الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / طبيعة الحكم الصادر في دعوى البطلان وطرق الطعن عليه / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 38 / إعادة المحاكمة التحكيمية (هل يمكن إلتماس إعادة النظر في الحكم التحكيمي؟)

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 38
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    45

التفاصيل طباعة نسخ

   إعادة المحاكمة (التي يطلق عليها أيضاً في بعض القوانين العربية تسمية التمـاس إعـادة النظر) طريق من طرق الطعن الاستثنائية تأخذ بها العديد من القوانين، ولا سيما القوانين المستقاة من النموذج الفرنسي.

    وهذه الطريق الاستثنائية من طرق الطعن لا يمكن اللجوء إليهـا عـادة، إلا فـي حـالات استثنائية، إذا كانت طرق الطعن العادية غير متاحة. فهي ترمي الى عدم الإبقـاء علـى قـرار قضائي لا يمكن الطعن فيه بطرق الطعن العادية عندما يكون هذا القرار القضائي مشوبا بعيـب خطير.

   ومن خصائص طريق الطعن هذه أنه يتم التقدم بها للمحكمة نفسها التـي أصـدرت الحكـم المشكو منه، لا الى أي محكمة أخرى، وأن الحالات التي يجوز التقدم بها معددة بشكل حـصري في القوانين التي ترعى الإجراءات.

فقانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني ينص مثلا في مادته 690 على ما يأتي:

  "لا يجوز طلب إعادة المحاكمة إلا لأحد الأسباب الآتية:

   1- إذا صدر من المحكوم له أو من وكيله غش أثر في إصدار الحكم وقد اكتشفه طالـب الإعادة بعد ذلك.

   2- إذا حصل طالب الإعادة بعد صدور الحكم على أوراق حاسمة في النزاع كان المحكوم له قد احتجزها أو حال دون تقديمها.

   3- إذا حصل بعد الحكم إقرار بتزوير الأوراق التي بني عليها أو إذا قضي بتزويرها.

    4- إذا كان الحكم قد أسند إلى حكم سابق قضي فيما بعد بإبطاله أو بتعديلـه أو بـالرجوع عنه، وذلك مع مراعاة أحكام المادة 733 فقرة 2 و3".

  وقانون المرافعات المدنية والتجارية المصري ينص في مادته 241 على ما يأتي:

  "للخصوم أن يلتمسوا إعادة النظر في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية في الأحوال الآتية:

  1. إذا وقع من الخصم غش كان من شأنه التأثير في الحكم.

  2. إذا حصل بعد الحكم إقرار بتزوير الأوراق التي بني عليها أو قضي بتزويرها.

  3. إذا كان الحكم قد بني على شهادة شاهد قضي بعد صدوره بأنها مزورة.

   4. إذا حصل الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كان خـصمه قـد حال دون تقديمها.

   5. إذا قضى الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه.

   6. إذا كان منطوق الحكم مناقضاً بعضه لبعض.

   7. إذا صدر الحكم على شخص طبيعي أو اعتباري لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً ف الدعوى، وذلك في ما عدا حالة النيابة الاتفاقية.

    8. لمن يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها بشرط إثبات غش من كان يمثله أو تواطئه أو إهماله الجسيم".

   هذه النصوص التي نجد ما يشبهها في معظم قوانين الإجراءات المدنية المعمول بهـاف الدول العربية تتعلق من حيث المبدأ بالأحكام الصادرة عن المحاكم النظامية. ومن هنا، فلا شيء يحول دون التقدم بطلب لإعادة المحاكمة ضد قرار صادر عن محكمة نظامية في موضوع يتعلق بالتحكيم إذا توافرت الشروط لذلك. وقد نظرت المحاكم الفرنسية في هكذا طعون، واعتبرت مثلا أنه يمكن التقدم بطلب لإعادة المحاكمة ضد قرار قضى برفض إبطال قرار تحكيمي .

   ولكن إذا كانت معظم القوانين العربية تأخذ بإعادة المحاكمة (أو بإلتماس إعادة النظر) في ما يتعلق بالأحكام الصادرة عن المحاكم النظامية، إلا أن معظم قوانين التحكيم في الدول العربيـة لا تنص على إمكانية سلوك طريق الطعن هذه في ما يتعلق بالأحكام والقرارات التحكيمية. فقـانـون اليونسترال النموذجي الذي تستند إليه معظم قوانين التحكيم في الدول العربية لا ينص على هكذا طريق من طرق الطعن.

   وقد يكون القانون اللبناني في هذا الإطار هو القانون العربي الوحيد الـذي يتضمن نـصاً صريحاً يتعلق بإعادة المحاكمة التحكيمية، ذلك أن القانون اللبناني، وكما هو معلوم، قـد أقتـبس العديد من نصوص القانون الفرنسي بصيغته السابقة.

   ولكن القانون الفرنسي تطور منذ صدور القانون اللبناني بحيث أن تعديلات مهمـة أدخلـت عليه في ما يتعلق بطرق الطعن بالقرارات التحكيمية بما فيها طريق الطعن بإعادة المحاكمة. فلا بد إذا قبل عرض موقف القانون اللبناني بهذا الخصوص من عرض موقف القانون الفرنسي.

   والواقع أنه إذا كان المشترع الفرنسي قد أولى اهتماماً خاصاً بطريق الطعن الاستثنائية هذه، أي بطريق الطعن بإعادة المحاكمة، فلأن الخبرات والتجارب التي تولدت خلال العقـود القليلـة الماضية نتيجة ازدهار التحكيم وتكاثر اللجوء إليه قد بينت أن طرق الطعن الكلاسيكية بالقرارات التحكيمية وأهمها طريق الطعن عن طريق الإبطال قد لا تكفي في بعض الأحيان لإزاحـة حكـم تحكيمي بني على الغش أو على مناورات لا يمكن للمجتمع القبول بها.

   ولكن سواء في فرنسا أو في لبنان أو في غيرهما من الدول فإن إعادة المحاكمة التحكيميـة تطرح إشكالات قانونية متعددة بالنظر الى خصوصية هذه الطريق من طرق الطعن. مـن هنـا، وبعد التطرق إلى موقف القانون الفرنسي وموقف القانون اللبناني من موضوع إعادة المحاكمـة التحكيمية، سنتطرق الى بعض الإشكاليات التي تطرحها طريق الطعن هذه.

أولاً- إعادة المحاكمة التحكيمية في القانون الفرنسي:

   سبق وأشرنا إلى أن المشترع الفرنسي قد أدخل عام 2011 تعديلات مهمـة علـى قـانون الإجراءات المدنية الفرنسي في مجال التحكيم، ولا سيما في ما يتعلق بطرق الطعـن بـالقرارات التحكيمية بما فيها طريق الطعن عن طريق إعادة المحاكمة. وسوف نعرض في ما يلي موقـف القانون والقضاء الفرنسيين قبل التعديلات التي أدخلت على نصوص قانون الإجـراءات المدنيـة الفرنسي المتعلقة بالتحكيم عام 2011 (أ) قبل أن نتطرق الى موقف القانون والقضاء الفرنسيين بعد صدور هذه التعديلات (ب).

أ ـ إعادة المحاكمة التحكيمية في القانون الفرنسي قبل التعديلات التي أدخلت عليه عام 2011:

   كانت القواعد المتعلقة بالتحكيم في قانون الإجراءات المدنية الفرنسي تنص منذ عـام 1981 على إمكانية الطعن في الحكم التحكيمي عن طريق إعادة المحاكمة في مجال التحكيم الداخلي في الحالات نفسها التي يمكن فيها طلب إعادة المحاكمة بأحكام المحاكم النظامية. وكانت المادة 1491 من هذا القانون بصيغتها القديمة تنص على ما يأتي: "يمكن الطعن بطريق إعادة المحاكمة ضـد الأحكام التحكيمية في الحالات ووفق الشروط المنصوص عنها في ما يتعلـق بأحكـام المـحـاكم النظامية. ويقدم الطعن بإعادة المحاكمة أمام محكمة الاستئناف المختصة بـالنظر فـي الطعـون الأخرى ضد الحكم التحكيمي".

   ويلاحظ أن هذا النص وبخلاف المبادئ التي ترعى الطعن عن طريق إعـادة المحاكمـة، والتي تستوجب تقديم الطعن للمحكمة نفسها التي أصدرت الحكم المشكو منه، قد اعتبر أن طلـب إعادة المحاكمة يتم تقديمه أمام محكمة الاستئناف المختصة بالنظر في الطعون الأخرى ضد الحكم التحكيمي لا الى هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم المشكو منه.

   إن هذا الأمر، أي اعتبار محكمة الاستئناف النظامية مختصة بـالنظر فـي طـلـب إعـادة المحاكمة التحكيمية، من شأنه تغيير طبيعة هذه الطريق من طرق الطعن وماهيتها، ذلك أن إحدى الخصائص الرئيسية لطريق الطعن هذه هي أنه يتم التقدم بها للمرجع نفسه الذي أصـدر الحكـم المشكو منه.

   أما في ما يتعلق بالتحكيم الدولي، فإن المادة 1507 بنصها القديم مـن قـانون الإجـراءات المدنية الفرنسي كانت تستبعد تطبيق المادة 1491 المشار إليها من القانون نفسه. وبعبارة أخرى، فإن قانون الإجراءات المدنية الفرنسي كان في ذلك الحين لا يتضمن أي نص خاص يتعلق بإعادة المحاكمة في التحكيم الدولي. وقد انتقد البعض في حينه في فرنسا اسـتبعاد إعـادة المحاكمـة التحكيمية في مجال التحكيم الدولي، فيما أيد البعض الآخر هذا التوجه.

   وقد يكون استبعاد طريق الطعن هذه في مجال التحكيم الدولي هو السبب الذي جعلهـا لا تحظى بالاهتمام، بحيث أن المقالات المخصصة لها في فرنسا خلال هذه الفترة تعد على أصـابع اليد.

   ولكن، وبالرغم من خلو قانون الإجراءات المدنية الفرنسي مـن أي نـص يتعلـق بإعـادة المحاكمة التحكيمية في مجال التحكيم الدولي في ذلك الحين، فإن محكمة النقض الفرنسية اعتبرت في قرار مهم صدر عنها بتاريخ 25 أيار 1992 أنه يستفاد من المبادئ القانونية العامة المطبقـة في مجال الغش أنه وبالرغم من استبعاد إعادة المحاكمة في قانون الإجراءات المدنية الفرنسي في مجال التحكيم الدولي، فإن الطعن بطريق إعادة المحاكمة ضد قرار تحكيمي صادر في فرنسا في مجال التحكيم الدولي يجب القبول به استثنائياً (في حالة الغش) وذلك طالما يمكن إعـادة جمـع أعضاء الهيئة التحكيمية.

   وفي هذه القضية كانت شركة فرنسية قد تقدمت بطلب إعادة محاكمة أمام هيئة تحكيمية كانت قد أصدرت قراراً ضدها. وكان طلب إعادة المحاكمة مسنداً إلى اكتشاف عناصر واقعية جديدة تبين أن الطرف الآخر قد تمكن من اقناع هيئة التحكيم بوجهة نظره نتيجة إخفاء مستندات مهمة الأمـر الذي ينطوي على غش. ولكن الهيئة التحكيمية رتت طلب إعادة المحاكمة. وهنا تقـدمت الـشركة الفرنسية بطعن أمام محكمة استئناف باريس ضد القرار الذي رتت بموجبه الهيئة التحكيمية الطعن بإعادة المحاكمة المقدم إليها، إلا أن محكمة استئناف باريس رفضت قبول طعنها. فطعنـت عنـدها الشركة الفرنسية بالقرار الصادر عن محكمة استئناف باريس أمام محكمة النقض الفرنسية. فما كان من هذه الأخيرة إلا أن نقضت قرار محكمة استئناف باريس، معتبرة أن الطعن بإعـادة المحاكمـة جائز، وأنه يجب أن تنظر فيه الهيئة التحكيمية نفسها التي أصدرت القرار المشكو منه.

   وإذا كان هذا القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 25 أيار 1992 هو القرار الأول الذي فتح المجال أمام إعادة المحاكمة التحكيمية في فرنسا في مجال التحكيم الدولي، فـإن المحكمة الفدرالية السويسرية قد سبقت محكمة النقض الفرنسية في هذا المجال، معتبرة أنه يمكن قبول الطعن عن طريق إعادة المحاكمة في حالة الغش بالرغم من عدم وجود نص يسمح بذلك  .

   ولا شك في أن قيام محكمة النقض الفرنسية والمحكمة الفدرالية السويسرية بقبول الطعن عن طريق إعادة المحاكمة بالرغم من عدم وجود نص صريح يسمح بذلك، يطرح السؤال عن مـدى إمكانية حصول الأمر نفسه في الدول العربية التي لا تتضمن قوانينها نصاً بهذا الخصوص. وإذا كان لم يصدر حتى الآن بحسب علمنا أي قرار بهذا الشأن عن القضاء في هذه الدول، فإن الأمر يبقى متاحاً استناداً إلى المبادئ العامة المتعلقة بالغش، وتلك التي ترعى التماس إعادة النظر.

  وفي مطلق الأحوال، فإن القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 25 أيار 1992 كان له بلا شك تأثير كبير على المشترع الفرنسي، بحيث أن هذا الأخير اغتنم فرصـة التعـديل الذي أدخله عام 2011 على النصوص المتعلقة بالتحكيم في قانون الإجراءات المدنية الفرنسي للإشارة بشكل واضح الى إمكانية الطعن عن طريق إعادة المحاكمة في مجال التحكيم الدولي.

ب ـ إعادة المحاكمة في القانون الفرنسي بعد التعديلات التي أدخلت عليه عام 2011:

   بموجب المرسوم رقم 48ـ2011 تاريخ 13 كانون الثاني/يناير 2011 تم إدخال تعـديلات مهمة على نصوص قانون الإجراءات المدنية الفرنسي المتعلقة بالتحكيم، ومن ضمنها النصوص المتعلقة بطرق الطعن بالأحكام التحكيمية بما في ذلك طريق الطعن بإعادة المحاكمة، بحيـث أن قانون الإجراءات المدنية الفرنسي ينص الآن بشكل صريح على إعادة المحاكمة التحكيمية سواء في مجال التحكيم الداخلي أو في مجال التحكيم الدولي.

  فالمادة 1502 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي بنصها المعمول به حاليا تنص على ما يأتي:

   "إن الطعن بإعادة المحاكمة ضد قرار تحكيمي متاح في الحالات المحـددة ضـد الأحكـام القضائية في المادة 595، ووفقا للشروط المحددة في المواد 594، 596، 597، و601 إلى 603. يقدم الطعن أمام الهيئة التحكيمية.

   إلا أنه، وفي حال لم يعد بالإمكان جمع أعضاء الهيئة التحكيمية، فإن الطعـن يقـدم أمـام محكمة الاستئناف المختصة للنظر في الطعون الأخرى ضد القرار التحكيمي".

   ومن الملاحظ أن هذه المادة، التي تطبق في مجالي التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي، تحيـل إلى عدد من مواد قانون الإجراءات المدنية الفرنسي التي تتعلق بـالطعن عـن طريـق إعـادة المحاكمة ضد أحكام المحاكم النظامية. أي أن المشترع الفرنسي قد اعتبر أن القرارات التحكيمية يجب أن تعامل في ما يتعلق بإعادة المحاكمة تماماً كالقرارات الصادرة عن القضاء النظامي.

   ومن المواد التي تحيل إليها المادة 1502 من قانون الاجراءات المدنية الفرنسي المادة 595 من القانون نفسه التي تحدد الحالات التي يمكن التقدم فيها بهكذا طعن. وهذه المادة تنص على ما يأتي:

  "إن الطعن بإعادة المحاكمة لا يجوز التقدم به إلا لأحد الأسباب الآتية:

   1- إذا تبين بعد صدور الحكم أنه قد صدر نتيجة غش من قبـل الطـرف الـذي صـدر لمصلحته.

    2- إذا ظهرت بعد صدور الحكم مستندات حاسمة كان قد حيل دون تقديمها نتيجة تـصرف أحد الأطراف.

    3- إذا كان الحكم قد استند إلى مستندات ثبت تزويرها أو تم إعلان تزويرها قضائياً، وذلك منذ صدور الحكم.

   4- إذا كان الحكم قد استند إلى إفادات أو شهادات أو يمين ثبت تزويرها منذ صدور الحكم. في كل هذه الحالات لا يقبل الطعن إلا إذا تبين أنه لم يكن بإمكان الطاعن، دون خطأ مـن قبله، بإثارة المسألة قبل حيازة الحكم على حجية القضية المحكوم بها".

   وأما المادة /596/ من القانون عينه والتي تحيل إليها أيضاً المادة 1502 المذكورة فهـ تنص على "أن مهلة التقدم بطلب إعادة المحاكمة هي شهران تبدأ من اليوم الذي وصل فيه سبب إعادة المحاكمة إلى علم الطاعن".

   والواقع أن القانون الفرنسي الجديد يميز تمييزاً بسيطاً بالنسبة لإعادة المحاكمة بين التحكـيم الداخلي وبين التحكيم الدولي. فالمادة 1506 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، والتي تنص على الأحكام المتعلقة بالتحكيم الداخلي الواجب تطبيقها في مجال التحكيم الدولي تحيل فـي مـا يتعلق بإعادة المحاكمة إلى الفقرتين الأولى والثانية من المادة 1502 دون أن تحيل إلـى فقرتهـا الثالثة .

   وبعبارة أخرى، فإن المشترع الفرنسي قد اعتبر أنه في حال لم يعد بالإمكان إعـادة جمـع أعضاء الهيئة التحكيمية للنظر في طلب إعادة المحاكمة، فإنه يجب التفريق بين التحكيم الـداخلي وبين التحكيم الدولي. ففي حالة التحكيم الداخلي يتم تقديم طلب إعادة المحاكمـة أمـام محكمـة الاستئناف المدنية. أما في حالة التحكيم الدولي فإن عدم إحالة المادة 1506 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الى الفقرة الثالثة من المادة 1502 من القانون عينه، يفيـد أن الطعـن بإعـادة المحاكمة يجب تقديمه وبشكل إلزامي أمام هيئة تحكيمية لا أمام محكمة نظامية، بحيـث أن هـذه الهيئة التحكيمية إما أن تكون هي عينها التي أصدرت القرار موضوع الطعن، وإما هيئة جديـدة يتم استكمالها أو تأليفها خصيصاً لهذه الغاية.

  ويلاحظ أخيراً أن المشترع الفرنسي لم يحدد القرارات التحكيمية الدولية التي يمكن الطعـن فيها عن طريق إعادة المحاكمة، بحيث لم يميز بين التحكيمات الدولية التي تجري في فرنسا وتلك التي تجري خارجها، كما لم يميز بين التحكيمات الدولية التي يطبق عليهـا قـانون الإجـراءات المدنية الفرنسي وتلك التي لا يطبق عليها هذا القانون. هذا الأمر يؤدي نظرياً إلى فتح المجـال أمام إمكانية الطعن في فرنسا عن طريق إعادة المحاكمة بكل القرارات التحكيمية الدوليـة مـهمـا كان مكان التحكيم ومهما كان قانون الإجراءات الذي اختاره الأطراف. أما من الناحية الواقعية، فإنه يصعب تصور إقدام أحد الأطراف في تحكيم دولي على الطعن عن طريق إعادة المحاكمـة في فرنسا بحكم تحكيمي صدر خارجها، إذ يصعب في هذه الحالة إقناع المحكمين بـالنظر فـي هكذا طعن .

    وعلى كل حال، فإن متابعة الأحكام الصادرة عن القضاء الفرنسي بهذا الخصوص تبين أن هذا القضاء قد نظر خلال السنوات القليلة الماضية بعدة طعون ترمي الى إعادة المحاكمة، ومنها الطعن المقدم في قضية برنار تأبي الشهيرة، وقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في هذه القضية أن "إخفاء أحد المحكمين لظروف من شأنها أن تثير لدى الأطراف شكاً معقولاً بحياده واستقلاله، وذلك لمصلحة أحد الأطراف، يشكل غشاً يبرر الرجوع عن القرار التحكيمي، طالمـا أن هـذا القرار قد صدر نتيجة التعاون في حصول الغش بين المحكم وهذا الطرف أو محاميه".

ثانياً- إعادة المحاكمة التحكيمية في القانون اللبناني:

   تنص المادة 808 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على ما يأتي:

  "يقبل القرار التحكيمي الطعن بطريق إعادة المحاكمة للأسباب وبالشروط المعينة للطعن في الأحكام بهذا الطريق.

  يقدم هذا الطعن إلى محكمة الاستئناف التي صدر في نطاقها القرار التحكيمي ويكون القرار الصادر عن محكمة الاستئناف قابلاً للطعن بطريق النقض وبطريق اعتراض الغير".

  هذه المادة مستقاة بشكل واضح من المادة 1491 القديمة من قـانون الإجـراءات المدنيـة الفرنسي.

   وإضافة إلى ذلك، فإن المادة 821 من قانون أصول المحاكمات اللبناني تنص على أن تطبق في مجال التحكيم الدولي المادتان 804 فقرة 1 و805 فقرة 2 دون سواهما من المـواد المتعلقـة بطرق الطعن في التحكيم الداخلي".

   وبعبارة أخرى، فإن القانون اللبناني على غرار القانون الفرنسي القديم يميز بين التحكيمات الداخلية والتحكيمات الدولية، وهو يعتبر أن القرارات الصادرة في مجال التحكيم الداخلي وحدها يمكن الطعن فيها عن طريق إعادة المحاكمة.

ثالثاً- في إشكاليات طريق الطعن في القرارات التحكيميـة عـن طريـق إعـادة المحاكمة التحكيمية:

   يتبين مما سبق أن الطعن عن طريق إعادة المحاكمة إنما يرمي بشكل أساسي إلـى إعـادة النظر في حكم تحكيمي صدر نتيجة غش أو تزوير أو ما شابه. ولكن، وبالنظر إلى كون طريـق الطعن هذه ترمي إلى إعادة النظر في حكم تحكيمي سبق صدوره ويتمتع بالتالي بحجية القـضية المحكوم بها، فإنها تطرح سلسلة إشكاليات بعضها مبدئي وبعضها إجرائي.

    إحدى الاشكالية المبدئية التي يطرحها الطعن عن طريق إعادة المحاكمة في مجال التحكـيم تكمن في التوفيق بين المبادئ التي ترعى الطعن عن طريق الإبطال من جهة، والقواعد المطبقـة في مجال إعادة المحاكمة، من جهة أخرى. فعندما تحصل إعادة المحاكمة أمـام نفـس الهيئـة التحكيمية التي أصدرت القرار المطعون يمكن القول إن الأمر ينطوي على توفير للوقت، لأن هذه الهيئة تعرف تفاصيل الدعوى، لأنها سبق ونظرت فيها، كما أنها تسمح للهيئة عينهـا بتـصحيح القرار الذي أصدرته وتصويب النتيجة التي توصلت إليها. ولكن عندما تحصل إعادة المحاكمـة أمام محكمة الاستئناف النظامية، كما هو الأمر بشكل عام في لبنان، وكما هو عليه أيـضـاً فـي فرنسا في التحكيم الداخلي عندما لا يمكن إعادة جمع أعضاء الهيئة التحكيميـة، فإنـه يـصعب التوفيق من حيث المبدأ بين الطعن عن طريق الإبطال والطعن عن طريق إعادة المحاكمة. فكيف يمكن في هذه الحالة تبرير القبول بمبدأ أنه لا يمكن للقاضي النظامي الناظر في طلب إبطال قرار تحكيمي الدخول في موضوع الدعوى، بينما يمكن لنفس القاضي عندما ينظر في طلـب إعـادة المحاكمة النظر في موضوعها؟

   إضافة إلى ذلك، وفي إطار ما يمكن إدراجه أيضاً ضمن الإشكاليات المبدئية التي يطرحهـا الطعن عن طريق إعادة المحاكمة، فإنه يمكن التخوف من أن يؤدي القبول به على شكل واسـع الى قيام الأطراف الخاسرة بالتقدم بطلبات إعادة محاكمة مبنية على أسباب واهية.

   ولكن، الاشكالية المبدئية الأساسية التي يطرحها الطعن عن طريق إعادة المحاكمة في مجال التحكيم تكمن في الفائدة من وراء تكريس الأخذ به، خاصة وأن قوانين التحكيم فـي معظـم دول العالم تنص على إمكانية الطعن في القرارات التحكيمية عن طريق الإبطال. ويلاحظ فـي هـذا الإطار أن معظم الحالات التي تم اللجوء فيها الى طريق الطعن هذه في فرنسا هي حالات استند فيها الطرف الطاعن الى حصول غش في العملية التحكيمية، علماً أن الغش يعتبر اليوم سبباً من أسباب إبطال الأحكام التحكيمية، لأن القضاء يعتبر أن الأحكام التحكيمية التي تصدر نتيجة غـش تنطوي على مخالفة للنظام العام. ولكن لدى التدقيق في الحالات المذكورة يتبين أن اكتشاف الغش في العملية التحكيمية قد حصل في معظمه بعد فترة طويلة على صدور القرار التحكيمي أي فـي فترة لم يعد فيها الطعن في الحكم عن طريق الإبطال متاحا لانقضاء مهلته. انطلاقا من هنا يتبين أن تطور الطعن عن طريق إعادة المحاكمة في فرنسا مرتبط الى حد بعيد بازدهار اللجوء الـى التحكيم وتزايد عمليات الغش التي قد تنطوي عليها العمليات التحكيمية. أي أن الأخـذ بطريـق الطعن هذه وتطورها، إنما يرمي الى تنقية التحكيم من بعض الشوائب التي قد لا تـتمكن طـرق الطعن الأخرى من تنقيته منها.

   ولكن، وفي مطلق الأحوال، وحتى ولو كانت الغاية من هذه الطريق من طرق الطعن تنقيـة التحكيم مما قد يعتوره من شوائب، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن الإشكالات الإجرائية العديدة التي تطرحها.

  ولا شك أن أهم الإشكالات الإجرائية التي تطرحها طريق الطعن هذه ترتبط بكيفية التوفيـق بين إمكانية الطعن في القرار التحكيمي عن طريق إعادة المحاكمة وإمكانية الطعن فيه عن طريق الإبطال. ولا بد من التذكير هنا بأن القاضي النظامي عند نظره في الطعن عن طريق الإبطال لا ينظر في موضوع الدعوى، بينما يفترض بالمحكم أو بالقاضي الذي ينظر فـي طـعـن بإعـادة المحاكمة أن يمحص في موضوع الدعوى.

   فالطعن عن طريق إعادة المحاكمة مرتبط الى حد بعيد باكتشاف نمط من أنماط الغش أو ما شابه ذلك. ولكن الوقت الذي يتم فيه اكتشاف السبب الذي يستند إليه الطعن يتحلى بأهمية بالغـة. ليس هناك من صعوبة في حالة تم اكتشاف سبب الطعن قبل صدور القرار التحكيمي. ففي هـذه الحالة يتم طرح الموضوع على الهيئة التحكيمية التي من المفترض أن تفصل فيه في قرارها. أما إذا تم اكتشاف سبب الطعن بعد صدور القرار التحكيمي فهناك احتمالان: الاحتمـال الأول هـو اكتشافه قبل انقضاء مهلة الطعن عن طريق الإبطال بالقرار التحكيمي أو أثناء النظر فـي هـذا الطعن، والاحتمال الثاني هو اكتشافه بعد انقضاء مهلة الطعن عن طريق الإبطال.

   في حالة اكتشاف سبب الطعن عن طريق إعادة المحاكمة بعد انقضاء مهلة الطعـن عـن طريق الإبطال، يكون الطعن عن طريق إعادة المحاكمة وحده متاحا شريطة توافر شروطه.

   أما في حالة اكتشاف سبب الطعن عن طريق إعادة المحاكمة قبل انقضاء مهلة الطعن عـن طريق الإبطال فإن النصوص المعمول بها قد تسمح للطرف الخاسر بولوج الطريقين معـاً، ولا سيما عندما تكون مهلة الطعن بالإبطال لم تنقض بعد، في وقت لم تنقض فيه أيضاً مهلة الطعـن بإعادة المحاكمة. فهل يمكن السماح للطرف الخاسر بولوج الطريقين معا أم يجب إلزامه بولـوج طريق الإبطال قبل طريق إعادة المحاكمة؟

   قد يكون من المنطقي القول إنه يتوجب في هذه الحالة على الطرف الخاسر البـدء بولـوج طريق الإبطال. ولكن هذا الرأي ليس بالضرورة الرأي الأصوب لأنه مبني على المبادئ التـي ترعى الطعن عن طريق إعادة المحاكمة أمام المحاكم النظامية. فالطعن بطريق إعادة المحاكمـة أمام المحاكم النظامية لا يمكن ولوجه قبل استنفاذ طرق الطعن العادية، لأن من ضـمن طـرق الطعن العادية هذه طريق الطعن عن طريق الاستئناف. أما في مجال التحكيم، فإن طريق الطعن المعتمدة هي بشكل عام الإبطال لا الاستئناف، علماً أنه لا يمكن ولوج طريق الإبطـال هـذه إلا لأسباب معينة، فيما يمكن الإدلاء بأية حجة لدى التقدم بطعن عن طريق الاستئناف. الى ذلك، فإنه لا بد من الإضافة أن طريق الطعن عن طريق الإبطال وطريق الطعن عن طريق إعادة المحاكمة لا يؤديان الى النتيجة نفسها. ففيما يؤدي الأول الى إبطال القرار التحكيمي، يؤدي الثـانـي الـى تعديله، علماً أن أسباب الإبطال تختلف عن أسباب إعادة المحاكمة، وأن مهلة الإبطال تختلف عن مهلة إعادة المحاكمة.

   والواقع أن صعوبة التوفيق من الناحية الإجرائية بين الطعن عن طريق الإبطال من جهة، والطعن عن طريق إعادة المحاكمة، من جهة أخرى، قد طرحت أمام القضاء الفرنسي من زاوية إمكانية الجمع بين الطعنين، أي إمكانية أن يقوم طرف خاسر بالتقدم في الوقت نفسه بطعن عـن طريق الإبطال ضد القرار التحكيمي أمام محكمة الاستئناف، وبطعن عن طريق إعادة المحاكمـة أمام الهيئة التحكيمية. وهذه الحالة يمكن تصورها عندما لا يتم تبليغ القرار التحكيمـي للطـرف الخاسر أو لا يتم تبليغه بشكل صحيح، إذ يمكن عندها للطرف الخاسر التقدم في الوقـت نفـسه بطعن عن طريق الإبطال وبطعن عن طريق إعادة المحاكمة ضد القرار التحكيمي نفسه.

   وقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية بهذا الخصوص في قرار صادر في 19 كانون الأول 1995، أي قبل التعديلات الأخيرة التي أدخلت على قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، أن توافر الطعن بإعادة المحاكمة لا يحول دون إمكانية الطعن بالإبطال. وقد أخذت بذلك أيضاً محكمـة الاستئناف في باريس في قرار أحدث عهداً. وتأييداً لهذا الرأي يمكن القول إن منـع الطـرف الخاسر من التقدم بطعن عن طريق إعادة المحاكمة قبل الفصل في مسألة بطلان القرار التحكيمي من شأنه إلزام الطرف الخاسر بتقديم طعن عن طريق الإبطال ضد القرار التحكيمي حتى ولـو كان يعرف سلفاً أن طعنه مردود، وذلك فقط من أجل التقدم لاحقاً بطلب إعادة محاكمة.

    ولكن محكمة استئناف باريس أصدرت بتاريخ لاحق لقرار محكمة النقض الفرنسية المذكور حكماً يخالف هذا التوجه، اعتبرت فيه أنه يتوجب إعطاء الأولوية للطعن بطريق إعادة المحاكمة على الطعن بطريق الإبطال في حال كان بالإمكان التقدم بهما سوياً استناداً إلى نفس الأسباب. وقد اعتبرت محكمة استئناف باريس في حكمها هذا أنه لا يمكن لأحد الأطراف أن يطلب منها في معرض طعن مقدم ضد قرار تحكيمي استنادا إلى الغش إعادة النظر في إلى الغش إعادة النظر في أساس الـدعوى، وإنـه يتعين على الطرف الطاعن في هذه الحالة تقديم طلب إعادة المحاكمة إلى الهيئة التحكيمية نفسها التي أصدرت القرار المشكو منه.

   إن التعديلات التي أدخلها المشترع الفرنسي عام 2011 على النصوص المتعلقة بطـرق الطعن بالأحكام التحكيمية تؤدي الى الحد بشكل كبير من هذه الصعوبات، خاصـة فـي مجـال التحكيم الدولي. فبحسب هذه النصوص، وفي أغلب الأحيان، لا يتم التقدم بالطعن عـن طريـق إعادة المحاكمة وبالطعن عن طريق الإبطال الى المرجع نفسه. ولكن إذا كانت هذه النصوص قد حدت من هذه الصعوبات، فهي لم تؤد الى إزالتها كليا، ذلك أن قانون الإجراءات المدنية الفرنسي لا يزال ينص على وجوب التقدم بالطعن عن طريق إعادة المحاكمة أمام محكمة الاستئناف فـي الحالات التي لا يمكن فيها إعادة جمع أعضاء الهيئة التحكيمية. وهذه الصعوبات عينها مطروحة في لبنان ذلك أن المادة 808 من قانون أصول المحاكمات اللبناني تحصر إمكانية التقدم بـالطعن عن طريق إعادة المحاكمة أمام محكمة الاستئناف.

  الإشكالية الإجرائية المهمة الأخرى التي تطرحها طريق الطعن عن طريق إعادة المحاكمـة بالقرارات التحكيمية تكمن في أن النصوص اللبنانية والفرنسية المتعلقة بإعادة المحاكمة التحكيمية تحيل إلى النصوص المتعلقة بطريق الطعن هذه المطبقة أمام المحاكم النظامية. فمن غير الأكيـد أن تكون هذه النصوص من الناحية الإجرائية متوافقة مع الإجراءات المتبعة في مجال التحكيم.

    ففي القانون اللبناني، مثلاً، تحيل المادة 808 من قانون أصول المحاكمـات اللبنانيـة الـى "الأسباب والشروط المعينة للطعن في الأحكام" بطريق إعادة المحاكمة. ولكن المـادة 688 مـن القانون عينه الواردة في القسم المتعلق بإعادة المحاكمة تنص على أن الطعن عن طريـق إعـادة المحاكمة "يرمي إلى الرجوع عن حكم حائز الصفة القطعية، كما تحـددها المـادة 553، لأجـل النظر في النزاع مجدداً في الواقع والقانون". أما المادة 503 المذكورة فهي تنص فـي فقرتهـا الثانية أن الحكم النهائي يكون قطعياً "عندما لا يكون أو لم يعد قابلا للطعن بطرق الطعن العادية."

   وإذا كان يمكن فهم معنى هذه المادة الأخيرة بالنسبة الى الأحكام الصادرة عـن المحـاكم النظامية، فأنه يصعب فهمها بالنسبة الى القرارات التحكيمية. فما معنى أن لا يكون قراراً تحكيمياً "قابلاً للطعن بطرق الطعن العادية"؟ وما هي طرق الطعن العادية بالنسبة إلى القرارات التحكيمية؟

  يبقى أخيراً أن نشير الى اشكاليتين إجرائيتين إضافيتين: الأولى تتعلـق بتطبيـق القـانون الفرنسي لجهة التوفيق بين طعن ضد قرار تحكيمي عن طريق إعادة المحاكمة مقدم الـى هيئـة تحكيمية، وطعن عن طريق الإبطال ضد نفس القرار التحكيمي مقدم الى محكمة الاستئناف. فماذا يحصل لو أبطلت محكمة الاستئناف القرار التحكيمي فيما هذا الأخير لا يـزال موضـع طعـن بطريق إعادة المحاكمة أمام الهيئة التحكيمية؟ وماذا لو قررت الهيئة التحكيمية قبول الطعن بإعادة المحاكمة قبل صدور قرار محكمة الاستئناف الناظرة في الإبطال؟ وما هو الحل في حالة صدور قرارات متضاربة عن هيئة التحكيم ومحكمة الاستئناف؟ أما الإشكالية الإجرائية الأخيـرة فهـي تتعلق بإمكان التنازل مسبقاً عن الطعن عن طريق إعادة المحاكمة من قبل الأطراف فـي مـتن اتفاق التحكيم الجاري بينهم. وبهذا الخصوص كانت محكمة استئناف باريس قد اعتبرت منذ فترة طويلة أن الطعن عن طريق إعادة المحاكمة لا يمكن التنازل عنه تعاقدياً، ولكن لم يتسن بعـد للمحاكم الفرنسية ان تفصل هذه النقطة في ظل النصوص الجديدة، كما لم يتسن أيـضاً للمحـاكم اللبنانية التطرق إليها.

   وفي المحصلة، فإن الطعن في القرارات التحكيمية عن طريق إعادة المحاكمة، بالرغم مـن تطور الأخذ به في بعض القوانين، لا يزال ينطوي على العديد من النقاط الغامضة. وإذا كان من الطبيعي، مع ازدهار اللجوء إلى التحكيم ومع ظهور أنواع جديدة من أنماط الغش المرتبطة بـه أن تتكاثر الحالات التي قد لا يكفي الطعن عن طريق الإبطال لمعالجتها، فإن الطعن عن طريـق إعادة المحاكمة، ككل آلية قانونية يتم تفعيلها في مجال غير المجال الذي وجدت أصلاً لكي تطبق فيه، من شأنه إثارة صعوبات قانونية مهمة، وإذا ما استمر التوجه الحالي الرامي الى تفعيل هـذه الآلية في مجال التحكيم واعتمادها في دول غير الدول التي تعتمدها حاليا، فإنه قد يكون من المفيد وضع إطار قانوني خاص لها وعدم الاكتفاء بالإحالة ـ كما هو الأمر حالياً ـ الـى النـصـوص الخاصة بإعادة المحاكمة (أو التماس إعادة النظر) الواردة في قوانين الإجراءات المدنية والتي تم وضعها أساساً لكي تطبق أمام المحاكم النظامية.