يعتبر تنفيذ الأحكام أهم وأدق المراحل في المنازعات التحكيمية، كم فما يصبو إليه كل طرف - بعد اجتياز كل الخطوات السابقة - هو المسارعة إلى تنفيذ الحكم اقتضاء لحقه الذي قضت به هيئة التحكيم.
ومن المتصور أن يبادر المحكوم عليه إلى تنفيذ الحكم بإرادته الحرة، فيكون التنفيذ عندئذ تنفيذا اختيارية. ومن المتصور أيضا - وهذا هو المألوف - ألا يبادر إلى تنفيذه اختیارا، وهنا يتباری مشرعو الدول في تقرير القواعد القانونية التي تكفل تنفيذ أحكام المحكمين بشكل ميسر، يتفق مع طبيعة نظام التحكيم بصفة عامة ويكون التنفيذ حينئذ تنفيذ جبرية لكونه يتأسس على الاستعانة بالسلطات العامة لإجبار المحكوم عليه على قبول الحكم. فالمقرر قانوناً أنه «لا يجوز التنفيذ الجبرى إلا بسند تنفيذي اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء.
وبالرجوع إلى قانون التحكيم المصرى نجد أن مادته الأولى صرت نطاق تطبيقه - كما نعلم - على التحكيم إذا كان «يجري في مصر، أو كان تحكيمه تجارية دولية يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه أحكام هذا القانون». وتعني هذه المادة سريان مختلف النصوص الواردة في هذا القانون على التحكيم في فرضين:
1- إذا كان التحكيم يجري في مصر، أي إذا كانت مصر هي مقر التحكيم سواء كان القانون المصرى هو الواجب التطبيق على موضوع النزاع أم لا، وسواء جرى التحكيم بالخضوع لأحكام قانون التحكيم المصري أم لا، وسواء كان التحكيم أيضا داخلية أم تجارية دولية.
۲- إذا كان التحكيم تجارية دولية يجري في الخارج ولكن اتفق أطرافه علی خضوعه لقانون التحكيم المصري، فقد يتصور أن يجري التحكيم في الخارج مع اتفاق أطرافه على خضوعه للقانون المصري. والمنطقي أن يشمل هذا الخضوع القواعد المقررة في شان تنفيذ الحكم النهائي وذلك بصريح المادة الأولى من قانون التحكيم. والملاحظ - مع ذلك - أن المادة الأولى اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۰۸ بشان الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين تقض بتطبيق هذه الاتفاقية على «أحكام المحكمين الصادرة في إقليم دولة غير التي بطلب إليها الاعتراف وتنفيذ هذه الأحكام على إقليمها»، بما يعني أنهما تعارضا في مجال تطبيق قانون التحكيم المصري وفقا لمادته الأولى ومجال تطبيق اتفاقية نيويورك وفقا لمادتها الأولى أيضاء فقانون التحكيم يوسع من نطاق تطبيق أحكامه – ومنها القواعد المتعلقة بالتنفيذ بطبيعة الحال - ليشمل أحكام التحكيم الصادرة في مصر وتلك التي صدرت في الخارج بالخضوع للقانون المصري. أما اتفاقية نيويورك فتحدد مجال تطبيقها بمختلف أحكام التحكيم الصادرة في الخارج ولو بالخضوع للقانون المصري. ولا سبيل لفك هذا التعارض إلا بالانتصار لاتفاقية نيويورك، على اعتبار أن الدولة - أی دولة - لا تستطيع - بإرادتها المنفردة - التعديل أو الانتقاص من مجال تطبيق أي اتفاقية ارتضت الانضمام إليها. فالدولة ملتزمة - وفقا للمبادئ المستقر عليها في القانون الدولي - بصياغة تشريعاتها الداخلية بما يتفق مع التزاماتها الدولية. ولا غرو في ذلك فقد نصت المادة الأولى من قانون التحكيم ذاته على أن أحكامه تسري بشرط «عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية»، وهو ما يعني على اتفاقية نيويورك وسمو أحكامها على قواعد قانون التحكيم. وبهذه المثابة يخضع حكم التحاكم من حيث تنفيذه للقواعد الواردة في قانون التحكيم إذا كان صادرا في ما اولو بالخضوع لغير أحكام القانون المصري، في حين يخضع لاتفاقية إذا كان صادرة في الخارج ولو بالخضوع لأحكام القانون المصر تعبير المادة الأولى من الاتفاقية إذا كان صادرة في إقليم دولة غير الله فيها الاعتراف به أو تنفيذه على إقليمها.
الأثر المترتب على توافر الشروط المسابقة: إذا توافرت الشروط اللند بأن تم التقدم بطلب لتنفيذ حكم التحكيم الوطني بأمر على عريضة وفقا لنص المادة 194 مرافعات، مرفقا به المستندات التي حددتها المادة 56 تحكيم، وانتفت عنه الموانع المنصوص عليها في المادة 58 تحكيم، فإنه يجب على القاضي أن يصدر أمره بالكتابة على إحدى نسختى العريضة في اليوم التالى التقديمها على الأكثر». وقد جرى العمل - رغم ذلك - على عدم احترام هذا الميعاد، حتى يجد القاضي الوقت المناسب لفحص حكم التحكيم وحيثياته، زانان - ولو من حيث الظاهر أنه لا يخلاف قواعد النظام العام في الجمهورية.
التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ جائزة كالتالي من الأمر الصادر برفض التنفيذ سواء بسواء. بيد أنه، وإذا كانت المادة ۳/۰۸ قد حددت الميعاد والمحكمة المختصة بالتظلم من الأمر برفض التنفيذ وهی المحكمة المختصة وفقا للمادة 9 وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدور الأمر، فإنه لا يوجد أي تحديد بخصوص التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ، ومن ثم يثور التساؤل عن المحكمة المختصة، والموعد المحدد لرفع هذا التظلم؟ لا مناص من الرجوع للقواعد العامة، وتحديدا المادتين ۱۹۷ و ۱۹۹ من قانون المرافعات. وتعطى هاتان المادتان للمتظلم الخيار بين أمرين:| الخيار الأول: ورد النص عليه في المادة ۱۹۷ ومقتضاه أن يكون التظلم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أمام المحكمة خلال عشرة أيام من تاريخ البدء في تنفيذ الأمر أو إعلانه بحسب الأحوال. وتحكم المحكمة فيه بإصدار الأمر أو بتأييد الأمر الصادر أو بتعديله أو بإلغائه. ويجب أن يكون التظلم مسببة وإلا كان باطلا». والمحكمة المختصة وفقا لهذا النص هی المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع وفقا للقواعد العامة في الاختصاص الواردة في قانون المرافعات، على أن يتم التظلم خلال موعد أقصاه عشرة أيام من تاريخ البدء في التنفيذ أو الإعلان بحسب الأحوال.
الخيار الثاني: وقد ورد النص عليه في المادة ۱۹۹، ويقضي بأن يكون لذوي الشأن بدلا من التظلم للمحكمة المختصة الحق في التظلم منه لنفس القاضي الأمر بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى... ويحكم القاضي في التظلم بتایید. الأمر أو بتعديله أو بإلغائه ويكون حكمه قابلا لطرق الطعن المقررة للأحكام».
ويلاحظ - على أي حال - اختلاف الميعاد والمحكمة المختصة بحسب موضوع التظلم، إذ لو كان موضوعه التظلم من رفض التنفيذ كانت المحكمة المختصة هي المنصوص عليها في المادة 9 وخلال ثلاثين يوما من تاريخ صدور التظلم، أما إذا كان موضوعه التظلم من الأمر الضادر بالتنفيذ، فإن تحديد المحكمة المختصة يتقرر وفقا للقواعد العامة في قانون المرافعات على أن يتم رفعه خلال عشرة أيام من تاريخ البدء في التنفيذ أو إعلان التظلم. وتلك مفارقة شاذة وعجيبة نتجت عن حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة 3/58 فيما قررته من عدم جواز التظلم في الأمر الصادر بالتنفيذ. وإدراكا منها لهذه المفارقة، فقد دعت المحكمة الدستورية العليا المشرع.
1- قانون التحكيم المصري وما يتضمنه من نصوص لتنفيذ أحكام المحكمين ولا سيما أنه وسع من نطاق تطبيقه ليشمل ليس فقط أحكام المحكمين الصادرة في مصر وإنما أيضا الأحكام التي تصدر في الخارج مع اتفاق أطراف التحكيم على جريانه وفقا لأحكامه.
وتأسيساً على ذلك فقد وحد القضاء القانون الإجرائي لتنفيذ أحكام التحكيم على الإطلاق، حيث يخضع تنفيذ أحكام التحكيم الوطنية والأجنبية للقواعد الإجرائية التي قررها قانون التحكيم على حد سواء.