الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / النظام الإجرائي لتنفيذ أحكام التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 31-32 / أصول تنفيذ الحكم التحكيمي

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 31-32
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    267

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمة:

   يمكن تعريف أصول التنفيذ بأنها مجموعة القواعد القانونية التي تهدف إلى تنفيـذ الأحكـام والعقود والأوراق التي عني بها المشرع في سبيل إيصال الحق الثابت إلى صاحبه.

    وما من شك في أن الهدف الأساسي من لجوء الأطراف إلى التحكيم كوسيلة سـلمية لحـل المنازعات في ما بينهم هو تمكين من سيصدر الحكم لصالحه من الحصول علـى حقـه بـأيـسر الإجراءات وأسهلها دون تكبد عناء مشقة اللجوء إلى قضاء الدولة وما يستلزمه من ضياع للوقت والنفقات... الخ.

   لذلك كان من الطبيعي أن يسارع الطرف الخاسر إلى تنفيذ الحكم الصادر ضـده طوعـاً واختياراً، وإلا جرد التحكيم من كافة مزاياه، وحوله إلى وسيلة لضياع الوقت والجهد والنفقـات، وفي ذلك من الضرر ما لا يخفى، فتنفيذ حكم التحكيم يمثل أساس نظام التحكيم نفـسـه ومحـوره ويتحدد به مدى فاعليته كأسلوب ودي لفض المنازعات.

   ويعرف الفقه تنفيذ الحكم بأنه: أسلوب قيام المدين بالوفاء بما التزم بـه، أو إجبـاره علـى الوفاء.

  وتنطبق هذه القاعدة على حكم المحكمين، وبناء على ذلك، فإن تنفيذ حكم المحكمين الوطني والأجنبي يكون إما بالطريقة الاختيارية وإما بالطريقة الإجبارية.

   والواقع أن امتثال الطرف الخاسر للحكم الصادر ضده وتنفيذه طواعيـة واختيـارا يعن استمرار العلاقات الودية بين الأطراف، بل دفعها قدماً إلى الأمام، وذلك هدف أساسي وجوهري من لجوئهم إلى قضاء التحكيم بدلاً من القضاء العادي صاحب العلاقات المحطمة. ولذا قيل بـأن الأطراف في التحكيم يدخلون إلى القضاء وهم ينظرون إلى الوراء، بينما يدخلون إلـى التحكـيم وهم ينظرون إلى الأمام.

   من جهة أخرى، فهو يتميز بعدم التقيد بشكلية معينة، حيث أن الشكلية اللازمة لإيـداع قـرار التحكيم في حالات التنفيذ الجبري ليست بلازمة طالما أن قرار التحكيم صـحيح فـي حـد ذاتـه. وإضافة الى ذلك، فإن التنفيذ الرضائي لحكم التحكيم لا يتقيد بشكلية معينة، كما هـو الحـال فـي التنفيذ الجبري، وإنما يتم بأي صورة تحقق حصول صاحب الحق على حقه. كما أن المسارعة في تنفيذ الحكم طواعية واختيارا دون انتظار فوات مدة الاعتراض عليه، في حال قابليته للاعتـراض، تعني التنازل الصريح أو الضمني بحسب الأحوال عن وسائل الاعتـراض عليـه، بـل الموافقـة والقبول لذلك القرار التحكيمي، طالما كانت هذه الموافقة لا تثير لبساً ولا غموضاً، وإن ذلك سيغني عن ضرورة الرجوع إلى الجهة القضائية لمنح حكم التحكيم القوة التنفيذية التي يفتقدها.

   ومن حسن الطالع أن الإحصاءات تؤكد أن أحكام التحكيم بصفة عامة، وفي نطاق التجـارة الدولية، على وجه الخصوص، يتم تنفيذها طواعية واختياراً بنسبة تتجاوز 90% من كم الأحكام الصادرة بالإلزام.

   والواقع أن الإحصاءات الصادرة عن غرفة التجارة الدولية، تشير إلى أن حوالي 95% من أحكام التحكيم الصادرة عن هيئات التحكيم التابعة لها تنفذ دون أية معارضة أو إشكال، مما يجعل من حالات الطعن في حكم التحكيم بالبطلان أو الإشكال التنفيذي بمثابة الاستثناء على القاعدة التي تفرض تنفيذ الحكم دون طعن أو إشكال.

    ويرجع امتثال أطراف العلاقة التحكيمية للحكم الصادر وتنفيـذهم لـه طواعيـة للأسـباب التالية:

   1- وجود تشريع ينظم عملية تنفيذ الحكم التحكيمي تنظيماً دقيقاً، سواء أكان ذلك التشريع داخليا أم دوليا، كاتفاقية نيويورك لعام 1958، واتفاقية واشنطن لعـام 1965... الـخ، وذلك لإدراك الجميع أن الوفاء سوف يتم عاجلاً أم آجلاً، طواعية أم كرهاً.

   2- خشية من صدر ضده حكم التحكيم أن يعد عدم تنفيذه دليلاً على وضعه المالي الـسيئ، مما قد يسبب له مشاكل كثيرة في نطاق المعاملات التجارية.

   3- خشية احتمال انتقاده وتوجيه اللوم إليه من قبل مجموعة تجارية أو اتحـاد تجـاري أو مهني معين دون أن يصل هذا الإجراء إلى حد الجزاء.

   4- إن تنفيذ الحكم التحكيمي اختياراً ربما يكون الطريق الأيسر أو الأقل صعوبة بالنـسبة للمحكوم ضده، وذلك طمعاً في استمرار المعاملات بينه وبين بقية الأطـراف، أو لأن ممتلكات الطرف الخاسر في حوزة الطرف الصادر لصالحه الحكم...الخ.

   5- عدم التنفيذ الإداري قد يعرض المحكوم ضده لبعض الجزاءات، والتي تعرف خاصـة في نطاق الاتحادات المهنية والتجارية المختلفة مثل مؤسسات التحكيم التابعـة لـبعض غرف التجارة، وخصوصاً تجارة المواد الخام وتجارة الحبوب، والتي تأخذ صورة نشر رفض التنفيذ من قبل المحكوم ضده.

وقد يتمثل الجزاء بحرمان الممتنع من الحصول على قروض إضافية من البنك الدولي، كما هو الحال في مركز تسوية منازعات الاستثمار بواشنطن. كما الجزاء فـي مجـال الإنشاءات قد يتمثل في رفض كبار المقاولين الدوليين المشاركة في المشروعات التـي تقيمها الدولة الممتنعة عن التنفيذ، أو في فرض شروط مالية باهظة عليها.

6- بعض المراكز التحكيمية قد تتطلب من الأطراف أو من بعضهم دفع مبالغ مالية علـى ذمة الدعوى التحكيمية ككفالة أو ضمان لتنفيذ الحكم التحكيمي المنتظر إصداره، ممـا يشكل ضغطاً مادياً على رافض التنفيذ اختياراً مجبوراً بمثل هذا الجزاء المادي.

المطلب الأول

تنفيذ الحكم وإكساؤه صيغة التنفيذ

   إن وجود حق بدون توفير حماية قانونية له يعتبر هو والعدم سواء، فمن المأثور عن أميـر المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه  قوله: {لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له}؟.

   وإن معنى التنفيذ تحقيق الحكم أو الحق الثابت وإخراجه من حيز النص إلى مجال التطبيـق العملي، والأصل في التنفيذ أن يقوم المحكوم عليه أو المدين بتنفيذه طوعاً، وفـي هـذه الحالـة يقتضي الالتزام، أما في حال عدم التنفيذ الطوعي فإن أول مشكلة ستواجه مـن صـدر الحكـم لصالحه هي مدى إمكانية تنفيذه له على غرار الحكم القضائي. والمحكم لا يملك سلطة الجبر التي هي من اختصاص الدولة فقط، وإن هذا الوضع يستلزم في غالبية النظم القانونية، ومـن بينهـا سورية ولبنان ومصر وفرنسا، الرجوع إلى قضاء الدولة للتأكد من صحته، ومن ثم منحه القـوة التنفيذية التي ترفعه إلى مرتبة الأحكام القضائية.

   تنص المادة /148/ من القانون المدني السوري أن: «العقد شريعة المتعاقدين، فـلا يجـوز نقضه ولا تبديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون». وينتج من هذه القاعدة أنه إذا اتفق الأطراف على حل خلافاتهم الناشئة أو التي سوف تنشأ في المستقبل عن طريق التحكيم، يصبح لهذا الاتفاق حجية على أطرافه، ويلزمون بتنفيذه، وعرض نزاعاتهم المعنية على التحكيم ، ما لم يكن باطلاً ولا يقبل التنفيذ.

   إن القاعدة في قانون التحكيم السوري ضمن هذا الإطار تقـضـي بـأن أحكـام المحكمـين الصادرة وفق أحكام هذا القانون تتمتع بحجية الأمر المقضي به، وتكون ملزمة وقابلـة للتنفيـذ تلقائياً من قبل الأطراف أو بصفة إجباري، إذا رفض المحكوم عليه تنفيذها طوعاً بعـد إكسائها صيغة التنفيذ. (المادة /53/ من قانون التحكيم السوري). وأما إذا كان الأمر (الذي) يخص تنفيـذ حكم المحكمين صادراً في بلد أجنبي، فيشترط لتنفيذه في سورية أن يكون نهائيا وقابلاً للتنفيذ في مكان صدوره. وينفذ وفقاً للشروط القانونية وقواعد الاختصاص والمعاملة بالمثـل المنـصوص عليها في المواد /306-309/، على ألا يخل تطبيق هذه القواعد بأحكام اتفاقيات التحكيم الدوليـة التي تبرمها سورية مع غيرها من الدول لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، عملاً بالمادة /311/ من القانون.

   فإذا رفض المحكوم عليه تنفيذ الحكم بصورة رضائية، فإن تنفيذه بصورة جبرية يستدعي إبداع حكم المحكمين الوطني ديوان المحكمة المختصة بالفصل في أصل النزاع (المادة 1/43 من قانون التحكيم السوري) وتقديم حكم المحكمين الأجنبي إلى المحكمة التـي يجـري التنفيـذ فـي منطقتها، والطلب إليها منح الحكم صيغة التنفيذ وفقا للإجراءات المنصوص عليها فـي القـانون بالنسبة لأنواع هذه الأحكام.

   إذاً مما تقدم نجد أنه يدخل في مفهوم الأحكام التي تقبل التنفيذ الجبري تلك الـصادرة عـن المحكمين، فقد أجاز القانون للأفراد أن يتفقوا على عرض ما يقوم أو ما قد يقوم من نزاع علـى محكم أو أكثر. وبحث الشارع في النواحي المختلفة للتحكيم في المواد (506-534) من قـانون أصول المحاكمات، وهي المواد التي ألغيت بصدور القانون رقم /4/ لعـام 2008 الخـاص، ولكنها ماتزال سارية بالتحكيم الإداري بموجب المادة الثانية من قانون التحكيم.

   والواقع، وكما قال أحد كبار القضاة، إن الدعوى تربح مرتين، مرة أمام محاكم الموضـوع عند صدور الحكم ومرة أمام دوائر التنفيذ. وتعقيباً على ذلك قال الدكتور محي الدين القيـسـي أستاذ القانون العام في الجامعة اللبنانية وأمين عام المركز اللبناني للتحكيم: (إن التحكـيم ينتهـي فعلاً بنجاح عند الاستحصال على الصيغة التنفيذية).

   ولأن دل هذا القول على تعقيد أصول التنفيذ فهو يدل أيضاً على أهمية هـذه الأصـول وفائدتها من الوجهة العملية، لأنه ما الفائدة مـن كـسـب الـدعوى أو القضية التحكيميـة المكرسة للحق وصدور الحكم القضائي أو القرار التحكيمي بشأنها إذا لم يتحقق هذا الحـق بالتنفيذ؟

    وعليه يتعين لمعالجة الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية للبحث في المواضيع الآتية:

  1) ما معنى الصيغة التنفيذية وفق التشريع اللبناني؟

   إنها تعني إعطاء القرار التحكيمي (الداخلي أو الدولي) القوة التنفيذيـة ليتسنى لـصاحب المصلحة المطالبة بتنفيذه أمام دائرة التنفيذ التابعة لقضاء الدولة.

    علماً أن للقرار التحكيمي حجة القضية المحكوم بها منذ تاريخ صدوره (المادة /303/ أصول مدنية لبناني) وعليه، يمكن إلقاء الحجز الاحتياطي استنادا إلى قرار تحكيمي لـم يكتسب بعـد الصيغة التنفيذية انطلاقاً من مبدأ حجية القضية المحكوم بها التي يتمتع بها القرار التحكيمي. مـع التنويه بأنه يجوز التنازل عن وجوب الاستحصال على الصيغة التنفيذية في حال تم هذا التنـازل بعد صدور القرار التحكيمي، إذ يمكن للمحكوم عليه، كما سبق أن ذكرنا، تنفيذ مضمون القـرار التحكيمي طوعاً مع استثناء يتعلق بالأموال العمومية أي بالقرارات الصادرة ضد الدولة أو أحـد أشخاص القانون العام.

   ولكن هل هناك مهلة معينة لتقديم طلب الحصول على الصيغة التنفيذية؟

   لا، ولكن المهم تقديمه ضمن فترة الزمن العادي.

   2) من هي الجهة المختصة للنظر في طلب إعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية ذات الطابع التجاري أو الطابع الإداري؟

   أ- في التحكيم الداخلي: تعطى الصيغة التنفيذية الغرفة الابتدائية الكائن في منطقتها مركـز التحكيم المتفق عليه، والتي أودع أصل القرار في قلمها، وإلا للغرفة الابتدائية في بيروت (المادة /793/ معطوفة على المادة /770/ أصول).

    ويختص رئيس الغرفة الابتدائية (أي عمليا رئيس الغرفة الناظرة في المسائل التجاريـة) بإصدار القرار بمنح الصيغ التنفيذية للقرارات التحكيمية (الداخلية والدولية) ويتم ذلك عن طريق إصدار قرار بأمر على عريضة، علماً أن رئيس المحكمة عندما يمنح الصيغة التنفيذيـة للقـرار التحكيمي، فإنه يمحصه من حيث الظاهر بتفحصه الشروط الشكلية فقط.

   إن ما تقدم ينطبق على القضايا المدنية والتجارية، فما هو الأمر بالنسبة للقضايا الإدارية، لقد جاء في قرار لرئيس مجلس شورى الدولة اللبناني الأسبق رقم287 بتاريخ 1966/3/29،

   رداً على طلب بنك سورية ولبنان إعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي الـصـادر فـي 1965/9/21 ضد مصرف لبنان ما يأتي:

   «لما كان البند التحكيمي في المواد الإداريـة أمـرا شـاذا عـن القاعـدة العامـة، فإنـه يقتضي تطبيقه بحصر تفسير أحكامه، إن المرجع الذي يجـب أن يرفـع لديـه النـزاع لـولا التحكيم هو المرجع الصالح لإعطاء قرار المحكمين الصيغة التنفيذيـة (المادتـان /835 و841/ من قانون الأصول المدنية السابق الـصـادر عـام 1933) وإعطـاء الـصيغة التنفيذيـة لـيس أمراً داخلاً في التحكيم، وليس هو مجرد معاملة شكلية متممة لـه، إنمـا هـو عمـل قـضـائي يجري في حال عدم التنفيذ الرضائي للقرار، على شرط أن تتوافر فيه عناصر قانونيـة أساسـية خاضعة لسلطان القاضي وهو العمل القضائي الأول الذي يرتكز عليـه تنفيـذ القـرار، وعنـد الاقتضاء طرق المراجعة (لدى مجلس شورى الدولة) تطبيقاً للمواد الأصولية الواردة فـي بـاب التحكيم، وبما أنه والحالة ما ذكر يكون موضـوع الطلـب (إعطـاء الـصيغة التنفيذيـة) مـن اختصاصنا.

   وبما أنه ليس في القرار التحكيمي ما يخالف النظام العام أو الأخلاق العامة فلا مـانـع مـن إعطائه الصيغة التنفيذية».

   لكن رئيس مجلس شورى الدولة اللاحـق فـي قـراره الصادر فـي 1969/6/3 فـي مراجعة المعترض مصرف لبنـان ضـد القـرار المعتـرض عليـه الـصادر لـصالح بنـك سوريا ولبنان، خالف قرار الرئيس السابق ذكـره، إذ جـاء فيـه: «إن قـرارات إعطـاء الصيغة التنفيذية هي من القرارات القـضائية التـي تقبـل جميـع طـرق المراجعـة العاديـة بما في ذلك الاعتراض أمام القاضـي الذي أصدر القرار المطعون فيه، وفي تعيين المرجـع الصالح لإعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية لا مجال للتفريق بين النزاعـات المدنيـة والتجارية والإدارية، إذ أن رئيس محكمة الدرجة الأولى يبقى وحـده بحكـم القـانون صـاحب الصلاحية المطلقة وبمعزل عن صلاحية المحكمة الصالحة للنظر في أساس النزاع لولا وجـود التحكيم.

   إذا ما أعطى قاض غير صالح لقرار تحكيمي الصيغة التنفيذية، فإن قراره يكـون عرضـة للإبطال بسبب الصلاحية المطلقة، وتعلق المسألة بالنظام العام.

   وبما أن القرار المعترض عليه صادر عن مرجع غير صالح فيقتضي الرجوع عنه، لهـذه الأسباب نقرر الرجوع عن القرار المعترض عليه وإعلان عدم اختصاصنا لإعطـاء الـصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية».

  إزاء هذا التباين بين الموقفين لرئيس مجلس شورى الدولة، جاء قانون أصول المحاكمـات المدنية عام 1985، وأضاف فقرة ثانية الى المادة /795/ جاء فيها: «إذا كان موضوع التحكـيم يدخل في صلاحيات القضاء الإداري تعطى الصيغة التنفيذية من رئيس مجلس شـورى الدولـة وفي حال رفضها يعترض على قراره لدى مجلس القضايا». مما يعني أن المشرع حسم مسألة التباين والتناقض بين الموقعين السابقين، وأكد صلاحية رئيس مجلس شورى الدولة في إعطـاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية الصادرة بشأن النزاعات التي هي من اختصاص القـضاء الإداري وأجاز الاعتراض عليها فقط في حال الرفض، وذلك أمام مجلس القضايا.

   عام 2002 صدر القانون رقم 440 تاريخ 2002/7/29 الذي أضاف إلى المادة /795/ ما يلي: «يفهم بالنزاع موضوع هذه الفقرة النزاع الذي يمكن أن ينشأ بين المتعاقدين فـي العقـد الإداري عن تفسير هذا العقد أو تنفيذه دون طلبات الإبطال بسبب تجاوز حد السلطة التي تبقـى حصراً من صلاحية القضاء الإداري»، أي أن المحكم لا ينظر في صحة العقد الإداري، الحال بالنسبة للعقد المدني أو التجاري، كما لا ينظر المحكم في شـرعية القرارات الإداريـة المتصلة أو المنفصلة عنه. وهذا سوف يزعزع كثيراً نظرية الأعمال المتصلة والأعمال المنفصلة المعروفة في الاجتهاد الإداري. إن هذه النظرية أوجدها مجلس شورى الدولة الفرنسي في حكـم Martin عام 1905، والذي جاء فيه: «إن كل القرارات السابقة لإبرام العقد تكون منفصلة عـن العقد، وبالتالي قابلة للطعن لتجاوز حد السلطة». فالعقد هو عملية مركبة وهو موزع بسلسلة من القرارات الإدارية المتصلة بالعقد الإداري أو بالعقد العادي كقرار فسخ العقد لا يقبـل مراجعـة الإبطال لتجاوز حد السلطة باعتباره مشمولا بمنازعات العقد الخاضعة للقضاء الشامل.

   وحيث أن قاضي العقد الإداري المتضمن بندأ تحكيمياً بأت المحكم، وحيـث أن القـرارات الإدارية حصراً (الفقرة (3) من المادة /795/ من قانون أصول المحاكمات المدنية). كما هي

    وحيث أن القاضي الإداري لكي يتمكن من إجراء رقاب على القرارات الإداريـة غيـر المشروعة يتعين عليه فحص العقد الإداري وتفسيره ومشكلات تنفيذه، مما سيخلق حتماً وضـعاً مرتبكاً بين القضاء الإداري والقضاء التحكيمي لحل هذه الإشكالية.

   أخيراً وبالتحديد في 2003/4/15، أصدر رئيس مجلس شورى الدولة قراراً برفض إعطاء الصيغة التنفيذية لقرارين تحكيميين في نزاع يتعلق بعقد BOT بحجة أولى أن عقد BOT هو عقد إداري لا يجوز فيه التحكيم، وبحجة ثانية أن القانون الجديد رقم 440 تاريخ 2002/7/29 لا مفعولا رجعيا له، لأن عقد الـ BOT موضوع القرارين التحكيميين قد تم إبرامه بتـاريخ سـابق لصدور القانون المذكور – الحائز قوة التنفيذ، أو الأثر الفوري والمباشر - الذي يعمل به فـور صدوره ونفاذه، عملاً بمبدأ عدم رجعية القوانين، وبما أن العقود تخضع فـي كـل مـا يتعلـق بتفسيرها وتنفيذها والآثار المترتبة عليها، للقانون الذي كان معمولاً به بتاريخ إبرامها، بحيث يتم تقدیر شرعية البند التحكيمي بالاستناد إلى القانون المعمول به بتاريخ إدراجه في العقـد. لـذلك، تقرر رد طلب إعطاء الصيغة التنفيذية للقرارين التحكيميين موضوع الاستدعاء. علماً أن الطعن في هذا القرار ممكن أمام مجلس القضايا الذي يرأسه رئيس مجلس شورى الدولة.

المطلب الثاني

تنفيذ أحكام المحكمين العادي والإداري

أولا- تنفيذ أحكام التحكيم العادي وفقاً لقانون التحكيم رقم (4) لعام 2008:

   س: هل يقبل حكم التحكيم تنفيذه؟ وكيف؟ وما هي إجراءات ذلك؟ وكيف تكـون المنازعـة والإشكال في تنفيذه؟

مدى قابلية حكم التحكيم للتنفيذ

   تصبح الأحكام الصادرة من القضاء العادي سندات تنفيذية تقبل التنفيذ الجبري إذا ما صدرت غير قابلة للطعن بناء على اتفاق الخصوم، أو إذا كانت نهائية بحكم القانون أو بفـوات ميعـاد الطعن أو بتأييد محكمة ثاني درجة للحكم الذي أصدرته محكمة أول درجة، أما أحكام المحكمـين فهي تخضع لرقابة قضاء الدولة قبل أن تدخل حيز التنفيذ بـأمر يـصدره القاضـي المخـتص بالمحكمة التي أودع أصل الحكم في ديوانها، وقد شاء المشرع أن يراقب عمـل المحكـم وقبـل إكسائه صيغة التنفيذ من محكمة الاستئناف المدنية، وذلك في غرفة المذاكرة وبعد تمكين الطرف الآخر من الرد على الطلب خلال مدة /10/ أيام من تاريخ تبليغه صورة الطلب من قبل محكمـة الاستئناف دون إجراء جلسات، والمقصود بالطرف الآخر هو المحكوم عليه، لذلك كان الهدف من إكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ :

    1- رقابة أحكام المحكمين من قبل قضاء الدولة لحماية مواطنيها من مخالفة القانون ولعـدم مخالفة النظام العام.

    2- إعطاء حكم التحكيم الصفة الرسمية.

    3- إعطاء حكم التحكيم قوة القضية المقضية.

    وحكم التحكيم يحوز حجية الأمر المقضي بمجرد صدوره رغم أنه يكون غير قابل للتنفيـذ الجبري إلا بعد صدور الأمر بتنفيذه من المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، وعدم قابلية حكم التحكيم للتنفيذ الجبري، إلا بعد صدور أمر التنفيذ، لا يهدم حجية هذا الحكم، فإذا لم يصدر الأمر بالتنفيذ يفقد الحكم قوته التنفيذية دون أن يفقد حجيته، إذ تستمر هذه الحجية ولا تزول عنه إلا في حالة صدور حكم ببطلانه.

    والواقع أن المقصود بإكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ هو مراقبة عمل المحكـم قبـل تنفيـذ حكمه من حيث التثبت من وجود اتفاق التحكيم، وأن المحكم قد راعي الشكل الذي يتطلبـه القـانون سواء عند الفصل في النزاع أو عند كتابة الحكم دون أن يخول للمحكمة المختصة الفصل في الحكـم من الناحية الموضوعية ومدى مطابقته للقانون، فالمحكمة تدقق في حكم المحكمين من جهة مراعـاة شروط اتفاق التحكيم والشروط المتعلقة بالنظام العام، ولا شك في أن فكرة حجيـة الأمـر المقـضى تختلف عن فكرة قابلية الحكم للتنفيذ الجبري، ففكرة حجية الأمر المقـضي تعنـي عـدم التعـرض لموضوع الدعوى التي فصل فيها الحكم سواء من قبل المحكمة أو من قبل الخصوم بينما فكرة قابليـة الحكم للتنفيذ الجبري تعني صلاحية هذا الحكم للتنفيذ في ظل حماية قضائية يكفلها قضاء التنفيذ.

   وفقاً لأحكام المادة (53) من قانون التحكيم السوري رقم (3) لعـام 2008 تتمتـع أحكـام المحكمين الصادرة طبقاً لهذا القانون بحجية الأمر المقضي به، وتكون ملزمة، وقابلة للتنفيذ تلقائياً من قبل الأطراف أو بصفة إجبارية، إذا رفض المحكوم عليه تنفيذها طوعاً بعد إكسائها صـيغة التنفيذ.

   والقانون أتاح في حالة تقاعس المحكوم عليه أو امتناعه عن التنفيذ إلى طلب التنفيذ الجبري من الجهات المختصة، ويكون ذلك بإضفاء الصيغة التنفيذية، ويتم ذلـك مـن خـلال محكمـة الاستئناف المدنية التي يجري ضمن دائرتها التحكيم، وذلك في غرفة المذاكرة.

   ووفق الفقرة (ب) من المادة (54) من قانون التحكيم الجديد يقدم طلب التنفيذ إلـى محكمـة الاستئناف، مرفقا بالتالي:

   1- أصل الحكم أو صورة مصدقة عنه.

   2- صورة عن اتفاق التحكيم أو صورة عن العقد المتضمن شرط التحكيم.

   3- ترجمة محلفة للحكم إلى اللغة العربية في حال صدوره بلغة أخرى.

   4- صورة عن المحضر الدال على إيداع الحكم، وفقا للمادة (43) من هذا القانون.

    واستنادا الى هذه النصوص المنوه عنها يتضح بجلاء أن أحكام التحكيم الصادرة لا تحـوز كقاعدة عامة القوة التنفيذية. وإنما لا بد من صدور أمر خاص بها من قبل السلطة القضائية يسمى اكساء الحكم صيغة التنفيذ. ويعود ذلك إلى المبدأ الذي اعتنقه المـشـرع الـسوري وهـو عـدم الاعتراف للإرادة الخاصة بحق إصدار السندات التنفيذية.

    وكما ذكرنا الإشارة ضمن هذا الإطار أنه لا يقصد بإكساء الحكم صيغة التنفيـذ أن تتحقـق المحكمة من عدالة الحكم فلا ينظر في سلامة أو صحة الحكم التحكيمي من حيـث الموضـوع وهدف الرقابة ينحصر في التثبت من خلوه من العيوب الجوهرية التي قد تشوبه، وانتقاء ما يمنع من تنفيذه ليس إلا، فمحكمة الاستئناف يقتصر دورها على التأكد من أن الحكم التحكيمي مقـدم، وفقاً للأصول مرفقاً بالمستندات المطلوبة، ولكن إعطاء الصيغة التنفيذية لا يتم إلا بعـد انقـضـاء ميعاد دعوى بطلان الحكم مادة (1/56) إذ هناك شرط شكلي، وهو أن تكون مهلة الثلاثين يومـاً التالية لتاريخ تبليغ حكم التحكيم لتقديم طلب إبطال الحكم التحكيمي قد انقضت قبل ذلك، لكي يقبل طلب التنفيذ شكلاً، أما بعد انقضاء المهلة فيقدم طلب التنفيذ ولا يؤثر في منحه صيغة التنفيـذ أن يكون طلب إبطال قدم ضده، ولكن المادة (56) أوجبت في فقرتها الثانية لإكساء حكـم التحكـيم صيغة التنفيذ وفق قانون التحكيم السوري الجديد التحقق من النقاط الآتية:

    أ. أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره عن المحاكم السورية في موضوع النزاع.

    ب . أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في الجمهورية العربية السورية.

    ج . أنه قد تم تبليغه للمحكوم عليه تبليغاً صحيحاً.

المحكمة المختصة بإعطاء صيغة التنفيذ:

   تقضي الفقرة (أ) من المادة (54) بأن تختص المحكمة المشار إليها في المادة (3) من قانون التحكيم بإعطاء حكم التحكيم صيغة التنفيذ. بقرار يتخذه في غرفة المذاكرة أي أن الاختصاص ينعقد لمحكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرتها التحكيم مالم يتفق الطرفان علـى اختـصاص محكمة استئناف أخرى (م1/3) من قانون التحكيم.

   كذلك تقرر الفقرة (1) من المادة الثانية من قانون التحكيم التي تقضي بأنه مع عدم الإخلال بالاتفاقيات الدولية المعمول بها في الجمهورية العربية السورية تسري أحكام هذا القانون على أي تحكيم يجري في سورية، كما تسري على أي تحكيم تجاري دولي في الخارج، إذا اتفق طرفـاه على إخضاعه لأحكام هذا القانون. فمن هذا النص نرى أن نصوص قانون التحكيم المتعلقة بتنفيذ الأحكام تسري على أحكام التحكيم الآتية:

    1- أحكام التحكيم الذي يجري في سورية أياً كان أطرافه، وأياً كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع. بحيث يشمل أحكام التحكيم الداخلي وأحكام التحكـيم الـدولي الذي جرى في سورية.

    2- أحكام التحكيم الذي يجري في الخارج اذا كان تحكيماً تجارياً دولياً واتفـق الأطـراف المحكمون على إخضاعه لقانون التحكيم السوري بوصفه قانون الإرادة.

إيداع الإضبارة التحكيمية:

   ونصت المادة (48) على أن ((تنتهي مهمة هيئة التحكيم بأنتهاء إجراءات التحكــم ويـودع رئيس الهيئة الإضبارة التحكيمية ديوان المحكمة المعرفة في المادة (3) من هذا القانون)) وهـي هنا محكمة الاستئناف.

ميعاد وإجراءات إكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ:

   لا شك في أن من الأمور الشكلية الهامة إبداع حكم التحكيم، وقد عبرت المادة (43) في فقرتها الأولى بالوجوب حول هذه الناحية، حيث جاء فيها ((إذا صدر حكم التحكيم في سورية كان على من صدر الحكم لصالحه إيداع أصل الحكم مع اتفاق التحكيم ديوان المحكمة المعرفة في المادة (3) من هذا القانون وعلى رئيس ديوان هذه المحكمة (الاستئناف) تحرير محضر بذلك)) ولم يستلزم القانون أن يتم إيداع الحكم في أسرع وقت حتى يتاح له اتخاذ إجراءات بالتنفيذ، وبالتالي فلا حاجـة إلـى تحديد أجل معين يلزم الإيداع خلاله، خاصة وأنه كان ميعاداً تنظيمياً لا يترتـب علـى تخلفـه أي بطلان، وإنما كان المتسبب بالتأخير محلاً للمساءلة بالتعويض إن كان له وجه.

   والواقع كان من الأفضل لو نهج المشرع السوري في ذلك نهج المشرع الفرنسي حينما قرر في الفقرة الثانية من المادة (1477) من قانون المرافعات الجديد بأن الإيداع يتم بواسـطة أحـد المحكمين أو الطرف الأكثر عجلة، يستوي أن يكون من صدر حكم التحكيم لصالحه أم لا.

   ويرى الدكتور أحمد أبو الوفا، أنه يجوز الإيداع بواسطة أحد المحكمين، وليس ثمـة مـا يمنع من أن يتم الإيداع بواسطة أحد الخصوم أو كاتب المحكم، وذلك لأن هذا الإجراء لا يترتب عليه ذاته أي اثر يضر به أو بهؤلاء، والذي يلزم إيداعه هو النسخة الأصلية من الحكم والنسخة الأصلية من مشارطة التحكيم، وثمة تشريعات أجنبية تنص على جزاءات مالية توقع على المحكم الذي لا يودع حكمه في الأجل المقرر، وتمكيناً لمن صدر حكم التحكيم لصالحه من إبداع الحكـم ديوان محكمة الاستئناف، فإن الفقرة (2) من مادة (43) تقرر بأن لطرفي التحكـيم الحـق فـي الحصول على صورة مصدقة عن هذا المحضر، وعن الحكم بعد إيداعه.

   ونصت الفقرة (3) من ذات المادة على أنه اذا كان حكم التحكيم صادراً بلغة أجنبية فيجـب أن يرفق به عند إبداعه ترجمة محلفة له إلى اللغة العربية.

ميعاد طلب إكساء الحكم صيغة التنفيذ:

   لقد نصت المادة (1/56) من قانون التحكيم السوري على أنه ((لا يجوز تنفيذ حكم قبل انقضاء ميعاد رفع دعوى البطلان)).

    أما المادة (1/51) من هذا القانون فقد جاء فيها (ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال مدة ثلاثين يوما التالية لتاريخ تبليغ حكم التحكيم للمحكوم عليه)) وبالتالي فإنه يتضح من هذا النص أن تنفيذ حكم التحكيم جبراً يجب أن لا يكون قبل انقضاء هذه المدة.

    ووفق الفقرة (أ) من المادة (53) من قانون التحكيم ((يعطى حكم المحكمين صـيغة التنفيـذ بقرار تتخذه المحكمة المعرفة في المادة (3) من هذا القانون، وذلك في غرفة المـذاكرة، وبعـد تمكين الطرف الآخر من الرد على الطلب خلال مهلة (10) أيام من تاريخ تبلغه صورة الطلب)).

   أثر رفع دعوى البطلان على التنفيذ:

   لا يترتب على رفع دعوى البطلان وقف التنفيذ (م55) وذلك لأن وقف التنفيـذ التلقائي لرفـع دعوى البطلان سيؤدي بكل تأكيد إلى شل فاعلية التحكيم وانصراف الناس عنه، فقد يكـون الهـدف الرئيسي من رفع دعوى البطلان من قبل المحكوم عليه وقف التنفيذ دون الاستناد إلى أساس قانوني.

   ولكن نظرا لوجود حالات تستدعي وقف التنفيذ، فإن المشرع أجاز وقف التنفيـذ إذا طلـب المدعي ذلك في صحيفة الدعوى، وكان الطلب مبنياً على أسباب جدية، وذلك لمدة أقصاها ستون يوماً، وتصدر قرارها في غرفة المذاكرة، وإذا أمرت المحكمة بوقف التنفيذ جاز لهـا أن تـأمر بتقديم كفالة مالية وتفصل محكمة الاستئناف بدعوى البطلان خلال مدة (90) يوماً تبدأ من تاريخ اكتمال الخصومة (م3/51).

   ومن السمات الإيجابية لقانون التحكيم الجديد ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المـادة (51) وهي ((اذا قررت المحكمة رد دعوى البطلان فإن قرارها يقوم مقام إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ)) وهذا النص يمثل توجهاً إيجابياً في اختصار الإجراءات لتمكين المدعي من تنفيذ قـرار التحكيم جبراً وبدون حاجة إلى إكسائه صيغة التنفيذ، والسبب فـي ذلـك يـعـود أولاً لأن قـرار المحكمة برد دعوى البطلان يصدر مبرماً وغير قابل للطعـن، وثانيـاً أن محكمـة الاستئناف المختصة تكون قد نظرت في دعوى البطلان شكلا وموضوعاً، وبالتالي فإن ذلك يعتبـر بـديلاً كافياً من إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ، ولا بد من التنويه ضمن هذا الاطـار بـأن حكـم المحكمة بقبول دعوى البطلان يكون قابلاً للطعن أمام محكمة النقض خلال مدة (30) يوماً التالية لتبليغ الحكم (مادة 1/52) وتبت محكمة النقض الطعن في القرار الصادر بإبطال حكـم التحكـيم خلال مدة (90) يوما من تاريخ وصول ملف الدعوى إليها.

الاتفاقيات التحكيمية العربية لتنفيذ الأحكام:

   وضعت بعض الاتفاقيات التحكيمية التي ترعى تنفيذ الأحكام التحكيمية بين الدول العربيـة وأهمها:

اتفاقية الرياض لتنفيذ الأحكام القضائية والتحكيمية 1983:

   في 6/4/ 1983 التقى عدد كبير من الدول الأعضاء في الجامعة العربيـة، ووقعـوا فـي الرياض اتفاقية للتعاون القضائي ألغت اتفاقية تنفيذ الأحكام القضائية والتحكيمية لجامعـة الـدول العربية سنة 1952.

   وقد أصبحت هذه الاتفاقية نافذة المفعول منذ 1985/10/30 وهي أحدث اتفاقية في نطـاق جامعة الدول العربية.

   وبموجب هذه الاتفاقية فإن الحكم التحكيمي يجب أن يكتسي صيغة التنفيذ في بلد المنشأ وبلد التنفيذ، ولا يجوز رفض تنفيذ الحكم التحكيمي، إلا إذا خالف الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب، وكذلك، إن الحكم التحكيمي لا يعطى صيغة التنفيذ، وفق ما نصت عليه المادة (27) من اتفاقية الرياض، في الحالات التالية:

   أ- إذا كان قانون الطرف المتعاقد المطلوب إليه الاعتراف أو تنفيذ الحكم لا يجيـز حـل موضوع النزاع عن طريق التحكيم. فلا يكفي اذا أن يكون موضوع النـزاع خاضـعاً للتحكيم في البلد الذي حصل فيه، بل يتوجب أيضاً أن يكون التحكيم معترفاً به في البلد الذي يطلب فيه تنفيذ القرار التحكيمي.

   ب- إذا كان حكم المحكمين صادراً تنفيذاً لشرط أو لعقد تحكيم باطل أو لم يصبح نهائياً. إن الاتفاقية بوضعها هذا الشرط تجيز للمحكمة النظر في صحة الشرط التحكيمي، ولكـن دون أن تحدد وفقاً لأي قانون: أهو قانون البلد الذي صدر فيه القـرار التحكيمـي أو قانون البلد الذي طلب فيه التنفيذ، وعليه فإن الاتفاقية تتضمن نقصاً واضحاً فـي هـذا المجال.

 ج- إذا كان المحكمون غير مختصين طبقاً لعقد أو شرط التحكيم أو طبقا للقانون الذي صدر حكم المحكمين على مقتضاه.

تنتج صلاحيات المحكمين من إرادة الفرقاء المعبر عنها في الاتفاق التحكيمي، أو فـي الشرط التحكيمي أو في قانون التحكيم الخاص بالمكان الذي صدر فيه القرار، لقاض التنفيذ اذن الصلاحية في التحقيق في ما اذا كان المحكمون قد تجاوزوا صـلاحياتهم، وفقا لما هو مذكور أعلاه.

د- إذا كان الخصوم لم يعلنوا بالحضور على الوجه الصحيح، والاتفاقية تكرس هنـا مبـدأ وجاهية المحاكمة واحترام حقوق الدفاع.

ثانياً- الأصول المتبعة لإكساء حكم التحكيم الإداري صيغة التنفيذ:

   لقد نصت الفقرة (2) من المادة (2) من قانون التحكيم السوري رقم (4) لعام 2008 على أن ((يبقى التحكيم في منازعات العقود الإدارية خاضعاً لأحكام المادة (66) من نظام العقود الصادر بالقانون رقم (51) تاريخ 2004/12/9)).

   إن هذا النص يشير إلى أن الأسس والأصول التي كانت متبعة تحـت الإشـراف الكامـل لمجلس الدولة السوري بالنسبة للتحكيم الإداري ما تزال على حالها دون أي تغيير، وبالتالي فـإن السمات الأساسية لقانون التحكيم الجديد يقتصر على التحكيم العادي.

   وكان من المفترض عندما صدر القانون الجديد أن ينسحب أثره على مجلس الدولـة نظـراً لإلغاء نصوص التحكيم الواردة في قانون أصول المحاكمات، إلا أن مجلس الدولة ذهب حالياً إلى استمرار تطبيق النصوص القديمة في قانون الأصول.

    وفي ضوء ما تقدم نتناول موضوع إجراءات إكساء حكم المحكمين الخاص في منازعـات العقود الإدارية صيغة التنفيذ، ففي القضاء الإداري نصت المادة الثالثة من قانون مجلس الدولـة على وجوب تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في القانون وقانون أصول المحاكمات، فيما لـم يرد فيه نص، وذلك إلى حين أن يصدر قانون الإجراءات الخاص بمجلس الدولة السوري والمتبع في القضاء الإداري أن يرسل ملف التحكيم مع الحكم إلى ديوان محكمة القضاء الإداري من قبل رئيس لجنة التحكيم للإيداع، ويثبت ذلك في محضر إيداع، وخلافاً لما يتم في التحكـيم الـعـادي حيث تعطى صيغة التنفيذ بقرار تتخذه محكمة الاستئناف في غرفة المذاكرة، فإن قرار إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ يعطى في قضاء الخصومة وفي مواجهة جميع الأطراف.

   أما حكم التحكيم الأجنبي في منازعات العقود الإدارية إذا أريد تنفيذه فـي سـورية فيجـب إيداعه وفقاً لشروط المادة (529) أصول محاكمات في ديوان محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة. باعتبارها المرجع القضائي الذي كان من اختصاصه أصلاً نظر المنازعة المتولدة عـن العقد الإداري الدولي، وخلافاً لأحكام المادتين (307-309) من قانون الأصول، والتـي تحـدد مرجع النظر بالإكساء الأحكام الأجنبية بمحكمة البداية المدنية.

   إلا أن مجلس الدولة أخذ باجتهاد مستقر على أن رئيس محكمة القضاء الإداري هـو الـذي يتولى إكساء أحكام المحكمين الأجنبية التي يراد تنفيذها في سورية، اذا كانت متولدة مـن عقـد دولي ذي طبيعة إدارية، وليس محكمة القضاء الإداري بالهيئة الكاملة، وإن القرار الذي يـصدر عنه يخضع للطعن بطلب الإلغاء أمام المحكمة الإدارية العليا ضمن المواعيد المحـددة للطعـن بالأحكام الصادرة عن القضاء الإداري، وهي ستون يوماً من تاريخ صـدورها. وقـد اشـترط المشرع السوري بصدد أحكام المحكمين الأجنبية في سورية أن تكون نهائية وقابلة للتنفيذ في البلد الذي صدرت فيه (المادة 309 من قانون الأصول).

   ولقد استقر الاجتهاد لدى المحكمة الإدارية العليا22 على أن ((ولاية قاضي الأمور المستعجلة عند إصداره القرار بإعطاء حكم المحكمين الصيغة التنفيذية تتحدد بمراقبة الشكل الـذي يوجبـه القانون لإصدار حكم المحكمين، والتحقق من توافر أهلية الخصوم، والاستيثاق من كون الحكـم المذكور لا يخالف النظام العام في شيء، بحسب ما يتراءى له من تدقيق ملف التحكيم، ومن ثم لا يدخل في ولاية قاضي الأمور المستعجلة أن يتحقق من عدالة أو ينظر في سلامة أو صحة قضاء المحكم، لأنه ليس مرجعاً استئنافياً في هذا الصدد)).

   كذلك أكدت المحكمة الإدارية العليا على أن (حكم المحكمين وقرار محكمة القضاء الإداري بإعطائه صيغة التنفيذ يقبلان الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، والتعليل في ذلك مـستند إلـى أحكام المادة 227 من قانون أصول المحاكمات بجواز الاستئناف للإحكام الصادرة فـي المـواد المستعجلة أياً كانت المحكمة التي أصدرتها.

   وبما أن قرار رئيس محكمة القضاء الإداري في هذا الصدد يصدر بصفته قاضـياً للأمـور المستعجلة، وبالتالي فإن مهل الطعن في هذا القرار يجب أن تكون ذاتها المتعلقة بـالطعن فـي القضايا المستعجلة، وهي خمسة أيام سنداً لأحكام المادة (229) من قانون أصول المحاكمات، إلا أن مجلس الدولة السوري، وحرصاً منه على إعمال الأصول النافذة لديه، جعل الطعن في طلـب إلغاء القرار الصادر عن رئيس محكمة القضاء الإداري بإكساء حكم المحكمين صـيغة التنفيـذ، خاضعاً للمواعيد المحددة للطعن بالأحكام الصادرة عن القضاء الإداري، وهي ستون يومـاً مـن تاريخ صدورها.