التنفيذ / النظام الإجرائي لتنفيذ أحكام التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تطبيق المحكم الدولي لعادات وأعراف التجارة الدولية / بعض القواعد الواجب مراعاتها لتسهيل تنفيذ أحكام التحكيم
بعض القواعد الواجب مراعاتها لتسهيل تنفيذ أحكام التحكيم
بالطبع وكما قلنا من قبل أن الغاية التي يبتغيها كل شخص من اللجوء إلى القضاء هو الحصول على حقه وفي الحقيقة أن هذه الغاية لا تتحقق فقط بالحصول على حكم قضائي يثبت فيه أنه صاحب حق بالفعل أو له لحق ... في الحصول على كذا أو كذا.
ولكن ذلك يتحقق بتنفيذ ذلك الحكم على أرض الواقع وحصول هذا، الشخص أو الطرف على حقه بالفعل. فهذه الغاية ليست غاية معنوية أو نفسية بل إنها غاية مادية وأن تلك المادية تتمثل في التنفيذ الفعلي للحكم الصادر من الجهة القضائية.
لذا فإن التنفيذ وبحق هو عنق الزجاجة الذي يجعل للنظام القضائي أهمية أكبر. بل وليس ذلك فحسب بل المصداقية التي تجعل الكافة يثقون في هذا النظام وفي جديته.
لذلك فإننا نأمل في أن توجد الاتفاقية نوعا من الانفرادية في هذه المسألة .. في محاولة للخروج على كل المألوف الذي لم يحقق حتى الآن أي من المأمول.
ولقد عنيت بمسألة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية على وجه الخصوص اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية. ولكننا نرى أنها لم تصل إلى الآن بنا إلى ما نبتغيه لهذه المسألة الهامة. فضلاً عن ذلك فإنه لا يتصور وجود اتفاقية دولية تعني بوضع قانون موحد معلوم لحكم العلاقات والعقود التجارية الدولية ولا تتحدث عن تنفيذ الأحكام الصادرة بشأن مثل هذه العقود والعلاقات.
لذلك فإنه لابد وأن تتحدث هذه الاتفاقية عن بعض المشكلات التي تواجه تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة بشأن نزاعات التجارة الدولية وأهمها:
أولا: مشكلة تصادم الحكم التحكيمي مع قواعد النظام العام في بلد التنفيذ:
كما قررنا سلفا أن لكل دولة الحق في تقرير ما يصبو لها من قواعد ولكي تحافظ على هوية المجتمع وسماته العامة والتي يعبر عنها بمصطلح قواعد النظام العام.
وفي الحقيقة أن ذلك الحق المقرر لكل دولة لا يجب أن يطغى على حقوق الأطراف العاملون في المجال التجاري الدولي، سيما بعد تنامي مثل هذه الأعمال التي أصبحت تشكل وبحق اليد العليا التي تساعد على نمو المعدلات الاقتصادية للكثير من الدول.
وبعد أن أصبحت مثل هذه المعاملات بأطرافها تشكل مجتمعا منفصلاً عن جميع المجتمعات الداخلية للدول أصبح لهذا المجتمع التجاري الجديد الحق في أن تنفذ جميع القرارات والأحكام الصادرة من جهته القضائية صاحبة الاختصاص الأصيل. وبدون الافتئات على حق كل دولة في الحفاظ على هوية مجتمعها.
وفي الحقيقة أن صعوبة تلك المسألة تثور في الأساس لعدم معرفة المحكم للنظام القانوني الذي سيؤول إليه الحكم الصادر في الدعوى التحكيمية لطلب تنفيذه.
ولكن لأن الاتفاقيات الدولية هي في علة وجودها محاولة لتوحيد جميع الدول على نظام قانوني واحد .. فإننا نأمل في أن تضع هذه الاتفاقية التي نطالب بوجودها حلاً لهذه الإشكالية.
لذلك فإننا نقترح بشأن هذه الإشكالية أن تتضمن الاتفاقية النص التالي: -
"على هيئة التحكيم أن تراعي قواعد النظام العام في بلد التنفيذ ولها في سبيل ذلك، أن تطلب من الأطراف تقديم الكتيب المنصوص عليه في الفقرة التالية، كل على حسب دولته".
تلتزم كل دولة من الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية بان تصدر كتيبا تنص فيه على كافة القواعد التي يكون من حقها عند عدم مراعاتها من جانب هيئة التحكيم أن ترفض إصدار أمرا بتنفيذ حكم التحكيم المخالف لهذه القواعد.
فإذا لم تراعي هيئة التحكيم هذه القواعد، جاز لدولة التنفيذ رفض تنفيذ ذلك الحكم، وإبلاغ الهيئة المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بتلك المخالفة أو ذلك الخطأ."
وبالرغم من أن هذا النص قد يسبب مشقة على هيئة التحكيم تتمثل في ضرورة دراسة قواعد النظام العام في كافة الدول التي ينتمي أطراف النزاع إليها.
إلا أنه سوف يساعد على تخطي عقبة النظام العام التي غالبا إما تقف حائلاً بين الحكم التحكيمي وتنفيذه.
وفي الحقيقة أنه لا نجد أمامنا بدا من إقرار تلك المشقة فهي من وجهة نظرنا الأسهل تحقيقا والأكثر واقعية. فلا توجد أية سلطة في العالم أجمع تستطيع أن تجبر الدول على التخلي عن حقها في حفظ هويتها وكيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي بإقرار هذه القواعد.
ولكن قد يكون أقرب إلى الواقعية إجبار تلك الدول على تحديد هذه القواعد على وجه دقيق وتجميعها في مؤلف مستقل لكي تتمكن هيئة التحكيم من الإطلاع عليه بسهولة لكي تستطيع أن تراعي قواعده.
أن الطابع الوطني لمسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية في الدولة، مفهوما على هدي تلك الاعتبارات، لا يعني الاحتكار أو الإجحاف مما يحمله من خطر التقوقع، أي لا يصح أن يؤدي إلى أن تنكر الدولة واقع وجودها في الجماعة الدولية بأن تضرب عرض الحائط بكل حكم يأتيها من الخارج، فلا تعتد بآثاره ولا تقبل تنفيذه فيها، مستلزمة على الدوام من صاحب المصلحة في هذا الحكم أن يرفع دعوى مبتدأ بالحق المطالب به أمام قضائها الوطني ولا يصح ذلك لأن هناك حاجة للمعاملات الدولية التي تقتضي المرونة التي تحقق سرعة إيصال الحقوق إلى أصحابها والاستقرار الذي يوفر الثبات والمراكز القانونية التي تقررت أو نشأت بمقتضى أحكام قضائية.