جلسة 23 سبتمبر 2011، وتلي القرار في 14 أكتوبر 2011.
وتعود تفاصيل القضية الى أن سفارة الكويت بفرنسا قامت بصرف أجيرات من عملهن في 03 فبراير 2004، مما جعل الأجيرات (H.A) . (M) . (H) . (S) يطالبن أمام مجلس العمل التحكيمي في باريس بالأجور المستحقة لهن وبالتعويضات، مما جعل مجلس العمل التحكيمي في باريس ومحكمة استئناف باريس يحكمن على دولة الكويت التي هي رب العمل السابق للسيدات في سفارتها في باريس بأن تدفع إلى تلك السيدات مبالغ تصل على التوالي إلى:
101.535.51 يورو، و100.033.59 يورو، و23.973.51 يورو، و101511.78 يورو كأصل على سبيل متأخرات الأجور وتعويضات مختلفة متعلقة بصرفهن من العمل، وأن إجراءات الحجز التنفيذي على الرصيد المصرفي من خلال محضر قضائي التي عجلها الأطراف ذوو المصلحة للحصول على تنفيذ هذه القرارات لم تنجح بسبب الحصانة من التنفيذ الموجهة ضد المحاولات التي جرت على الحساب الذي فتحته السفارة لدى "بنك الكويت الوطني" والمبلغة إلى المحضر القضائي بموجب الرسالة التي وجهها إليه في 26 أكتوبر 2006 وزير الشؤون الخارجية والأوروبية، وأن السيدة (S) وسواها رافعن وزير الاقتصاد والمالية والصناعة وتقدمن بطلب يهدف إلى تعويضهن عن الأضرار التي لحقت بهن جراء عدم إمكانهن الحصول على الأمر بتنفيذ هذه القرارات القضائية بسبب الحصانة من التنفيذ التي كان يتمتع بها رب عملهن السابق، بناء على مسؤولية الدولة دون خطأ، وأن محكمة استئناف باريس الإدارية أيدت بموجب الأحكام الصادرة في 8 ديسمبر 2008، الحكم الذي أصدرته محكمة باريس الإدارية في 27 افريل 2007، والذي رفضت بموجبه طلباتهن، وأن السيدة (S) وسواها تطعن بالتمييز ضد هذه الأحكام.
حيث أنه يتضح من قاعدة عرفية في القانون العام الدولي أن الدول تستفيد من حيث المبدأ من الحصانة من التنفيذ في ما يخص العقود التي تبرمها في الخارج، وان هذه الحصانة تعيق حجز أموالها باستثناء الأموال التي لا تتعلق بممارسة مهمة سيادية.
حيث بموجب الفقرة 14 من ديباجة الدستور الصادر بتاريخ 27 أكتوبر 1946 التي تشير إليها ديباجة الدستور الصادر بتاريخ 4 أكتوبر 1958، أن "الجمهورية الفرنسية المتمسكة بتقاليدها تلتزم بقواعد القانون العام الدولي" وان المادة الأولى من القانون الصادر بتاريخ 09 يوليو 1991 بشأن تعديل إجراءات التنفيذ المدنية تنص على أن التنفيذ القهري والإجراءات التحفظية لا تطبق على الأشخاص الذين يتمتعون بحصانة من التنفيذ، وأنه يتضح أن القاعدة العرفية في القانون العام الدولي الخاصة بالحصانة من التنفيذ التي لم يستبعدها لا القانون تاريخ 9 يوليو 1991 ولا أي نص تشريعي آخر، تطبق على النظام القانوني الداخلي، وأن مسؤولية الدولة، هي: بالتالي معرضة لأن تكون موضوع بحث، على أساس نقص المساواة في التكاليف العامة، في حال كان تطبيقها يسبب ضرراً بالغاً وخاصاً.
حيث من جهة أولى أنه بغية الحكم بأن السيدة (s) وسواها لم يستطعن الاحتجاج بضرر خاص من شانه أن يرتب مسؤولية على الدولة تجاههن على أساس المسؤولية دون خطأ بسبب تطبيق القاعدة العرفية في القانون العام الدولي الآنفة الذكر، بينت محكمة استئناف باريس الإدارية أنه لم يكن بإمكان المستدعيات تجاهل صفة الدولة الأجنبية التي يتمتع بها رب عملهن، دولة الكويت، وبالتالي الحصانة القضائية والحصانة من التنفيذ التي يمكن أن تتمتع بها هذه الدولة، وذلك عند إبرام عقود عملهن، وأنه يتضح من حكم محكمة استئناف باريس أن القانون الفرنسي يطبق على عقود عمل السيدات التي تنفذ على الأراضي الفرنسية، وأنه لا يمكن اعتبار أن الأجير قد قبل مسبقاً الخطر الناجم عن جهل رب عمله لأحكام النظام العام المطبقة على إبرام عقد العمل وتنفيذه وفسخه، وان أحكام (النظام العام) هذه تتضمن أحكاماً تسمح حتى ولو بالإكراه بتحصيل الأجور المستحقة الدفع للأجير من رب عمله مقابل العمل الذي قام به والتعويضات التي يمكن أن تنتج من فسخ رب العمل لهذا العقد، وأنه بالتالي بتوجب الدفع للسيدة (s) وسواها بالمخاطرة المقبولة على أساس أنه لا يمكن أن يكن جاهلات لصفة رب عملهن كدولة ذات سيادة وللحصانة من التنفيذ التي يمكن لهذه الدولة أن تتمتع بها عند الاقتضاء بموجب القاعدة العرفية المذكورة أعلاه تكون قرارات محكمة الاستئناف الإدارية منسوبة لخطأ قانوني.
حيث من جهة أخرى، انه بغية استبعاد وجود ضرر خاص من شأنه أن يرتب مسؤولية على الدولة تجاه المستدعيات، بينت محكمة الاستئناف الإدارية أيضاً أن عمومية القاعدة العرفية في القانون العام الدولي المذكورة أعلاه وعدد الأشخاص الذين يمكن أن تطبق عليهم تشكل عائقاً أمام إمكانية اعتبار الأضرار المزعومة على أنها مصبوغة بطابع خاص، وأنه يحق مع ذلك لقضاة الموضوع أن يأخذوا بعين الاعتبار بغية تقدير الطابع الخاص للأضرار المتمسك بها، بالإضافة إلى نطاق تطبيق القاعدة العرفية المعنية، العدد المعروف أو المقدر للأشخاص الذين تعرضوا لأضرار مشابهة للأضرار التي لحقت بالأشخاص الذين طالبوا بالتعويض عنها، وبالتالي أن المحكمة اقترفت خطأ قانونياً بحكمها أن الأضرار التي لحقت بالسيدة (s) وسواها لا يمكن أن تعتبر وكأنها مصبوغة بطابع خاص.
حيث يتضـح أنه يتض مما سبق أن للمستدعيات أسباباً وجيهة لطلب إبطال الأحكام المطعون فيها.
حيث أنه من الممكن في ظروف الدعوى الحالية تسوية المسائل في الموضوع تطبيقا لأحكام المادة "ل 821- 2 ( 2- 821 . L)" من قانون القضاء الإداري.
حيث أنه من جهة أولى، لا يتضح لا من القاعدة العرفية في القانون العام الدولي المتعلقة بالحصانة من التنفيذ التي تتمتع بها الدول الأجنبية ولا من أي نص تشريعي، وجوب استثناء الدولة من التعويض عن الأضرار المتمسك بها الناجمة عن تطبيق هذه القاعدة.
حيث أنه من جهة أخرى يتضح من التحقيق الذي أجري حول قيمة المبالغ المعنية ووضع المستدعيات أن الضرر الذي تتمسك به كل منهن مصبوغ بطابع الخطورة من شأنه أن يفسح المجال لحق المطالبة بالتعويض، وانه نظرا إلى العدد الضئيل من الأشخاص الذين كانوا ضحية تصرفات مماثلة منسوبة إلى سفارات دول أجنبية على الأراضي الفرنسية، يمكن اعتبار الأضرار التي يتمسكون بها ذات طابع خاص واعتبار أنها لا تشكل عبئا يقع تحمله عادة على المستدعيات، وفضلاً عن ذلك أن واقع أن يكون رب عملهن دولة أجنبية تتمتع بحصانات بسبب صفتها هذه لا يمكن أن يشكل عائقاً أمام الإقرار بالطابع الخاص للضرر الذي لحق بهن، إذ لا يمكن كما سبق ذكره اعتبار أن المستدعيات، قد قبلن مسبقاً المخاطرة الناجمة عن جهل رب عملهن أحكام النظام العام المطبقة على إبرام عقد العمل وتنفيذه وفسخه، وبالتالي أنهن تنازلن عن ألاحكام التي تسمح حتى ولو بالإكراه بتحصيل الأجور المستحقة الدفع لهن من رب عملهن مقابل العمل الذي قمن به والتعويضات التي يمكن أن تنتج من فسخ رب العمل هذا العقد.
حيث أنه أخيراً يتضح من التحقيق أنه لو لم ترفع السيدة (S) وسواها النزاع الى قاضي التنفيذ، كونهن لم تستطعن الحصول من رب عملهن السابق دولة الكويت على أمر بتنفيذ القرارات القضائية التي تحكم على هذه الدولة بدفع المبالغ المدينة بها على سبيل الاجور ومختلف التعويضات المستحقة لهن بسبب صرفهن من العمل، لما كان هذا الامتناع قد اعتبر في ظروف الدعوى الحالية كأنه حرمهن من فرصة جدية بتحصيل الأجور المستحقة الدفع لهن في حين أن دولة الكويت أدلت بالحصانة من التنفيذ بغية الاعتراض على إجراءات الحجز التنفيذي على الرصيد المصرفي، التي اتخذتها المستدعيات على حساب مصرفي يعود للسفارة كانت تستخدمه لدفع أجور موظفيها، وكان يسهم في إتمام مهمات البعثة الدبلوماسية الكويتية، وإذا لم يكن من الممكن فصله عن ممارسة هذه الدولة لمهماتها السيادية، وأنه بالتالي يجب أن تعتبر الأضرار التي تتمسك بها السيدة (S) وسواها كأنها تنطوي على طابع حتمي.
حيث أنه يتضح مما سبق أن السيدة (S) وسواها لهن أسباب وجيهة للتمسك بأن محكمة باريس الإدارية حكمت خطأ بإن شروط ترتيب مسؤولية الدولة تجاههن على أساس نقض المساواة في التكاليف العامة لم تتوافر، وبالتالي لطلب إبطال الحكم المطعون فيه تاريخ 27 أبريل 2007 بالقدر الذي فصل في طلباتهن.
حيث أن مبلغ التعويضات المستوجبة الدفع للمستدعيات سيقدر بشكل دقيق من خلال الحكم على الدولة بتسديد المبالغ التي حكم بها مجلس العمل التحكيمي في باريس ومحكمة استئناف باريس لكل منهن والتي تساوي مبلغ الأجور والتعويضات التي يتوجب على دولة الكويت دفعها، وانه في المقابل ثمة داع لاستبعاد من هذه المبالغ تلك التي تساوي مبلغ الغرامة الإكراهية التي حكم بها لكي تسلم الدولة المذكورة مستندات تتعلق بالعمل، وأن هذه المبالغ المحددة قيمتها ب: 101535.51 يورو، 100.033.59 يورو، 23.973.51 يورو، 101.511.78 يورو تدفع على التوالي لحساب السيدات(H.A) . (M) . (H) . (S) وأنه يجب أن تزاد على هذه المبالغ الفوائد بالمعدل القانوني التي سرت بقوة القانون والمحتسبة في الحالات المحددة في قرارات مجلس العمل التحكيمي وأحكام محكمة استئناف باريس المذكورة أعلاه حتى تاريخ طلب التعويض الذي قدمته المستدعيات ضد الدولة، وأنه بالإضافة إلى ذلك، يجب زيادة كل مبلغ من هذه المبالغ بقيمة 1500 يورو وهو مبلغ حكمت به محكمة الاستئناف المذكورة بموجب المادة 700 من قانون المرافعات المدنية الجديد وتسري عليه الفوائد القانونية ابتداء من 3 فبراير 2004، وهو تاريخ صدور أحكام محكمة استئناف باريس وحتى تاريخ طلب التعويض الذي قدمته المستدعيات ضد الدولة.
حيث أنه يحق للسيدة (S) وسواها الحصول بالمعدل القانوني على الفوائد المتعلقة بالتعويض عن المبلغ الأصلي المحسوب كما ذكر أعلاه ابتداء من تاريخ تلقي وزير الاقتصاد والمالية والصناعة طلب التعويض الذي قدمته أي 10 فبراير 2006.
حيث أنه بموجب المادة 1154 من القانون المدني عندما تكون الفوائد المستحقة على رؤوس الأموال واجبة الأداء عن مدة سنة كاملة على الأقل، يمكن لهذه الفوائد أن تولّد فوائداً، وأنه بغية تطبيق هذه الأحكام يمكن طلب رسملة الفوائد في أي وقت أمام قاضي الموضوع وأن السيدة (S) وسواها طلبن رسملة الفوائد في المطالبة السابقة التي رفعتها إلى الإدارة في 10 فبراير 2006، ثم قدمن طلبات ختامية إلى المحكمة الإدارية بهدف رسملة الفوائد، وان طلب رسملة الفوائد الذي قدمته يصبح إذا ساري المفعول ابتداء من 10 فبراير 2007، وهو التاريخ الذي كانت فيه الفوائد واجبة الأداء عن سنة كاملة، وان هناك ما يدعو إلى إجابة هذه الطلبات سواء في هذا التاريخ أو في كل تاريخ استحقاق سنوي ابتداء من هذا التاريخ.
حيث أن هناك ما يدعو في ظروف هذه الدعوى إلى وضع مبلغ 3000 يورو على عاتق الدولة يدفع لكل مستدعية من المستدعيات بموجب المادة (ل . 761 -1 ) (1- 761. L) من قانون القضاء الإداري.
تقرر:
المادة 1: تبطل الأحكام رقم 02188 PA 07 ورقم 02191 PA 07 ورقم 02192 PA 07 ورقم 02190 PA 07 الصادر بتاريخ 08 ديسمبر 2008 عن محكمة استئناف باريس الإدارية والحكم رقم: 0607435، 0607439، 0607440، 0607441، 0607444، الصادر بتاريخ 27 أفريل 2007 عن محكمة باريس الإدارية باعتباره يفصل في طلبـات السيـدات .(H.A) . (M) . (H) . (S) .
المادة 2: يحكم على الدولة بدفع: 101535.51 يورو، 100033.59 يورو، 2397351 يورو، 101511.78 يورو على التوالي لحساب السيدات (H.A) . (M) . (H) . (S) وتزاد عليها الفوائد بالمعدل القانوني المحتسبة في الحالات المحددة في قرارات مجلس العمل التحكيمي وأحكام محكمة استئناف باريس ومبلغ 1500 يورو لكل مستدعية وهو مبلغ تسري عليه الفوائد القانونية ابتداء من 3 فبراير 2004، كما ستتم رسملة الفوائد المستحقة بتاريخ 10 فبراير 2007، وثم عند كل تاريخ استحقاق سنوي اعتباراً من هذا التاريخ، وذلك عند كل من هذه التواريخ حتى تولد هي نفسها فوائد.
المادة 3: تدفع الدولة إلى كل من السيدات (H.A) . (M) . (H) . (S) مبلغ 3000 يورو بموجب أحكام المادة ل. 761–1 ( 1–761 .L) من قانون القضاء الإداري. المادة 4: يبلغ هذا القرار إلى السيدات( H.A) . (M) . (H) . (S) وإلى وزير الشؤون الخارجية والأوروبية والي وزير الاقتصاد والمالية والصناعة.