الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / النظام الإجرائي لتنفيذ أحكام التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 29 / إشكال تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقا للنظام القانوني في سلطنة عمان

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 29
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    123

التفاصيل طباعة نسخ

أولا- توطئة:

   إن لكل دولة سيادتها وسلطتها القضائية على إقليمها، ذلك من المبادئ الأساسية التي تسود التشريعات ضاربة بسياج دون المساس بها؛ لهذا كان في الأصل أن الأحكام الأجنبية لا تنفذ بقوة القانون في بلد آخر غير البلد الذي صدرت فيه، إلا أن إعمال ذلك بصفة مطلقـة يـؤدي إلـى الإضرار بالعدالة، وضياع الحقوق، خصوصاً بعد زيادة المعاملات بـين الأشخاص الطبيعيـة والاعتبارية من دول مختلفة في العصر الحديث؛ الأمر الذي أصبحت معه الضرورة ملجئة إلـى أن يجري تنفيذ تلك الأحكام الأجنبية دون حاجة إلى رفع دعوى جديدة بذات الحق فـي الدولـة الأولى، وفي ذلك توفير للوقت وصون للجهد والنفقات، حيث يكتفي بمراجعة الحكم التحكيمي أو القضائي الأجنبي قبل أن يؤمر بتنفيذه .

   وثبوت حجية الحكم الأجنبي لا تعني بالضرورة تنفيذه، إذ تنفيذه يحتاج الى الأمر به وفـق شروط معتبرة. فإذا تبين للمحكمة – العمانية مثلاً – التي يحتج به أمامها أنه صادر من جهة ذات ولاية في إصداره طبقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي الوارد في قانون هذه الجهة، وبحسب قواعد اختصاص القانون الدولي الخاص، وليس فيه ما يخالف النظام العام – في سلطنة عمان ولم يصدر حكم واجب النفاذ في الموضوع نفسه، وبين ذات الخصوم، جاز لتلك المحكمة أن تأخذ بحجية ذلك الحكم الأجنبي .

   وحكم التحكيم يحوز حجية الأمر المقضي به من تـاريخ صدوره، وأســاس ذلـك قانون التحكيم العماني ما نصت عليـه المـادة (55) مـن قـانون التحكـيم العمـانـي رقـم (97/47) حيث جاء نصها: (تحوز أحكـام المحكمـين طبقـاً لـهـذا القـانون حجيـة الأمـر المقضي به....)، وهو النص ذاته في المادة رقم (55) مـن قـانون التحكـيم المـصري رقـم 4(94/27) .

   حكم التحكيم – سواء كان محلياً أم دولياً – ويكون في القانون العماني قابلاً للتنفيذ الودي بين طرفيه، إلا أنه غير صالح للتنفيذ بالقوة الجبرية بواسطة سلطات الدولة، إلا بعد أن يصدر القضاء أمراً بتنفيذه، وفي ذلك تختلف أحكام التحكيم عن الأحكام القضائية التي لا تحتاج الى مثـل هـذا الأمر، حيث تقبل وضع الصيغة التنفيذية مباشرة دون أمر. كما أنه ليس كل حكم تحكيم دولـي يصح أن يأمر القضاء بوضع الصيغة التنفيذية عليه أو تذييله بها، بل هناك أحكام معينـة فقـط يجوز إصدار ذلك الأمر في شأنها.

    الجدير بالذكر أن المشرع العماني أصدر قانون التحكيم رقم (97/47) وأصبح نافذاً بتأريخ 1997/7/1م، والذي تناول أحكام التحكيم الدولية والتحكيم الدولي- في بعض حالاتـه – يعتبـر تحكيماً أجنبياً، ثم انضمت السلطنة إلى اتفاقية نيويورك بموجـب المرسـوم الـسلطاني رقـم (98/36)، ثم أصدر المشرع العماني قانون الإجراءات المدنيـة والتجاريـة رقـم (2002/29) بتاريخ 2002/3/6م، والذي تناول في المواد من (352 وحتـى 355) تنفيـذ أحكـام التحكـيم الأجنبية، كما أن المشرع المصري عالج أحكام التحكيم الأجنبي في قانون المرافعات المـصري (رقم 3 سنة 1968م وتعديلاته) في المواد (296 و298 و299)، ثم أصدر قانون التحكيم (رقـم 27 لسنة 1994م) والذي تناول التحكيم الدولي، كما انـضمت مـصـر إلـى اتفاقيـة نيويورك وأصبحت نافذة في التاريخ ذاته 1959/6/8م، الأمر الذي فتح المجال أمام الفقه، بل أمام القضاء ذاته للانقسام حول أي من تلك النصوص واجب التطبيق على أحكام التحكيم الدولي والأجنبـي؟ خصوصاً في ظل انضمام كل من سلطنة عمـان ومـصـر إلـى اتفاقيـة نيويورك وغيرهـا من الاتفاقيات الثنائية والدولية. للإجابة عن ذلك لا بـد مـن استيضاح النطـاق الموضـوعي لتطبيق قانوني التحكيم والإجراءات في ما يخص أحكام التحكيم الأجنبية، وهذا ما سنطرحه فـي (ثانياً).

ثانياً- أحكام التحكيم الأجنبية والنطاق الموضوعي لتطبيق قانون التحكيم العماني وقانون الإجراءات المدنية والتجارية:

   حدد المشرع العماني نطاق تطبيق قانون التحكيم العماني، كما حدد نطاق تطبيق نـصوص قانون الإجراءات المدنية والتجارية.

1- قانون التحكيم العماني رقم (97/47) في المنازعات المدنية:

   فقد نصت المادة رقم (1) من قانون التحكيم على الآتي: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات المعمول بها في السلطنة، تسري أحكام هذا القانون الخاص على كل تحكيم بـين أطـراف مـن أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أياً تكن طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجري في السلطنة، أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجري في الخـارج اتفـق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون".

   ونصت المادة رقم (2) على: "يكون التحكيم تجارياً في حكم هذا القانون إذا نشأ النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي عقدية كانت أو غير عقدية...".

   ونصت المادة رقم (3) من القانون ذاته على: "يكون التحكيم دولياً في حكم هذا القـانون إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية...".

    ونلاحظ أن المشرع العماني قد حدد نظام تطبيق قانون التحكيم ليشمل بذلك أحكام التحكـيم الداخلية أو الوطنية، وأحكام التحكيم التجارية الدولية التي تصدر في السلطنة، أو تلك التي تصدر خارج السلطنة ويتفق أطرافها على إخضاعها لقانون التحكيم العماني، وبالطبع لا بد من أن تكون صفتها تجارية دولية. فحكم التحكيم التجاري الدولي الصادر خارج السلطنة والذي اتفق أطرافه على إخضاعه لقانون التحكيم العماني، فإنه تسري أحكامه عليه، ولا بد من أن يكون هذا الاتفاق صريحاً واضحاً لا لبس فيه".

   ونظراً إلى أن سلطنة عمان انضمت إلى مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية كاتفاقية نيويورك للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية واتفاقية واشنطن لفض منازعـات الاستثمار، واتفاقية تنفيذ الأحكام بين الدول العربية، واتفاقية عمان واتفاقية الرياض، وبالتـالـي فـإن تلـك الاتفاقيات والمعاهدات مقدمة في التطبيق على قانون التحكيم، وذلك مستفاد من نص المـادة (1) من قانون التحكيم العماني والسابق الإشارة إليه، حيث جاء في صدرها: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في السلطنة تسري أحكام هذا القانون على.....".

2- قانون الإجراءات المدنية والتجارية رقم (2002/29) الصادر في 2002/03/06م:

   وقد تناول الفصل الرابع منه تنفيذ الأحكام والأوامر الأجنبية من المادة (352) وحتى المادة (355).

    فقد نصت المادة (352) على أن: "الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي يجـوز الأمـر بتنفيذها في سلطنة عمان بذات الشروط المقررة في قانون ذلك البلد....".

    ونصت المادة (353) على أنه: "يسري حكم المادة السابقة على أحكام المحكمين الـصادرة في بلد أجنبي ويجب...."، ونصت المادة (355) على أنه: "لا تخل القواعد المنصوص عليها في المواد السابقة بأحكام المعاهدات بين سلطنة عمان وغيرها من الدول في هذا الشأن"، وكما هـو جلي وواضح أن المشرع العماني أجرى تلك النصوص في المواد من (352 وحتى 355) علـى أحكام التحكيم الأجنبي. وقد سبق الحديث عن انضمام السلطنة إلى مجموعـة مـن الاتفاقيـات والمعاهدات الدولية، فتبقى مقدمة على قانون الإجراءات المدنية والتجارية عند التطبيق، وهو ما أخذت به المحكمة العليا؟.

    وإذا نظرنا إلى التشريعات في مصر نجد أن النصوص ذاتها التي سبق ذكرها لدى المشرع العماني هي ذاتها لدى المشرع المصري، ففي قانون المرافعات المصري رقـم 3 سـنة 1968م تناولت المواد (296 وحتى 299) التحكيم الأجنبي، فهي تتناول تنفيذ أحكـام التحكـيم الأجنبيـة الصادرة في الخارج ولا تخضع لنطاق تطبيقه أية اتفاقية. وقانون التحكيم المصري رقم 27 سنة 1994م، وهو ينظم أحكام التحكيم الداخلية أو أحكام التحكيم الدولية التي تصدر في مصر وأحكام التحكيم التجارية الدولية التي تصدر في الخارج ويتفق أطرافها على تطبيق أحكام قانون التحكـيم المصري على إجراءات التحكيم. وقد نصت المادة (301) من قانون المرافعات المدنية والتجارية على: "العمل بالقواعد المنصوص عليها في المواد السابقة لا يخل بأحكام المعاهدات المعقـودة أو التي تعقد بين الجمهورية وبين غيرها من الدول في هذا الشأن". كما نصت المادة رقم (1) مـن : قانون التحكيم المصري على: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدوليـة المعمـول بـهـا فـي جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون..."، فنصوص المعاهدات الدولية التي انضمت إليها مصر مثل اتفاقية نيويورك للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، واتفاقية واشنطن لفض منازعات الاستثمار، واتفاقية تنفيذ الأحكام بين جامعة الدول العربية تقدم عـن التطبيـق علـى نصوص القوانين الوطنية في مصر". ولكن هل هناك فارق عند التطبيـق بـيـن هـذه الق انین والأنظمة؟ هذا ما سنوضحه في (ثالثا).

ثالثاً- الأثر عند تطبيق قانوني التحكيم والإجراءات المدنية والتجارية على تنفيـذ الأحكام الأجنبية:

   نظم قانون التحكيم العماني رقم (97/47) شروط تنفيذ أحكام التحكيم – والتي تشمل أحكـاه التحكيم الوطني والدولي سواء أكانت صادرة داخل السلطنة أم خارجها على حد سـواء المادة (58) حيث جاء نصها: "1- لا يقبل تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكـن ميعـاد رفـع دعـوى البطلان قد انقضى. 2- لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، وفقاً لهذا القانون، إلا بعد التحقق مما يأتي: أ- أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم العمانية في موضوع النزاع. ب- أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في سلطنة عمان. ج-أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليـه إعلانـاً صحيحاً....". كما نصت المادة رقم (353) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية على: "يسري حكم المادة السابقة على أحكام المحكمين في بلد أجنبي، ويجب أن يكون حكم المحكمين صـادراً في مسألة يجوز التحكيم فيها طبقاً للقانون العماني، وقابلاً للتنفيذ في البلد الذي صـدر فيـه" والمادة السابقة المشار إليها في النص هي التي تحمل الرقم (352) والتي جاء نـصتها كـالآتي: "الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها في سلطنة عمان بـذات الـشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة في السلطنة".

   يطلب الأمر بالتنفيذ أمام المحكمة الابتدائية المشكلة من ثلاثة قـضاة التـ يـراد التنفيـذ في دائرتها بالأوضاع المعتادة لرفع الـدعوى، ولا يجـوز الأمـر بالتنفيـذ، إلا بعـد التحقـق مما يأتي:

   أ- أن الحكم أو الأمر صادر من جهة قضائية مختصة، وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقرر في قانون البلد الذي صدر فيه، وأنه أصبح نهائياً، وفقاً لذلك القـانون، وأنه لم يصدر بناء على غش.

   ب- أن الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكم الأجنبي قد كلفوا الحـضور ومثلـوا تمثيلاً صحيحاً.

   ج- أن الحكم أو الأمر لم يتضمن طلباً أساسه الإخلال بقانون من القوانين المعمول بها في السلطنة.

   د- أنه لا يتعارض وحكم أو أمر سبق صدوره من محكمة بالسلطنة، ولا يتـضمن مـا يخالف النظام العام أو الآداب.

   هـ- أن البلد الذي صدر فيه الحكم المراد تنفيذه يقبل تنفيذ أحكام المحـاكم العمانيـة فـي أراضيه".

    بقراءة تلك المواد نجد أن شروط تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية مختلفة بين قـانون التحكـيم وقانون الإجراءات، وكلاهما يشمل حكم تحكيم صدر خارج أراضـي الـسلطنة، إلا أن قـانون التحكيم علاوة على ذلك يتناول حكم التحكيم التجاري الدولي الصادر داخل السلطنة وحكم التحكيم الوطني. ويتضح أن القاضي المختص والمحكمة المختصة بإصدار الأمر هو كذلك مختلف بـين القانونين، كما تغيب لدى قانون التحكيم بعض المبادئ مثل التواجهية" ، حيث القاعدة التي يجـب أن تتبع عند تطبيق قانون التحكيم أن الأمر بالتنفيذ يصدر بأمر على عريضة، حيث لـم يـنـص قانون التحكيم على إجراءات للتنفيذ واضحة، بخلاف ما لو طبقنا قانون الإجراءات الذي يـصدر الأمر فيه على شكل حكم من الدائرة الثلاثية ويقبل الطعن كأحكام القضاء.

    الجدير بالذكر أن اتفاقية نيويورك للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية لسنة 1958م لـم تبين الإجراءات التي يجب اتباعها للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، فهـي لـم تحـدد المحكمة المختصة بإصدار أمر التنفيذ، ولم تحدد طبيعة هذا الأمر أو حجيته أو طرق الطعن فيه، وإنما أخضعت الإجراءات لقانون قاضي البلد المراد التنفيذ فيه، وذلك ما نصت عليه المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك: "تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتـأمر بتنفيـذه طبقـاً لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ، وطبقا للشروط المنصوص عليها فـي المواد التالية، ولا تفرض للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها أحكـام الاتفاقيـة الحالية شروط أكثر شدة، ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفـرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنيين". وقد نصت المادة رقم (1/7) من اتفاقية نيويورك على أن هذه الاتفاقية لا تخل بصحة أي تشريع أو اتفاقية أخرى تضع أحكاماً أيسر في التنفيذ من الأحكام الواردة في اتفاقية نيويورك. ومن خلال هذين النصين يتضح جلياً أن اتفاقية نيويورك، والتي أصبحت أولى بالتطبيق من القوانين الوطنية تسعى لتذليل العقبات أمـام أحكـام التحكـيم الأجنبية، بما فيها أحكام التحكيم التجاري بعدم فرض شروط أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثـر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية، وفق المادة الثالثة المشار إليها، كما أنها تقدم في المادة (1/7) أي تشريع أو اتفاقية أخـرى علـى اتفاقيـة نيويورك ذاتها إذا كانت الأولى تضع أحكاماً أيسر في التنفيذ.

   من أجل ذلك ولوجود تلك النصوص- على حد سواء في التشريع العمـاني والمـصري اختلف فقهاء القانون في تحديد القانون الذي تخضع له إجراءات تنفذ أحكـام التحكيم الأجنبيـة الخاضعة لنطاق تطبيق اتفاقية نيويورك إلى أكثر من رأي، سنناقش هذه الآراء في (رابعاً).

رابعاً- مناقشة الآراء وأدلتها فقهاً وقضاء:

الرأي الأول:

   يرى أصحاب هذا الرأي تطبيق الإجراءات الواردة في قانون المرافعات فـي المـواد مـن (352 وحتى 355) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية لدى المشرع العماني، والمواد مـن (296 وحتى 299) في قانون المرافعات لدى المشرع المصري، والمخصصة لتنفيـذ أحكـام القضاء الأجنبية، وذلك لصراحة النص حيث ذكر المشرعان العماني والمصري أن تسري أحكام المواد المتعلقة بالأحكام الأجنبية على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي.

   ومن أنصار هذا الرأي الدكتور فتحي والي، وعاشور مبروك، وحمـد الجهـوري، وأحمد السعدي شرف الدين ونسبه عصام فوزي الجنايني إلى أغلب الفقه المصري، حيـث یری معتنقوه وجوب تطبيق الإجراءات الواردة في نصوص قانون المرافعـات المدنيـة بـشأن إصدار الأمر بوضع الصيغة التنفيذية على جميع أحكام التحكيم الأجنبية بما فيها الأحكام الخاضعة لنطاق تطبيق اتفاقية نيويورك، وعدم تطبيق الإجراءات الواردة في قانون التحكـيم المـصري، وحجتهم في ذلك:

   1- أن نص المادة (2/3) من اتفاقية نيويورك لا يرمي إلى توحيد نظام الأمر بالتنفيذ بـين أحكام التحكيم الداخلية والأجنبية، ولكنه يرمي فقط إلى عدم التشدد بالنسبة الـى هـذه الأخيرة على نحو مغالى فيه، فهو لا يعني أبدأ أن نظام الاعتراف أو تنفيـذ الأحكـام الأجنبية يجب أن يكون بالضرورة مطابقاً للنظام الخاص بتنفيذ الأحكام الداخلية.

   2- كما أن نص المادة (2/3) من الاتفاقية تتحدث عن شروط ورسوم وليس إجـراءات، فإجراءات قانون التحكيم، وإن كانت أيسر، إلا أن الاتفاقية تحدثت عن رسوم وشروط، وهناك فرق بين الشروط والإجراءات، حيث إن الاتفاقية أوضحت الشروط في المـادة الرابعة وما بعدها، بينما أشارت إلى الإجراءات وأحالتها إلى بلد التنفيذ وفـق المـادة الثالثة في الفقرة الأولى. وإذا افترضنا أن ما يندرج تحت كلمة شـروط الـواردة ف الاتفاقية، والتي تقتضي الأيسر، هو ما ورد في قانون التحكيم، فإن المعني بعدم فرض رسوم أكثر ولا شروط أكثر شدة هو المشرع، وليس القاضي، ولـو أن الاتفاقيـة قـد أصبحت جزءاً من التشريع مع انضمام مصر أو سلطنة عمان إليها، إذ المشرع هـو المعني بتنظيم مسائل القانون، والقضاة يعملون بما ينص عليه القانون، وإلا لـو تـرك الأمر للقضاة لفرض قاض رسما يختلف عن غيره، وفقاً لتقدير كل منهما رعاية لعـدم الشدة عن ما عليه أحكام التحكيم الوطنية، وهكذا بالنسبة للشروط، وذلك أمر لا يصح.

   3- أن نصوص قانون المرافعات المصري في ما يتعلق بالأمر بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية قانون خاص، وهي ما زالت باقية لم تلغ بموجب قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994م، حيث إن المادة (الثالثة) من إصداره نصت على إلغاء مواد التحكيم الـداخلي (من المادة 501 إلى المادة 513) وبقيت مواد التحكيم الأجنبي غير ملغيـة ولـو أراد المشرع عدم إعمالها لألغاها، وكذلك الوضع بالنسبة لسلطنة عمان، فالمـشرع قانون الإجراءات المدنية والتجارية، وأبقى على تلك النصوص ولم يلغها رغم صـدور قانون التحكيم قبله بسنوات.

  4- أن نصوص قانون التحكيم في ما يتعلق بالأمر بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية نـصوص عامة بينما نصوص قانون المرافعات المصري أو قانون الإجراءات المدنية والتجاريـة العماني المتعلقة بالأمر بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية نصوص خاصـة، ومعلـوم أن الخاص يقضي على العام. فنصوص قانون التحكيم نصوص عامة لـيس مـن بينهـا نصوص خاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، كما هو الشأن في قانون المرافعـات أو قانون الإجراءات المدنية والتجارية. كما أن قانون التحكيم قد نص في المادة الأولى منه على أنه لا ينطبق على حكم تحكيم صدر في الخارج، إلا إذا اتفـق الأطـراف علـى تطبيقه، ومعنى هذا أن يلتزم القائلون بتطبيق قانون التحكيم بهذه الحالة فقط، ويطبقـون قانون التحكيم في حال اتفاق أطراف التحكيم على تطبيقه، إن كان تحكيماً جـرى فـي الخارج. وهذا الرد ينسحب على من يحتج بأن قانون التحكيم هـو قـانون مرافعـات وإجراءات للتحكيم من أول نشأته إلى صدور حكم التحكيم وتنفيذه، إذ نطاق التطبيق لا ذلـك يتناول الأحكام الأجنبية التي لم يتفق الأطراف على إخضاعها لقانون التحكيم.

5- أن إجراءات منح القوة التنفيذية لحكم تحكيم أجنبي تتعلق بسيادة الدولة، وما يتبع من تحديد الاختصاص ووسيلة إصدار الأمر بالتنفيذ، كذلك يتعلق بالنظام العام، فما ورد في قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني أو في قانون المرافعات المصري مـن إجراءات الأمر بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية متعلق بالنظام العام، ومعنى ذلك أن لا أثر لاتفاق الأطراف على تطبيق قانون التحكيم على مسألة الأمر بتنفيـذ أحكـام التحكـيم الأجنبية، إذ الأخيرة من النظام العام، ومما يتعلق بسيادة الدولة وللمشرع أن يضع قاعدة من النظام الخاص ويورد عليها استثناء لتعلقه بسيادة الدولة، حيث أجـاز المـشرعان العماني والمصري في المادة (1) الأولى من قانون التحكيم الاتفاق بين الطرفين علـى تطبيق نصوص قانون التحكيم، إلا أنهما استثنيا من ذلك مسألة الأمـر بتنفيـذ أحكـام التحكيم وإجراءاته بموجب مواد قانون الإجراءات المدنية والتجارية أو قانون المرافعات حيث جعلاها باقية لم يلغياها – كما تقدم .

6- ليس صحيحاً أن قانون المرافعات المصري أو قانون الإجراءات المدنيـة والتجاريـة العماني يضعان شروطاً أكثر شدة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية من تلك التـي يـضعها قانون التحكيم المصري أو قانون التحكيم العماني، حيث إن الشروط الموضوعية لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية هي تلك التي تنص عليها اتفاقية نيويورك، وليست تلك الـواردة في قانون المرافعات أو قانون الإجراءات المدنية والتجارية، ولا في قانون التحكيم، كما أن قانون التحكيم بحد ذاته يضع شرطاً لا يتضمنه قانون المرافعات المصري أو قانون الإجراءات العماني، وهو شرط انقضاء مدة التسعين يوماً وهي مهلـة رفـع دعـوى البطلان وفق قانوني التحكيم العماني والمصري، وهو ما اضطر القائلين بتطبيق قانون التحكيم في الأمر بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية إلى القول إن ميعاد التسعين يوماً الـذي نصت عليه ذات المادة (58) من قانوني التحكيم العماني والمصري لا يسري على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الخاضعة لنطاق تطبيق اتفاقية نيويورك، حيث لم تنص الأخيرة عليه، وفأتهم أن اتفاقية نيويورك قد أحالت في إجراءات طلب أمر التنفيذ إلى بلد التنفيذ ولم تتناوله.

فضلاً عن أن المحكوم له الذي يصدر لصالحه أمر بالتنفيذ وفق طلـب الأمـر علـى عريضة وفقاً لقانون التحكيم العماني أو المصري يلتزم رسوم التنفيذ نفسها التي يلتزمها المحكوم لصالحه بموجب أمر تنفيذ وفقاً لإجراءات الدعوى العادية، إذ إجراءات ورسوم تنفيذ الأحكام واحدة، وأما نفقات الدعوى العادية لطلب الأمر بتنفيذ حكم تحكيم أجنبـي خلال نظرها وتكاليفها فهي ليست رسوماً لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي لذلك لا تدخل في نطاق المادة (2/3) من اتفاقية نيويورك، إذ النص يتكلم على رسـوم للتنفيـذ، وليس رسوماً للأمر بالتنفيذ.

7- أن القول إنه يجب العمل بقانون التحكيم عندما تحيل إليه اتفاقية دولية معينة في مـسألة تحكيمية باعتباره قانون المرافعات أو الإجراءات، في ما يخص التحكيم، فإنه مـردود بأن كل ما ورد من قواعد إجرائية أقرها المشرع سواء في قانون التحكـيم أو قـانون الإجراءات المدنية والتجارية هي جميعها قواعد مرافعات أو إجراءات تخص التحكـيم فنصوص تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الواردة في قانون الإجراءات المدنية والتجاريـة العماني أو قانون المرافعات هي جزء من قانون التحكيم -إن صح التعبير-.

8- أنه بناء على القول بتطبيق قانون التحكيم، فإن نصوص الاتفاقية في المـادة الرابعـة، وما بعدها، هي الواجبة التطبيق وليس قانون التحكيم، باعتبار أن الاتفاقيـة أصـبحت جزءا من التشريع الداخلي. وبتطبيق المادة الرابعة من الاتفاقية وما بعدها يتضح مـن خلال قراءة تلك النصوص أن الأمر بتنفيذ حكم تحكيم أجنبي يتم بموجب حكم يـصدر بناء على طلب يقدم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، فالمادة الخامسة مـن الاتفاقيـة تنص على ما يمكن لخصم أن يقدمه إلى المحكمة من مستندات كي ترفض الاعتـراف بالحكم الأجنبي أو ترفض الأمر بتنفيذه، ولا يتصور مثل ذلك، إلا في خـصومة بـين طرفين، كذلك الحال بالنسبة للمادة السادسة من الاتفاقية التي تجيـز للقاضـي الـذي يطلب أمامه أمر تنفيذ حكم تحكيم أجنبي أن يوقف الخصومة وفق حالات وإجـراءات معينة، ولا يتصور إعمال ذلك إلا في فرض رفع دعوى معتادة بطلب الأمـر بتنفيـذ حكم التحكيم، إذ من خلالها تتم المواجهة بين الطرفين وفـق المواجهة بين الطرفين وفـق مـا تقتضيه نـصوص الاتفاقية.

9- بالنسبة إلى جمهورية مصر العربية – أن محكمة النقض المصرية قد أخذت بهذا الرأي في العديد من أحكامها القديمة.

الرأي الثاني:

   يرى تطبيق الإجراءات الواردة في قـانون التحكـيـم رقـم 27 لـسنة 1994م، بوصـفها الإجراءات الأيسر في التشريع المصري من الإجراءات الواردة في قانون المرافعـات المدنيـة والتجارية؛ ولأن قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994م يعد الشريعة العامة بالنسبة للإجـراءات المتعلقة بنظام التحكيم.

   ممن اعتنق هذا الرأي برهان أمر الله ، وطرح البحور علي حسن، ويؤيد هـذا الـرأي بشدة عصام فوزي الجنايني"، واحتج معتنقوه بحجج ملخصها:

   1. أن هذا الرأي يتفق مع نصوص اتفاقية نيويورك، التي أصبحت جزءا مـن تـشريعات الدول الوطنية التي انضمت إلى الاتفاقية، ويؤيد ذلك نص المادتين (7 و3) من اتفاقيـة نيويورك، حيث نصت المادة رقم (3) من الاتفاقية على عدم وضع شروط أو إجراءات أكثر شدة من الإجراءات المحددة لتنفيذ أحكام التحكـيم الوطنيـة بدرجـة ملحوظـة والواضح من النص أن الاتفاقية قبلت بوجود فارق، ولكن يجب أن لا يصل هذا الفارق إلى جعل الإجراءات الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الخاضعة لاتفاقية نيويورك أكثر شدة بدرجة ملحوظة، ولا شك في أن هذه المسألة تخضع للتقدير المتفــاوت مـن شخص لآخر، ولكن الواقع القانوني يفرض أن إجراءات التنفيذ الـواردة فـي قـانـون المرافعات المدنية المصري أو قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني والخاصـة بتنفيذ أحكام التحكيم المدنية أكثر شدة وبدرجة ملحوظة، حيث إن الواقع أن استـصدار أمر على عريضة لا يتطلب زمناً كحكم يصدر من القضاء العادي يأخذ السنة والسنتين لإصداره، فضلاً عن قبوله الطعن بالاستئناف واستغراق زمن آخر لـذلك، فهـو أمـر يحتاج ردحاً من الزمن في الإجراءات تنتج منه شدة وتعقيد مغالبة لتنفيذ الحق الواجب، ويمكن معه القول إن المشرع العماني والمشرع المصري يطبقان علـى تنفيـذ أحكـام التحكيم الأجنبية إجراءات أكثر شدة بدرجة ملحوظة من الإجراءات المطبقة على تنفيـذ أحكام التحكيم الداخلية أو الوطنية.

ويميل هشام إسماعيل إلى رجحان الرأي الأخذ بتطبيق قانون التحكيم دون قـانـون المرافعات، ويقول في ذلك: "تبين مما سبق أن القواعد الإجرائية لتنفيذ أحكام التحكـيم الأجنبية في مصر في قانون التحكيم المصري تعد أقل شدة وأكثر تيسيراً وأقـل نفقـة مما عليه نظيرتها في قانون المرافعات المصري، سواء مـن حيـث الاختـصاص أو شروط التنفيذ... وحسماً لهذا الخلاف فإن الأمر يوجب تدخل المشرع المصري لفـض هذا التنازع تجاوباً مع قضاء النقض والاستئناف المصريين اللذين أكدا أن القواعد التي تضمنها قانون التحكيم المصري في شأن تنفيذ الأحكام الوطنية تعد في الواقع هي الأقل تشدداً والأكثر يسراً من تلك المقابلة لها في قانون المرافعات المصري... وفي سبيل فض هذا التنازع، فإنه ينبغي إلغاء نص المادة (299) من قانون المرافعات... والاكتفاء بما تضمنته المادة (56) من قانون التحكيم من قواعد إجرائية.

2. انطلاقاً من مبدأ العدالة والمساواة، فإن نص المادة (1/7) من اتفاقية نيويورك، والتـى تتحدث عن تطبيق الإجراءات الأيسر الواردة في تشريع دولة التنفيذ أو في أي اتفاقيـة أخرى تكون دولة التنفيذ قد انضمت إليها، وبالنظر إلى الإجراءات والشروط المحـددة في النظامين، نجد أن المشرع العماني، وكذلك المشرع المصري، ينفذان حكم التحكـيم الوطني أو حكم التحكيم الأجنبي الذي يتوافر في شأنه صفة التجارية الدولية مع اتفـاق أطراف النزاع على تطبيق قانون التحكيم العماني أو المصري على إجراءات التحكـيم بإجراءات سهلة وميسرة، في حين أن حكم التحكيم الأجنبي الذي لا تتوافر فـي شـأنه الشرطان سألفا الذكر ينفذ بإجراءات أكثر شدة بدرجة ملحوظة، وهي إجراءات قـانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني أو قانون المرافعات المصري، وقد منحت الاتفاقية القاضي المختص سلطة تقديرية في اختيار الإجراءات الأيسر في التنفيذ، وهي الأولـى التطبيق – كما تقدم-. –

3. أن الاتفاقية، وإن جاءت بلفظ شروط ورسوم وليس إجراءات، إلا أنه لا يمكن أن تفسر على أن المقصود بالألفاظ هو الشروط فحسب، بـل المقصود هنـا هـو الـشروط والإجراءات، حيث ألزمت الفقرة الثانية من المادة (3) من الاتفاقية الدول بعدم وضـع شروط أو رسوم أكثر شدة أو ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من الشروط والرسوم المفروضة لتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية، فالنص صريح في عدم وضع شروط للتنفيذ أكثر شدة، ثم صرح برسوم أكثر ارتفاعاً، والواضح أن الرسوم جزء من الإجراءات، وكأن الاتفاقية تطالب بعدم تشديد الإجراءات أيضاً.

4. أن معنى كلمة conditions الواردة في الفقرة الأولى من المادة الثالثة، يختلف عـن معنى ذات الكلمة conditions في الفقرة الثانية من المادة الثالثة ذاتها، حيث تعنـي في الأولى الشروط الموضوعية للأمر بالتنفيذ، ويقصد بهـا فـي الثانيـة الـشروط الإجرائية أو قواعد المرافعات الخاصـة بالتنفيـذ rule of procedure، وبالتـالي فالمعنى ألا تفرض شروط إجرائية أو إجراءات لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية أشـد من تلك المتبعة لأحكام التحكيم الوطنية، ويؤيد ذلك تتبع المسار التاريخي لنص المادة الثالثة من الاتفاقية؛ من أجل ذلك يرى برهان الله أن هذا اللبس أوقع أصحاب القـول الأول بوجوب تطبيق قانون المرافعات، حيث استخدمت الفقرة الثانية مصطلح شروط وليس إجراءات، وذلك ما لا يتفق والمعنى الحقيقي الذي قـصده واضـعو اتفاقيـة نيويورك.

5. أن نص المادة الأولى من قانون التحكيم والناصة على شرط اتفاق الخصوم على تطبيق قانون التحكيم، إذا كان التحكيم خارج مصر لا ينفي تطبيق قانون التحكـيم؛ ذلـك أن المادة ذاتها نصت على: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بهـا جمهورية مصر العربية"، وهو ما يعني عدم تطبيق أي نص فـي قـانون التحكـيم إذا تعارض مع الاتفاقية، وكانت نصوص الاتفاقية خالية من شرط اتفاق الخـصو علـى تطبيقها، إذا كانت شروطها أقل شدة.

وفي سبيل نجاح الأخذ بهذا الرأي يقول هشام إسماعيل: "ولا شك في أن وحدة وبساطة ومرونة القواعد المنظمة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية على هذا النحو من شأنها أن تؤدي إلى القدرة على التنبؤ وبدعم أهداف التحكيم من خلال كفالة فاعليـة أحكامـه وحمايتهـا وسرعة تنفيذها تحقيقاً لغايتها في حسم النزاع بين الخصوم وإعمال حكم القانون"

7- أن نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك: "لا تفـرض للاعتـراف أو تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية شروطاً أكثر شدة... إلخ" غير سليم أن يكون مخاطباً بهـا المشرع دون القاضي، حيث إن الاتفاقية بعد الانضمام إليها وسريانها تصبح جزءا من التشريع الداخلي، فالقاضي يطبق نص المادة المشار إليها (الفقرة الثانيـة مـن المـادة الثالثة) حينما يعمد إلى الإجراءات والشروط الأيسر في قانون التحكيم، ويلتفت عن مـا ورد في قانون الإجراءات فهو لم يفعل سوى تطبيق النص المشار إليه .

8- موقف القضاء المصري يأخذ بهذا الرأي حيث استقر على اعتماد الأخذ بقانون التحكيم في طلب تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وخاصة محكمة الاستئناف العالي بالقاهرة، حيث كثيراً ما تعرضت للفصل في هذه المسألة، بل إنها هي التي أنشأت وقننت مبدأ تطبيـق القانون الأيسر في تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الخاضعة لنطاق تطبيق اتفاقية نيويورك، على النحو الذي أصبح معه هذا الرأي مبدأ تسير عليه، وقد أيدت محكمـة الـنقض المصرية محكمة الاستئناف العالي في موقفها سالف الذكر، وبذلك يكـون القـضاء المصري قد استقر على الأخذ بقانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994م في طلب الأمر بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبيـة الخاضعة لنطـاق تطبيـق اتفاقيـة نيويورك، والخلاصة – عند أصحاب هذا الرأي أن جميع أحكـام التحكـيم الداخليـة والأجنبيـة والدولية تخضع في تنفيذها للشروط الواردة في قانون التحكيم .

الرأي الثالث:

   يرى تطبيق قانون التحكيم إذا اتفق الأطراف على تطبيقه، فإن لم يتفقا على تطبيقه طبقـت نصوص قانون المرافعات المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية30، إلا إذا زاحمتها قواعد اتفاقيـة نيويورك. ذهب إلى هذا الرأي محمود مصطفى يونس، ومختار بريري”، و وأحمـد الـسيد  صاوي ، وعبد المنعم زمزم، ولا يعدو هذا الرأي أن يكون تطبيقاً لصريح النص ليس إلا في رأي حمد الجهوري .

   والناظر في هذا الرأي يجب عليه ابتداء أن يحرر معه موضع النزاع، ثم منه ننطلق لتحديد الرأي الراجح حوله، فالحديث هنا عن تطبيق نصوص قانون التحكيم أو قانون المرافعات علـى حكم تحكيم أجنبي في مسألة إصدار أمر التنفيذ شاملاً ذلك الاختصاص النوعي والمكاني في ظل غياب اتفاق الطرفين على الإجراءات الواجبة التطبيق، إن كان لاتفاقهما محل في مـسألة يجيـز القانون الاتفاق على إجراء بصددها، أما إذا كانت تلك المسألة من مسائل النظام العام والتي لـم يترك القانون فيها مجالا للاتفاق بشأنها، بل جعلها من مسائل الولاية العامة فلا مجال للقول بـأي أثر لاتفاق طرفي التحكيم على إجراء معين وفق اختيارهما ومشيئتهما، والناظر في مسألة إعطاء أمر التنفيذ لحكم التحكيم الأجنبي وتحديد الاختصاص النوعي والمكاني وما يتبع تلك العملية مـن رقابة هي من مسائل الولاية التي على الدولة تنظيمها بما يتوافق وفق سيادتها وتشريعاتها فلـم تتركها لرغبة الأطراف والقول بأنها من النظام الخاص لا يسنده دليـل، فالحـديث عـن اتفـاق الخصوم بشأن إجراءات التحكيم، فذلك دون مسألة إصدار أمر التنفيذ، وبعبـارة أخــرى فـأمر التنفيذ الذي تختص به الدولة وجعلته للقضاء العام بداخلها وفرضت له شـروطا ولبهـا مراقبـة مخالفة ذلك الحكم التحكيمي الأجنبي بعد ثبوته للنظام العام الوطني أو الدولي أو كلاهمـا لـيس للأطراف صفة في تحديد اختصاصه ورقابته، فمسألة إعطاء أمر التنفيذ من قضاء الدولة علـى حكم تحكيم أجنبي هي من مسائل السيادة الوطنية التي جعلتهـا التشريعات المختلفـة موكولـة للقضاء العام، فالخوض في تحديد اختصاصه بسلاح إرادة الأطراف فيه تضخيم لـسلطان تلـك الإرادة الذي أخضعته تلك التشريعات لرقابتها السيادية ضمانا لما تراه من مـصالح عليـا لهـا ولسياستها وللمجتمع، وما يفرضه من مبادئ وقيم يجعل اطراحها أمراً صعباً، بل مستحيلاً فـي ظل المعطيات الراهنة والتاريخية. فضلا عن أن اتفاقية نيويورك – وفق نص المادة الثالثة منهـا أحالت الدول الأعضاء في مسألة إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية إلى تشريعاتها الوطنيـة، ولم يكن هناك أي إشارة أو اعتبار لسلطان إرادة الأطراف في هذا الصدد، ومن ذلك نلمـح أن سيادة البلد المراد التنفيذ فيه هي الأولى بالإعتبار، إذ الاتفاقية ذاتها لم تجرؤ على التصدي لذلك، ويقول أحمد محمد أحمد حشيش- في سياق حديثه عن المادة (9) من قانون التحكـيم: "ويعتبـر اختصاص رئيس المحكمة أو من يندبه من قضاتها بإصدار أمر التنفيذ اختصاصاً متعلقاً بالنظـام العام يترتب على مخالفته وجوب امتناع القاضي من تلقاء نفسه عن إصدار الأمر، وإذا أصـدره رغم عدم اختصاصه اعتبر باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام حتى لو كان القاضي غير مخـتص محلياً". مما نخلص معه إلى القول بأنه لا محل هنا لذكر إرادة الأطراف وجعلهـا تختار الإجراء الواجب الاتباع عند استصدار أمر التنفيذ، وهذا الطرح ذاته هو ما يؤكـد عليـه الباحث في رد الرأي الرابع الآتي ذكره.

    الرأي الرابع: أنه لذوي الشأن الاختيار أي الإجراءات يشاؤون في تطبيقها بـيـن قـانون التحكيم أو قانون المرافعات، ويرى برهان أمر الله أن هذا الرأي مخالف لمقتضيات النظام العـام التي لا يمكن لإرادة الأطراف أن تتفق بشأنها، حيث إن الأمر بالتنفيذ من النظام العام، وهـذا الرأي في نظر الباحث مردود عليه بما سبق تقريره في الرد على الرأي الثالث، حيث إن مـسألة إصدار الأمر بالتنفيذ ليست مما يخضع لإرادة الأطراف.

   وبعد هذا العرض للإشكال والآراء حوله ومناقشته نخلص من ذلك إلى رأي يكون خاتمـة هذا البحث البسيط، وهو ما نورده في العنصر الأخير (خامساً).

خامساً- الخاتمة:

   بعد طرح هذا الإشكال وآراء الفقهاء والقضاء حوله، يخلص الباحث إلى ترجيح الرأي القائل بوجوب تطبيق قانون التحكيم؛ ذلك لما سبق من قوة أدلة القائلين بهذا القول، وأضـيف هنـا أن المشرع العماني ومثله المصري عندما وضعا قانوناً خاصاً بالتحكيم وضمنا فيه التحكيم التجاري الدولي، ولو كان صادراً داخل الدولة نفسها، مما يتضح معه أن إرادة المشرع تتجه إلى تشجيع نظام التحكيم نظراً لما في التحكيم من دفع لعجلة الاقتصاد والتنمية التي تنشدها سياسة كل بلـد، ولكون التحكيم يشتمل على مزايا هي الملاذ الأمن للمستثمر، فمتى ما وجـدت ثغـرة لتـسهيل إجراءاته وتذليل عقباته وجب اتباعها والعمل بها، كيف والحال أن اتفاقية نيويورك تشدد على هذا المبدأ، كما سبقت الإشارة إليه، وأما القول بانعدام التواجهية في حال العمـل بنـصوص قـانون التحكيم وهو ما لا يتفق وبعض نصوص الاتفاقية، فجواب هذا أن هذا الانعدام متوافر في حالات تطبيق قانون التحكيم ذاته، فعلى المشرع التدخل لمعالجة هذا الإشكال ،حيث إن القاعدة المعتمـدة بالنسبة للأوامر على العرائض هي عدم التواجهية، ولا تتفق هذه القاعدة مع الالتزام الـذي يقـع على القاضي بعدم إصدار الأمر، إلا بعد التحقق من عدم تعارض حكم التحكيم مع حكم سابق في ذات موضوع النزاع، وذلك وفق نص ذات (المادة 58) من قانوني التحكيم العماني والمصري، على أن الواقع العملي يمكن أن يتغلب على هذه المسألة بعقد المواجهـة بـين طرفي التحكـيم استلهاماً من نصوص اتفاقية نيويورك، وفي ذلك جمع بين الحسنين في الاتفاقية، وهما عدم فرض شروط وإجراءات ورسوم أكثر شدة، ومعالجة مبدأ التواجهية ليسهل على قاضي الأمر بالتنفيـذ مراقبة جميع الشروط اللازمة لإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي.

   وأما التساؤل لماذا لم يلغ المشرع نصوص قانون الإجراءات المدنية والتجارية المتعلقـة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، ومثله نظيره المصري؟ فجواب ذلك أن تلك النصوص قـد تلجـئ الحاجة إليها في بعض الحالات وأبسطها الحالات الخارجة عن نطاق تطبيق اتفاقيـة نيويورك، والمشرع له نظره الواسع في التشريع، كما له حكمة في تخصيص ما يحتـاج إلـى تـخـصيص ورعاية مما يخدم سياسته في سيادته على أراضيه، ومصلحته في الاتفاقيات والمعاهـدات التـي يبرمها مع المحيط الدولي حوله.

    وبتتبعي أحكام القضاء العماني لم أجد حكماً في الموضوع يزيل اللبس وغمامة هذا الإشكال، إلا أن حكم المحكمة العليا الصادر بتاريخ 2011/4/27م في الطعن رقم (2010/280م) الـدائرة التجارية41، أيد حكم محكمة الاستئناف القاضي بإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الصادر في ألمانيا لاستيفائه متطلبات نصوص قانون الإجراءات المدنيـة والتجاريـة، وحكـم محكمـة الاستئناف ألغى حكم المحكمة الابتدائية الرافض إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، كمـا أشار حكم المحكمة العليا أن حكم التحكيم استوفى شرط مضي مدة الطعن بالبطلان تسعين يوماً، وهو إلماح إلى وجوب مراعاة شروط تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي وفق قانون التحكيم العماني، إلا أن إقرار المحكمة العليا طريق استصدار أمر التنفيذ لحكم التحكيم الأجنبي بمراعاة شروط قانون الإجراءات المدنية والتجارية، يوضح توجه المحكمة العليا إلى إعمال هذا الرأي.