الحكم التحكيمي القابل للتنفيذ الجبرى، كما هو بطبيعته يخضع لنظام الأمر بالتنفيذ، فهو بطبيعته يخضع لنظام دعوى بطلان حكم التحكيم. لذا نصت المادة ١/٥٨ تحكيم على أنه لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى". بيد أن ذلك، كما لا يعني أبداً أن كل حكم تحکیمی خاضع لنظام دعوى البطلان، يكون بالضرورة خاضعاً لنظام الأمر بالتنفيذ، فإنه لا يعنى أكثر من أن كل حكم تحكيمي خاضع لنظام الأمر بالتنفيذ، يكون بالضرورة خاضعاً لنظام دعوى البطلان ومن ثم فإن الحكم القابل للتنفيذ الجبرى يجب أن يكون من الأحكام التحكيمية الخاضعة لنظام دعوى البطلان.
ومحكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ١٩٩٤/٣/٢٥، راحت تميز بين الحكم التحكيمي الحقيقي véritable sentence arbitrale الذي يمكن أن يكون موضوعاً لدعوى بطلان حكم التحكيم، وبين القرار الذي يصدره المحكم ويقبل تعديله أو العدول عنه من جانب المحكم نفسه، وهذا القرار لا يمكن أن يكون موضوعاً لدعوى بطلان حكم التحكيم، ومثاله القرار الصادر عن المحكــم بتحديد مكان وزمان التحكيم أو تأجيل جلساته للاطلاع والاستعداد أو بندب خبير أو بمعاينة مكان أو بسماع شهود.... الخ.
وحكم التحكيم الذى يمكن أن يكون موضوعاً لدعوى البطلان، هو العمـــل التحكيمي الفاصل بصفة قطعية de maniére définitive أي الحكم التحكيمي القطعي sentence définitive..
ومن ثم فالحكم التحكيمي القابل للتنفيذ الجبرى ومن ثم للخضوع لنظام الأمر بالتنفيذ، يجب أن يكون حكماً قطعياً، أى حكماً له قوة ملزمة مانعة بصفة نهائية من العدول عنه أو التعديل فيه من جانب المحكم نفسه ومنذ صدوره.
لكن المادة ٢/٢٤ تحكيم قد خولت الطرف الذي صدر لصالحه أمر بتدبير تحکیمی مؤقت أو تحفظى تقتضيه طبيعة النزاع، حقاً في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها فى المادة 4 من هذا القانون الأمر بالتنفيذ"، إذا تخلف صدر إليه الأمر عن تنفيذه، رغم أن هذا العمل التحكيمي هو بطبيعته غيــر منــه للخصومة كلها. ومبنى ذلك أن هذا الحكم التحكيمي، وإن كان صادراً أثناء الخصومة الأصلية ولا ينهيها، لكنه بطبيعته حكم معجل ومن ثم فلــه استقلاله، سواء من حيث طلبه أو خصومته، بل ولا يجوز طلبه أو إصداره إلا إذا تضمن اتفاق التحكيم شرطاً مستقلا يجيز ذلك على نحو ما نظمته المادة ١/٢٤ تحكيم.
وجدير بالذكر أن المادة ٤١ من قانون التحكيم استحدثت عملاً تحكيمياً أخر يجريه المحكم وأعطته القوة التنفيذية الواجبة لأحكام المحكمين فنصت المادة ٤١ تحكيم على أنه إذا اتفق الطرفان خلال اجراءات التحكيم على تسوية تنهى النزاع، كان لهما أن يطلبا اثبات شروط التسوية أمام هيئة التحكيم، التي يجب عليها في هذه الحالة أن تصدر قراراً يتضمن شروط التسوية وينهى الاجراءات، ويكون لهذا القرار ما لأحكام المحكمين من قوة بالنسبة للتنفيذ".
أما عن موضوع حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري:
وبهذا فإن موضوع الحكم التحكيمي القابل للتنفيذ الجبري، يجب أن يكــــون الزاماً بتنفيذ حق. كالالزام بتسليم، أو بدفع، أو بهدم، أو ببناء، أو برد.
ومسلم أنه لا يشترط الوجود الفعلى أو الحقيقى للحق. مما يعني أنه يكفـــــي أن يكون موضوع الحكم التحكيمى إلزاما بتنفيذ حق، وبصرف النظر عن الوجــود الفعلى أو الحقيقى لهذا الحق.
ومن ثم فلا يعتبر حكماً تحكيمياً قابلاً للتنفيذ الجبري، أي حكم تحكيمي موضوعه ليس الزما بتنفيذ إنما يعتبر الحكم التحكيمي في هذا الفرض حكماً غير قابل للتنفيذ الجبرى ومن ثم فهو لا يصلح أن يكون سنداً تنفيذياً، وبالتالي فهو لا يخضع لنظام الأمر بالتنفيذ كالحكم برفض الدعوى التحكيمية، أو ببراءة ذمـــة المدعى، أو بثبوت ملكيته، أو بثبوت المديونية، أو ببطلان عقد الشركة، أو بفسخ عقد الايجار، أو بعدم اختصاص المحكم.
الزام محقق الوجود Certain
وقد نصت المادة ۱/۲۸۰ رافعات على هذا الشرط، وذلك بقولها: "لا يجوز التنفيذ الجبرى إلا. اقتضاء لحق محقق الوجود...".
بينما المسلم أنه لا يشترط حتى الوجود الفعلى أو الحقيقي للحق. مما يعنى أنه ليس المقصود بهذا الشرط تحقق وجود الحق الذي لا يشترط وجوده فعلاً أو حقيقاً، كما يعني أن المقصود في هذا الصدد الالزام، أى تحق وجود اللازم بتنفيذ حق.
بل ويجب أن يكون موضوع حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري، الزاماً الجبري، الزاماً نهائياً حقيقة، لا حكماً. وهذه القاعدة مطلقة في القانون المصرى منذ صدور قانون المرافعات الحالي رقم ۱۳ لسنة ١٩٦٨ ، الذى الغى خضوع حكم التحكيم لنظام النفاذ المعجل. إذ كان الأمر بالنفاذ المعجل يرفع الالزام غير النهائي إلى مصاف الالزام النهائي، أى يجعل الالزام غير النهائي الزاماً نهائياً حكماً، لا حقيقة وبالتالي يجعل حكم التحكيم قابلا للتنفيذ الجبرى رغم قابليته للاستئناف في مصر قبل صدور قانون المرافعات الحالي.
الزام معين
نصت المادة ۱/۲۸۰ مرافعات على هذا الشرط وذلك بقولها "لا يجوز التنفيذ الجبرى إلا بسند …… اقتضاء لحق.. . معين المقدار…. .
لكن بما أن المسلم به أنه لا يشترط الوجود الفعلى أو الحقيقي للحق، فإنه ليس المقصود بهذا الشرط تعيين مقدار الحق، ولا حتى تعيين الحق، إنما المقصود هو أن يكون موضوع سند الالزام معيناً، لا مجهولاً أو مجهلاً، لأنه لا إلزام إلا بمعلوم.
ومن ثم يجب أن يكون موضوع حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري، إلزاماً معينا، سواء من الناحية الشخصية أو من الناحية الموضوعية. وتعيينه من الناحية الشخصية، يقتضى تعيين الملزم بالتنفيذ اختيارا، وتعيين من يعود عليه منفعة من هذا التنفيذ. أما تعيينه من الناحية الموضوعية، فيقتضى تعيينه تعييناً نافياً للجهالة سواء من حيث الكم أو الكيف أو غيرهما.
ويكفى بالنسبة للتعيين من الوجهة الموضوعية أن يكون تعييناً نافياً للجهالة بالالزام بالتنفيذ، فلا يلزم أن يكون تعييناً دقيقاً، وبالتالى يكفي أن يكون قابلاً
للتعيين الدقيق، سواء بعملية حسابية بسيطة أو بورقة سابقة أحال إليها حكم التحكيم حكم محكمة النقض في ١٩٤٤/٥/٤).
إلزام ممكن
نصت المادة ۱/۲۸٠ مرافعات على هذا الشرط، وذلك بقولها "لا يجوز التنفيذ الجبرى إلا بسند.... اقتضاء لحق حال الأداء"، ولو أن فكرة حلول أداء الحق باعتبارها شرطاً في موضوع السند، هي فكرة منتقدة من جانب بعض الفقه.
لكن بما أن المسلم أنه لا يشترط الوجود الفعلى أو الحقيقي للحق، فإنـه ليس المقصود بهذا الشرط حلول أداء الحق، ولا مجرد حلول الأداء، أي حلول الالزام بالتنفيذ، إنما المقصود هو أن يكون موضوع حكم الالزام ممكناً، أي غيــر مستحيل قانونا، لأنه لا الزام بمستحيل.
ومن ثم يجب أن يكون موضوع حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري، الزاماً ممكناً، أي غير مستحيل قانوناً، سواء من الوجهة الشخصية والموضوعية، أو من الوجهة الزمانية.
فمن الوجهة الشخصية ،والموضوعية، يجب أن يكون موضوع حكم التحكيم الزاما بتنفيذ مما يستوى فيه أن يتم من المحكوم عليه أو من غيره. أما إذا كان الزاما بتنفيذ لا يتم إلا من المحكوم عليه وحده ، فهو الزام بمستحيل بالنسبة لغير المحكوم عليه وبالتالي بالنسبة للمحضر . فحكم التحكيم الصادر بالزام المحكوم عليه بصنع تمثال أو رسمه لوحة أو إجراء جراحة، ولو أنه حكم بالزام نهائي معين، لكنه الزام بتنفيذ غير ممكن إلا بالنسبة للمحكوم عليه، وبالتالي فهـو الزام بمستحيل بالنسبة للأغيار ومنهم المحضر . لذا فإن هذا الحكم غير قابل للتنفيذ الجبرى.
ومن الوجهة الزمانية يجب أن يكون موضوع حكم التحكيم الزاماً بتنفيذ مما يستوى فيه أن يتم حالاً أو آجلاً. أما إذا كان الزاماً بتنفيذ لا يتم إلا آجلاً فهوا لزام بمستحيل بالنسبة للحال، ولو أنه ليس الزاماً بمستحيل عند حلول الأجل، سواء كان الأجل قانونيا أو قضائيا. والقاعدة أن حكم الالزام بتنفيذ مؤجل، لا يقبل التنفيذ الجبرى قبل حلول الأجل، إنما يقبله بعد حلول الأجل.