الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / النظام الإجرائي لتنفيذ أحكام التحكيم / الكتب / بطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي الأسباب والنتائج /  أثر تحقق المسئولية الإجرائية 

  • الاسم

    د. ممدوح عبدالعزيز العنزي
  • تاريخ النشر

    2006-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    440
  • رقم الصفحة

    354

التفاصيل طباعة نسخ

 تمييز فكرة المسئولية الإجرائية:

عن فكرة الجزاء الإجرائي في الفقه الإسلامي بعد أن عرضنا لفكرة المسئولية الإجرائية ، وعرفنا أن كتابات الفقه الإسلامي قد بينت مضمون هذه المسئولية دون أن تستخدم اصطلاحها ، و بينا أن تحقق هذه المسئولية يستلزم توافر عدة مفترضات تتمثل في ضرورة وجود التزام إجرائي ينشىء على كاهل أحد أشخاص الخصومة القضائية القيام بعمل معين أو ترك مسلك معين ، ثم الانحراف عن هذا الالتزام بإتيان ما يتعين الامتناع عن إتيانه أو الامتناع عن القيام بما يجب القيام به وهو ما يسمى بالخطأ الإجرائي وتوافر ركني الضرر الإجرائي وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر الإجرائيين ، فإذا ما توافرت هذه المفترضات قامت المسئولية الإجرائية ورتبت أثرا إجرائيا يتمثل في توقيع جزاء إجرائي ، يتعين علينا التعرض لبعض تطبيقات فكرة المسئولية الإجرائية تأكيدا للمعنى واستكمالا للفائدة.

هذا، وتبدو أهمية القول بالطبيعة الإجرائية لكلا الفكرتين بصورة أوضح في ظل ما ينادي به الباحث من وضع نظرية جديدة هي نظرية الخصومة القضائية والتي ستتضمن تحليل ودراسة العديد من الاصطلاحات کاصطلاح مسئولية إجرائية وجزاء إجرائي وخطأ إجرائي ، وتوجيه البحث العلمي إلى هذه الفكرة وإمداده بالمراجع الشرعية اللازمة والمناسبة للإبحار في خضم علومها واستخراج ما يكمن في بواطنها من لآلئ ، ومحاولة بناء نظرية إجرائية تكون نقطة ارتكاز للانطلاق نحو وضع الوسائل الإجرائية الكافية لحماية القواعد الموضوعية وتفعيلها بالقدر الذي يناسب تطورات العصر وما واكتبه من ثورات معرفية هائلة أثرت على شتى المجالات الحياتية .

ويصدق ذات القول في خصوص الجزاء الإجرائي ، إذ إن هذا الجزاء لا يوقع إلا كأثر لتحقق الخطأ الإجرائي وهذا الأخير لا وجود له سوى بوجود التزام إجرائي يتم الانحراف عنه.

وهكذا يعد كل من الالتزام الإجرائي والخطأ الإجرائي مفترضين أساسيين القيام المسئولية الإجرائية وكذلك لتوقيع الجزاء الإجرائي.

ثالثا : من حيث التنظيم نظرا لكون المسئولية الإجرائية والجزاء الإجرائي ذا صبغة إجرائية - وكما ذكرنا آنفا - فإن القواعد المنظمة لهما تندرج ضمن قواعد السياسة الشرعية ، وذلك خلافا للقواعد الموضوعية المنظمة للحقوق والالتزامات و التي تندرج في قواعد الحل والحرمة والتي تولى الشارع الحكيم أمر تنظيمها واستأثر لنفسه بسن أحكامها.

وعلى ذلك فإن النسق التشريعي المتبع في تنظيم أحكام المسئولية الإجرائية هو ذات النسق المقرر في خصوص الإعداد التشريعي لفكرة الجزاءات الإجرائية، ولعل هذا الوجه من التشابه مترتب على اتحاد كل من الم الإجرائية والجزاء الإجرائي في الطبيعة.

مظاهر التمييز بين المسئولية الإجرائية والجزاء الإجرائي:

إن التشابه بين المسئولية الإجرائية والجزاء الإجرائي من حيث الطبيعة وطفترض تحقق كل منهما والتنظيم - على نحو ما ذكرنا - يجب ألا يقودنا إلى الفول بالاختلاط بين الفكرتين إلى حد الخلط أو المزج بينهما، فالتشابه في الطبيعة واتحاد البيئة الإجرائية لا ينفي الذاتية المستقلة لكل فكرة من هاتين الفكرتين ، فهما غير مترادفتين ، بل إنهما فكرتان متميزتان لكل منهما دور واضح ومميز في المنظومة الإجرائية للخصومة القضائية.

ولكي يستبين لنا تمایز فكرة الجزاء الإجرائي عن المسئولية الإجرائية عرض لأهم أوجه هذا التمييز في نقاط ثلاث على النحو التالي :

أولا : من حيث الترتيب الزمني } إن وجود التزام إجرائي وتحقق الخطأ الإجرائي المتمثل في الانحراف عن مقتضى هذا الالتزام و تحقق الضرر الإجرائي و رابطة السببية - حال استلزام ذلك - يستتبع قيام المسئولية الإجرائية في حق المنحرف ، وهو ما يستتبع توقيع أجزاء إجرائي في مواجهته ، وهكذا فإن التتابع المنطقي يقرر تحقق المسئولية الإجرائية قبل توقيع الجزاء الإجرائي ، فلا يتصور نشوء الفكرتين معا في وقت واحد ، كما لا يستساغ - عقلا أو منطقا - توقيع الجزاء الإجرائي قبل تحقق المسئولية الإجرائية.

ومتى وجد تراخ زمني وتتابع منطقي بين الفكرتين فهذا ينفي وحدتهما بالصورة التي تعني الخلط والمزج بينهما ، أو التي تدفع إلى القول بأنهما مترادفتان ، فلكل فكرة مستلزماتها التي يجب أن تتحقق أولا مع اختلاف وقت تحقق هذه المستلزمات في خصوص هاتين الفكرتين.

 من حيث الوظيفة :

لا شك أن لكل فكرة إجرائية دورها المحدد والبارز في المنظومة الإجرائية ها ، ولا شك كذلك في اختلاف الدور الذي تقوم به فكرة المسئولية الإجرائية من ذلك الدور الذي تؤديه فكرة الجزاء الإجرائي ، وهو ما يقطع بتمایز ک لا الفكرتين عن الأخرى.

تفصيل ذلك أن الوظيفة الإجرائية التي تقوم بها المسئولية الإجرائية تكمن في تأكيد أن ثمة واجبا إجرائيا قد تمت مخالفته بما يوجب ويحتم ضرورة توقيع جزاء إجرائي ، بينما تتمثل الوظيفة الإجرائية لهذا الأخير في مواجهة الخلل الذي الحق بالمنظومة الإجرائية والتصدي لتعكير صفو السير الطبيعي لإجراءات الخصومة القضائية بإنزال الأثر الإجرائي المترتب على تحقق المسئولية الإجرائية بما يعيد الأمور إلى نصابها ويعيد للمنظومة الإجرائية توازنهاكي يدفعها قدما للأمام نحو تحقيق غايتها المنشودة.

فقبول القاضي رشوة وإصدار حكمه لصالح الراشي يعني قيام المسئولية الإجرائية في حق القاضي ، ذلك أن من المقرر- على سبيل المثال - وجود التزاما إجرائيا سلبيا يقع على كاهل القاضي بالامتناع عن قبول الرشوة بل يمنعه من قبول هدايا الخصوم ، وقد انحرف القاضي عن هذا الالتزام حين قبل الرشوة، وهو ما يعني تحقق الخطأ الإجرائي في مسلكه ، وهذا كله ينقلنا إلى مرحلة أخرى هي العمل على إعادة الأمور إلى نصابها وجبر القصور الذي أصاب . المنظومة الإجرائية فعطلها عن أداء وظيفتها في تقرير الحق لصاحبه ، وهذا يخرج عن وظيفة المسئولية الإجرائية ويندرج في وظيفة الجزاء الإجرائي ويتمثل في إهدار كل قيمة للحكم الذي أصدره القاضي المرتشي.

ففي المثال المذكور يتضح جليا التمايز بين وظيفة المسئولية الإجرائية ووظيفة الجزاء الإجرائي ، إذ لا شك في أن تقرير خطأ القاضي والقول بخروجه على مقتضى قواعد الخصومة القضائية يختلف تماما عن إبطال الحكم الذي أصدره القاضي بالمخالفة لتلك القواعد.

وهكذا تختلف وظيفة الجزاء الإجرائي في مضمونها عن ولا الإجرائية وإن كانتا تلتقيان في كونهما صمام أمان يعملان على د الفعلي والواقعي لإجراءات اقتضاء الحقوق والفصل في المنازعات و النسق الذي تقرره القواعد المنظمة لهذه الإجراءات ، وهو ما يضمن الخروج على مقتضى هذه القواعد وإزالة العراقيل من أمامها كي تمضیق التحقيق أهدافها المنشودة.

هذا، ويجب التمييز بين نوعين من الوظيفة لكل فكرة إجرائية ، ذلك أن كل إجراء أو نظام إجرائي متكامل إنما يهدف لتحقيق هدف حال مباشر وهدف آخر مستقبلي أو نهائي ، فمثلا الضوابط الإجرائية لمبدأ الحيدة تهدف بصورة مباشرة إلى تنزيه القاضي عن كل النقائص التي يتعين على من يتولى القضاء في الخصومات التخلي عنها ، وهذه النقائص تتمثل في كل ميل نفسي لأحد الخصوم أو ضده ، وتهدف - أي الضوابط الإجرائية لمبدأ الحيدة - في ذات الوقت إلى تحقيق هدف مستقبلي أو نهائي يتمثل في تحقيق العدالة.

كذلك فإن فكرة المسئولية تهدف بصورة مباشرة إلى التأكد من انسجام النظام القضائي وإجراءات الخصومة القضائية مع القواعد الإجرائية المنظمة لهذه الإجراءات ولذلك النظام ، فهي المؤشر الذي يكشف عن مدى تحقق هذا الانسجام، ثم إنها تهدف بصورة نهائية إلى تحقيق العدالة الإجرائية ، كما أن الجزاء الإجرائي يهدف بصورة مباشرة إلى تحقيق مواجهة لكل الأخطاء التي ترتكب كي يتحقق السير المنضبط للإجراءات المنظمة لنظر النزاع ، وبصورة نهائية يهدف الجزاء الإجرئي إلى تحقيق ذات الهدف النهائي المتوخى من فكرة المسئولية الإجرائية.

ولذا نستطيع القول بأن نطاق الاختلاف الوظيفي بين الجزاء الإجرائي والمسئولية الإجرائية يكمن وفقط في نطاق الهدف المباشر أو الوظيفة المباشرة لكل منهما، أما في خصوص الوظيفة النهائية لكلتا الفكرتين فهي واحدة ومتحدة ، بل إن الوظيفة النهائية أو غير المباشرة لكل إجراء أو فكرة إجرائية واحدة ولا تختلف ولا تتباين باختلاف النظم الإجرائية أو تباين الإجراءات وتتمثل في تحقيق العدالة الإجرائية.

من حيث الأثر:

 إن اختلاف الوظيفة الفنية للمسئولية الإجرائية عنها في خصوص الجزاء الاجرائي أدى إلى اختلاف الأثر المترتب على كل منهما ، فبينما نجد الأثر المترتب على قيام المسئولية الإجرائية يتمثل في توقيع جزاء إجرائي مناسب ، نجد أن الأثر المترتب على توقيع الجزاء الإجرائي يتمثل في التغيير المادي والواقعي والذي يسهم في إعادة الأمور إلى نصابها ، فالمسئولية تستتبع توقيع الجزاء بينما يستتبع تفعيل هذا الأخير إحداث تغييرات خارجية ملموسة تعالج العيب أو القصور الذي أصاب المنظومة الإجرائية.

فالقاضي الذي يتقاضي رشوة من أحد الخصوم وترتيبا عليها يصدر الحكم الصالحه تنشأ مسئوليته الإجرائية وتستتبع توقيع جزاء إجرائي ملائم يواجه الخطا الذي ارتكب ويعمل على جبر الأضرار التي تحققت ، وإلى هنا ينتهي دور المسئولية الإجرائية ثم يبدأ دور الجزاء الإجرائي في تفعيل ذلك بتقرير إيطال الحكم القضائي الصادر بناء على رشوة ، وهكذا فإن أثر تحقق المسئولية الإجرائية يتمثل في ضرورة توقيع الجزاء الإجرائي المناسب ، بينما يتمثل أثر توقيع الجزاء الإجرائي في إبطال الحكم في المثال المذكور ، ولا شك في اختلاف الأثرين عن بعضهما.

وعلى ذلك فإن فكرتي المسئولية والجزاء في المجال الإجرائي تعملان كحلقات متتابعة في سلسة متتابعة الحلقات تبدأ قبل أن يثار النزاع بوضع التنظيم القضائي على النحو الذي يتيح حسن نظر المنازعات إذا ما أثيرت ، وتستمر هذه الحلقات مرورا بعرض الواجبات الإجرائية ، وتحديد ماهية الأخطاء الإجرائية ، ثم مفترضات تحقق المسئولية الإجرائية ، وانتهاء بإيصال الحق إلى ص احبه ورفع الظلم عن المظلومين في أقرب وقت ممكن وبأيسر طريق يتر . الاختلاف الوظيفي لكل حلقة من هذه الحلقات وتباين الأثر المترتب على كل در نظرا لاختلاف الدور الذي تقوم به في المنظومة الإجرائية المهيمنة عل الخصومة القضائية.