الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / أثر الحكم بالبطلان على تنفيذ الحكم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / بطلان احكام التحكيم الدولية من منظور الاختصاص الدولي والوطني / أثر الحكم بالبطلان على تنفيذ حكم التحكيم

  • الاسم

    غانم عبدالله صالح
  • تاريخ النشر

    2018-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    485
  • رقم الصفحة

    299

التفاصيل طباعة نسخ

أثر الحكم بالبطلان على تنفيذ حكم التحكيم

١ - أن يقدم طلب التنفيذ بعد مضي المدة المحددة لرفع دعوى البطلان، وهى تسعون يوما من تاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه.

٢ - ألا يتعارض حكم التحكيم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع.

٣ - ألا يتضمن حكم التحكيم ما يخالف النظام العام والأداب العامــــة فـــي جمهورية مصر العربية.

٤ - أن يكون حكم التحكيم قد أعلن إعلانا صحيحا للمحكوم عليه.

   وهذا ما يقودنا إلى التساؤل عن مدى إمكانية الاعتراف بحكم التحكيم من صدر حكم ببطلانه ومدى تنفيذه في دولة أخرى، بمعنى آخر هل يمكــن أنَّ ينفذ حكم تحكيم قضى ببطلانه في الخارج؟

   سنقوم من خلال الاجابة على هذا التساؤل بتحديد موقف الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية محل الدراسة من مسألة إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل، وذلك من خلال تحليل نصوص الاتفاقيات ذات الصلة، وبالأخص اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸ الخاصة بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، والاتفاقية الأوربية للتحكيم التجارى الدولى لعام ١٩٦١، واتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى لعام ١٩٦٥ ، واتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لعام ۱۹۸۳، واتفاقية عمان العربية للتحكيم التجارى لعام ۱۹۸۷ ، والاتفاقية الأمريكية للتحكيم التجارى الدولى العام ١٩٧٥.

   وكذلك تحليل نصوص قانون التحكيم المصرى لعام ١٩٩٤ وقانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردنى لعام ۱۹۵۲ ، وقانون التحكيم اللبناني وقانون الإجراءات المدنية الفرنسي وقانون التحكيم البلجيكي، والقانون الفيدرالي الأمريكي والقانون الألماني والقانون الهولندى للوقوف على مدى إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل وفق هذه النصوص.

أولاً: موقف الاتفاقيات الدولية والإقليمية من مسألة تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل:

(١) اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها لعام ١٩٥٨:

   ونستطيع القول بعدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الباطل بموجب بروتوكول جنيف لعام ۱۹۲۳ ، بسبب محدودية نطاق تطبيقه على تنفيذ أحكام التحكيم، حيث اقتصر على ضمان التنفيذ في الدول التي صدر فيها حكم التحكيم فقط ، وبذلك لا تثير الرقابة القضائية علــــى حـكـــم التحكيم أى مشاكل لحصرها في القضاء الوطنى وبالتالي وحدة قضاء البطلان وقضاء التنفيذ.

  وبموجب المادة (١/٢) من اتفاقية جنيف لعام ۱۹۲۷ يجب رفض تنفيذ الحكم الأجنبي الباطل وبذلك تظهر أهمية مكانة قرار محكمة بلد التحكيم.

   أما موقف اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ من الآثار المترتبة علـى القضاء ببطلان حكم التحكيم في إقليم الدولة التي صدر فيها أمام القضاء الوطني للدول الأخرى الأطراف يظهر ذلك من خلال الفقرة (هـ) من المادة (٥) حيث جاء بها "ه" - أنَّ الحكم لم يصبح ملزمًا للأطراف أو أبطلته أوأوقفته السلطة المختصة في البلاد التي فيها أو بموجب قانونها صدر الحكم".

   وكذلك سارت محكمة التمييز الأردنية في إحدى قراراتها على هذا النهج وذلك فى الحكم الصادر عنها في القضية رقم ۲۰۰۰/۲۸۰۳ والتي جاء بها أنَّ تنفيذ حكم التحكيم الصادر في فرنسا يستلزم صدور حكم قضاء فرنسي يكسبه صيغة التنفيذ وفقا لأحكام قانون تنفيذ الأحكام الاجنبية، وقد أسست المحكمة . موقفها على أن الاتفاقية تجيز رفض التنفيذ إذا تم بطلان الحكم في دولة المقر أو أنه لم يصبح نهائيًا فيها مما يعنى أن تطبيق قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردنى رقم (۱۹۵۲/۸) لا يتصادم مع الاتفاقية بل يدخل ضمن ما تسمح به نصوصها.

(۲) الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجارى الدولى لسنة ١٩٦١ (اتفاقية جنيف لعام ١٩٦١)

   لإجابة عن التساؤل الذي يثور عن مسألة إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل ؛ يمكن القول بأن اتفاقية جنيف لعام ١٩٦١ تقرر إمكانيــة تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل، وذلك عند القضاء ببطلان حكم التحكيم لسبب مختلف عن الأسباب الواردة فى المادة ١/٩ من الاتفاقية، لحصر الاتفاقية للأثر الدولى للبطلان بهذه الأسباب وانعدامه بغيرها. 

  المادة (١/٩) من اتفاقية جنيف التي تنص على حالات البطلان المتمثلة في:

أ- إذا كانت الأطراف في اتفاق التحكيم، وفقا للقانون الذي يطبق عليهم، عديمي الأهلية، أو إذا كان اتفاق التحكيم المذكور غير صحيح وفقا للقانون الذي يحكمــــه بناءً على إرادة الأطراف، وفى حالة غياب هذه الإرادة وفقًا لقانون الدولة التــي ظلها صدر الحكم.

ب- إذا كان الخصم الذي يلتمس القضاء بالبطلان لم يعلن إعلانا صحيحا بتعيين المحكمين أو بإجراءات التحكيم أو كان من المستحيل عليه، لسبب آخر أنَّ يعلـــن أوجه دفاعه.

ج- إذ صدر الحكم بشأن منازعة لم تتضمن مشارطة للتحكيم أو لا تدخل في إطــــار شرط التحكيم، أو تجاوز حدودهما فيما قضى به، ومع ذلك إذا أمكن إجراء فصل الحكم الخاص بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن الأجزاء الأخرى الخاصة بالمسائل غير الخاضعة للتحكيم، فإنَّ هذه الأجزاء الأولى لا تخضع للبطلان.

د- إذا كان تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم تمت بالمخالفة لاتفاق الأطراف، وفي حالة تخلف هذا الاتفاق، بالمخالفة لنصوص المادة الرابعة من المعاهدة الحالية.

(۳) اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار لعام ١٩٦٥:

  نصت المادة (١/٥٣) من اتفاقية واشنطن والتي أكدت علـــى عـدم الطعن في أحكام المركز أمام قضاء الدول على أنه "يكون الحكــم ملزما للطرفين ولا يمكن استئنافه بأى طريقة إلا في الحالات الواردة فـي هـذه الاتفاقية..." ، ونصت المادة (١/٥٢) من الاتفاقية على حالات الطعـن بالبطلان وبذلك فحكم التحكيم الذي يستوفى طرق الطعن المتاحة وفقًا لاتفاقية واشنطن يصبح نهائيًا غير قابل للطعن فيه بأى طريق من طرق

الطعن أمام قضاء أى دولة.

  تنص المادة (١/٥٢) من اتفاقية واشنطن على أنه: "يجوز لأى طرف من الطرفين أنَّ يقدم طلبًا كتابيًا إلى السكرتير العام لإلغاء الحكم لأى سبب من الأسباب التالية:

أ- خطأ في تشكيل المحكمة.

ب- استعمال المحكمة سلطة زائدة عن اختصاصها.

ج- عدم صلاحية عضو من أعضاء المحكمة.

د-إهمال خطير لإجراء أساسى من إجراءات المحاكمة.

هأ- فشل المحكمة في ذكر الأسباب التي بني عليها الحكم.

   ونستنتج من هذين النصين عدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل وفقا لاتفاقية واشنطن لكون الحكم الصادر من خلال المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار يعامل معاملة الحكم القضائي النهائي الصادر من قضاء الدول الأعضاء .

   فحكم التحكيم الباطل وفق أحكام الاتفاقيـــة يعتبر كأن لا وجود له وهو غير قابل للتنفيذ، وإنما ينفذ الحكم الصادر عـــن المركز المصادق عليه من السكرتير العام.

(٤) اتفاقية الرياض للتعاون القضائي لعام ۱۹۸۳:

  بالنسبة لمدى إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل وفقا لأحكام هذه الاتفاقية نستطيع القول بعدم إمكانية تنفيذ الحكم المقضى ببطلانه في دولة مقر التحكيم وذلك بسبب إلزام هذه الاتفاقية لطالب التنفيذ بالقيام بتقديم صورة معتمدة من الحكم مصحوبة بشهادة صادرة من الجهة القضائية الموجودة في المكان الذي يصدر فيه الحكم تفيد حيازته للقوة التنفيذية. 

  المادة ١/٥٤ من اتفاقية واشنطن حيث نصت على أنه تعترف كل دولة متعاقدة بالحكم الذي صدر بناء على أحكام هذه الاتفاقية وتضمن تنفيذ الالتزامات المالية التي يفرضها الحكم كما لو كان حكما نهائيًا صادرًا من محكمة محلية".

   وبالتالي يقع على عاتق طالب التنفيذ تقديم شهادة تفيد بأن الحكم أصبح نهائيًا وحائزا لقوة الأمر بالمقضى به ؛ أى أنَّ هذا الحكم لا يقبل الطعن به وذلك أما لانقضاء مواعيد الطعن أو بسبب رفض الطعن وعدم قبوله، وذلك بتقديم صورة مصدقة من الحكم القاضي بوجوب التنفيذ.

   وهذا هو أيضا موقف اتفاقية تنفيذ الأحكام في دول جامعة الدول العربية لعام ۱۹۵۲ والتي حلت محلها اتفاقية الرياض بموجب المادة ٧٢ من الاتفاقية.

  تنص المادة ٣٤ من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي على إنه: "يجب على الجهــة

التي تطلب الاعتراف بالحكم لدى أى من الأطراف المتعاقدة الأخرى أنَّ تقدم ما يلى:

أ- صورة كاملة رسمية من الحكم مصدقا على التوقيعات فيها من الجهة المختصة.

ب - شهادة بأن الحكم أصبح نهائيًا وحائزا لقوة الأمر المقضى به ما لم يكن ذلك

منصوصا عليه في الحكم ذاته.

ج- صورة من مستند تبليغ الحكم مصدقا عليها بمطابقتها للأصل أو أي مستند آخر من شأنه إثبات إعلان المدعى عليه إعلانا صحيحًا بالدعوى الصادر فيها الحكـــم وذلك في حالة الحكم الغيابي.

   وفي حالة طلب تنفيذ الحكم يضاف إلى الوثائق المذكورة أعلاه صورة مصدقة من

الحكم القاضي بوجوب التنفيذ.."

(٥) اتفاقية عمان للتحكيم التجارى لعام ١٩٨٧:

يعتبر ملزم ونهائي وواجب التنفيذ من قبل كافة الدول الأعضاء في الاتفاقية، ويعامل هذا الحكم معاملة الحكم النهائى الصادر من محاكم تلك الدول حيث لا يقبل الطعن فيه، لوجود ألية داخلية تنظمها الاتفاقية بموجب المادة (٣٤) تختص بإبطال أحكام التحكيم بناء على أسباب محددة على سبيل الحصر، وهي بذلك تستبعد الرقابة الإجرائية على حكم التحكيم وكذلك الرقابة الموضوعية باستثناء تعلق الأمر بالنظام العام في البلد المراد وتنفيذ الحكم فيه .

(٦) الاتفاقية الأمريكية للتحكيم التجارى الدولى: 

  إما عند صدور الحكم ببطلان حكم التحكيم في دولة مقر التحكيم، فإنَّ ذلك يعد وبموجب المادة (٥/٥) من الاتفاقية سببًا لرفض تنفيذ هذا الحكم فــــي الدول الأعضاء في الاتفاقية.

   ونستنتج من ذلك عدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل بموجب الاتفاقية الأمريكية للتحكيم التجارى الدولى، وذلك بالاعتماد على نص المادة (٥/هـ) والمادة 4 من الاتفاقية.

ثانياً: موقف القوانين الوطنية من إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبى الباطل:

   بعد أنَّ قمنا بعرض موقف أهم الاتفاقيات الدولية والاقليمية من مسألة إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل ، ستقوم بعرض موقف التشريعات الوطنية من هذه المسألة، وذلك لكون أغلب الاتفاقيات لا تحرم أي طرف من حقه في الاستفادة من حكم التحكيم الأجنبي بالقدر المقرر في تشريع البلاد المطلوب إليه الاعتراف والتنفيذ.

1 - موقف القانون المصرى:

   اشترط قانون التحكيم المصرى رقم ۱۹۹٤/٢٧ وبموجب نص المادة ٢/٥٨ منه الشروط اللازمة لتنفيذ حكم التحكيم، حيث نصت على أنه:

  "لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقا لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتي:

أ- أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع.

ب- بأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام فى جمهورية مصر العربية.

ج- أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلانا صحيحاً.

 أما قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم ١٣ لسنة ١٨٦٨، والذي يحكم تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية التي تصدر في الخارج، ومن خلال المادة ۳/۲۹۸ منه، والتي اشترطت لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي أن يكون نهائيا وحائزا لقوة الأمر المقضى به، وبذلك نصل إلى نتيجة عدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل فى مصر وفقا لأحكام قانون المرافعات المصرى.

۲ - موقف القانون الأردني:

   وضعت المادة (۷) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم 8 لسنة ۱۹۵۸ أسباب خاصة عند توافرها يتم رفض طلب تنفيذ الأحكام الأجنبية، ومن ضمن هذه الأسباب ما جاء في الفقرة (هـ) حيث نصت "إذا اقتنع المحكوم عليه المحكمة بأن الحكم لم يكتسب بعد الصورة القطعية".

   يتضح من خلال هذا النص أنه يجب أن يتمتع حكم التحكيم بقوة الأمر المقضى به وفقا لقانون الدولة التي صدر فيها لكي يتم تنفيذه فـــي الأردن ؛ أى يجب أن يكون هذا الحكم نهائى وقطعي، وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية في أحد حكامها بقولها "أن الفقرة (هـ) من المادة السبعة من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية قد ألقت عبء إثبات أنَّ الحكم لم يكتسب بعد الصورة القطعية على عاتق المحكوم عليه".

٣- القانون اللبناني

   حددت المادة (۱۸) من قانون تنفيذ الأحكام والقرارات التحكيمية والندوات الأجنبية اللبنانية لسنة ١٩٦٧(۱) أسباب رفض تنفيذ حكم التحكيم، حيث نصت على أنه "لا يجوز الاعتراف بالقرار التحكيمي الأجنبي ولا منحه الصيغة التنفيذية إذا اثبت المحكوم عليه تحقق أحد الأمور التالية:

أ- صدور القرار التحكيمي استنادًا إلى عقد أو بند تحكيمي غيـر حسب القانون الذي يخضع له هذا العقد أو البند.

ب- بتناول القرار التحكيمى نزاعاً خارجاً عن موضوع التحكيم أو متجاوزا نطاقه وففى هذه الحالة يمكن قصر الاعتراف أو منح الصيغة التنفيذية على فقرات القرار التحكيمي الصادرة فى نطاق التحكيم، والقابلة للانفصال عن الفقرات الأخرى.

ج- تأليف الهيئة التحكيمية أو إجراء المحاكمة لديها بصورة مخالفة للقانون الذي يخضع له القرار.

د- عدم تبليغ إجراءات المحاكمة التحكيمية إلى المحكوم عليه أو عدم تمكينه من الدفاع عن حقوقه.

هـ - عدم إبرام القرار التحكيمي وفقًا لقانون البلد الذي يخضع له القرار إلا إذا كان من القرارات المؤقتة القابلة للتنفيذ حسب أحكام القانون المشار إليه.

و - إبطال أو وقف مفاعيل القرار التحكيمي في البلد الذي يخضع له القرار على أنَّ للمحكمة فى هذه الحالة أنَّ تؤجل البت فى الطلب إذا وجدت مبررا لذلك.

ز - عدم قابلية موضوع النزاع للتحكيم حسب أحكام القانون اللبناني"

   وحررت أيضا المادة (۲۲) المستندات التي يجب إرفاقها بطلب إعطاء القرار التحكيمي الأجنبي الصيغة التنفيذية، وهى أن يبرز:

أ- النص الأصلى للقرار أو نسخة عنه تتوفر فيها الشروط المفروضة لصحتها بقانون البلد الذي صدر فيه.

ب- الأوراق المثبتة لاكتساب هذا القرار القوة التنفيذية وفقا للقانون الذى رعاه.

ج - المستندات التي تثبت أنَّ أوراق المحاكمة قد أبلغت إلى المدعى عليه إذا كان صادرا بالصورة الغيابية.

د - ترجمة مطابقة لأصل المستندات المدرجة أعلاه ومصدقة وفقا لأحكــام القانون اللبناني.

   ومن خلال النصوص القانونية السابقة وبالأخص الفقرة (و) من المادة (۱۸) والتى اعتبرت أبطال الحكم أو وقف مفاعيل الحكم في البلد الذي يخضع له الحكم من أسباب رفض تنفيذ حكم التحكيم في لبنان.

    وكذلك نص الفقرة (ب) من المادة (۲۲) والتي اشترطت تقديم الأوراق التي تثبت أكتساب حكم التحكيم القوة التنفيذية في البلد الذي صدر فيه لكي يتم تنفيذه في لبنان.

  نستنتج؛ عدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي المقضى ببطلانه في دولة مقر التحكيم عند تقديم طلب لتنفيذه في لبنان.

   ونجد أيضا أنَّ كل من القانون السوري والليبى والأمارتي والقطري والكويتى قد اشترطت لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي أن يكون نهائيًا وحائزا لقوة الأمر المقضى به، وبالتالي عدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي المقضـــــى ببطلانه في هذه الدول.

٤ - القانون الفرنسي:

   وقد أحالت المادة (۱۵۲۲) إلى المادة (١٥۲۰) في شأن هذه الحالات كما يلي:

أ- إذا المحكم قد حكم، دون اتفاق تحكيم أو بناء على اتفاق باطل أو انتهت مدته.

ب-  إذا كانت محكمة التحكيم قد شكلت تشكيلا غير شرعي أو لـم يـتم تعيين المحكم الوحيد بشكل شرعي.

ج- إذا كان المحكم قد فصل في النزاع دون التقيد بالمهمة التحكيمية التي عهد بها إليه.

د - إذا لم يكن قد تم احترام مبدأ المواجهة.

هـ- إذا كان الاعتراف بالحكم التحكيمي أو تنفيذه مخالف للنظام العام الدولي".

   وتطبق المادة ( ١٥٢٠) على الأحكام الدولية الصادرة خارج فرنسا وكذلك الأحكام الأجنبية، عند الطعن على قرار الاعتراف أو منح حكم التحكيم الصيغة التنفيذية، وهذه ما اتفق عليه الفقه والقضاء الفرنسي، وذلك لاعتبار المشرع الفرنسي أن أسباب إبطال أحكام التحكيم والمنصوص عليــــه في المادة (١٥۲۰) هي نفسها الأسباب التي يجب على قاضي التنفيذ مراعاتها عند الاعتراف وتنفيذ الحكم الأجنبي.

٥ - القانون البلجيكي

  حددت المادة ۱۷۲۱ بفقرتها الأولى من القانون القضائي البلجيكـــــي المعدل لعام ۲۰۱۳ أسباب رفض التنفيذ وبذلك فهذه المادة لم تنص على أنَّ القضاء ببطلان حكم التحكيم في الدولة التي صدر فيها أو في الدولــة التـــــي صدر طبقًا لقوانينها سببًا لرفض التنفيذ في بلجيكا.

   وبذلك نستطيع القول بأن القانون البلجيكي لا يمنع تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل؛ وذلك لأنه ليس من ضمن أسباب رفض التنفيذ التي نصت عليها المادة ١٧٢١.

٦ - القانون الفيدرالي الأمريكي.

   تسوى على الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها اتفاقية نيويورك التي تم ادماجها فى البابين الثاني والثالث من قانون التحكيم الفيدرالي عام ۱۹۷۰، وذلك من خلال نص المادة ۲۰۷ منه والتي تلزم المحاكم الأمريكية، تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي إلا إذا ثبت لها وجود إحدى حالات الرفض المنصوص عليها في المادة (٥) من الاتفاقية سابقة البيان.

   ومن خلال ذلك نستنتج عدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال نص المادة ٢٠٧ والتي توجب رفض التنفيذ الحكم التحكيم الأجنبي إذا ثبت إحدى حالات رفض التنفيذ المنصوص عليها في اتفاقية نيويورك، وبالتالي تفعيل نص المادة (١/٥/هـ ) من اتفاقية نيويورك 

٧- القانون الألماني:

   نصت المادة ٣/١٠٦١ من قانون الإجراءات المدنية الألماني الجديد على أنه: "إذا ألغى الحكم بالخارج بعد إعلانه نافذاً، يجوز تقديم طلب ببطلان إعلان قابليته للنفاذ".

   وبذلك يكون القانون الألماني قد وضع حدًا لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الباطلة ومنع تنفيذها عند تقديم طلب بتنفيذ مثل هذه الأحكـام فـــي ألمانيا.

٨ - القانون الهولندي:

    بموجب نص المادة (١٠٧٦/أ (هأ) لا يعتبر بطلان حكم التحكيم خارج هولندا سببًا لرفض الاعتراف به وتنفيذه في هولندا، وأنه يجوز وفقا لحكـــم هذه المادة رفض الاعتراف والتنفيذ إذا أوقف تنفيذه.

ثالثاً: موقف القضاء المقارن من تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة:

  ستقوم بسرد موقف كل من القضاء الفرنسي والامريكي والنمساوى والألماني والبلجيكي والهولندى والتشيلي من تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الباطلة في دولة مقر التحكيم.

(۱) موقف القضاء الفرنسي:

   اتجه القضاء في فرنسا فى أواخر القرن الماضي نحو الاعتراف بأحكام التحكيم التي صدر حكم ببطلانها في دولة مقر التحكيم، وذلك على الرغم من أنَّ المادة (٥/١/٥) من اتفاقية نيويورك قد نصت على أنَّ صدور حكم ببطلان حكم التحكيم في دولة المقر يعتبر سببًا من أسباب رفض التنفيذ.

  وقد استند القضاء الفرنسي في ذلك إلى أنَّ نصوص اتفاقية نيويورك تعتبر هي الحد الأدنى المتطلب لصالح الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها، وبالتالي فهي لا تحول دون إعمال التشريعات الداخلية التي تشتمل على نصوص أفضل لصالح الاعتراف باحكام التحكيم وتنفيذها، وبالتــــالـي فـهــــي تحول جون إعمال التشريعات الداخلية التى تشتمل على نصـــوص أفضل لصالح الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها، فقد منحت المادة (۱/۷) من الاتفاقية الأطراف الحق في الاستفادة من قانون بلد مقر التنفيذ إذا كان ينطوي على قواعد أيسر لتنفيذ أحكام التحكيم.

   وسوف نقوم فيما يلى باستعراض موقف محكمة النقض الفرنسية في هذا الصدد والحجج التي استندت إليها، وذلك في محاولة للرد عليها وتفنيدها.

أ - موقف محكمة النقض الفرنسية والحجج التي استندت إليها :

  أرست محكمة النقض الفرنسية مبدأ جواز تنفيذ أحكام التحكيم التي تم إبطالها في الخارج من خلال سلسلة من الأحكام المتتابعة التي أكدت فيهـا على أنَّ اتفاقية نيويورك تمثل الحد الأدنى من الحماية المطلوبة للاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها، وأنه يجوز للأطراف دائما الاستفادة من التشريعات الداخلية التي تكون أكثر يسرا وتشجيعًا على الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها، وفيما يلى عرض مختصر لهذه الأحكام والحجج التي استندت إليها محكمة النقض الفرنسية.

قضية Norsolor:

   بدأ القضاء الفرنسى فى السماح بتنفيذ أحكام التحكيم التي تم إبطالها في الخارج عام ۱۹۸٤ حين قامت محكمة النقض الفرنسية برفض حكم محكمة استئناف باريس الصادر في قضية Norsolor، والذي رفض تنفيذ حكم تحكيم صادر في النمسا ؛ لأنه قد حكم ببطلانه من قبل القضاء النمساوى، وذلك وفقًا لنص المادة ٥/١/٥هـ) من اتفاقية نيويورك .

   وذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أنه وفقا لنص المادة (۱/۷) من اتفاقية نيويورك يجوز للقضاء في الدولة المطلوب فيها التنفيذ أنَّ يأمر بالتنفيذ على الرغم من وجود أحد موانع التنفيذ التي تنص عليها الاتفاقية إذا كـــان قانون التحكيم في تلك الدولة ينص على شروط أكثر يسرا لتنفيذ أحكام التحكيم من تلك المنصوص عليها في الاتفاقية، وبما أن المادة (١٥٠٢) من قانون التحكيم الفرنسى لا تنص على أن بطلان حكم التحكيم في دولة المقر يعتبر سببًا من أسباب رفض التنفيذ، وجب تطبيق أحكام هذا القانون حيث أنه ينص على شروط أكثر يسرا لتنفيذ أحكام التحكيم من تلك التي نصت عليها اتفاقية نيويورك .

قضية Polish ocean line:

   وفي حكم آخر لها عام ۱۹۹۳ قضت محكمة النقض الفرنسية بتأييد حكم محكمة ثانى درجة عندما قضى بتنفيذ حكم تحكيم صادر في بولندا وتم بطلانه أيضا في بولندا.

   وأكدت محكمة النقض الفرنسية على أنه لا يجوز رفض تنفيذ حكم التحكيم على أساس المادة (٥/١/٥) من اتفاقية نيويورك؛ حيث إن المادة (۱/۷) من الاتفاقية لا تحرم الدول الأطراف من تطبيق قوانينها الداخلية إذا كانت تنص على إجراءات وشروط أكثر يسرا لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وبالتالي لا يجوز للمحاكم الفرنسية أن ترفض تنفيذ حكم التحكيم الذي تم إبطاله فى دولة المقر، حيث إنَّ هذا المانع وإن كان منصوصا عليه في المادة (/١/٥هـ) من الاتفاقية، فإنه غير منصوص عليه في المادة (١٥٠٢) مــن قانون المرافعات الفرنسي، وبالتالي فالنص الأخير أولى بالاتباع حيث أنه أكثر يسرا من السابق .

قضية Hilmarton:

   كذلك أكدت محكمة النقض الفرنسية عام ١٩٩٤ في قضية Hilmarton على ذات المبدأ حين أبدت حكم محكمة ثاني درجة حين قضى بتنفيذ حكم تحكيم صدر وأبطل فى سويسرا؛ فقضت المحكمة بأنه طالما كان حكم التحكيم دوليًا فإنه يصبح حرا طليقا غير مرتبط بنظام قانوني لدولـــة بعينها، وبالتالي إذا تم إبطاله من قبل القضاء في دولة المقر فإنَّ حكم البطلان هذا لا يلزم القضاء الفرنسى طالما أنَّ سبب البطلان غير منصوص عليه في القانون الفرنسي .

ب- نقد موقف القضاء الفرنسي

   انتقد كثير من الفقه موقف القضاء الفرنسي من الاعتراف بأحكام التحكيم التي تم إيطالها فى الخارج ؛ وذلك لعدم سلامته من الناحية القانونية فمن بين الانتقادات.

• تركيز الاختصاص بنظر دعوى البطلان القضاء دولة المقر :

   ومما يؤكد على ذلك أنَّ المادة (/١/٥هـ) تقضى بعدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الذي تم إبطاله في دولة المقر ؛ فقصر الاختصاص بنظر دعوى البطلان على دولة المقر وردها يحقق نوعًا من الانسجام والتنسيق علــى المستوى الدولى ويمنع وقوع حالات تنازع الاختصاص وتناقض الأحكام، كذلك فإنه بالرجوع إلى نص المادة (٦) من الاتفاقية؛ نجد أنها قد أعطت المحاكم في الدولة المطلوب إليها التنفيذ الحق في وقف تنفيذ حكم التحكيم إذا كان هذا الحكم قد طلب إلغاؤه أو وقفه أمام محاكم دولة المقر، وهو ما يعنى أنَّ الاتفاقية قد أرادت حماية الظرف المحكوم عليه من احتمال تنفيذ حكم تحكيم قد يصدر حكم ببطلانه في دولة المقر ، فهي بذلك تفترض أنــه علــى الدول الأعضاء احترام حكم البطلان الصادر في دولة مقر التحكيم، وعليها

الامتناع عن تنفيذ حكم التحكيم إذا صدر حكم ببطلانه بالفعل.

(۲) موقف القضاء الأمريكي:

   تعرض القضاء الأمريكي لأول مرة لمسألة مدى إمكانية تنفيذ أحكام التحكيم التي تم إبطالها في دولة المقر عام ۱۹۹٦ فى قضية Chromalloy الشهيرة والتي كانت الحكومة المصرية طرفا فيها .

الحكم والحجج التي استند عليها:

   رفض القضاء الأمريكي طلب الطرف المصرى بوقف التنفيذ، وقضى بتنفيذ حكم التحكيم على الرغم من صدور حكم بالبطلان في مصر-و استند القضاء الأمريكي في ذلك إلى أربع حجج أساسية:

- عدم إلزامية نص المادة (٥) من اتفاقية نيويورك، وتبنى القضاء الأمريكي على ذلك أنَّ القضاء غير ملتزم برفض تنفيذ حكم التحكيم حتى في حالة توافر إحدى حالات رفض التنفيذ المنصوص عليها في المـــــادة (٥)، فإذا كانت المادة (/١/٥هـ) تنص على عدم تنفيذ الحكم الذي قضــــــي ببطلانه في دولة مقر التحكيم، فإنَّ ذلك ليس إلزاميًا وإنما يخضع فـــي النهاية إلى السلطة التقديرية لمحاكم دولة التنفيذ التى لها الحق في تنفيذ الحكم على الرغم من ذلك.

- صياغة شرط التحكيم : استند القضاء الأمريكي أيضا على الصياغة التي ظهر بها شرط التحكيم في هذه الدعوى؛ فشرط التحكيم المبرم بين الطرفين والذى كان ينص على أن يكون حكم التحكيم نهائيا وملزما للطرفين ولا يجوز الطعن فيه أمام القضاء بالاستئناف أو بأي وسيلة أخرى"، حيث فسر القضاء الأمريكى تلك العبارة على أنها تحرم الأطراف من الحق في اللجوء إلى القضاء للطعن بالبطلان، ومن هنـا يعتبر القضاء المصرى غير مختص بنظر دعوى البطلان ولا يجب الاعتداد بحكمه.

   حكم البطلان المصرى يقوم على أساس المصلحة الوطنية، حيث انتقدت المحكمة الأمريكية بشدة موقف القضاء المصرى واصفة إياه بالمريب، إذ أنه قد قام بإبطال حكم التحكيم على أساس الخطأ في تطبيق القانون وهو سبب لم تنص عليه اتفاقية نيويورك، كما لم تنص عليه المادة ١٠ من قانون التحكيم الفيدرالي، وبالتالي لا يجوز الاعتراف به .

- عدم سلامة تفسير نص المادة (٥) من الاتفاقية على أنها غير ملزمه:

   ليس صحيحًا ما ذهب إليه القضاء الأمريكي من أنَّ المادة (٥) مـــن اتفاقية نيويورك ليست ملزمة، أو أنها تمنح المحاكم في دولة التنفيذ سلطة تقديرية في تنفيذ أحكام التحكيم على الرغم من توافر أحد أسباب رفض التنفيذ المنصوص عليها في الاتفاقية.  ودليل ذلك أن قانون التحكيم الفيدرالي ذاته عند الحديث عن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية فى المادة (۲۰۷) لم يستخدم لفظ (may) وإنما استخدم لفظ (shall) والتي تعنى "يجب"؛ فنجد أنَّ المادة (۲۰۷) من الباب الثانى لقانون التحكيم الفيدرالي والذي يتعلق بتنفيذ أحكام نيويورك، قد نصت على أنه يجب على المحكمة أنَّ تستصدر أمراً بتنفيذ حكم التحكيم ما لم نجد واحدًا من أسباب رفض أو تأجيل الاعتراف بالحكم أو تنفيذه وفقا للاتفاقية المذكورة".

القانون الأمريكي لا ينطوى على نصوص أيسر من اتفاقية نيويورك:

  حاول القضاء الأمريكي الاستناد من نص المادة (١/٧) من اتفاقية نيويورك محاكيًا في ذلك نظيره الفرنسي - لاستبعاد أحكام الاتفاقية وتطبيق المادة (١٠) من قانون التحكيم الفيدرالي بدلا منها بدعوى أنَّ المادة الأخيرة تنعى على شروط أكثر يسرًا لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية من تلك المنصوص عليها فى المادة (١/٥) ، وهو ما يعد موقفا غير سديد ويفتقر إلى أي أساس من القانون.

   يجرى نص المادة (۲۰۷) على النحو التالي يجوز لأى طرف من أطراف التحكيم أنَّ يتقدم بطلب إلى المحكمة المختصة وفقا لهذا الباب لاستصدار أمر بتنفيذ حكم التحكيم الخاضع لهذا الاتفاقية وذلك خلال ٣ سنوات من تاريخ صدور هذا ويجب على المحكمة فى هذه الحالة أنَّ تستصدر أمر بتنفيذ..

   فقد نص قانون التحكيم الفيدرالى فى المادة (۲۰۱) من على أن "اتفاقية الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها الصادرة في يونية ١٩٥٨ تعتبر نافذة في الولايات المتحدة الأمريكية وفقًا لاحكام هذا الباب (الباب الثاني) ثم جاء نص المادة (۲۰۷) منه والتى تتعلق بأسباب رفض التنفيذ على أنه "... ويجب على المحكمة في هذه الحالة أن تستصدر أمرًا بتنفيذ هذا الحكم ما لم تجد واحدًا من أسباب رفض أو تأجيل الاعتراف بالحكم أو تنفيذه وفقا للاتفاقية المذكورة".

   وقد جانب القضاء الأمريكى الصواب مرة أخرى حينما حاول التنصل من المادة (٥) من الاتفاقية وتطبيق المادة (۱۰) من قانون التحكيم الداخلى بدلا منها ؛ فمن المعروف أنَّ المادة (۱۰) تقع في الباب الأول من قانون التحكيم الفيدرالي - وهو الباب الذي ينظم التحكيم الداخلي- وتتعلق هذه المادة بأسباب بطلان أحكام التحكيم الداخلية وليس أسباب رفض التنفيذ.

   صياغة شرط التحكيم لا تحرم الأطراف من الطعن بالبطلان؛ فمن المسلم به أنَّ الاتفاق على أنَّ يكون حكم التحكيم نهائيًا" وملزمًا للطرفين ولا يجوز الطعن عليه أمام القضاء بالاستئناف أو بأى وسيلة أخرى" لا يمتد ليشمل دعوى البطلان وهذا ما درجت عليه المحاكم الأمريكية ذاتها في العديد من الأحكام ، وعلى ذلك فاستناد القضاء الأمريكي إلى عبارة "نهائيًا وملزماً" للقول بعدم اختصاص القضاء المصرى بنظر دعوى البطلان هو قول غير سديد ويناقص صريح قانون التحكيم المصرى (١/٥٤) بل ويناقض أحكام القضاء الأمريكي ذاته.

تطبيقات قضائية لموقف بعض التشريعات الأجنبية الأخرى من تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة:

(أ) القضاء البلجيكي:

   ورفضت المحكمة الأخذ بالدفع المقدم من الطرف المعارض للتنفيذ استنادًا على كون الجزائر في الوقت الذي صدر فيه الحكم لم تكن قد انضمت بعد إلى اتفاقية نيويورك .

   وقد أيدت محكمة استئناف بروكسل ذلك بحكم صادر منها بتاريخ ۱۹۹۰/۱/۹

- الحكم الصادر بتاريخ ١٩٩٦/١/٢٥ من محكمة بروكسل بتنفيذ الحكــــم التحكيمي الصادر في الأردن سنة ١٩٩٤ والذى حكم فيه على الشركة العربية لضمان الاستثمار والتى تمسكت بدفع يتعلق بحجة الحكم في الأردن.

   وبتاريخ ۱۹۹۷/۱/۲٤ أيدت محكمة استئناف بروكسل الأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي، وقررت أنَّ اتفاق التحكيم يشترط أنَّ تنفيذ أحكام التحكيم في البلد الذي يبحث فيه أمر تنفيذها، وأن قانون البلد الذي صدر فيه الحكــم لا يكون ملائما منذ هذه اللحظة.

   ومن خلال الحكمين السابقين، نلاحظ أنَّ القضاء البلجيكي يعترف بحكم التحكيم وينفذه رغم القضاء ببطلانه في الدولة التي صدر فيها أو صدر طبقًا لقوانينها معتمدًا على نص المادة ۱۷۲۳ من القانون القضائي البلجيكي (المادة ۱۷۲۱ من القانون القضائي المعدل لعام ۲۰۱۳) والتي لم تنص على أنَّ القضاء ببطلان حكم التحكيم سببًا لرفض تنفيذ هذا الحكم في بلجيكا وبذلك يكون القضاء البلجيكي قد سار على نهج القضاء الفرنسي بالاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه رغم القضاء ببطلانه.

(ب) القضاء النمساوي :

  لقد طبق هذا القضاء نفس الحل الذي أرساه القضاء الفرنسي، ولكـــن استنادًا إلى نص المادة (۱/۹) من الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجارى الدولى لعام ١٩٦١ ، وذلك في قضية Kajo.

الوقائع :

  بموجب عقد أبرم بتاريخ ۱۹۷۰/۱۱/۲٤ قامت الشركة النمساوية Kajo بالترخيص حصريًا للشركة اليوغوسلافية Radenska بإنتاج وبيع مشروب يسمى Deit في يوغوسلافيا وقد نص العقد على أنَّ تقوم الشركة اليوغوسلافية بشراء مجموع المكونات اللازمة لتصنيع هذا المشروب حصريًا من الشركة النمساوية .

   وفى سنة ۱۹۸۱ اعترضت شركة Kajo بأن شركة Radenska اليوغوسلافية لم تحترم هذا الالتزام، وفى سنة ۱۹۸۲ قامت شركة Radenska بإنهاء هذا العقد من جانب واحد.

  وبتاريخ ۱۹۸٨/٧/٧ أصدرت هيئة التحكيم قرارها بإلزام الشركة اليوغوسلافية Radenska بدفع تعويض للشركة النمساوية Kajo يقدر بحوالي ٣٠ مليون Schillings نمساوى فضلًا عن فوائد تأخير سعر ۸%   تحسب من تاريخ بدء التحكيم وذلك نتيجة الإخلال بشروط العقد.

  إلا أنَّ الشركة اليوغسلافية Radenska قامت برفع دعوى بطلان ضد هذا الحكم أمام محكمة أول درجة في Murska sobata والتي أصدرت حكمها بتاريخ ۱۹۸٩/٤/١٣ برفض دعوى Radenska وتأييد الحكم. وقد أيدت محكمة استئناف حكم أول درجة ولـم تـرض الشركة اليوغسلافية بهذا الحكم وطعنت بالنقض أمام المحكمة العليا السلوفينيا والتي قضت ببطلان حكم التحكيم.

   وبالرغم من ذلك تقدمت شركة Kajo النمساوية بطلب لتنفيذ حكم التحكيم الصادر لصالحها في النمسا لدى محكمة Bad Radkersburg والتي أصدرت أمر بتنفيذ هذا الحكم، وقد طعنت شركة Radenska بهـذا الحكم لدى محكمة استئناف Graz والتي أصدرت حكمًا لصالح الشركة اليوغسلافية مقررة أنَّ " بطلان الحكم التحكيمي من جانب المحكمــة العليـــا لسلوفينيا يجعل من المستحيل تنفيذه في النمسا "

   إلا أنَّ شركة Kajo لم تقف عند هذا الحد وتقدمت بطعن بالنقض لدى المحكمة العليا النمساوية والتي قررت بتاريخ ١٩٩٣/١٠/٢٠ إلغاء حكم محكمة استئناف ،Graz ، و الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه على الرغم من القضاء ببطلانه من جانب المحكمة العليا لسلوفينيا.

   وذلك على سند أنَّ البطلان الذي يحكم به في إحدى الدول المتعاقدة لحكم التحكيم يخضع للاتفاقية الأوروبية لايشكل وفقا للمادة ١/٩ مـن الاتفاقية.

(ج) القضاء الهولندي:

   إلا أنَّ القضاء الهولندى عدل عن هذا الاتجاه، حيث قضت محكمة الاستئناف بأمستردام بأن الحكم الصادر في روسيا بإبطال حكم التحكيم صادر فيها لا أثر له بالنسبة لتنفيذه في هولندا وهذا لا يمنع من استصدار أمر بتنفيذه في هولندا، وأستندت المحكمة في حكمها إلى أنَّ النظام القضائي الروسي يتوجه وفقا لمصالح الدولة الروسية، فهو عندما أبطل الحكم له يكن حياديًا ومستقلاً. 

   وبذلك يكون القضاء الهولندى قد سار على نهج القضاء الفرنسي في تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الباطلة في دولة مقر التحكيم. 

(د) القضاء الألماني :

   تظهر المحاكم الألمانية احترامًا كبيرًا لوضع حكم التحكيم في دولـــة المقر، وذلك باعتمادها على القسم ۳/۱٠١٦ من قانون الإجراءات المدنية الأماني الجديد، والذي ينص على أنه " إذا إلغى الحكم بالخارج بعد إعلانــــه نافذا يجوز تقديم طلب ببطلان إعلان قابليته للنفاذ ". 

   تطبيقا لهذا النهج أصدرت المحكمة العليا الإقليمية في Rostock ألمانيا حكمًا برفض تنفيذ حكم التحكيم الصادر في روسيا بشأن النزاع الناشئ عن عقد لإصلاح إحدى السفن البحرية، استنادًا إلى أنَّ هذا الحكــم قــد تــم القضاء ببطلانه عن طريق إحدى المحاكم الروسية.

  إلا أنه وبعد صدور حكم المحكمة الألمانية بالرفض والتنفيذ، أصدرت المحكمة العليا في الاتحاد الروسي حكما نهائيًا بتأييد حكم التحكيم الذي سبق القضاء ببطلانه، ونتيجة لذلك، قضت المحكمة العليا الألمانية بإلغاء الحكم الذى سبق أنَّ أصدرته محكمة Rostock مقرره وجود إعلان حكم التحكيم واجب التنفيذ نظراً إلى أنَّ المحاكم الروسية قد قضت بأنه حكم ملزم .

   وبذلك يتضح تركيز القضاء الألماني عند تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية على الوضع القانوني للحكم التحكيمي داخل دولة مقر التحكيم وتأكيده على أنه لا يمكن عزل حكم التحكيم عن النظام القضائي للدولة التي صدر فيهـا، وبالتالي عدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم المقضى ببطلانه في ألمانيا. 

(هـ) القضاء التشيلي :

  قضت المحكمة العليا في تشيلي بتاريخ ٨ سبتمبر ۲۰۱۱ برفض إصدار أمر التنفيذ لحكم التحكيم صدر في الأرجنتين بـيـن كـــل مــن International v. Endesa lation Americana بسبب أبطل هذا الحكم من خلال المحكمة المختصة في الأرجنتين، وقد استندت المحكمة العليا فــــي تشيلى على أحكام اتفاقية نيويورك التي تشترط لتنفيذ الحكم الأجنبي أن يكون فعال " EFFECTIVE " وأضاف الحكم أنه يعتبر مخالفا لقواعد الاستوبل " ESOPPEL " الطرف الذي يطالب بإبطال حكم التحكيم في بلد إصداره، ثم بعد إبطاله يطلب أمرًا بتنفيذه .

رابعا : موقف الفقه المقارن من تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة : 

  اختلفت ردود فعل الفقه حول موقف القضاء في فرنسا والولايات المتحدة من تجاهل نص المادة (٥/١/٥) من اتفاقية نيويورك والسماح بالاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها على الرغم من صدور حكم ببطلانها في دولة مقر التحكيم.

   وسنقوم بعرض موقف الفقه من هذه المسألة في أمريكا والذي انقسم إلى اتجاه مؤيد لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل واتجاه معارض أو رافض للتنفيذ، وذلك على النحو التالي : 

(١) الاتجاه المؤيد لتنفيذ الأحكام التي تقرر بطلانها في الخارج في أمريكا :

أ - دولة التنفيذ هى صاحبة المصلحة الأولى فى الرقابة على حكم التحكيم

   يرى الفقة المؤيد لتنفيذ أحكام التحكيم التي تقرر بطلانها في دولــة مقر التحكيم أنَّ القضاء في دولة التنفيذ هو صاحب المصلحة الأولى والحقيقية في الرقابة على حكم التحكيم، إذ أنَّ هذه الدولة هي التي سوف ينفذ الحكم على أراضيها وعلى أصول موجودة بها، بالإضافة إلى ما يتطلبه التنفيذ من تدخل رجال السلطة العامة فى هذه الدولة، وبالتالي فالقضاء في تلك الدولة هو الذى يجب أنَّ يخول سلطة الرقابة على حكم التحكيم قبل أنَّ يحكم بقبول رفض تنفيذه، وذلك دون أن يعير أى إهتمام لما قضى بـه فــي دولة المقر من حيث صحة أو بطلان حكم التحكيم. 

ب - الحد من أحكام البطلان الصادرة على أساس المصلحة الوطنية

    يستند هذا الرأى أيضا إلى أنَّ السماح للدول بتنفيذ أحكام التحكيم التي تم إبطالها في دولة المقر سوف يؤدى إلى الحد من أحكام البطلان التي تصدر على أساس المصلحة الوطنية، فالأجهزة القضائية في بعض الدول النامية ليست على الدرجة الكافية من الاستقلال في مواجهة السلطة السياسية، فهو يتجه وسوء نية وبشكل تعسفى، لإبطال أحكام التحكيم الصـــــادرة ضـــــد مصلحة الجهات الحكومية أو ضد أحد رعايا الدولة، وذلك بهدف المصادرة على الحكم وتجريدة من أى قوة تنفيذية فى الخارج، وبالتالي حرمان الدول الأخرى من الاعتراف به أو تنفيذه. 

   وبالتالي فمنح الدول حرية تنفيذ أحكام التحكيم التي تم إبطالهــا فـــي دولة أخرى - من وجهة نظر هذا الرأى - سوف يسد الباب على قضاء مثل هذه الدول أنَّ يصدر أحكامًا تعسفية بالبطلان بهدف حماية مصالحها ومصالح رعاياها وبهدف تجريدها من أي حجية في الخارج. 

  ويسترسل هذا الرأى مؤكدًا على أن عدم الاعتداد بأحكام البطلان الصادرة في دولة المقر سوف يشجع العديد من الأطراف والمستثمرين على اختیار دول العالم الثالث كمقر للتحكيم على الرغم من علمهم بما قد تعانى منه قوانين تلك البلاد من قصور أو ما تتجه إليه المحاكم هناك من إصـــدار أحكام تعسفية بالبطلان إذا ما تعارض الحكم مع مصالح دولته، فأطراف التحكيم سوف يكونون على ثقة من أنَّ حكم البطلان الصادر عن تلك الدولة لن يكون له حجية فى الخارج ولن يؤدى إلى تجريد حكم التحكيم من قيمته عن طريق منع تنفيذه فى الخارج، فحكم البطلان - إذا كان تعسفيًا أو صادرا بسوء نية لن يؤدى إلى شل العملية التحكيمية بأي حال من الأحوال.

ج - تشجيع الدول على مواكبة التطور السريع الذى يلحق بنظام التحكيم 

   يرى البعض كذلك أنَّ عدم الاعتداد بأحكام البطلان الصادرة في دولة المقر سوف يؤدى إلى تشجيع الدول المختلفة إلى تعديل قوانينها لمواكبة التطور السريع الذي يلحق بنظام التحكيم بحيث تقوم الدول النامية بتحديث قوانين التحكيم الخاصة بها لتنص على أسباب بطلان كتلك المنصوص عليها في تشريعات التحكيم الحديثة التي تتبناها الدول الكبرى، وهو ما سوف يؤدي في النهاية إلى تحقيق نوع من التناسق والتوحيد بين قوانين التحكيم في جميع دول العالم خاصة فيما يتعلق بأسباب البطلان.

    ويترتب على ذلك أنه إذا كان حكم التحكيم قد تم إبطاله لواحد من أسباب البطلان المحلية والتى لا يوجد بشأنها إجماع دولي، أصبح مــن حــق الدولة الأخرى تجاهل حكم البطلان والإعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه على الرغم من صدور حكم البطلان هذا، فى حين إذا كان البطلان مستندا إلى واحد من أسباب البطلان المعترف بها دوليًا كتلك المنصوص عليها في القانون النموذجي لليونسترال أو فى اتفاقية نيويورك، وجب على الدول الأخرى إحترام حكم البطلان ورفض الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه على أراضيها .

(۲) الاتجاه المعارض لتنفيذ الأحكام التي تقرر بطلانها في الخارج فـــي أمریکا :.

   على الرغم مما ساقه مؤيدوا فكرة تنفيذ أحكام التحكيم التي صــ حكم ببطلانها في دولة المقر من حجج لتعضيد رأيهم هذا، فإنها في حقيقتها حجج واهية ومردود عليها ولا يمكن الأخذ بها في الواقع العملي.

  وسوف نقوم فيما يلي بالرد على هذه الحجج، وذلك في محاولة لتوضيح أنَّ المثالب التي تترتب على الأخذ بهذا الاتجاه أكبر بكثير من المزايا التي زعمها المؤيدون.

أ - مبدأ المصلحة الوطنية سلاح ذو حدين :

  لا يمكن افتراض سوء نية وتعسف قضاء دولة مقر التحكـيم دائماً لتبرير جواز الاعتراف بأحكام التحكيم المبطلة في الخارج.

   ومما يدل على صحة ذلك، أنَّ المحاكم الأمريكية ذاتها بعد أنَّ تبنت فكرة تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة والصادرة في دولة المقر، وذلك في قضية Chromalloy ، قد عادت وتراجعت عن هذا المبدأ عندما عرض عليها نزاع يتعلق بتنفيذ حكم تحكيم أبطل في الخارج ويراد تنفيذه في الولايات المتحــــدة الأمريكية، وذلك لأنَّ الحكم فى هذه الدعوى لم يتعلق بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية، حيث رفضت المحكمة الأمريكية اتباع الحكم الصادر في Chromalloy مؤكدة على أنَّ المادة ١٠ مــن قـانون التحكيم الفيدرالى تنطبق على التحكيمات الداخلية، أما في هذه الحالة فحكم التحكيم يعد أجنبيًا وبالتالي يخضع لأحكام اتفاقية نيويورك، وبما أنَّ المادة (١/٥ /هـ) من هذه الاتفاقية تنص على رفض التنفيذ إذا كان الحكم قد تم إبطاله في دولة المقر، فإنَّ ذلك يوجب على المحاكم الأمريكية رفض الاعتراف بالحكم وعدم تنفيذه.

   وأكدت المحكمة على أنَّ نص المادة (۱/۷) من الاتفاقية ليس إلزاميا وإنما يمنح الدول الأعضاء حرية تطبيقة من عدمه، إذ رأت المحكمة أنَّ هناك فارقا جوهريًا بين قضية Chromalloy والدعوى المقامة أمامها الآن إذ أنَّ الطرف الطالب التنفيذ هنا، بعكس شركة كرومالوي، ليس أمريكــــي الجنسية. 

  وقد انتقد هذا الحكم بشدة من قبل الفقه الغربي والأمريكي ذاته ، فاتفاقية نيويورك لم تأخذ بجنسية الطرف طالب التنفيذ كعامل من العوامل المؤثرة في تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، بل على العكس فإنَّ الهدف الرئيسي من الاتفاقية هو وضع أحكام التحكيم الأجنبية على قدم المساواة مع الأحكام الوطنية وتوحيد إجراءات الاعتراف بها وتنفيذها دون النظـر إلى مكان صدور الحكم أو جنسية الأطراف. 

ب - الإخلال بمبدأ سلطان الإرادة وبالتوقعات المشروعة للأطراف :

   إذ يعد السبب الرئيسي لاختيار الأطراف لدولة ما كمقر للتحكيم هو خضوع إجراءات التحكيم لقانون تلك البلد خاصة القواعد المتعلقة بالطعن في الأحكام ونطاق الرقابة القضائية على أحكام التحكيم.

   ونعتقد أنَّ الإجابة يجب أن تكون بالنفى إذ أنَّ القول بغير ذلك فيه افتئات على حرية الأطراف فى التعاقد وخرق لمبدأ شريعة المتعاقدين ومبدأ سلطان الإرادة، كما أنه يخالف التوقعات المشروعة للأطراف.

ج - توحيد تشريعات التحكيم لن يأتى من خلال فرض وصاية بعض الدول على الأخرى.

   ذهب البعض إلى أنَّ السماح للدول بتنفيذ أحكام التحكيم التـــي تـــم إبطالها في دولة المقر إذا كان هذا البطلان يستند إلى أسباب محليــة غيـر مجمع عليها دوليًا سوف يدفع الدول حديثة العهد بالتحكيم إلى تعديل القوانين الخاصة بها بما يتماشي مع معايير التحكيم الدولية وقانون التحكيم النموذجي وهو ما سوف يؤدى بدوره في النهاية إلى توحيد أسباب البطلان.

   أما الاقتراح بأن تلتزم الدول بأسباب البطلان الواردة في القانون النموذجى أو بأربعة الأسباب الأولى من أسباب رفض التنفيذ المنصوص عليها في المادة (٥) من اتفاقية نيويورك، وهذا أيضا رأى محل نظر.

    فالقانون النموذجي للتحكيم ليس اتفاقية دولية وليس لـه أي صفة إلزامية، وأنما قامت لجنة التجارة الدولية بالأمم المتحدة بوضعة كنموذج مطور يمكن للدول الاسترشاد به عند صياغة قوانين التحكيم الخاصة بها، وبذلك فهذا القانون لايمكن الاعتراف له بأي قوة الزامية.

  كذلك لا يصح القول بوجود الالتزام بأربعة الأسباب الأولى من أسباب رفض التنفيذ المنصوص عليها في المادة (٥) من اتفاقية نيويورك، فاتفاقية نيويورك تتعلق بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وليس بدعوى بطلانها، هذا ما استقر عليه الفقه والقضاء منذ زمن بعيد، وبالتالى فالدعوة للالتزام باربعة الأسباب الأولى عند الطعن بالبطلان تعتبر غير سديدة، إذ أنها تخلط بذلك بين أسباب رفض التنفيذ الأجنبية والتى تخضع للاتفاقية وبين أسباب البطلان التي يختص كل نظام قانوني بتحديدها.

   وحتى على فرض إمكانية تطبيق أسباب رفض التنفيذ المنصوص عليها في الاتفاقية على حالات البطلان، فهذا الرأى أيضا يجانبه الصواب، إذ أنَّ هذه الأسباب في ذاتها تحيل إلى قانون بلد مقر التحكيم، حيث تنص المادة (١/٥/أ) على أنه يجوز رفض التنفيذ إذا كان أحد الأطراف منعدم الأهلية أو كان اتفاق التحكيم غير صحيح وفقا لقانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم، أى وفقًا لقانون بلد مقر التحكيم، كذلك تنص المادة (١/٥ /هـ) علــى جـــواز رفض التنفيذ إذا كان تشكيل هيئة التحكيم كان قد تم بالمخالفة لاتفاق الأطراف أو بالمخالفة لقانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم.

  فيفهم من ذلك أن اتفاقية نيويورك قد اعترفت بأن إجراءات التحكـيم يجب أن تخضع لقانون بلد المقر ما لم يتفق الأطراف علـى غيـر ذلـك صراحة، ولايجوز لأصحاب هذا الرأي إغفال ما نصت عليه كذلك هذه الاتفاقية من ضرورة احترام ما تصدره هذه الدولة من قرارات ببطلان حكـــم التحكيم أو وقفه.

  بعد عرض موقف الفقه الأمريكي على النحو السابق ذكــــره حـــــول مسألة مدى إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل، سنقوم بعرض موقف الفقه الفرنسي حول هذه المسألة على النحو التالي : 

(۱) الفقه المؤيد لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الباطلة وحججهم في فرنسا :

   يذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى الدفاع عن إمكانية تنفيذ حكم التحكيم على الرغم من القضاء ببطلانه فى الخارج وتأييد اتجاه القضاء الفرنسي في ذلك ، ونادى بإلغاء أى طريق يؤدى إلى إبطال أحكام التحكيم الدولية، معتبرًا أنَّ الطريق الوحيد لإعمال الرقابة القضائية على أحكام التحكيم الدولية هو رقابة قاضى التنفيذ عندما يطلب منه إصدار أمــره بالاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم في بلد ما، أى يدعو أنصار هذا الاتجاه إلــى نزع الصفه المحلية أو القومية عن حكم التحكيم، وبالتالي إمكانية تنفيذ هـذا الحكم في دولة قاضي التنفيذ على الرغم من القضاء ببطلانه في الخارج، وذلك إعمالا للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون الفرنسي. 

ويؤسس هذا الاتجاه رأيه على مجموعة من الحجج :

أ - نظرة القانون الفرنسي للتحكيم ودور دولة المقر :. 

  تستند هذه الحجه على نظرة القانون الفرنسي للتحكيم وخاصة الدور الذي يلعبه قانون مقر التحكيم، حيث يرى أنصار هذا الاتجاه أنَّ دولة مقــر التحكيم لا تعد مركز الثقل الأساسي للتحكيم .

ب- عدم اندماج حكم التحكيم الدولى فى النظام القانوني لدولة البطلان :

فمن وجهة نظرهم - ووفقا لما استقر عليه قضاء النقض الفرنسي -أنَّ حكم التحكيم لا يندرج في النظام القانونى لدولة مقر التحكيم وليس لهذا الحكم جنسية .

ج- تشجيع اتفاقية نيويورك على تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة :

   وبذلك تنفذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقا لنظام اتفاقية نيويورك ما لم تضع القوانين الوطنية أو الاتفاقات الأخرى شروطاً أفضل وأيسر للتنفيذ، ويؤكد على ذلك البعض بقوله إن اتفاقية نيويورك - من خلال الطابع غيـر الإلزامي لأسباب البطلان تسببت بإهدار قيمة حكم التحكيم المقضى ببطلانه في دولة مقر التحكيم .

د- عدم عزلة الحل الذي يسير عليه القانون الفرنسي :

هـ- هناك حجة أخرى تتمثل فى أن اتفاقية نيويورك جاءت لتسهيل الاعتراف

(2) الفقة الرافض لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الباطلة وحججهم في فرنسا:

 قوة إسناد التحكيم إلى دولة المقر : 

   يرى أنصار هذا الاتجاه أنَّ مكان تنفيذ الحكم تلعب به الصدفة دوراً  كبيرا،وذلك بحسب موطن و محل إقامة أو أموال الطرف المحكوم ضـــــده، بينما يقوم الأفراد باختيارهم بتحديد مقر التحكيم، وبالتالي إعمال الرقابة على أحكام التحكيم من خلال السلطات المختصة لهذه الدول.

هـ – تعارض تفسير نص المادة (۷) من اتفاقية نيويورك مع المبادئ الدولية العامة وقواعد المجالات الدولية :

رأينا الخاص في هذه المسأله : 

  نتيجة للنقاش والجدل بين كل من المعارضين والمؤيدين لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل، وبعد استعراض لموقف الاتفاقيات الدولية والأقليمية والقوانين الوطنية من مدى إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل وموقف الفقه والقضاء واختلافهما فى هذه المسأله يدعونا إلى محاولة لوضع رأى في هذه الإشكالية وتدعيم هذا الرأى من خلال الحجج، وذلك على النحو التالي :

   نظرا للأثر الذي يترتب على صدور حكم ببطلان حكم التحكيم والذي يجعل هذا الحكم والعدم سواء، أى زوال الحكم وزوال كل الآثار التي تترتب عليه، فإننا نجد أنفسنا نميل إلى الاتجاه المعارض لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل، وذلك لقوة الحجج والأسباب التي ساقها أصحاب هذا الاتجاه هذا من ناحية.

   ومن ناحية أخرى نستطيع القول بأن أزدواجية الرقابة مع التقييد هو من أفضل الحلول المقترحة لإشكالية تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة وأكثرها توافقا مع اتفاقية نيويورك لعام ۱۹٥٨ ، إذ يقم هذا الحل أسس البطلان إلــى أسس بطلان دولية يتم الاعتراف بها على المستوى الدولي وعندها يتم رفض تنفيذ الحكم الباطل وفق هذه الأسس ، وأسس بطلان محلية يتم تجاهلها من قبل قاضي التنفيذ، وبالتالي تنفيذ الحكم على الرغم من إبطاله، ذلك لكون أسباب البطلان المتفق عليها دوليًا هي ذات أسباب رفض الاعتراف والتنفيذ المنصوص عليها في البنود الأربعة الأولى من المادة (١/٥) من اتفاقيـة نيويورك، بالاضافة إلى الأسباب الواردة في الفقرة الثانية من نفس المادة (٥) والتي تكاد تكون محل اتفاق بين معظم قوانين التحكيم الوطنية واتفاقيات التحكيم الأخرى كالاتفاقية الأوروبية للتحكيم الدولى لسنة ١٩٦١ بموجب المادة (۱/۹) واتفاقية واشنطن لسنة ١٩٦٥ و القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى لسنة ١٩٨٥

   ونری أنه من خلال تطبيق هذا الحل مع تعديل اتفاقية نيويورك بوضع أسس بطلان محددة متفق عليها دوليًا تلتزم بها جميع الدول الموقعة على الاتفاقية، مع التأكيد على أنَّ يكون الالتزام بهذه الأسس بصفة وجوبية " shall " أو " must " وليس بصفة جوازية " may ، وأن يتم تنظيم طرق الطعن والمحكمة المختصة والآثار المترتبة على صدور حكم البطلان من خلال هذا عندها يمكن القول بعدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل وفق أحد أسس البطلان المتفق عليها دوليًا، وذلك بعد إلغاء أو تعديل نص المادة (١/٧) من الاتفاقية بأن تنص على وجوب التزام الدول الموقعة على الاتفاقية بهذه الأسس المحددة لبطلان حكم التحكيم وعدم تجاوزها، وبالتالى احترام الأحكام الصادرة من قضاء دولة مقر التحكيم أو محاكم الدول التي تم تطبيق قانونها على إجراءات التحكيم الصادرة بالبطلان، وذلك لاعتماد أحكامها على أسس البطلان المحددة بموجب الاتفاقية. 

   ونرى أنَّ هذا الحل مع التعديل المقترح من شأنه بث الروح في بنود الاتفاقية الأخرى كنص المادة السادسة التي تمنح محاكم التنفيذ الوطنية السلطة التقديرية لتأجيل قرارات التنفيذ في الأحكام التي مازالت طلبــات إبطالها قيد النظر أمام المحاكم المختصة. 

  ومن ناحية ثالثة نستطيع القول أيضا أنَّ الحل المقترح بإنشاء محكمة دولية لتنفيذ أحكام التحكيم الدولية من خلال اتفاقية عالمية تكون العضوية فيها مفتوحة لكل الدول هو حل منطقى كذلك ، وعند انضمام هذه الدول للاتفاقيـــة يجب عليها الالتزام بالاعتراف بأحكام المحكمة، وبالتالي تتعهد بتنفيذها في إقليمها كما لو كانت أحكامًا صادرة من محاكمها على أنَّ تكون هذه الأحكام نهائية ولايجوز الطعن فيها أمام القضاء في الدول المتضمنه للإتفاقية، إلا أنَّ الصعوبة تتمثل فى أنَّ هذا الحل يحتاج أولا إلى إجماع دولي يضم غالبية الدول من خلال اتفاقية عالمية، وثانيًا إلى أنَّ هذه المحكمة الدولية المختصة بالتنفيذ تحتاج إلى فروع في الدول المختلفة حرصا على تيسير التنفيذ وعدم تعطيله، وثالثًا أنَّ هذا الحل يؤدى إلى زيادة التكاليف والمصاريف عند تنفيذ هذه الأحكام، حيث استنتجنا ذلك من خلال النماذج القائمة الشبيهه بهذه المحكمة الدولية، وذلك من خلال الاطلاع على اللائحة المالية والإدارية للمركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار ICSID 

   ومن ناحية رابعة - وأخيرة - نرى أنَّ الحل المقترح بإنشاء هيئــة استئناف دولية تختص بمراجعة أحكام التحكيم يؤدى – أيضا – إلى القضاء على إشكالية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الباطلة وإنهاء إمكانية تنفيذها، حيث يمكن ربط الرقابة على أحكام التحكيم الدولية بهيئة استئناف دولية تكون هي جهة الطعن المؤيدة على أحكام التحكيم وتكون قراراتها قابلة للتنفيذ مباشرة في الدول الأطراف فى الاتفاقية، أى بموجب هذا الاقتراح فإن إجراءات دعوى بطلان حكم التحكيم لا تتم أمام قضاء وطنى وإنما تتم أمام هيئــة الاستئناف الدولية وعندها ينحصر موقف القضاء الوطني في التنفيذ فقط.

    ونجد أنَّ هذا الحل قد طبق فعلا وتم استبعاد رقابة القضاء الوطني على حكم التحكيم، وذلك من خلال اتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٥، حيث يخضع حكم التحكيم الصادر عن المركز الدولى لتسوية منازعات الإستثمار، وتنظر هذه اللجنة فى أسباب محددة للبطلان، وبالتالي فأحكام التحكيم الصادرة من هيئاته لابد من الاعتراف بها وتنفيذها فى مختلف الدول بشكل تلقائي وموحد بقدر الإمكان، وكذلك تبنت اتفاقية عمان العربية للتحكيم لعام ۱۹۸۷، هـذا الحل حيث يخضع حكم التحكيم الصادر عن المركز العربي للتحكيم التجاري للطعن بالبطلان أمام نفس المركز وفقا لأحكام المادة (٣٤) من الاتفاقية، إلا أنه للأسف لم يتم إنشاء هذا المركز.

107