نصت المادة (55) من قانون التحكيم المصري على أن أحكام التحكيم تحوز حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمجرد صدورها، وذلك مع مراعاة الضوابط التي قررها قانون التحكيم المصري بشأن التنفيذ والواردة في المادة (58) التي اشترطت التنفيذ الحكم أربعة شروط وهي "
1. أن يقدم طلب التنفيذ بعد مضي المدة المحددة لرفع دعوى البطلان وهي تسعون يوما من تاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه.
2. الا يتعارض حكم التحكيم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع.
3. الا يتضمن حكم التحكيم ما يخالف النظام العام والآداب العامة في جمهورية مصر العربية .
4. أن يكون حكم التحكيم قد أعلن إعلانا صحيحا للمحكوم عليه.
وقد طبق الفضاء الفرنسي مبدأ الاعتراف بأحكام التحكيم التي قضي ببطلاتها في الخارج وذلك في قضية مشهورة تتعلق بمصر وهي قضية Chromalloy) وتتلخص وقائع هذه القضية أنه بموجب عقد تم توقيعه بتاريخ 1988/6/16 بين شركة كرومالوي الأمريكية، وهيئة تسليح القوات الجوية المرفوعة التابعة لوزارة الدفاع المصرية تعهدت الشركة الأمريكية بتقديم معدات وخدمات ومعونة فنية متعلقة بطائرات الهليكوبتر ونظرا لعدم وفاء الشركة الأمريكية بالالتزامات المنصوص عليها في العقد الموقع بينها وبين الطرف المصري أنهى الطرف المصري العقد وقام بصرف خطابات الضمان المقدمة من الشركة الأمريكية.
فلجأت الشركة الأمريكية إلى إعمال شرط التحكيم الوارد في العقد وتم عقد التحكيم في القاهرة، وكان يرأس الهيئة السيد Briner . والأستاذ الدكتور سمير . الشرقاوي محكماً عن الجانب المصري والأستاذ E.Gaillard محكما عن الجانب الجانبة الأمريكي وقد انتهت محكمة التحكيم إلى إصدار حكم قضت فيه بأن إنهاء العقد غير قانوني والزمت الطرف المصري بان يدفع تعويضا عن هذا الإنهاء للشركة الأمريكية يتجاوز 17 مليون دولار. تم الطعن بهذا الحكم من قبل الطرف المصري أمام محكمة استئناف القاهرة لعدة أسباب منها استبعاد حكم التحكيم للقانون الواجب التطبيق، وبطلان حكم التحكيم لمخالفته لضوابط التسبيب المعتبرة قانونا طبقاً للمادة (53/د) من قانون التحكيم المصري .
وبجلسة 1995/12/5 أصدرت محكمة استئناف القاهرة حكما ببطلان حكم التحطيم مستنده في ذلك إلى أن المشرع أجاز الأطراف التحكيم الطمن على أحكام التحكيم في حالات عددتها المادة (53) من القانون رقم (27) لسنة 1994 على سبيل الحصر، حيث تنص على أنه لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية ل(د) إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه في موضوع النزاع وأنه قد ثبت أن حكم التحكيم استبعد تطبيق القانون الإداري المصري باعتبار أن العقد المبرم بين القوات المسلحة والشركة الأمريكية عقد إداري بما يترتب عليه من الأخذ بأسلوب القانون العام وأحكامه وهي أحكام غير مالوفة وبمنأى عن أسلوب القانون الخاص .
وعلى الرغم من أن القضاء المصري قد قضى ببطلان حكم التحكيم الصادر بهذه القضية، إلا أن الشركة الأمريكية تقدمت إلى رئيس محكمة باريس الجزئية بوصفه قاضيا للأمور الوقتية من أجل أن يصدر الأمر بتنفيذ حكم التحكيم باستحقاقها للتعويض ولقد صدر فعلا الأمر بالتنفيذ في 4 مايو 1995 ولقد طعنت الحكومة المصرية على هذا الأمر بالاستثناف أمام محكمة باريس .
وفي 14 يناير 1997 أصدرت محكمة استئناف باريس حكما يسير في نفس الاتجاه الذي رسمته محكمة النقض الفرنسية، إذا قررت الاعتراف بتنفيذ هذا الحكم في فرنسا على الرغم من القضاء بإبطاله في مصر. وقد ذهبت محكمة استئناف باريس في معرض تسبيبها للحكم الصادر عنها إلى القول:
ان القاضي الفرنسي لا يمكنه أن يرفض إصدار الأمر بالتنفيذ إلا بشأن حالة من الحالات المنصوص عليها وعلى سبيل الحصر في المادة (1502) من قانون المرافعات المدنية الجديدة والتي تشكل قانونه الوطني في هذا الصدد فإنه وترتيبا على ذلك تكون شركة Cromalloy محقة في التمسك بتطبيقها، وحيث إن المادة (1502) من قانون المرافعات المدنية الجديد لم تدرج من بين حالات رفض الاعتراف والتنفيذ بحكم التحكيم الحالة المنصوص عليها في المادة الخامسة من معاهدة نيويورك الموقعة في عام 1958 ، فإنه يتعين ترتيبا على ذلك عدم إعمالها.
ولما كان حكم التحكيم الصادر في مصر حكم تحكيم دولياً لا يندرج بهذا الوصف في النظام القانوني لهذه الدولة على نحو يظل معه هذا الحكم قائما مستقراً وذلك على الرغم من القضاء بإبطاله، لما كان ذلك فإن الاعتراف بهذا الحكم في فرنسا لا يخالف النظام العام الدولي.
قاعدة إمكانية تنفيذ الأحكام التحكيمية الباطلة. الصادرة في دولة المقر اعتمادا على المادة (7) من اتفاقية نيويورك التي تشترط لتنفيذ تلك الأحكام أن تكون صادرة في منازعة دولية في دولة أجنبية ولم تكن قد أدرجت في النظام القانوني لهذه الدولة فعندئذ يبقى وجود الحكم ثابتا رغم بطلانه في دولة المقر ويكون الاعتراف به في فرنسا غير متعارض مع النظام العام الدولي ومن ذلك يتبين أن المحكمة العليا الفرنسية قد وضعت ضوابط تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة في دولة المقر (دولة الأصل بالنسبة للحكم) وهذه الضوابط هي :
1. أن يكون الحكم صادرًا في الخارج بشأن تحكيم دولي.
2. أن يكون الحكم قد تم إبطاله في الدولة التي صدر فيها.
3.الا يكون الحكم قد أدرج في النظام القانوني لدولة صدوره .
4. الا يكون الحكم حكماً ثانيًا في نفس الموضوع بين نفس الخصوم .
وبتطبيق هذه القواعد على حكم تحكيم Choromalloy نجد أن الحكم قد صدر خارج فرنسا وكان هذا التحكيم دوليا بالنسبة لها، وقد تم إبطاله في مصر. الدولة التي صدر فيها الحكم أصلا، ولم يكن الحكم قد أدرج في النظام القانوني الدولة صدروه ولم يكن الحكم حكما ثانيًا بين نفس الخصوم وبنفس الموضوع لهذا فإن مسألة تقدير الاعتراف بحكم التحكيم الملفى تظل خاضعة للشروط الواردة في القانون الفرنسي بتعيين الاعتراف به بما أن الشروط المتطلبة في القانون الفرنسي قد تحققت فيه.