ونظراً لأن الكمال والسمو من الصفات المقصورة على الخالق -عز وجل- وحده ، فلقد أجاز المشرع المصري الطعن على حكم التحكيم بالبطلان إذا توافر سبب من الأسباب الواردة في المادة 53 تحكيم ، ولا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعى البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم (م54 / 1 تحكيم) .
وأساس هذا التشكك ما ورد في المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون التحكيم من التقرير بقبول طلب التنفيذ بمجرد رفع دعوى البطلان دون انتظار لانقضاء ميعاد التسعين يوماً المضروب لرفع دعوى البطلان حيث تقول : ومع ذلك إذا أقيمت هذه الدعوى خلال الميعاد عاد إلى من صدر حكم التحكيم لصالحه حقه الأصلي في طلب تنفيذ الحكم مباشرة لكي لا يظل سلبياً بعد أن هاجمه خصمه بإقامة دعوى البطلان ، وإلى هذا الرأي ذهب بعض الفقهاء حيث يقول بعضهم على سبيل المثال ولا يمكن قبول طلب التنفيذ إلا بعد انقضاء ميعاد رفع دعوى بطلان حكم المحكمين وهو كما رأينا تسعون يوماً من تاريخ إعلان الحكم إلى المحكوم عليه ، أما إذا كان المحكوم عليه قد رفع دعوى البطلان خلال الميعاد فيصبح ممكناً قبول طلب تنفيذ الحكم لأن الأصل أن مجرد رفع دعوى البطلان لا يوقف هذا التنفيذ وفقاً لنص المادة 57 تحكيم ولا يختلف الأمر إلا إذا أقرن طالب البطلان طلبه في صحيفة دعوى البطلان بطلب وقف التنفيذ ورأت المحكمة استناد الطلب على أسباب جدية فلها أن تأمر بوقف التنفيذ خلال ستين يوماً من تاريخ أول جلسة محددة لنظر طلب الوقف .
ورغم وجاهة هذا الرأي إلا أنه بتعارض مع صريح نص المادة 57 تحكيم التي تقرر إمكانية طلب وقف التنفيذ من محكمة البطلان مما يعني أن الحكم الذي طعن عليه بالبطلان يكون قابلاً للتنفيذ الجبري وإلا ما كانت هناك حاجة إلى طلب الوقف طالما هو غير قابل للتنفيذ أصلاً طوال مدة الطعن طالما لم يرفع بعد ، أو إلا بعد الفصل في دعوى البطلان إن رفعت خلال الميعاد المقرر لها .
ونعتقد أن هذا أمر منطقي فقد يستمر نظر دعوى البطلان لعدة سنوات وبالتالي فالقول بعدم إمكانية تنفيذه خلال نظرها يعني شل نشاط التحكيم وتفويت الغايات المبتغاة من تنظيمه واللجوء إليه ، وكل ما مكن قبوله هو أنه لا يجوز التقدم بطلب الأمر بالتنفيذ إلا بعد انقضاء مدة الطعن بالبطلان طالما لم يطعن عليه بالفعل ، أما إذا طعن عليه بالبطلان خلال مدة التسعين يوماً فإننا نقول إنه بإمكان من صدور حكم التحكيم لصالحه أن يتقدم بطلب الحصول على الأمر بالتنفيذ بعد انقضاء مدة التسعين يوماً سالفة الذكر .
وتوفيقاً بين الأمرين فإننا نرى أنه بإمكان من صدر ضده حكم التحكيم أن يتقدم بطلب جديد لوقف طلب التنفيذ شريطة أن يكون ميعاد الطعن بالبطلان لا زال قائماً ، وأن يتنازل عن طلبه الأول - الذي لم يتضمن طلب وقف تنفيذ حكم التحكيم - حتى لا يتعارض هذا الفرض وصريح نص القانون الذي يتطلب تعاصر الطلبان معاً ، علماً بأن المحكمة سوف لا تحكم بوقف التنفيذ إلا إذا كان الطلب مبنياً على أسباب جدية يرجح معها الحكم بالبطلان ، وبذلك الحل نكون قد مكنا محكمة البطلان من إمكانية استخدام سلطة الأمر بوقف تنفيذ حكم التحكيم على أن تسارع في الفصل في طلب الوقف لأن مجرد رفع دعوى البطلان وطلب الوقف لا يحول دون التقدم بطلب الحصول على الأمر بالتنفيذ طالما انقضى ميعاد الطعن بالبطلان وإلا فاتت الغاية المبتغاة من تنظيم هذه المكنة الوقائية.
لإقامة للتمييز بناء على الفصل في طلب الوقف وليس مجرد رفع دعوى البطلان كما هو الحال بالنسبة للرأي الأول ، لأن الخصم قد يتقدم بطلب البطلان دون تضمينه لطلب الوقف ثم يحاول استدراك خطئه طالما أن ميعاد ما زال قائماً وذلك بتنازله عن طلبه السابق والتقدم بطلب جديد يتضمن طلب الوقف التنفيذ .
وبذلك فإن النظام المصري يغاير النظام الفرنسي الذي يقصر أثر قيام ميعاد الاستئناف أو البطلان على وقف التنفيذ دون أن يشكل انقضاء هذا الميعاد شرطاً لقبول طلب الحصول على الأمر بالتنفيذ كما هو الحال في النظام المصري .