ومنها ما يتطلب اتخاذ اجراء إداري بالتأشير على الحكم بمعرفة موظف إداري مختص مثل القانون الفنلندي والقانون السويدي .
ومنها ما يتطلب اتخاذ اجراء قضائي لتنفيذ حكم التحكيم ومن هذه الفئة : القانون الكويتي، القانون المصري، القانون الفرنسي القانون الانجليزي .
- وسنتولى شرح الأسلوب القضائي في تنفيذ أحكام التحكيم بشيء من التفصيل لاتصال ذلك بقانوننا الوطني على وجه الخصوص.
تنص م ١٨٤ مرافعات مدنية وتجارية على أن يودع أصل الحكم - ولو كان صادراً باجراء من اجراءات التحقيق - مع أصل الاتفاق على التحكيم إدارة كتاب المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع خلال العشرة أيام التالية لصدور الحكم المنهي للخصومة ويحرر كاتب المحكمة خضراً بهذا الايـداع .
ويلاحظ على النص أنه أوجب إبداع أصل الحكم دون أن يعين ما إذا كان الحكم التحكيمي وارداً على قضية استئناف أو قضية صادرة من المحكمة الكلية بل أطلق وصف الحكم بحيث يمكن أن ينسحب على أي حكم تحكيمي بغض النظر عن صفة القضية موضع التحكيم حتى ولو كان الحكم صادراً باجراء من اجراءات التحقيق على أن يتم الايداع لدى إدارة كتاب المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع وإذا كان الواجب هو ايداع أصل الحكم مع أصل الاتفاق على التحكيم قلم كتاب المحكمة المختصة بنظر النزاع إلا أن النص لا يرتب البطلان على عدم ابداع ذلك الأصل بل أن ابداع صورة الاتفاق على التحكيم بدلاً من الأصل لا يلحق البطلان بحكم المحكمين الذي صدر صحيحاً قبل الايـداع كما لا يعتبر عدم الايداع سبباً لبطلان الحكم إذ أن الأمر يتعلق باجراء لاحق على صدور الحكم صحيحاً فلا يؤثر فيه .
وهذا الايداع قد يتم بواسطة المحكم أو أحد المحكمين، إلا أن أحكام التحكيم في الكويت دأبت على الزام سكرتير هيئة التحكيم بايداع أصل الحكم مع مشارطة التحكيم ومحاضر الجلسات وكافة المستندات والأوراق المقدمة من الطرفين إدارة كتاب المحكمة المختصة خلال عشرة أيام وتحرير محضر بالايداع واخطار كل من الطرفين بكتاب مسجل بعلم الوصول .
وتشارك اتفاقية التحكيم فيما بين المقاطعات السويسرية Swiss Intercanton al Arbitration Convention في المادة ٣٥ منها القانون الكويتي في ضرورة إبداع الحكم التحكيمي لدى السلطة القضائية المختصة (المحكمة العليا للاختصاص المدني العام في المقاطعة High Court of Common Civil Jurisdiction of the Canton)، ويتم إيداع نسخ بعدد أطراف التحكيم، وإذا لم يكن الحكم محرراً بإحدى اللغات الرسمية للاتحاد السويسرية فإن الحكم يودع مترجماً ترجمة مصدقة، وتقوم السلطة القضائية المختصة باعلان أطراف النزاع بالحكم وبتاريخ الايداع ولهم حق التنازل عن الابداع كما لهم حق التنازل عن الاعلان الذي يتم عن طريق السلطة القضائية المختصة ويبقى الاعلان لدى محكمة التحكيم.
ولا يتوقف الأمر عند حد الإيداع لتنفيذ حكم التحكيم بل لابد من القيام بعمل قضائي يتم أمام جهة قضائية تختلف من تشريع إلى آخر، يحددها في القانون الكويتي نص المادة ۱۸٥ مرافعات بأنه لا يكون حكم المحكم قابلاً للتنفيذ إلا بأمر يصدره رئيس المحكمة التي أودع الحكم إدارة كتابها بناء على طلب أحد ذوي الشأن وذلك بعد الاطلاع على الحكم وعلى اتفاق التحكيم وبعد التثبت من انتفاء موانع تنفيذه وانقضاء ميعاد الاستئناف إذا كان الحكم قابلا له وغير مشمول بالنفاذ المعجل ويوضع أمر التنفيذ بذيل أصل الحكم .
ومن هذا يتضح أن الإيداع يجب أن يسبق حصول الأمر بالتنفيذ إلا أنه لا يترتب البطلان لعدم إيداع أصل الاتفاق بل أن ايداع صورة الاتفاق على التحكيم مع أصل الحكم يكفي للحصول على الأمر بالتنفيذ .
ونحن إزاء إطلاق النص ودون أن نرتب البطلان على عدم ابداع أصل الحكم وأصل الاتفاق على التحكيم نميل إلى ما أخذت به محكمة التمييز مع إعطاء حرية تقدير قبول صورة عن اتفاق التحكيم لقناعة المحكمة المختصة من أنه يحقق الغرض الذي قصده الشارع من اشتراط ابداع أصل الحكم وأصل المشارطة على التحكيم وإذا كان العمل القضائي اللازم للحصول على الأمر بالتنفيذ (الصيغة التنفيذية ) يتم في الكويت بعريضة تقدم لرئيس المحكمة التي أودع الحكم إدارة كتابها من جانب أحد ذوي الشأن . فإن هذا العمل يتم في بعض القوانين بطرق مختلفة، ففي القانون المصري " تقدم العريضة إلى قاضي التنفيذ بالمحكمة التي أودع أصل الحكم قلم كتابها وفي القانون الفرنسي تقدم إلى رئيس المحكمة الكلية التي صدر حكم التحكيم في دائرتها وفي القانون الانجليزي ينفذ حكم التحكيم كالحكم القضائي باستثناء ضرورة الحصول على إذن من المحكمة leave of the Court لتنفيذ حكم التحكيم وهذا الاذن يمنحه مأمور المحكمة Master of the Court بموجب اجراء بسيط وغير مكلف ويبدأ بإصدار أوامر بالحضور originating Summons) فإذا كانت الإحالة للتحكيم شفوية فإنه يتخذ اجراء قضائي لتنفيذ الحكم أمام القاضي .
كما تنص قواعد محكمة تحكيم غرفة التجارة والصناعة البلغارية لسنة ١٩٧٥ على أنه إذا لم ينفذ حكم التحكيم طواعية فإنه ينفذ وفق نصوص قانون المرافعات المدنية البلغاري على أساس صدور صحيفة تنفيذ عن محكمة مدينة صوفيا بناء على طلب أحد ذوي الشأن وبموجب قواعد تحكيم غرفة تجارة وصناعة رومانيا، إذا رفض أحد الأطراف تنفيذ حكم التحكيم في رومانيا فإن الحكم يذيل بالصيغة التنفيذية بناء على طلب ذوي الشأن وتمنح هذه الصيغة التنفيذية من رئيس غرفة التجارة والصناعة الجمهورية رومانيا الاشتراكية ومن ثم ينفذ كما لو كان حكماً قضائياً نهائياً صادراً عن المحاكم القضائية، ولا يجب أن يتأخر رئيس الغرفة عن منح الصيغة التنفيذية عن شهر على الأكثر والطلب من رئيس الغرفة بمنح الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم يقطع التقادم في الحق بطلب تنفيذ الحكم .
وفي القانون السويسري الفيدرالي فإن السلطة القضائية التي يودع لديها الحكم التحكيمي هي التي تتولى إعلان تنفيذ الحكم التحكيمي تماماً كما لو كان حكماً قضائياً وتمنح الصيغة التنفيذية للحكم في ذيله علماً بأن الحكم التحكيمي لا يخضع لتنفيذ مؤقت .
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى الجهة القضائية التي يقدم لها حكم التحكيم فإن الخطوة التالية تتمثل في نوع الإجراء الذي تقوم به تلك الجهة القضائية حتى تعطي الحكم الأمر بالتنفيذ وقبل هذا وذاك فإن أطراف النزاع التي قبلت التحكيم مطالبة أساساً بتنفيذ حكم التحكيم النهائي طواعية لأن معظم اتفاقية التحكيم تنص على الصفة الالزامية لحكم التحكيم ومن ثم فلا يطلب تدخل المحاكم، إلا إذا رفض الطرف الخاسر تنفيذ الحكم لصالح الطرف الرابح، ذلك أن الحكم التحكيمي كونه صادراً عن جهة قضائية خاصة يكون قابلا للتنفيذ أي لا يحمل بذاته عنصر التنفيذ الجبري كما هو حال الأحكام القضائية ومن ثم فإن الفرصة تسنح للمحاكم للتدخل في شئون عملية التحكيم عن طريق الرقابة التي تمارسها على حكم التحكيم الذي يطلب منها الأمر بتنفيذه، وعلى ذلك فإن رئيس المحكمة التي يودع أصل الحكم فيها يصدر أمر تنفيذ الحكم بدون مرافعة بعد اجراء مراجعة للحكم واتفاق التحكيم ويتأكد قبل إصدار الأمر بالتنفيذ من أن الحكم غير قابل للاستئناف وأنه ممكن التنفيذ ويضع الأمر بالتنفيذ بما يسمى الصيغة التنفيذية على الحكم نفسه وليس على ورقة منفصلة عنه ويتضمن اعلان المحكوم عليه ومطالبته بأداء ما جاء بمنطوق الحكم تماماً كما لو كان حكماً قضائياً (م ۱۸۵ مرافعات مدنية وتجارية) .
ومن الجدير بالذكر أن القاضي في فحصه للحكم التحكيمي لا يراقب موضوعه من حيث حقوق الخصوم القانونية المجردة كما لا يتدخل بحكم المحكم، فهو ليس قاضي استئنافي كما لا يملك الغاء الحكم وعلى ذلك فإن رقابته لا تتعدى مجالها المحدد بالقانون .
ويشارك التشريع الكويتي في هذا الشأن بعض التشريعات مثل التشريع الفرنسي والتشريع المصري، مع ملاحظة أن الفقه المصري يميل إلى تضييق حق قاضي التنفيذ بالتثبت من عدم وجود ما يمنع من تنفيذ الحكم وقصر هذا الحق في الرقابة على خلو الحكم مما يعيبه من حيث الشكل فقط .
وفي مقابل ذلك نجد أن بعض التشريعات تتطلب رقابة موضوعية على الحكم التحكيمي في مجال تنفيذه، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في قانون التحكيم الأمريكي من أنه إذا اتفق أطراف التحكيم على اصدار حكم محكمة يدخل فيه حكم التحكيم الذي صدر عقب عملية التحكيم وتم تعيين المحكمة المختصة فإنه يمكن لأي طرف خلال سنة من تاريخ صدور الحكم أن يتقدم بطلب للمحكمة المذكورة للحصول على أمر كتابي Order لاقرار الحكم وعلى المحكمة أن تمنح هذا الاقرار مالم يكن الحكم التحكيمي قد ألغى أو عدل أو صحح بموجب النصوص القانونية، فإن لم تعين المحكمة من جانب الأطراف كانت محكمة المقاطعة التي صدر منها الحكم هي المختصة على أن يتم إعلان الطرف الخصم بذلك وتكون المحكمة مختصة بنزاع هذا الخصم تماماً كما لو ظهر أمامها في أثناء سير الاجراءات، وعلى الخصم الذي يطلب الحصول على أمر مكتوب من المحكمة لإقرار الحكم التحكيمي أن يودع في نفس وقت تقديم الطلب لدى كاتب المحكمة اتفاقية التحكيم بما تشتمل عليه من اختيار المحكمين والوقت اللازم لإصدار الحكم أو تمديده إن وجد ثم الحكم نفسه وكل ملاحظة أو إقرار وكل مستند يقدم مع طلب الحصول على تصديق الحكم وكذا كل نسخة من أمر المحكمة يتعلق بالطلب ويدون الحكم كما لو كان صادراً في دعوى قضائية، ويكون له نفس القوة والأثر كما لو كان حكماً قضائياً من جميع الوجوه ويمكن أن ينفذ كما لو كان صادراً في دعوى قضائية Asif it had been rendered inaction in the court عن المحكمة التي أودع فيها الطلب .
وفي النظام الانجليزي، توجد ثلاث طرق يمكن للطرف الرابح في التحكيم أن يحصل بواسطتها على مساعدة المحاكم الانجليزية لتنفيذ حكم التحكيم والحصول على حقوقه إذا رفض المدعى عليه أداؤها طواعية أولهما : أن يقيم دعوى أساسها الحكم التحكيمي، وهي أسلوب القانون العام الانجليزي، وتجد أساسها في أن الإحالة للتحكيم التي يعقبها صدور حكم تحكيمي يثير التزاماً عقدياً على عاتق الطرف الخاسر بضرورة الالتزام بشروط الحكم لأن الإحالة تتضمن وعداً بتنفيذ الحكم وثانيهما: هو الحصول على اذن المحكمة بتنفيذ الحكم التحكيمي بنفس أسلوب الحكم القضائي والحصول على حكم بدلالة الحكم التحكيمي وثالثهما : تتم بتسجيل أحكام التحكيم الصادرة في بعض البلدان الأجنبية لدى المحكمة العليا في الحالات التي تسجل فيها الأحكام الصادرة في تلك البلاد بنفس الأسلوب شرط أن يكون الحكم قابلاً للتنفيذ في بلد الاصدار بنفس الطريقة التي تنفذ بها أحكام المحاكم هناك.
ومن كل ذلك يتضح أن الحكم التحكيمي يصدر ملزما لأطرافه مما يستتبع أن ينفذه هؤلاء الأطراف طواعية دون اكراه فإذا رفض الطرف الخاسر ذلك فإن الطرف الآخر يلجأ للمحاكم للحصول على أمر بتنفيذ الحكم وهذا الأمر بالتنفيذ إما أن يكون بعد ممارسة المحكمة لرقابة شكلية على الحكم وإما أن يعاد النظر بالحكم نفسه ومن ثم يصدر حكم قضائي أساسه الحكم التحكيمي وينفذ في الحالتين كما كان حكما قضائيا .