فحينما تعرض في المادة 52 لغلق طريق الطعن أمام أحكام التحكيم، وأجاز رفع الدعوى ببطلانها فقط ، أشار إلى سريان هذا الحكم على "أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام هذا القانون ، وأحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام القانون المصرى قد تصدر في مصر ، كما يتصور صدورها في الخارج.
ولا شك في خطورة هذا الحكم ، ولا يرجع مكمن الخطورة إلى مخالفة القواعد العامة فقط ، بل يرجع أيضا لاحتمال ازدواج طرق الطعن ، فمن المؤكد أن حكم التحكيم الذي صدر في دولة اجنبية - طبقا لأحكام القانون المصري - سيكون قابلا للطعن وفقا لقانون الدولة التي صدر فيها ، وقد تجيز هذه الدولة استئناف الحكم ، وقد يتعرض الحكم الصادر في الاستئناف للنقض .
وقد يكون السبب في هذه المشكلة ، عدم تعرض المادة 34 من نموذج قانون لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولى لتحديد نطاق دعوى البطلان ، من حيث بيان الدولة التي صدر فيها حكم التحكيم الذي يجوز رفع دعوى ببطلانه.
اما بالنسبة للأحكام الصادرة في مصر في تحكيم تخضع إجراءاته الأحكام قانون أجنبي ، فإنها تقبل رفع دعوى ببطلانها أمام القضاء المصري
هذا وتختلف المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان تبعا لنوع التحكيم فإذا كان التحكيم داخليا ، تختص بنظر الدعوى محكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع . وإذا كان التحكيم دوليا ينعقد الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة كقاعدة عامة- كما يجوز اتفاق الأطراف على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر، وذلك وفقا للمادتين هو 9و2/54 . وبذا تختص دائما بنظر دعوى البطلان محكمة استئنافية
وإن كان الحكم الصادر في الاستئناف يخضع للطعن فيه بطريق النقض ، إذا توافرت أسبابه طبقا للقواعد العامة.
وبالنسبة لإجراءات دعوى البطلان ، فبرغم أنها ترفع أمام محكمة الاستئناف مباشرة ، إلا أن الدعوى بشأنها ترفع بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوی.
إلا أن حقيقة الأمر أن هذه المدة ليست طويلة إذا ما قورنت بتلك التي كانت متاحة للأطراف قبل ذلك للطعن بالبطلان في احكام التحكيم وفقا القواعد التحكيم الملغاة في قانون المرافعات ، إذ لم يكن هناك ميعاد لرفع دعوى البطلان وفقا لهذه القواعد ، مما كان يستتبع تطبيق القواعد العامة في هذا الشأن فكانت إمكانية رفع الدعوى تظل قائم حتى إنقضاء الدعوى ، بمرور خمسة عشر عاما من تاريخ صدور الحكم.
وقد تعرض المشرع لحالة تنازل المدعي في دعوى البطلان عن حقه في رفعها ، فقرر في الفقرة الأولى من المادة 54 بأن مثل هذا النزول عن الحق في رفع الدعوى ، لايحرمه من القدرة على رفعها متى تم هذا النزول قبل صدور حكم الحكيم . ولاشك في صحة هذا الحكم ، لعدم جواز التنازل عن الحق قبل نشأته ، والحق في رفع دعوى البطلان لا ينشأ إلا بصدور الحكم .
ولكن ليس هناك ما يمنع من صدور الحكم ضده من التنازل عن الحق في رفع دعوى البطلان
وقد استحدث المشرع حكما جديدا في قانون التحكيم ، حينما عكس الأصل الذي ينشأ كنتيجة لرفع دعوى البطلان ، والاستثناء الذي يجوز ترتيبه بناء على ذلك .
فقد كان المشرع في المادة 513 الملغاة من قانون المرافعات يجعل الأصل المترتب على رفع دعوى البطلان ، هو وقف تنفيذ الحكم كأثر تلقائي. وكان يجيز استثناء الاستمرار في التنفيذ، إلا أن هذا الأثر الاستثنائی
كان يحتاج إلى قضاء المحكمة باستمرار هذا التنفيذ ، فإذا لم تقض المحكمة بذلك ، ترتب على رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ الحكم تلقائيا .
وقد كان هذا الحكم محلا للانتقاد ، خاصة وأن القانون لم يكن يحدد ميعادا لرفع دعوى البطلان ، كما قدمنا ، فكان الحق في رفعها يظل قائما خمسة عشر عاما من تاريخ صدور الحكم.
كما كانت ترفع أمام محكمة أول درجة ، وبالتالي فإن استئناف الحكم الصادر في دعوى البطلان كان يوقف التنفيذ ايضا.
وقد عكس المشرع المصرى الأمر في قانون التحكيم فجعل الاستثناء قاعدة ، والقاعدة استثناء.
"لا يترتب على رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ حكم التحكيم."
أي أن الأصل أصبح هو الاستمرار في التنفيذ ، رغم رفع دعوى البطلان وإذا كان في هذا الحكم ما يحقق مصالح من صدر حكم التحكيم الصالحة ، إلا أنه قد يحمل مخاطرة جمة " ، إذا ما أنطوي الحكم على اسباب جدية تبرر إبطالة ، ولم يكن من السهل تدارك النتائج المترتبة على تنفيذ الحكم.
لذلك فتح المشرع طريق الاستثناء على الأصل ، فأضافت المادة 57 ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف التنفيذ إذا طلب المدعي ذلك في صحيفة الدعوى وكان الطلب مبنيا على أسباب جدية.."
ومنع تنفيذ حكم التحكيم لا يكون إلا بحكم من القضاء، وتختص بإصداره ذات المحكمة التي تنظر دعوى البطلان ، وهي لا تقضى بهذا من تلقاء نفسها ، بل يتعين أن يكون ذلك بناء على طلب المدعي في دعوى البطلان.
ومن ناحية أخرى فقد تطلب المشرع أن يكون الطلب مبنيا على أسباب جدية ، ف لا توقف المحكمة تنفيذ حكم التحكيم إذا ما تبين لها أبناء طلب الايقاف على مبررات غير جادة ، أو انه قد قصد به مجرد التحايل والمماطلة أو مجرد تعطيل التنفيذ.
ولكن ما يثير التساؤل أيضا هو عن مدى تقيد المحكمة في الفصل في دعوى البطلان خلال مدة محددة . وهنا نجد أن المشرع قد أوجد تفرقة بين دعوى بطلان الحكم الذي لم يوقف تنفيذه بسبب رفع الدعوى ، ودعوى بطلان الحكم الذي أمرت المحكمة بوقف تنفيذه ، استجابة لطلب المدعي الذي أورده في صحيفة الدعوى.
ففي الحالة الأولى لم يحدد المشرع أي مدة يتعين على المحكمة أن تفصل في الدعوى خلالها.
بينما أوجب عليها الفصل في دعوى البطلان في خلال ستة أشهر من تاريخ صدور أمرها بوقف التنفيذ في الحالة الثانية، إلا أن المشرع لم يرتب أي أثر على عدم تقيد المحكمة بهذا الموعد ، بل اكتفي بتنظيم هذا الموعد لحث المحكمة على سرعة الان دعوى البطلان عند وقفها الحكم المطلوب إبطالة.