التنفيذ / النظام الإجرائي لتنفيذ أحكام التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 31-32 / إجراءات منح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الدولي
تتسم مسألة تذييل المقرر التحكيمي بالصيغة التنفيذية بالخصوصية لارتباطها بمبدأ الـسيادة الوطنية للدولة المراد تنفيذه فيها، وعندها تتأثر بنظرة القاضي الوطني الذي يفصل فـي مـسألة إعطاء السند التحكيمي الصيغة التنفيذية، وذلك أمر يتعارض مع مقتضيات التجارة الدولية التي لا تتسق ولا تتفق وفق هكذا قيود أو مؤثرات.
ويجدر التنبيه إلى أن اتفاقية نيويورك لم تضع إجراءات تنفيذ المقررات التحكيمية الأجنبية، وإنما تنازلت في ذلك إلى القانون الإجرائي لدولة القاضي الوطني ، وذلك مؤداه أن تتباين تلـك الإجراءات بين دولة وأخرى، تبعاً للنظام القانوني والقضائي لكل دولة.
والأمر بتذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية هو قرار يصدر عن السلطة القضائية يمنح حكم التحكيم القوة التنفيذية، إذن هو إجراء يصدر عن السلطة القضائية بما لها من ولاية عامـة على التنفيذ الجبري، ويرى بعض الفقه أنه: عبارة عن أمر إداري وليس بولائي، فضلاً عـن كونه ليس بقضائي .
ويختلف طلب إصدار أمر بتنفيذ حكم التحكيم عن طلب الاعتراف بحكم التحكيم، فـالأخير يعني الإقرار قضائياً بوجود حكم التحكيم وإضفاء الحجية عليه، والتي تمنع من إعـادة عـرض نزاع الأطراف مرة أخرى أمام أي جهة قضائية أو تحكيمية، بينما الأول يمنح حكم التحكيم القوة التنفيذية بمجرد وضع الصيغة التنفيذية عليه، ويكون التنفيذ بموجبها جبرياً، فلا بد مـن وضـع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم، إذ لا يكفي مجرد صدور الأمر بذلك علـى حـكـم التحكـيم ويكون وضعها من قبل أمانة سر المحكمة، وهي ذات الصيغة اللازمة أيضاً للأحكام القضائية، بحيث لا تصبح حائزة القوة التنفيذية، إلا بعد وضع هذه الصيغة عليها، وهي الـواردة بالمـادة (343) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية، حيث جاء نصتها: "... ولا يجوز التنفيذ في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون، إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيـذ الآتية: على جميع السلطات والجهات التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها ذلـك، وعلى شرطة عمان السلطانية أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة عند الاقتضاء".
والقاضي المختص يجري رقابة شكلية ويتأكد من توافر الشروط الخارجية للحكم التحكيمي الدولي ولا يتدخل في مراجعة الحكم من حيث الموضوع والقانون.
وكما هو معلوم، فإنه توجد نصوص مختلفة للتطبيق على حكم التحكيم التجاري الدولي كل من سلطنة عمان ومصر عند تنفيذه بين نصوص قانون التحكيم ونصوص قانون المرافعـات أو الإجراءات، وتبعاً لذلك فعند تطبيق قانون التحكيم يكون صدور الأمر على عريضة وفقاً لنظام الأوامر على عرائض، وفي حال تطبيق قانون المرافعات أو الإجراءات يكون صـدور الأمـر بدعوى عادية ترفع أمام المحكمة المختصة.
ونظراً لكون قوانين الدول محل الدراسة منضمة لاتفاقيـة نيويورك، إلا أن أثـر تطبيـق الأخيرة لا يتعلق بالإجراءات، وإنما يتعلق بالشروط الموضوعية للأمر بالتنفيذ، وتقرر محكمـة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ذلك، قائلة: "...إن مقتضيات الفصل (49) من قانون المسطرة المدنية واستناداً أيضاً إلى ما يستشف من بنود اتفاقية نيويورك التي تقضي بترك مهمة تحديد إجراءات تنفيذ الحكم التحكيمي الأجنبي لقانون الدولة المطلوب إجراء التنفيذ فيها...".
واتفاقية تنفيذ الأحكام بين دول جامعة الدول العربية لعام 1952م، قد جعلت الحكم التحكيمي في الدولة التي تقرر تنفيذه فيها ذات القوة التنفيذية في الدولة طالبة التنفيذ، حيث تنص المادة (6) منها على: "يكون للأحكام التي يتقرر تنفيذها في إحدى دول الجامعة نفس القوة التنفيذية التـي لها في محاكم الدولة طالبة التنفيذ". وهو ما أخذت به اتفاقية تسوية منازعـات الاستثمار فـي الدول العربية لعام 2001م، في المادة (21) حيث نصت على: "أ- ينفذ حكم التحكيم في الدولـة التي تكون طرفاً في النزاع أو التي يكون أحد مواطنيها طرفاً في ذلك النزاع، كما لو كان حكماً نهائياً واجب النفاذ صادراً من أحد محاكم تلك الدولة ويتمتع بجميع الضمانات المقررة محليـاً بموجب نفاذ الأحكام الوطنية، وعلى الدول ذات النظام الاتحادي أن تنفذ حكم التحكيم بواسـطة محاكمها الاتحادية، إن وجدت لديها هذه الصلاحيات. ب- يجب على كل دولة عضو أن تخطـر الأمين العام بتعيين محكمة مختصة أو جهة رسمية مهمتها تنفيذ أحكام محاكم التحكيم، ويجـب على الطرف صاحب المصلحة في التنفيذ أن يقدم الى هذه الجهة صورة من الحكم موقعاً عليها من الأمين العام. ج- تخضع إجراءات تنفيذ الحكم لقوانين التنفيذ في الدولة المطلوب تنفيذها"، وهي في ذلك متأستية باتفاقية واشنطن عندما نصت في المادة (1/54) على أنه: "تعترف كل دولة متعاقدة بالحكم الذي صدر بناء على أحكام هذه الاتفاقية وتضمن تنفيذ الالتزامات المالية التـي يفرضها الحكم، كما لو كان حكماً نهائياً صادراً من محكمة محلية، وعلى الدولة المتعاقدة التـي تتبع النظام الفيدرالي ضمان تنفيذ الحكم عن طريق محاكمها الفيدرالية، وأن تلزم هذه المحـاكم بمعاملة هذا الحكم كحكم نهائي صادر من محاكم إحدى الدول الفيدرالية".
والجدير بالذكر في هذا السياق أن دول مجلس التعاون الخليجي قد اعتمدت في اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية لعام1997م" أن أحكام التحكيم تعامل في التنفيذ معاملـة الأحكام القضائية المنصوص عليها في الاتفاقية، حيث تنص المادة (12) منها على: "مـع عـدم الإخلال بنص المادتين 2 و 4 تنفذ أحكام المحكمين لدى أي من الدول الأعضاء بنفس الكيفيـة المنصوص عليها في هذه الاتفاقية مع مراعاة القواعد المعمول بها في الدولة المطلوب التنفيذ لديها"، كما أشارت المادة (3) من الاتفاقية إلى أن الأحكام الخاضعة لتطيق هذه الاتفاقية تخضع إجراءات تنفيذها لقانون الدولة المطلوب إليها التنفيذ بما لا يتعارض مع أحكام الاتفاقيـة، حيـث نصت على أنه: "أ- يكون الحكم الصادر من محاكم إحدى الدول الأعضاء قابلا للتنفيذ فـي أي من تلك الدول متى كان قابلا للتنفيذ لدى الدولة التابعة لها المحكمة التي أصدرته. ب- تخـضع الإجراءات الخاصة بتنفيذ الحكم لقانون الدولة المطلوب إليها التنفيذ، وذلك في الحدود التـي لا تقضي فيها هذه الاتفاقية بغير ذلك"، كما ألزمت الاتفاقية الدول الأعضاء بأن الجهة القضائية لدى كل منها ليس لها التطرق الى موضوع الحكم المراد تنفيذه، حيث نصت في المادة (7) منها على: تقتصر مهمة الجهة القضائية لدى الدولة المطلوب إليها تنفيذ الحكم على التحقق مما إذا كـان الحكم قد توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، وذلك دون التعرض لفحـص الموضوع، وتأمر تلك الجهة باتخاذ التدابير اللازمة لتسبغ على الحكم القوة التنفيذية، كما لـو أنه صدر من الدولة ذاتها، ويجوز أن ينصب طلب الأمر بالتنفيذ على منطوق الحكـم كلـه أو بعضه إن كان قابلا للتجزئة".
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لعام 1983م، تقرر فـي المادة (31) والمادة (32) ذات ما سبق ذكره في اتفاقية تنفيذ الأحكام لدول مجلس التعاون السابق ذكرها – وفق المادتين (3 و7) منها من حيث الاعتراف بالحكم لدى الدول الأعضاء وإخضاع الإجراءات الخاصة بالاعتراف بالحكم أو تنفيذه لقانون البلد المتعاقد المراد التنفيذ فيه، واقتـصـار مراقبة الحكم على الشكل دون الموضوع.
وفي كل الأحوال لأجل استصدار أمر التنفيذ لا بد من التوجه للمحكمة المختصة (المبحـث الأول) وفق إجراءات عملية محددة قانوناً (المبحث الثاني).
المبحث الأول: الاختصاص بمنح الصيغة التنفيذية:
يتنوع الاختصاص بمنح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الدولي إلـى اختـصاص نـوعي (المطلب الأول)، وإلى اختصاص مكاني (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الاختصاص النوعي بمنح الصيغة التنفيذية:
لم تنص اتفاقية نيويورك – كما سبق- على إجراءات منظمـة للاختصاص النـوعي أو المكاني عند طلب التنفيذ، وإنما أحالت ذلك إلى قانون كل بلد وفق المادة (3) مـن الاتفاقيـة13 تقول في هذا السياق محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في حكم لهـا: "... ومـن جهـة أخرى فإن الاتفاقية الدولية بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية والتي صادق عليهـا المغرب بمقتضى ظهير 266-59-1 بتاريخ 60/2/19 هي الواجبة التطبيق وهي لم تتضمن أي قواعد خاصة بشأن الاختصاص المكاني للمحاكم الوطنية الموكول إليها تنفيـذ مقتضيات هـذه المادة، وبصيغة أخرى، فإنها أحالت على الإجراءات المسطرية المطبقـة علـى تنفيـذ أحكـام المحكمين الوطنين أو الأجانب".
والثابت أنه لا يمكن تنفيذ الحكم التحكيمي في قوانين الدول محل الدراسة بوسـائل التنفيـذ الجبرية، إلا بعد تذييله بالصيغة التنفيذية من قبل رئيس المحكمة المختصة نوعياً وترابياً، ففـي التشريع المغربي ينص الفصل (327- 46) من قانون المسطرة المدنية على: "يعترف بالأحكـام التحكيمية الدولية في المملكة، إذا أثبت وجودها من يتمسك بها، ولم يكن هذا الاعتـراف مخالفـاً للنظام العام الوطني أو الدولي. يخول الاعتراف والصيغة التنفيذية لهذه الأحكام في المغرب وفق نفس الشروط لرئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج".
ومفاد هذا النص أن أحكام التحكيم التجاري الدولية الواقع مقرها التحكيمي خارج المملكـة المغربية ينعقد الاختصاص لرئيس المحكمة التجارية المراد التنفيذ في دائرتها، بينما إذا كـان حكم التحكيم التجاري الدولي صادراً من مقر التحكيم بالمغرب، فإن الاختصاص منعقد لـرئيس المحكمة التجارية الواقع في دائرتها مقر التحكيم"، ففي كل الأحوال الاختصاص النوعي منعقـد لرئيس المحكمة التجارية سواء كان مقر التحكيم داخل المغرب أم خارجه.
ويخرج عن ذلك حالة ما إذا كان أحد طرفي التحكيم أحد أشخاص القانون العام أو جماعـة محلية، فالاختصاص بالنظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي ينعقد للمحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها، فإذا شمل التنفيذ مجموع التراب الوطني فينعقـد الاختصاص للمحكمة الإدارية بالرباط، وذلك ما نص عليه الفصل (310) من قانون المسطرة المدنية، حيث نصت الفقرة الثالثة منه على: ".. يرجع اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في نطاق هذا الفصل إلى المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتهـا أو إلـى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجمـوع التـراب الـوطني"، وجرى قضاء محكمة النقض المغربية على ذلك .
وفي القانون العماني فإن الاختصاص يختلف وفق القانون الواجب التطبيق بناء على الخلاف السابق ذكره من حيث أي القانونين يطبق: هل قانون التحكيم العماني أم قانون الإجراءات المدنية والتجارية فيما يتعلق بأحكام التحكيم الأجنبية؟، وذات الخلاف موجود في جمهورية مصر العربية حيث تتشابه النصوص إلى حد كبير، وقد سبق الحديث عن هذا الخلاف، في المبحث الثاني مـن الفرع الأول من هذا الفصل.
ومقتضى نصوص قانون التحكيم بالنسبة لجمهورية مصر العربية، أن الاختصاص بـالأمر بتنفيذ حكم التحكيم التجاري الدولي لمحكمة الاستئناف بالقاهرة، إلا أنه جعل حريـة الطـرفين فـي الاتفاق على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر غير محكمة استئناف القاهرة، وأمـا فـي سلطنة عمان فليس الأمر كذلك، وإنما أسندت المادة (56) من قانون التحكيم الاختصاص بـالأمر بتنفيذ أحكام التحكيم مطلقاً لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة أو من يندبه من قضاتها وفق التعديلات التي صدرت في 2007/1/21م، بموجب المرسوم السلطاني رقم (2007/3)، وهو بخـلاف الـنص المصري الذي جعل الأمر بالتنفيذ من اختصاص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9) من قانون التحكيم المصري، مما يدل على اتجاه إرادة المشرع العماني إلى مساواة الاختصاص بـالأمر بتنفيـذ الحكم التحكيمي بين الوطني والدولي ليصبح الاختصاص معقوداً لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة.
إلا إننا وجدنا أن بعض الفقه يرى أن رئيس المحكمة الابتدائية هي المختصة أصلاً بنظر النزاع هي المختصة بإصدار الأمر بالتنفيذ بالنسبة للتحكيم الوطني، وأما التحكيم التجاري الدولي سـواء صدر بالسلطنة أم خارجها، واتفق الأطراف على تطبيق قانون التحكيم العمـاني، فـإن محكمـة الاستئناف بمسقط المختصة.
ونحن إذا نظرنا إلى نصوص قانون التحكيم العماني نجده يحيل في بعض الإجراءات إلـى محكمة الاستئناف المشار إليها في المادة (9) من قانون التحكيم العماني، وهي محكمة الاستئناف بمسقط، وذلك مثل المادة (14) والمادة (3/19) والمادة (47) والمادة (54)، كما نجده تارة يحيل إلى المحكمة الابتدائية المختصة، كما هو الحال في المادة (37) والمادة (56) التي نحن بصددها، فلو كانت إرادة المشرع تتجه إلى عقد الاختصاص لمحكمة الاستئناف بمسقط لأشار إلى ذلك، كما فعل في مواضع أخرى، بل إن التعديل الأخير بالمرسوم رقم (2007/3) نص في البند "ثالثا" منه على: "تستبدل عبارة (رئيس محكمة الاستئناف المختصة) بعبارة (رئيس المحكمة التجارية) أينما وردت في قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية المشار إليه فيما عدا المـادتين (37)، (56) فتستبدل عبارة (رئيس المحكمة الابتدائية المختصة) بعبارة (رئيس المحكمـة التجاريـة)"، وهو نص صريح في إرادة المشرع التفرقة بين الأمرين، وتوجه تلك الإرادة إلى عقد الاختصاص لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة في إصدار الأمر بالتنفيذ أياً كان وطنياً أو دولياً، فلما خـص المشرع المحكمة الابتدائية المختصة في المادتين المذكورتين ولم يشر إلى محكمـة الاستئناف المشار إليها في المادة (9) من قانون التحكيم العماني فلا يمكن معه القول بأن اختصاص الأمـر بتنفيذ حكم التحكيم التجاري الدولي خاضع لمحكمة الاستئناف بمسقط، وهو ما يرى معه الباحـث أن مخالفة ذلك هي مخالفة صريحة للقانون، وبالتالي فالاختصاص منعقد بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي سواء جرى في السلطنة أم خارجها واتفق أطرافه على إخضاعه لقانون التحكيم العمـاني هو من اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية المختصة أصلاً بنظر النزاع.
وإذا ثبت ذلك، فإنه يقتضي أن يصدر الأمر بالتنفيذ وأن يتم منح الصيغة التنفيذية من قبـل رئيس المحكمة الابتدائية المختصة أصلياً بنظر النزاع وفق ما تقضي بـه النـصوص الواجبـة أنني وجدت محكمة الاستئناف بمسقط تمنح الصيغة التنفيذية لحكم تحكيمي دولي الإعمال، وهو أمر يخالف الثابت من النصوص القانونية من وجهة نظر الباحث.
أما إذا كان حكم التحكيم صادراً في خصومة تتعلق بعقد إداري فالأمر بتنفيذه من اختصاص رئيس محكمة القضاء الإداري؛ وذلك عملا بالمادة (6) مكرر من قانون محكمة القضاء الإداري المعدل بالمرسوم السلطاني رقم (3) لسنة 2009م المنشور في الجريدة الرسمية عـدد (880) والتي تنص على: "تسري أحكام قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية على الخصومات المتعلقة بالعقود الإدارية ويكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها القانون المذكور إلى القضاء في ما يتعلق بالعقود الإدارية للدائرة الابتدائية أو الدائرة الاستئنافية أو لرئيس المحكمـة حسب الأحوال"، وفي القانون المصري تختص محكمة القضاء الإداري المختصة أصـلاً بنظـر نزاع التحكيم الإداري إعمالا للمادة (9) من قانون التحكيم .
وعند القول بتطبيق قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني، فإن المـادة (353) تـنـص على: "يسري حكم المادة السابقة على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي ويجب أن يكـون حكم المحكمين..."، وتنص المادة السابقة على هذه المادة، وهي التي تحمل الرقم (352) علـى ".... يطلب الأمر بالتنفيذ أمام المحكمة الابتدائية مشكلة من ثلاثة قضاة التي يـراد التنفيـذ فـي دائرتها بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى...."، ويتضح من خلال هذين النصين أن أحكام التحكيم الأجنبية تختص بالأمر بتنفيذها المحكمة الابتدائية مشكلة من ثلاثة قضاة، بخـلاف مـا سـبقت الإشارة إليه في قانون التحكيم الذي يجعل الأمر بتنفيذ أحكام التحكيم التجاري الـدولي لـرئيس المحكمة الابتدائية المختصة أو من يندبه من قضاتها.
وفي جمهورية مصر العربية سبقت الإشارة إلى الخلاف الفقهي والقضائي فـي أي قـانون يؤخذ في التطبيق عن الأمر بتنفيذ حكم تحكيم أجنبي، فعند القائلين بتطبيـق قـانون المرافعـات يقولون باختصاص المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ بدائرتها، وعند القائلين بتطبيـق قـانون التحكيم فإن رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة أو رئيس محكمة الاستئناف التـي يتفـق عليهـا الطرفان أو من يندبانه هو المختص بإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، بمعنى أن محكمة الاستئناف بالقاهرة أو أي محكمة استئناف أخرى بمصر يتفق عليها طرفا التحكيم التجاري الدولي هي المختصة مكانياً بإصدار الأمر بتنفيذه.
وقد منحت اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجارية الحكم التحكيمي الدولي أهمية أكبر عنـدما قررت في موادها أن الاختصاص بمنح الصيغة التنفيذية يكون من قبل المحكمة العليا فى کل دولة متعاقدة، وهو ما لا نجد له نظيرا في باقي التشريعات، فقد نصت في المـادة (35) علـى "تختص المحكمة العليا لدى كل دولة متعاقدة بإضفاء الصيغة التنفيذيـة علـى قـرارات هيئـة التحكيم...".
وفي فرنسا يفرق القانون الفرنسي بين الحكم التحكيمي الـدولي الـصادر فـي فرنسا أو خارجها، ففي الحالة الأولى يكون الاختصاص للمحكمة الابتدائية الصادر الحكم بدائرتها، وذلـك حسب طبيعة النزاع إما لقاضي التنفيذ بالمحكمة الابتدائية أو إلى رئيس المحكمة التجارية، وفـي الحالة الثانية، وهي وقوع عملية التحكيم خارج فرنسا واتفق أطرافه إخضاعه للقانون الفرنسي فإن رئيس المحكمة الابتدائية بباريس يختص بنظر جميع المسائل المرتبطة بالتحكيم، ومنها مـنح الصيغة التنفيذية، وذلك وفق نص المادة (1516) من قانون المسطرة المدنية الفرنسي.
واتفاقية تنفيذ الأحكام بين دول جامعة الدول العربية لعام 1952م، لم تضع اختصاصاً محدداً في هذا السياق، بل أحالت تحديد ذلك إلى كل دولة، حيث تنص في المادة (8) على: "تعيّن كـل دولة السلطة القضائية المختصة التي ترفع إليها طلبات التنفيذ وإجراءاته وطـرق الطعـن فـي الأوامر أو القرار الصادر في هذا الشأن وتبلغ إلى كل من الدول المتعاقدة الأخرى"، كما أخـذت بذلك اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية لدول الخليج فأحالت إجراءات التنفيذ الى نظام كل دولة وفق نص المادة (3) منها حيث نصت على: "... ب- تخضع الإجراءات الخاصة بتنفيذ الحكم لقانون الدولة المطلوب إليها التنفيذ، وذلك في الحدود التي لا تقضي فيها هذه الاتفاقية بغير ذلك."
المطلب الثاني: الاختصاص المكاني بمنح الصيغة التنفيذية:
سبقت الإشارة إلى أن التشريع المغربي نص في الفصل (327- 46) علـى: "... يخـول الاعتراف والصيغة التنفيذية لهذه الأحكام في المغرب وفق نفس الشروط لرئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكـيم في الخارج". فالفصل صريح في جعل الاختصاص المكاني بالنسبة لحكم التحكيم التجاري الدولي إذا كان صادراً داخل المملكة المغربية لرئيس المحكمة التجارية التي صدر في دائرتها، أمـا إذا كان الحكم التحكيمي الدولي صادرا في الخارج فالاختصاص منعقد لرئيس المحكمـة التجاريـة التابع لها مكان التنفيذ، وهذا تنظيم حسن من المشرع المغربي، حيث راعي الحاجة إلى سرعة استصدار أمر التنفيذ لحكم التحكيم التجاري الدولي اعتناء بخصوصية هذا التحكيم ومـا يحقـق دعمه والنهوض به؛ ذلك لأن عقد الاختصاص بالاعتراف والصيغة التنفيذية لـرئيس المحكمـة التجارية الصادر في دائرتها يسهل إصدار الأمر بالتنفيذ لما قد يسبق لرئيس المحكمة من اطلاع على عملية التحكيم ومعرفته بها من خلال عقد الاختصاص له بنظر بعض مسائل وإجـراءات العملية التحكيمية بموجب الفصل (41- 327) على سبيل المثال، كمـا أن جعـل الاختـصاص لرئيس المحكمة التي يراد التنفيذ في دائرتها بالنسبة للحكم التحكيمي الـدولـي الـصـادر خـارج المملكة فيه تسهيل على الأطراف واختصار للإجراءات، خصوصاً في حالة إصدار أمر التنفيـذ من محكمة، والتنفيذ في نطاق محكمة أخرى، وهو تجنب لما وقع فيـه المـشرعان المـصري والعماني حين جعلا الاختصاص للمحكمة الابتدائية المختصة أصلاً بنظـر النـزاع أو محكمـة الاستئناف، كما سبق طرح ذلك ومناقشته.
وعند المشرع المغربي يختص رئيس المحكمة التجارية الصادر الحكم التحكيمي الدولي في نطاق دائرتها، فإذا لم يتم تحديد مقر التحكيم اعتد بالمكان الذي أعلم فيـه الأطـراف بـالمقرر التحكيمي.
هذا بالنسبة لإصدار أمر التنفيذ، أما عملية تذييل المقرر التحكيمي الـدولي فيخـضـع بعـد صدور الأمر بإعطائه الصيغة التنفيذية من قبل القاضي المختص فتطبق عليه قواعد الاختصاص المكاني المقررة أمام قاضي الموضوع في قضاء الدولة. من
وفي التشريع العماني، فإن الاختصاص المكاني يختلف – كما سبق القـول فـي المطلـب السابق- باختلاف القانون الواجب التطبيق عند تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية أو الدولية، فعند القول بتطبيق قانون الإجراءات المدنية والتجارية، فإن الاختصاص منعقد للمحكمة الابتدائية مشكلة من ثلاثة قضاة، والتي يراد التنفيذ في دائرتها، وفق نص المادة (352) منه، بينمـا عنـد القـول بتطبيق قانون التحكيم العماني فإن الاختصاص المكاني منعقد لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة، عملا بالمادة (56) من قانون التحكيم العماني، ثم إن الجدير بالذكر أن نحدد ما المختصة، هل هي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع أم تلك التي يراد التنفيذ فـي دائرتهـا؟ يذهب حمد الجهوري إلى أنها هي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، وقد سبق ذكر رأيـه أن هذه المادة مختصة بتنفيذ حكم التحكيم الوطني، وإنما أوردت رأيه هنا في سبيل تفسير لفـظ المادة ".... رئيس المحكمة الابتدائية المختصة.....".
ونحن إذا تأملنا قراءة المادتين (56) و (9) معاً من قانون التحكيم العماني يتضح لنا جلياً أن المقصود بلفظ المحكمة المختصة هو المختصة بنظر النزاع، إلا أننا إذا نظرنا إلى موضع ورود نص المادة (56) من قانون التحكيم العماني نجده قد أدرج تحت الباب السابع المعنون "حجية أحكام المحكمين وتنفيذها"، مما يعني أن الاختصاص هنا يراد به اختصاص بمكان التنفيذ، وليس بنظر النزاع أصلاً، هذا فضلاً عن أن الطرفين في هذه المرحلة، هما في مرحلـة التنفيـذ وليس بصدد نظر شيء من إجراءات التحكيم ومسائله، ثم إن فلسفة وسياق الاعتناء بحكم التحكيم التجاري الدولي من قبل المشرع العماني تقتضي أن يسهل إجراء استصدار أمر التنفيذ في المكان الذي يختص أصلاً بنظر النزاع الذي قد يكون في مكان بعيد على صاحب المصلحة في الـسند التنفيذي، مما يلزم معه القول بأن الاختصاص هنا يجب أن يكون متعلقاً بالمكان الذي يراد فيـه التنفيذ، وليس مكان نظر النزاع أصلاً. وذلك ما أخذ به المشرع المغربي عندما جعل الاختصاص في حال صدور المقرر التحكيمي خارج المملكة لرئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ، وكما سبقت الإشارة فإن في ذلك مزية مراعاة خصوصية التحكيم التجـاري الـدولي، وسبيلاً للنهوض به ودفع عجلته بسرعة أكبر في إجراءات التنفيذ، وذلك ما يحقق الهدف والغاية من عقد اتفاقية نيويورك والانضمام إليها؛ لأجل ذلك يرى الباحث وجوب تدخل المشرع العماني لتعـديل النصوص بعقد الاختصاص بصريح العبارة لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة التي يراد التنفيذ في دائرتها، وليكن ذلك في المادة (56) محل المناقشة. :
وفي جمهورية مصر العربية سبقت الإشارة إلى الخلاف الفقهي والقضائي بأي قانون يؤخذ في التطبيق عند الأمر بتنفيذ حكم تحكيم أجنبي، فعند القائلين بتطبيق قانون المرافعـات يقولـون باختصاص المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها، وعند القائلين بتطبيق قانون التحكيم فإن رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة أو رئيس محكمة الاستئناف التي يتفق عليها الطرفان أو من يندبانه هو المختص بإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم التجاري الدولي وفق المادتين (56 و9) من قانون التحكيم المصري، ويعتبر اختصاص رئيس تلك المحكمة أو من ينيبه من قضاتها بإصـدار أمر التنفيذ متعلقاً بالنظام العام، بحيث إذا أصدره من لم يكن مختصاً كان ذلك الأمر باطلاً بطلاناً متعلقا بالنظام العام ، وفي هذا السياق تقول محكمة النقض المصرية: "إن الـنـص فـي المـادة التاسعة والفقرة الثانية من المادة الرابعة والخمسين من القانون رقم 27 لسنة 1994 - بـشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية - إنما يدل على أن المشرع نظـم اختصاص المحـاكم المصرية بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها القانون سالف البيان إلى القضاء، وهي تلك المتعلقـة بإجراءات التحكيم كالأمر باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أم أثناء سيرها (المادة 14) أو اختيار محكم (المادة 17) وإنهاء مهمته (المادة 20) فجعلها للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع وفق القواعد الواردة في هذا الشأن في قانون المرافعات، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً سواء جرى في مصر أم خارجها كان الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتم الاتفاق على محكمة استئناف أخرى".
وقد سبق القول إن القانون الفرنسي وفق المادة (1516) من قانون المسطرة المدنية يفـرق بين الحكم التحكيمي الدولي الصادر في فرنسا أو خارجها، ففي الحالة الأولى يكون الاختصاص للمحكمة الابتدائية الصادر الحكم بدائرتها، وذلك حسب طبيعة النزاع إما لقاضي التنفيذ بالمحكمة الابتدائية أو إلى رئيس المحكمة التجارية، وفي الحال الثانية، وهي وقوع عملية التحكيم خـارج فرنسا واتفق أطرافه على إخضاعه للقانون الفرنسي، فإن رئيس المحكمـة الابتدائيـة ببـاريس يختص بنظر جميع المسائل المرتبطة بالتحكيم، ومنها منح الصيغة التنفيذيـة، وكمـا نـرى لا وجود لمحكمة الاستئناف كي تصدر الأمر بالتنفيذ مثل التشريع العماني والمصري.
وقد ذكرنا سابقاً أن اتفاقية تنفيذ الأحكام بين دول جامعة الدول العربية لعـام 1952م، لـم تضع اختصاصاً محدداً في هذا السياق، بل أحالت تحديد ذلك إلى كل دولة وفق نص المـادة (8) منها السالفة الذكر، وكذلك الحال في اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية لـدول الخليج العربي، وفق نص المادة (3) منها.
أما اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري فقد أعطت الاختصاص بمنح الـصيغة التنفيذيـة للمحكمة العليا في كل دولة متعاقدة، والمحكمة العليا غالباً –إن لم تكن في كل الأحيـان- تكـون واحدة في كل دولة الأمر الذي يستغرق الاختصاص المكاني لكامل الدولة لديها.
أما اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار في الدول العربية لعام 2001م، فقد فرضت في المادة (21) على كل دولة متعاقدة تحديد محكمة مختصة أو جهة رسمية مهمتها تنفيذ أحكـام مـحـاكم التحكيم كي يتقدم لها صاحب المصلحة بطلب تنفيذ الحكم، حيث نصت على: "... ب- يجب على كل دولة عضو أن تخطر الأمين العام بتعيين محكمة مختصة أو جهة رسمية مهمتها تنفيذ أحكام محاكم التحكيم، ويجب على الطرف صاحب المصلحة في التنفيذ أن يقدم لهذه الجهة صورة مـن الحكم موقعاً عليها من الأمين العام. ج – تخضع إجراءات تنفيذ الحكم لقوانين التنفيذ في الدولـة المطلوب تنفيذها"، وهي في هذا السياق أخذت بما قررته اتفاقية واشنطن عندما نصت في المـادة (2/54) على: "...2- على الطرف الذي يرغب في الحصول على الاعتراف بالحكم وتنفيذه على أرض الدولة المتعاقدة أن يقدم صورة طبق الأصل معتمدة من السكرتير العـام إلـى المحكمـة الوطنية المختصة أو إلى سلطة أخرى تحددها الدولة المذكورة لهذا الغرض، وعلى كـل دولـة متعاقدة أن تخطر السكرتير العام بالمحكمة المختصة أو الجهات التي تحددها لهذا الغرض وبكـل التغييرات التي تطرأ في هذا الشأن. 3- ويحكم تنفيذ الحكم القوانين السائدة الخاصة بتنفيذ الأحكام القضائية في الدولة التي ينفذ فيها الحكم."
المبحث الثاني: الإجراءات العملية لتقديم طلب منح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الدولي:
يعطى الحكم التحكيمي الدولي الصيغة التنفيذية بعد صدور أمر من القضاء بتنفيذ ذلك الحكم التحكيمي ، وذلك يحتاج إلى إجراءات عملية يقتفيها طالب التنفيذ ابتـداء مـن اسـتلام الحكـم وصاحب الصفة في تقديم طلب الصيغة التنفيذية (المطلب الأول)، ثم إيداع الحكم التحكيمي وآجال تقديم الصيغة التنفيذية (المطلب الثاني)، ومدى لزوم حضور الأطراف أمـام قاضـي الـصيغة التنفيذية (المطلب الثالث).
المطلب الأول: استلام حكم التحكيم وصاحب الصفة في تقديم طلب الصيغة التنفيذية:
يستلم الأطراف حكم التحكيم (الفقرة الأولى)، ثم يتحدد من له الصفة في تقديم طلب الصيغة التنفيذية (الفقرة الثانية)، مصطحبا المستندات اللازمة لذلك (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: تسليم حكم التحكيم:
نصت المادة (44) من قانون التحكيم العماني وذات المادة من قانون التحكيم المصري على: "1- تسلم هيئة التحكيم إلى كل من الطرفين صورة من حكم التحكيم موقعة من المحكمين الـذين وافقوا عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره. 2- ولا يجوز نشر حكم التحكيم أو نشر أجزاء منه إلا بموافقة طرفي التحكيم".
يتضح من هذا النص أن المشرع المصري ونظيره العماني قد أوجبا على هيئة التحكيم بعد إصدارها الحكم التحكيمي المنهي للخصومة أن تسلم صورة من هذا الحكم لكل طرف من أطراف التحكيم، خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره؛ وذلك ليتمكن من صدر الحكـم لـصـالحه مـن إيداعه ثم استصدار أمر التنفيذ، وللمحكوم عليه أن يطلع على الحكم ليحدد موقفه، سواء بتنفيذه أم بالطعن عليه.
وفي المملكة المغربية كان الوضع قبل صدور التعديل رقم (08/05) قد استقر الرأي فيه على معاملة حكم التحكيم الأجنبي أياً كان معاملة حكم التحكيم الوطني الصادر بالمغرب مـن حيث إجراءات التنفيذ، فتطبق عليهما نفس المسطرة أو الإجراءات بعد أن ثار خلاف فقه حول ذلك ، وبعد صدور التعديل أفرد فصولاً خاصة بالتحكيم التجاري الدولي، ومن خـلال النص في الفصل (327-43) أحال إلى تطبيق النصوص الخاصة بالتحكيم الداخلي، كمـا سبقت الإشارة إلى ذلك، وفي التحكيم الداخلي نص الفصل (327-27) علـى: "تسلم هيئـة التحكيم إلى كل من الطرفين نسخة من حكم التحكيم خلال أجل سبعة أيام من تاريخ صـدوره. ولا يجوز نشر حكم التحكيم أو نشر أجزاء منه، إلا بموافقة طرفي التحكيم"، وواضح أن مهلة تسليم الحكم التحكيمي للأطراف قلصها المشرع المغربي إلى سبعة أيام فهي أقل مـن المهلـة لدى المشرعين المصري والعماني اللذين جعلاها ثلاثين يوما، وهو أجل طويل لا يتناسب مع السرعة التي يقتضيها التحكيم، وخصوصاً الدولي منه، فكان المشرع المغربي موفقاً في تقليص تلك المدة.
ومهما يكن من أمر فالميعاد المحدد لتسليم صورة الحكم لا يترتب البطلان على مخالفته، إذ هو مجرد ميعاد تنظيمي، وإن كان يوجب التعويض إن صح له وجه قانوني.
ويختلف الوضع في اتفاقية واشنطن حيث تفرض على السكرتير العام للمركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار والمنبثق من الاتفاقية أن يرسل مباشرة نـسخاً معتمـدة طبـق الأصل من الحكم إلى كل من الطرفين، ويعتبر الحكم معلناً من تاريخ إرسال النـسـخ المعتمـدة، وذلك وفق نص المادة (49) من الاتفاقية، حيث تنص على: "1- يرسل السكرتير العام مباشـرة نسخاً معتمدة طبق الأصل من الحكم إلى كل من الطرفين، ويعتبر أن الحكم قد أعلن اعتباراً من يوم إرسال النسخ المعتمدة. 2- وبناء على تقدم أحد الطرفين بطلب خلال 45 يوماً مـن تـاريخ صدور الحكم يجوز للمحكمة بعد إخطار الطرف الآخر أن تبت في أي أمر لم يتناوله الحكـم أو تصحح أي خطأ كتابي أو حسابي أو أي خطأ مشابه يتضمنه الحكم وقرار المحكمة يعتبر جزءا لا يتجزأ من الحكم ويتم إخطار الطرفين به بنفس الوسائل التي يتم إخطار الحكم بها. وتسري المهل التي تنص عليها الفقرة (2) من المادة (51) والفقرة (2) من المادة (52) اعتبــاراً مـن تـاريخ إصدار القرار".
وفي قواعد اليونسترال تقوم الهيئة التحكيمية بتسليم الحكم التحكيمي للأطراف، إلا أنها لـم تضع مهلة زمنية لذلك، فقد نصت في المادة (6/34) على: "...6- ترسل هيئـة التحكـيم إلـى الأطراف نسخاً من قرار التحكيم ممهورة بتوقيع المحكمين".
أما اتفاقية عمان للتحكيم التجاري الدولي فقد نصت على أن مدير التوثيق هو مـن يرسـل نسخة من القرار إلى كل من الطرفين خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، حيث نصت في المادة (2/32) على: "...2- يقوم مدير التوثيق بإرسال نسخة من القرار إلى كل من الطرفين برسـالة مضمونة مع إشعار بالاستلام خلال ثلاثة أيام من صدوره".
والشأن في اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار في الدول العربية لعام 2001م، فقد حذت حذو اتفاقية واشنطن واتفاقية عمان عندما كلّفت الأمانة العامة لمجلس الوحـدة الاقتصادية العربيـة بإرسال نسخة رسمية من الحكم لكل طرف من أطراف النزاع، إلا أنها جعلت ذلك خلال مهلـة عشرة أيام من صدور الحكم التحكيمي، فقد نصتت في المادة (16/أ) على: "تقوم الأمانة العامـة بإرسال نسخة رسمية من الحكم لكل طرف من أطراف النزاع خلال عشرة أيام مـن صـدوره وذلك بموجب خطاب موصى عليه بعلم الوصول".
الفقرة الثانية: صاحب الصفة في تقديم طلب الصيغة التنفيذية:
لا يمكن أن يقدم طلب وضع الصيغة التنفيذية، إلا ممن صدر الحكـم التحكيمـي لـصـالحه وكان طرفا فيه، حيث جاءت عبارة الفصل (327-46) من قانون المسطرة المدنيـة علـى النحو الآتي: "يعترف بالأحكام التحكيمية الدولية في المملكة إذا أثبت وجودها من يتمسك بهـا.." فكل من كانت له مصلحة في الحكم التحكيمي الدولي، وكان طرفاً فيه حق له أن يتقدم بطلـب الصيغة التنفيذية، وذات ذلك يفهم من نص المادة (4) من اتفاقيـة نيويورك عنـدمـا صـدرتها بالقول: "1- على من يطلب الاعتراف والتنفيذ المنصوص عليهما في المادة السابقة أن يقدم مـع الطلب:..."، كما يفهم أيضاً في اتفاقية واشنطن عنـدمـا نـصـت فـي المـادة (2/54) علـى "...2- على الطرف الذي يرغب في الحصول على الاعتراف بالحكم وتنفيذه على أرض الدولة المتعاقدة أن يقدم صورة طبق الأصل...."، ونلاحظ في نص اتفاقية واشنطن تـصريحاً بكلمـة طرف، وهو ما يوحي أن مقدم طلب التنفيذ لا بد من أن يكون طرفـاً فـي الحكـم التحكيمـي وجاءت اتفاقية عمان في هذا الصدد أكثر غموضاً عندما قالـت فـي المـادة (35): "تخـتص المحكمة العليا لدى كل دولة متعاقدة بإضفاء الصيغة التنفيذية..." دون تحديد ممـن يقـدم طلـب الصيغة التنفيذية.
بينما كانت اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار في الدول العربية لعام 2001م تنص بوضـوح على كون مقدم طلب التنفيذ طرفا، بالإضافة إلى شرط وجود المصلحة، حيث نصت في المـادة (21/ب): "... ويجب على الطرف صاحب المصلحة في التنفيذ أن يقدم لهذه الجهة صورة مـن الحكم موقعاً عليها من الأمين العام".
ولا يرى البعض مانعاً أن يقدم الطلب من المحكوم عليه إن كانت له مصلحة في ذلك، مـن أجل ذلك جاءت صيغة المادة (56) من قانون التحكيم العماني والمصري عامة، وبصيغة المبني للمجهول .
ويكون الطلب على شكل عريضة يصدر عليها أمر التنفيذ، وليست علـى شـكل صـحيفة دعوى، وهذا عند تطبيق قانون التحكيم سواء في مصر أم سلطنة عمان أم المغرب، وفقاً للقواعد العامة للأوامر على عرائض، حيث إن قانون التحكيم لم يورد شكلاً مخصصاً لذلك، فنرجع الـ القواعد العامة للأوامر على عرائض .
الفقرة الثالثة: مستندات طلب استصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم:
لم ينص قانون المسطرة المدنية المغربي على طلب تنفيذ الحكم التحكيمي ولا على شـروط صحته، إلا أنه عملياً يقدم للقاضي المختص بواسطة عريضة مرفقة بها المستندات التي يتطلبهـا القانون، ويقدم كتابة مع الإشارة إلى طالب التنفيذ والمنفذ ضده والعناوين وأسانيد الطلب.
فيقوم طالب التنفيذ بتقديم طلب إلى رئيس المحكمة المختصة يتضمن أصل الحكم التحكيمي مرفقاً به اتفاق التحكيم أو نسخاً من هاتين الوثيقتين صحيحة الشروط قانوناً، فإن كانتا أو إحداهما محررة بلغة غير العربية، وجب تقديم ترجمة معتمدة مشهوداً بصحتها أمـام المحـاكم، وذلـك بخلاف اتفاقية نيويورك التي لا تشترط تقديم ترجمة معتمدة أمام المحاكم، وإنما ترجمة يـشهد عليها مترجم رسمي أو محلف أو أحد رجال السلك الدبلوماسي أو القنصلي، وهو ما نصت عليه المادة (2/4) من اتفاقية نيويورك .
ویری فاضل الليلي وجوب أن يكون طلب التنفيذ واضحاً ودقيقاً، فضلاً عن باقي البيانـات من الحكم التحكيمي وأسماء الأطراف وعناوينهم، تسهيلاً للعملية التنفيذية.
ويرفق مع طلب التنفيذ أصل الحكم التحكيمي أو نسخة منه مصادقاً عليها طبق الأصل في حالة كون حكم التحكيم داخلياً وتم إيداع النسخة الأصلية-، أما في حالة كون حكم التحكيم دوليـاً فيرفق نسخة الحكم الأصلية، ونسخة من اتفاق التحكيم، وإذا كان الحكم أو الاتفاق بغيـر اللغـة العربية وجب ترجمتها إلى العربية من لدن ترجمان محلف مقبول الترجمة لدى المحـاكم، فـإذا كانت الترجمة صادرة خارج المغرب، فيجب أن تصادق عليها المحكمة قبل أن ترفـق بطلـب التنفيذ، وهو قريب مما قرره المشرع الفرنسي من لزوم إرفاق وثيقة اتفـاق التحكـيم وحكـم التحكيم الأصليين أو مصادقاً عليهما مع ترجمتهما المعتمدة قانوناً إن لم تكن بغير الفرنسية وفـق نص المادة (1515) من قانون المسطرة المدنية الفرنسي .
وفي التشريع العماني والمصري نصت المادة (56) من قانوني التحكيم العماني والمـصري على: "يختص رئيس المحكمة... ويقدم طلب تنفيذ الحكم مرفقاً به ما يلي: 1- أصـل الحكـم أو صور موقعة منه. 2- صورة من اتفاق التحكيم. 3- ترجمة مصدق عليها من جهة معتمدة إلـى اللغة العربية لحكم التحكيم إذا لم يكن صادراً بها. 4- صورة من المحضر الدال على إبداع الحكم وفقا للمادة 47 من هذا القانون".
ويبين من النص أن المشرعين لم يوضحا آلية تقديم الطلب، مما يعني معـه تقديمـه علـى عريضة يصدر عليها رئيس المحكمة أمره بالتنفيذ أو الرفض، وذلك ما قررته محكمـة الـنقض المصرية.
وبناء عليه يقدم طلب أمر التنفيذ، وفقاً للقواعد العامة للأوامر على عرائض، وذلك بعريضة من نسختين متطابقتين مشتملة على وقائع الطلب وأسانيده مع تعيين بيانــات الطـرفين وإرفـاق المستندات اللازمة.
ومن خلال المادة (56) لدى المشرعين المصري والعماني يجب على من صـدر لـصالحه حكم التحكيم أن يقدم مع طلب تنفيذ حكم التحكيم ما يلي: 1- أصل حكم التحكيم أو صورة موقعة منه. 2- صورة من اتفاق التحكيم. 3- ترجمة لحكم التحكيم واتفاق التحكيم إذا كان دهما أو كلاهما صادراً بلغة أجنبية58، وهنا لا نلحظ اشتراط رسمية الترجمة، بل يكفي أن تكون من جهة معتمدة. 4- صورة من المحضر الدال على إيداع حكم التحكيم – سواء الداخلي أم الدولي لـدى المحكمة المختصة. 5- إعلان حكم التحكيم للصادر ضده الحكم.
فإن لم تتوافر تلك المستندات المطلوبة جاز لأمانة السر أو قلم الكتاب الامتناع عـن قبـول طلب التنفيذ -أي قبول المعاملة-.
أما اتفاقية نيويورك فقد نصت في المادة (4) على: "1- على من يطلب الاعتراف والتنفيـذ المنصوص عليهما في المادة السابقة أن يقدم مع الطلب: (أ) أصل الحكم الرسمي أو صورة مـن الأصل تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند. (ب) أصل الاتفاق المنصوص عليه فـي المـادة الثانية أو صورة تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند. 2- وعلى طالب الاعتراف والتنفيـذ إذا كان الحكم أو الاتفاق المشار إليهما غير محرر بلغة البلد الرسمية المطلوب إليها التنفيذ أن يقـدم ترجمة لهذه الأوراق بهذه اللغة. ويجب أن يشهد على الترجمة مترجم رسمي أو محلف أو أحـد رجال السلك الدبلوماسي أو القنصلي"، فيجب على طالب الأمر بالتنفيذ أن يقـدم أصـل الـحـكـم الرسمي الصادر عن الهيئة التحكيمية أو صورة رسمية منه مع الاتفاق الذي نصت عليه الاتفاقية في المادة الثانية منها أو صورة رسمية منه ، فإذا كانت تلك الوثيقتان غير محـررتين باللغـة الرسمية للبلد المطلوب التنفيذ فيه وجب ترجمتهما إلى تلك اللغة، ويشهد بصحة الترجمة متـرجم رسمي أو محلف أو أحد رجال السلك الدبلوماسي أو القنصلي، فإن قـدمت دون ترجمـة تعـين رفض الطلب.
واتفاقية واشنطن لم تتناول السند المترجم، وإنما نصت على تقديم صـورة طبـق الأصـل معتمدة من السكرتير العام للمركز الدولي لتسوية المنازعات إلى المحكمة المختصة أو إلى سلطة أخرى تحددها الدولة المعنية لهذا الغرض، حيث تنص في المادة (2/54) علـى: "...2- علـى الطرف الذي يرغب في الحصول على الاعتراف بالحكم وتنفيذه على أرض الدولة المتعاقـدة أن يقدم صورة طبق الأصل معتمدة من السكرتير العام إلى المحكمة الوطنية المختصة أو إلى سلطة أخرى تحددها الدولة المذكورة لهذا الغرض، وعلى كل دولة متعاقدة أن تخطر السكرتير العـام بالمحكمة المختصة أو الجهات التي تحددها لهذا الغرض وبكل التغييرات التي تطـرأ فى هذا الشأن.3- ويحكم تنفيذ الحكم القوانين السائدة الخاصة بتنفيذ الأحكام القضائية في الدولة التي ينفذ هـــذا فيها الحكم."
بينما نجد أن اتفاقية تنفيذ الأحكام بين دول جامعة الـدول العربيـة لعـام 1952م توضـح المستندات اللازمة لطلب التنفيذ في دولة عربية متعاقدة في المادة (5) عندما نصت على: "يجب أن يرفق بطلب التنفيذ المستندات الآتية: 1- صورة رسمية طبق الأصل مـصدق عليهـا مـن الجهات المختصة للحكم المطلوب تنفيذه المذيل بالصيغة التنفيذيـة. 2- أصـل إعـلان الحكـم المطلوب تنفيذه أو شهادة رسمية دالة على أن الحكم تم إعلانه على الوجه الصحيح 3- شهادة من الجهات المختصة دالة على أن الحكم المطلوب تنفيذه هو حكم نهائي واجب التنفيذ 4- شهادة دالة على أن الخصوم أعلنوا بالحضور أمام الجهات المختصة أو أمام هيئة المحكمين علـى الوجـه الصحيح، إذا الحكم أو قرار المحكمين قد صدر غيابيا"، ومؤدى ذلك أن هذه المستندات توحي أن الصيغة التنفيذية منحت من دولة مقر الحكم التحكيمي، فتقدم مذيلة بالصيغة التنفيذية إلى الدولـة المراد التنفيذ فيها، وتقدم الى الجهة المختصة وفق ما سبق ذكره، وهي لها فقط أن ترفض التنفيذ في حالات محصورة وفق المادة (3) من الاتفاقية إن رأت تحقق إحدى تلك الحالات، حيث تنص المادة (3) منها على: "مع مراعاة ما ورد في المادة الأولى من هذه الاتفاقية لا تملـك الـسلطة المطلوب إليها تنفيذ حكم محكمين صادر من إحدى دول الجامعة العربية إعادة فحص موضـوع الدعوى الصادر فيها حكم المحكمين المطلوب تنفيذه، وإنما لها أن تـرفض طلـب تنفيـذ حـكـم المحكمين في الأحوال الآتية: أ- إذا كان قانون الدولة المطلوب إليها تنفيذ الحكم لا يجيـز حـل موضوع النزاع عن طريق التحكيم. ب- إذا كان حكم المحكمين غير صادر تنفيذا لشرط أو لعقد تحكيم صحيحين. ج – إذا كان المحكمون غير مختصين طبقاً لعقد أو شـرط التحكـيم أو طبق للقانون الذي صدر قرار المحكمين على مقتضاه. د- إذا كان الخصوم لم يعلنوا بالحضور علـى الوجه الصحيح. هـ- إذا كان في حكم المحكمين ما يخالف النظام العام أو الآداب العامـة فـي الدولة المطلوب إليها التنفيذ، وهي صاحبة السلطة في تقدير كونه كذلك، وعدم تنفيذ ما يتعارض منه مع النظام العام أو الآداب العامة فيها. و- إذا كان حكم المحكمين ليس نهائياً في الدولة التي صدر فيها".
أما اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية لدول مجلس التعاون العربي فقـد بينت المستندات اللازم تقديمها من قبل الجهة التي تطلب التنفيذ لدى أي من الدول الأعـضاء في المادة (9) وهي: "أ- صورة كاملة رسمية من الحكم مصدقاً عليها التوقيعات فيها من الجهة المختصة. ب- شهادة بأن الحكم أصبح حائزاً قوة الأمر المقضي به ما لم يكن ذلك منصوصاً عليه في الحكم ذاته. ج- صورة من مستند تبليغ الحكم مصدقا عليها بمطابقتها للأصل أو أي مستند آخر من شأنه إثبات إعلان المدعى عليه إعلاناً صحيحاً، وذلك في حالة الحكم الغيابي".
وقريب منها ما سبق، وأن قررته اتفاقية الرياض من مستندات للاعتراف أو تنفيـذ الحكـم التحكيمي، حيث نصت المادة (34) ، ومن خلال المقارنة بين النصين نلاحظ كيف أن النـصين يتشابهان إلى حد بعيد فاتفاقية تنفيذ الأحكام لدول مجلس الخليج العربي أخذت النص من اتفاقيـة الرياض مع حذف الفقرتين الأخيرتين.
ونلاحظ في هذا السياق أن اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لم توضح المستندات اللازم تقديمها لاستصدار الصيغة التنفيذية من المحكمة العليا لدى كل دولة متعاقدة.
وتكتفي اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار في الدول العربية لعام 2001م بصورة من الحكم موقعة من الأمين العام فحسب، دون إشارة لغيرها من المستندات، حيـث نـصـت فـي المـادة (21/ب): "... ويجب على الطرف صاحب المصلحة في التنفيذ أن يقدم لهذه الجهة صورة مـن الحكم موقعاً عليها من الأمين العام".
المطلب الثاني: إيداع حكم التحكيم وآجال تقديم طلب الصيغة التنفيذية:
على من صدر الحكم لصالحه أن يودع الحكم التحكيمي قضاء الدولة (الفقرة الأولى) وفقـاً لقانون التحكيم دون قانون الإجراءات المدنية والتجارية (الفقرة الثانية)، وذلك في أجـل محـدد للإيداع، فإذا تم ذلك الإيداع فتح الباب لتقديم طلب الصيغة التنفيذية (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: وجوب الإيداع وفقا لقانون التحكيم:
يجب إيداع الأحكام الصادرة من المحكم سواء كانت فاصلة أم أحكاماً بالإجراءات63، بينمـا يرى عصام فوزي الجنايني أن الذي يجب إيداعه هو حكم التحكيم المنهي للنزاع والحاسـم لـه فقط.
ويكون الإيداع أمام المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع في التحكيم الداخلي، أمـا حكـم التحكيم التجاري الدولي فيتم إيداعه محكمة الاستئناف بمسقط، وذلك وفقا للمادة (9) من قـانون التحكيم العماني بإحالة المادة (47) من ذات القانون حيث نصت على: "يجب على من صدر حكم التحكيم لصالحه إيداع أصل الحكم أو صورة منه باللغة التي صدر بها أو ترجمة باللغة العربيـة مصدقاً عليها من جهة معتمدة إذا كان صادراً بلغة أجنبية، وذلـك فـي أمانـة سـر المحكمـة المنصوص عليها في المادة (9) من هذا القانون، ويحرر أمين سر المحكمة محضراً بهذا الإيداع ويجوز لكل من طرفي التحكيم طلب الحصول على صورة هذا المحضر" .
ويجب الإيداع على من صدر الحكم لصالحه، وهو ما تبناه القانون المصري، في قـانون التحكيم بالمادة (47)، إلا أن علي سالم إبراهيم يرى عدم وجود ما يمنع المحكم أن يقوم بالإيداع رغم نص المادة (47) من قانون التحكيم .
ويتبين عند إحالة النظر أن هذا الوجوب هو عبء إجرائي على المحكوم لصالحه فإن تركه لم يترتب عليه أي جزاء، فعدم الإيداع لا يمس صحة الحكم التحكيمي بشيء، لكن يبقى طالب التنفيذ عاجزاً عن استصدار الأمر بالتنفيذ دون القيام بعملية الإيداع التي شرعها القانون رقابـة على عمل المحكمين، بحيث يتأكد القاضي الأمر من صدور حكـم التحكـيم خـلال الميعـاد القانوني، وأنه بني على اتفاق تحكيم صحيح، وقد أودع وفق المقرر قانونا، وهـو فـي نظ الباحث تحقق مادي من وجود حكم تحكيم بمعناه وشكله القانونيين.
وفي هذا السياق يرى أحمد السيد صاوي أنه إذا لم يقـم صـاحب الـشأن بإيـداع الحكـم التحكيمي، عندها يتعذر الحصول على الصيغة التنفيذية، وهو ما قد ينتج ضرراً على مـن يـود استصدار الصيغة التنفيذية وبناء عليه يجوز الحكم على المحكـوم لـصالحه بـالتعويض عـن الأضرار الناتجة من ذلك؛ لأنه المكلف هو بالإيداع قانوناً.
وقانون التحكيم العماني والمصري كلفا المحكوم لـصالحه القيام بمهمـة إيـداع الحكـم التحكيمي، وذلك أمر يتسق مع المنطق السليم، بخلاف ما جنحت إليه بعض القوانين- كالقـانون اليمني في المادة (49)- من تكليف الهيئة التحكيمية بالإيداع، مما عرضها للنقد الفقهـي"، وإن كان حمدناه بوكنين يرى حسن تكليف أحد المحكمين للقيام بعملية الإيـداع؛ تفاديـاً للإشكالات وإمكاناً لمساءلة الهيئة التحكيمية – عند توافر شروط المساءلة – إذا لـم تـودع داخـل الأجـل القانوني . –
والإيداع إجراء لازم لاستصدار الأمر بالتنفيذ، وبدونه لا يمكن أن يـؤدي حكـم التحكـيم فاعليته، وهو يحقق السرعة في الحصول على أمر التنفيذ، ويمكن القضاء من ممارسة الرقابـة المحددة له هذا في نظر بعض الفقه ، بينما يقرر البعض الآخر أن عدم إيداع الحكم قلم الكتـاب لا يمنع من إصدار الأمر بتنفيذه.
ويجري العمل في محكمة الاستئناف بمسقط على قبول إيداع الحكم التحكيمي سـواء أكـان محلياً أم دولياً، ويسدد له رسماً (30) ثلاثين ريالا عمانياً، ويتم إعلان الطـرف الآخـر بـالحكم التحكيمي المودع، ثم ينتظر طالب التنفيذ مهلة تسعين يوماً حتى يتقـدم بعـدهـا مـن المحكمـة المختصة بطلب إصدار الأمر بالتنفيذ، ويودع الحكم الأصلي مع ترجمة معتمدة إن كـان بغيـر العربية مع اتفاق التحكيم، ويوضع طلب الإيداع مع المرفقات في ملف يحفظ فيه ، وفـي هـذا يتضح جلياً أن محكمة الاستئناف بمسقط تخطئ وتخالف القانون عندما تقبل إيداع الحكم التحكيمي المحلي فهي مختصة فقط بقبول إيداع حكم التحكيم التجاري الدولي، وذلك بموجب نص المـادة (47) السابق ذكرها.
أما المشرع المغربي فلم يوجب إيداع الحكم التحكيمي الدولي، وقصر الإيداع فقط على حكم التحكيم الوطني، وذلك في الفصل (327-31) الذي نص على: "... يودع أصل الحكم التحكيمي مصحوباً بنسخة من اتفاق التحكيم مع ترجمتها إلى العربية لدى كتابة ضبط المحكمة من لدن أحد المحكمين أو الطرف الأكثر استعجالاً داخل أجل سبعة أيام كاملة التاليـة لـتـاريخ صـدوره..."، فالمشرع المغربي أعفى الحكم التحكيمي الدولي من الإيداع – وهو ما كان الوضـع عليـه فـي القانون الملغي 1974 – وقصره على حكم التحكيم الوطني، وفي التحكيم التجـاري الـدولي اكتفى بأن يدلي صاحب طلب التذييل بنسخة أصلية من الحكم التحكيمي، ونسخة من اتفاق التحكيم مع ترجمتها بالعربية إذا حررا بلغة غير العربية.
وعلى كل حال فلم يرتب المشرع المغربي على عدم الإيداع في الأجل المحدد أي جـزاء، وصاحب المصلحة لا شك أنه يسرع في عملية الإيداع بغية الوصول الى حقه في أقرب وقت.
واتفاقية نيويورك، كما سبق القول، لم تتناول هذه الإجراءات، وإنما أحالـت بـشأنها إلـى القوانين الوطنية.
أما اتفاقية واشنطن فهي لم تنظم الإيداع، بل إن المركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار هو من يصدر الحكم وسكرتيره العام هو من يقوم بتسليم طرفـي التحكـيم نسخاً معتمدة طبق الأصل للأطراف، فليس ثمة إيداع يكلف به الأطراف، ثم إن الغايـة مـن الإيـداع متحققة، لأن التحكيم لدى المركز هو تحكيم مؤسساتي، ولا شك يتم الاحتفاظ بخلفيـات القـضـايا التحكيمية لديه، وعند التنفيذ، كما سبق، يتوجه الطرف ذو المصلحة إلى المحكمـة المختـصة أو الجهة التي عينتها الدولة لغرض التنفيذ مقدماً ذلك الحكم المعتمد من السكرتير العام. ،
والجدير بالذكر أن قواعد اليونسترال –بمطالعة نصوصها- هي الأخرى لم تنتـأول تنظــيم مسألة إيداع الحكم التحكيمي، وكذلك الحال في اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار فـي الـدول العربية لعام 2001م.
الفقرة الثانية: عدم وجوب الإيداع وفقا لقانون الإجراءات:
في قانون الإجراءات، وفق ما سبق ذكره، يكون إعطاء الصيغة التنفيذيـة بموجـب حـكـم يصدر من الدائرة الثلاثية بالنسبة لسلطنة عمان، وفي دعوى معتادة ترفع بالطريق المعتاد، ومن خلالها يتم تقييم الحكم التحكيمي، فلا مجال للقول بالإيداع، إذ هي وفق القواعد العامة، ويباشـر القاضي نظرها كأي دعوى، وقانون الإجراءات أو المرافعات لم يضع نصاً خاصاً بإيداع الحكـم القضائي الأجنبي أو الحكم التحكيمي الأجنبي، وإذا تأملنا فلسفة معاملة الحكم الأجنبي، وفق هـذا النظام، نجده أنه عومل كواقعة دعوى جديدة تنظرها الهيئة القضائية وفق کامل عناصـرها فـلا محل للقول بالإيداع؛ لأجل ذلك لم تكن هناك حاجة إلى تشريع الإيداع عند الأخذ بهـذا النظـام بخلاف الوضع عند الأخذ بنظام الأمر بالتنفيذ على عريضة، فعندها تكون الحاجة أدعـى إلـى الأخذ بالإيداع ليتحقق الاحتفاظ بخلفيات الحكم الذي هو بصدد إضفاء فاعلية التنفيذ عليه من لدن قضاء الدولة، فضلاً عن الرقابة عليه.
الفقرة الثالثة: أجال مهلة الإيداع وميعاد تقديم طلب الصيغة التنفيذية:
لم يحدد قانون التحكيم العماني ولا المصري في المادة (47) منهما موعدا محـددا لعمليـة الإيداع، وكذلك الحال لدى المشرع المغربي في الفصل (327-31).
الجدير بالذكر أن المشرع المصري كان يحدد في النص السابق الملغى ميعاداً ناقصاً قـدره خمسة عشر يوماً، وذلك في المادة (508) الملغية من قانون المرافعات، وعلى أي حال فتحديـد مواعيد الإيداع في بعض القوانين لا يؤثر بطلاناً في حال عدم مراعاته كونه ميعاداً بعد الحكم فلا يؤثر فيه .
وعند القائلين بتطبيق قانون الإجراءات دون قانون التحكيم فـي الـسلطنة ومـصر، فإنـه بالرجوع الى قانون المرافعات أو الإجراءات لم يضع فيه المشرع أجلاً لتقديم طلب الأمر بالتنفيذ فيخضع عندئذ للقواعد العامة التي تقرر أن لصاحب المصلحة أن يتقدم بطلب الأمر لحكم الحكيم الأجنبي ما لم يسقط الحكم بالتقادم .
أما تقديم الطلب للصيغة التنفيذية فيجب أن يقدم الطلـب بعـد انقـضاء المهلـة المحـددة لدعوى البطلان بتسعين يوماً في القانون العماني أو المصري، وفق نـص المـادة (1/54) مـن القانونين، وبخمسة عشر يوما في القانون المغربي وفق الفصل (327-52) من قانون المسطرة المدنية.
وبعد انقضاء تلك المهلة للمحكوم له وفق قانون التحكيم المصري والعماني أن يتقدم بطلـب الصيغة التنفيذية، بينما نص المشرع المغربي في الفصل (327-53) من قانون المسطرة المدنية على: "يوقف أجل تقديم الطعون المنصوص عليها في الفصول 327 – 48 و327- 49 أعـلاه تنفيذ الحكم التحكيمي. كما يوقف الطعن الممارس داخل الأجل تنفيذ الحكم التحكيمي ما لم يكـن القرار التحكيمي مشمولاً بالنفاذ المعجل، ويمكن في هذه الحالة للجهة التي تبت فـي الطعـن أن تأمر بوقف التنفيذ إذا ظهر لها ما يبرر ذلك"، فيستمر وقف التنفيذ إذا رفعت دعوى البطلان على الحكم التحكيمي ما لم يكن القرار التحكيمي مشمولاً بالنفاذ المعجل فيجـري التنفيـذ إلا إذا رأت الجهة التي تبت في الطعن أن تأمر بوقف التنفيذ بشرط أن يكون لها مبرر لذلك الوقف، وهو ما لا نجده لدى المشرعين العماني والمصري، من أجل ذلك وقع الخلاف الفقهي الـسابق الإشـارة إليه، وصراحة النص ترجح وقف التنفيذ إلى انقضاء مهلة الطعن تسعين يومـا، وبعـدها يحـق للمحكوم له التقدم بطلب التنفيذ ولا يوقف التنفيذ بقوة القانون، إلا إذا رأت المحكمة ذلـك وفـق شروط سيأتي ذكرها في حينه لاحقاً.
أما ميعاد طلب الصيغة التنفيذية وفقاً لقانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني أو قـانون المرافعات المصري - عند القول بتطبيقهما – فلم ينصا على أجل محدد لرفع دعوى طلب إكساء الصيغة التنفيذية، مما تخضع معه هذه المسألة للقواعد العامة التي تجيز للمحكوم له التقدم بطلب الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي بدعوى ما لم يسقط بالتقادم.
المطلب الثالث: مدى إلزامية حضور الأطراف أمام قاضي الصيغة التنفيذية (مبدأ التواجهية):
إن مبدأ المواجهة بين الخصوم من أهم تطبيقات مبدأ احترام حقوق الدفاع الواسع، والـذي يعد من أهم المبادئ الأساسية في التقاضي، وهو عبارة عن العلم الكامل بعناصر القضية الواقعية والقانونية في وقت نافع للتحليل والرد بعد التأمل والتروي مع ضرورة الالتزام بالأمانـة أثنـاء المواجهة.
ومبدأ المواجهة في العملية التحكيمية واجب في كل الأحـوال وهـو مـن النظـام العـام الدولي، وتتفق عليه كل التشريعات؛ لأنه من الأسباب الرئيسية التـي تجيـز رفـع دعـوى البطلان.
ولا تقتصر المواجهة على إحاطة كل طرف بكل إجراء يتخذه الطرف الآخر، وإنما يلزم مع العلم بالإجراء، وجوب أن يكون هناك وقت كاف نافع للطرف المواجه بالإجراء لاتخاذ ما يـراه مناسباً قبل خصمه، فهو وإن بدا لأول وهلة من خلال قيد الدعوى بتقدم المدعي وتسجيله لها دون حصول مواجهة من المدعى عليه، ثم يصله الإعلان في ما بعد إلا أن ذلك ضـرورة يـتمخض عنها نشوء الدعوى، وبالتالي فإنه في مجال إعطاء الصيغة التنفيذية لا منـاص مـن وجـوب المواجهة بين الخصمين ليتمكن المحكوم عليه من إعداد نفسه للتنفيـذ أو رفـضـه بـالإجراءات القانونية المقررة، وفي هذا الصدد نجد المشرعين المصري والعماني ينصان فـي المـادة (58) على اشتراط عدم مخالفة الحكم التحكيمي لحكم قضائي وطني صادر في موضوع النزاع – كما سبقت مناقشته- وهذا يقتضي قيام مبدأ المواجهة وإعماله، إذ لا سبيل لقاضي التنفيذ معرفة ذلـك إلا بواسطة الخصم المطلوب التنفيذ ضده، ففي حضوره يدفع بهذا الدفع.
ونجد كذلك المشرع المغربي قد جعل حالات رفض الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم التجاري الدولي في الفصل (49-327) على النحو الآتي: "لا يمكن الطعن بالاستئناف في الأمر القاضـي بتحويل الاعتراف أو الصيغة التنفيذية، إلا في الحالات الآتية: 1- إذا بتت الهيئة التحكيميـة دون اتفاق تحكيم أو استناداً إلى اتفاق باطل أو بعد انتهاء أجل التحكـيم؛ 2- إذا تـم تـشكيل الهيئـة التحكيمية أو تعيين المحكم المنفرد بصفة غير قانونية؛ 3- إذا بتت الهيئة التحكيميـة دون التقيـد بالمهمة المسندة إليها؛ 4- إذا لم تحترم حقوق الدفاع..."، وهذه الحالات الأربع تقتضي أن يـدفـع بها أحد الأطراف أمام قاضي الصيغة التنفيذية وهو ما يحقق مبدأ التواجهية، وذلك ذاته ما يمكن أن نخلص إليه من خلال التأمل في حالات رفض التنفيذ الحصرية التي وضعتها اتفاقيـة تنفيـذ الأحكام بين دول جامعة الدول العربية لعام 1952م، حيث إن كثيراً منها لا بد من الدفع بها مـن قبل الخصم، فقد وردت تلك الحالات بالمادة (3) من الاتفاقية بالشكل التـالي: أ- إذا كـان قانون الدولة المطلوب إليها تنفيذ الحكم لا يجيز حل موضوع النزاع عن طريق التحكيم. ب- إذا كان حكم المحكمين غير صادر تنفيذاً لشرط أو لعقد تحكيم صحيحين. ج- إذا كان المحكمون غير مختصين طبقاً لعقد أو شرط التحكيم أو طبقاً للقانون الذي صدر قرار المحكمين على مقتـضاه. د- إذا كان الخصوم لم يعلنوا بالحضور على الوجه الصحيح. هـ- إذا كان في حكم المحكمـين ما يخالف النظام العام أو الآداب العامة في الدولة المطلوب إليها التنفيذ وهي صاحبة السلطة في تقدیر كونه كذلك وعدم تنفيذ ما يتعارض منه مع النظام العام أو الآداب العامة فيها. و- إذا كـان حكم المحكمين ليس نهائيا في الدولة التي صدر فيها".
وقضاء محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء يكرس مبدأ التواجهية بين الطرفين خلال مرحلة الإجراءات التحكيمية استلهاماً من اتفاقية نيويورك، إذ تقول في حكم لها: "... لئن منحت الاتفاقية (نيويورك) للطرف الصادر ضده حكم التحكيم الأجنبي أن يعترض على طلب الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم إذا لم يتمكن من العلم بمباشرة التحكيم بسبب عدم تبليغـه بكيفيـة صـحيحة بجريان المحاكمة التحكيمية أو استحالة تمكنه من تقديم دفاعه، فإن مغزى ذلك هو احترام مبـدأ التواجهية الذي كرسه القانون احتراماً لحقوق الدفاع..
بينما نلاحظ اختفاء مبدأ المواجهة لدى اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري أمـام قاضـ التنفيذ - وهو المحكمة العليا لدى كل دولة متعاقدة - عندما قفلت الاتفاقية باب رفـض الـصيغة التنفيذية، إلا في حالة واحدة فقط وهي مخالفة النظام العام، وذلك وفق المادة (35) منها، حيـث نصت على: "تختص المحكمة العليا لدى كل دولة متعاقدة بإضفاء الصيغة التنفيذية على قرارات هيئة التحكيم ولا يجوز رفض الأمر بالتنفيذ، إلا إذا كان القرار مخالفاً للنظام العـام"، ومخالفـة النظام العام، كما هو معلوم، تثيره المحكمة من تلقاء نفسها فليس من حاجة إلى دفع من الخصوم، وهو ما يتلاشى أمامه مبدأ التواجهية.
الفقرة الأولى: التواجهية وقانون الإجراءات:
عند القائلين بخضوع حكم التحكيم الأجنبي لقانون الإجراءات في سلطنة عمـان أو لقـانـون المرافعات في مصر، فإن مبدأ التواجهية يكون حاضرا، إذ تنظر الدعوى كأي دعـوى قـضائية يحضر فيها الطرفان في جلسة علنية وفق الإجراءات في قانون المرافعـات، وبالتـالي تكـون التواجهية متحققة لا محالة، وأمانة سر المحكمة أو قلم الكتاب هو من يقوم بإعلان الأطـراف، وكل طرف يقوم بالترافع من جانبه ويبدي حججه ودفوعه ومستنداته، وقضاء الدولة يباشر النظر فيها مراعيا حقوق الدفاع كأي دعوى منظورة أمامه.
الفقرة الثانية: التواجهية وقانون التحكيم:
لم ينص قانون التحكيم على إجراءات صدور الأمر، وبالتالي تطبق القواعد العامـة والتـي تقتضي إخضاع الأمر لنظام الأوامر على عرائض، والذي بتطبيقه يقتضي التأشير على العريضة بالأمر أو رفضه دون إعلان الأطراف والمواجهة بينهم، إلا أننا إذا تتبعنا نصوص قانون التحكيم العماني والمغربي والمصري لا نجد نصاً يمنع القاضي من تكليف الخصوم بالحضور والمواجهة بينهم قبل إصدار الأمر، ومن خلال هذه المواجهة يقوم الخصم صاحب المصلحة بالتمسك بدفاعه، كما تمكن المواجهة قاضي الصيغة التنفيذية من القيام بعمله على أكمل وجه ومراقبة حكم التحكيم من شتى النواحي، ومن ذلك، على سبيل المثال، حالة صدور حكم سابق من محاكم الدولة المراد تنفيذها، إن كان القاضي لا يعلم به، كذلك كل حالة يثيرها الخصم من تلقـاء نفـسه إذا أبـداها مستوفية الشروط كي يمتنع قاضي التنفيذ من تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية بموجبهـا، وسيتضح في ثنايا هذا البحث – بمشيئة الله تعالى – أن حالات البطلان المنصوص عليهـا فـي قانوني التحكيم العماني والمصري في المادة (56) منهما هي ذاتها تصلح حالات لرفض الصيغة التنفيذية من قبل قاضي التنفيذ، وعند ثبوت ذلك فأغلب تلك الحالات يقتضي أن يثيرها الأطراف بأنفسهم .
وما سبق ذكره هو ما قرره – بحق – خالد أحمد عبد الحميد، ويقول في ذلك: "وإذا كـان طلب التنفيذ يقدم وفقاً لنظام الأوامر على عرائض والذي لا يخضع لمبدأ المواجهة، إلا أننا نرى مع ذلك أنه لا يوجد في نصوص قانون التحكيم ما يحول دون قيام القاضي المخـتص بتكليـف المحكوم عليه في الحكم المطلوب صدور الأمر بتنفيذه بالحضور ليبدي ما لديه من اعتراضـات على طلب التنفيذ، بل نرى لزوم ذلك تحقيقا للعدالة..".
وفي هذا السياق يرى ياسر عبد السلام منصور - إزاء نص المادة (58) في قانون التحك المصري - أن النص هنا قد كلف القاضي المختص بمستحيل إذ كيف يتأتى له أن يتحقق مـن ذلك في غيبة المحكوم ضده صاحب المصلحة في تقديم مثل هذا المستند إذ من غيـر المتـصور قيام طالب الأمر بالتنفيذ بتقديم مستند يؤدي إلى منع صدور الأمر بالتنفيذ لصالحه .
ورغم اتحاد النصين بين قانون التحكيم العماني والمصري إلا يجري العمل في مـصر على المواجهة بين الخصمين في ظل تطبيق قانون التحكيم .
وفي شأن التشريع المغربي فالذي يظهر من كلام فاضل الليلي أن تذييل الحكـم التحكيمـي الدولي يكون بأمر على عريضة وفي غيبة الأطراف.
ويؤكد محمد الملجاوي أنه لا بد من المواجهة بين الطرفين عند تقديم طلب الصيغة التنفيذية وقبل إصدار الأمر بالتنفيذ، والمعمول به في المحكمة التجارية بالرباط هو إعمال هذا المبدأ قبـل إصدار الأمر من قبل رئيس المحكمة؛ إذ لا سبيل لمعرفة البطلان إلا عن طريق المواجهة، ثم الاستئناف ونظره بعد ذلك يؤكد مبدأ المواجهة حيث يلتقي الطرفان ليبدي كل دفوعـه، كمـا أن أغلب حالات رفض الصيغة التنفيذية في التشريع المغربي يقتضي أن يدفع بها أحد الأطراف وفق الفصل (327-49) وفق ما سبقت الإشارة إليه، هذا فضلا عن أن اتفاقية نيويورك أشارت لهـذا المبدأ عند تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية، وهو ما سنطرقه في الفقرة التالية.
الفقرة الثالثة: التواجهية واتفاقية نيويورك:
ولقد أكدت اتفاقية نيويورك على مبدأ التواجهية عندما ألزمت الطرف المنفذ ضـده بتقـديم الإثبات على سبيل الرفض ولا يكون ذلك إلا في جلسة تجمع الخصمين وفق ما نصت عليه المادة (5) من اتفاقية نيويورك حين جاءت عبارتها: "(1) لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بنـاء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختـصـة فـي البلـد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على: ..."، فتقديم الخصم الدليل على إثبات إحدى حالات رفض التنفيذ لا يكون إلا في جلسة تحصل من خلالها المواجهة والإثبات.
وفي ختام هذا المبحث يسرني أن أورد هنا أمراً بتذييل الصيغة التنفيذية على حكـم تحكـيم دولي صادر عن رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء، والذي أوضح بحق مبدأ المواجهة مـن خلال قيامه بها عند إصدار الأمر، معتمداً على نصوص اتفاقيـة نيويورك مبين الإجـراءات والمستندات، وهو يوضح الجانب العملي في هذا السياق في أنصع صوره .