حكم التحكيم لا ينفذ جبراً إلا بصدور الأمر بتنفيذه :-
الثابت من استقراء أحكام هذا القانون أنها قد ربطت تنفيذ أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون بصدور أمر بتنفيذها من القضاء بناء على طلب ذي الشأن .
وقد سبق لمحكمة النقض المصرية أن أوضحت أن :" التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية ، ولئن كان في الأصل وليد إرادة الخصوم إلا أن أحكام المحكمين شأن أحكام القضاء تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية طالما بقي الحكم قائماً ولم يقض ببطلانه وهو ما أكدته المادة [55] من القانون رقم : [27] لسنة 1994 بإصدار قانون في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية ، والذي ألغي المواد من [501] حتى [513] من قانون المرافعات المدنية ".
وقد بسطت محكمة استئناف القاهرة هذا الحكم على الأحكام ، سواء كانت تقريرية أو منشئة ، وأوردت في هذا الصدد قولها :" إن المحكمة تعتبر كون الحكم التحكيمي تقريرياً أو منشئاً لا يمنع من تذييله بالصيغة التنفيذية . فما الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم المقرر أو المنشئ خاصة بالنسبة إلى أحكام التحكيم الأجنبية إلا خطاب من السلطة العامة في الدولة - وهي هنا سلطة القضاء - بالاعتراف بالآثار الكاملة لهذا الحكم ، وبأنه يضم قرينة الحقيقة فيما حسمه من نزاع . فأمر تنفيذ حكم التحكيم غير الملزم بأداء مالي يؤكد حجية هذا الحكم ويمنحه قوة مطلقة في الاحتجاج به خاصة في بلد قاضي الآمر بالتنفيذ وهي البلد المراد التمسك بآثار الحكم على أرضها أياً كانت .
وحتى بالنسبة لأحكام التحكيم الوطنية - تقريرية كانت أو منشئة - فإن الحماية التنفيذية التي يمنحها أمر التنفيذ لها إنما تستمد أهميتها من الناحية العملية ، فالكثير من هذه الأحكام لا يحقق الإشباع العملي للمحكوم له إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية ، لأن ما يتضمنه الحكم التقريري أو المنشئ يكون في كل الأحوال " كدليل مثبت لحقيقة قانونية " ، مقدمة ضرورية ومنطقية لإجراءات تنفيذية واقعية - ولو كانت غير قضائية وخارج نطاق أجهزة الدولة - أو لإلزام معين "غير مالي" على عاتق المحكوم ضده ، وفقاً للحق القانوني الثابت بالحكم ، والشأن القانوني التنفيذي ليس علماً مجرداً ، بل هو أقرب من غيره إلى الواقع العملي بحسبانه حلقة الوصل المنطقية الوحيدة بين الحكم وذلك الواقع .
وعلى كل حال ، فإن القانون التحكيم المصري ، وهو " قانون الإجراءات التحكيمية "، بحسبانه متضمناً القواعد الإجرائية الخاصة بالتحكيم ، وكالحال في اتفاقية نيويورك لسنة 1958 في شأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية ، لم يشترطا لتذييل الحكم التحكيمى أن يكون هذا الحكم ملزماً بدين نقدي ، وهذه مسألة أساسية لأن الامتناع عن إكساب حكم التحكيم بأمر التنفيذ بحجة أنه لم يتضمن سوى تقرير الحق أو المركز القانوني أو عدم وجوده أو مجرد تغيير أو إنهاء أو تعديل في مركز قانوني قائم أو إنشاء لمركز قانوني جديد دون إلزام المحكوم عليه بأداء مالي معين ، يفقد التحكيم أحد سماته لأنه يفقد المحتكمين الأمان القانوني المتطلب في مرحلة ما بعد صدور الحكم بتفعيل آثاره الكاملة .
وبناء على ما سلف ، خلصت إلى أنه :" لما كان ذلك ، وكان البين من حكم التحكيم مدار النزاع أن الشركة والشركاء فيها كانوا جميعاً أطرافاً فيه ، ويعد حجة في مواجهتهم جميعاً ، وأنه بما قرره تضمن تعديلاً في حقوق كل هؤلاء ، وإنشاء لمركز قانوني جديد ، ولذلك يمتد أثره إلى ضرورة إحداث تغيير في المراكز القانونية المترتبة على ذلك ، ولو كانت مراكز قانونية تابعة ، فالتشابك والتداخل في القرارات المتصلة بالشركة التي حسمها الحكم التحكيمي أمر يرتبط بمصالح جوهرية مشتركة للشركة والشركاء فيها يستدعى أن يصدر الإذن بتذييله بالصيغة التنفيذية خاصة أن هناك صعوبات تتعلق بتنفيذه حسبما تأكد من مجرد إقامة التظلم الماثل ذاته . وذلك حتى تستقر المراكز القانونية للشركة والشركاء والغير بتفعيل الحكم لآثاره التنفيذية . فالحكم - كل حكم ولو لم يكن حكماً بإلزام - ليس فقط عملاً إجرائياً منطقياً نظرياً أو عملاً أكاديمياً ، بل لابد أن يجد مكانه في التطبيق على الواقع ، ويكون ذلك بتفعيل قوته الملزمة فيما رتبه من حجية وبمقدار ما حسمه من نزاع وإعمالاً لآثاره وتصحيحاً للمركز القانوني المعتدى عليه ، وإلا فإنه لا يكون قد حقق أي فائدة عملية لمن حكم لصالحه ، ويغدو ما حواه الحكم بالنسبة لمن ربح النزاع التحكيمي لغواً ، وهو أمر لا يمكن أن يقدم عليه المشرع - كل مشرع ومن ثم يكون التجاء الرابح لحكم التحكيم التقريري أو التأكيدي للقضاء من أجل إعطاء الحكم الصيغة التنفيذية ، وتحقيق الإشباع العملي لما تضمنه الحكم ، أمراً قانونياً مبرراً ، وملاذاً نهائياً لدرء خصمه المماطل خاسر النزاع التحكيمي ، والذي يثير صعوبات تتعلق بالتنفيذ بقصد المماطلة ، مثل هذه الصعوبات تجع للمحكوم عليه تحكيمياً مصلحة قانونية في الحصول على الحماية التنفيذية المطلوبة بالالتجاء إلى تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية ، وذلك كله في حدود الرقابة القانونية والحدود المنطقية التي منحها المشرع لقاضي تنفيذ حكم التحكيم .
في حين نص المشرع الإماراتي على :
1- لا ينفذ حكم المحكمين إلا إذا صادقت عليه المحكمة التي أودع الحكم قلم كتابها ، وذلك بعد الاطلاع على الحكم ووثيقة التحكيم ، والتثبت من أنه لا يوجد مانع من تنفيذه ، وتختص هذه المحكمة بتصحيح الأخطاء المادية في حكم المحكمين بناء على طلب ذوي الشأن بالطرق المقررة لتصحيح الأحكام .
2- ويختص قاضي التنفيذ بكل ما يتعلق بتنفيذ حكم المحكمين .
وقد أبلى البعض بلاء حسناً في بحث مدى جواز التحكيم بالشريعة الإسلامية لفض المنازعات التجارية والمدنية في ظل القانون الوضعي ، وخلص من بحثه إلى إن القضاء الأجنبي لا يمانع في تنفيذ حكم التحكيم وفق أحكام الشريعة الإسلامية .