يترتب على البطلان العديد من النتائج والآثار، وهذه النتائج قد تتوقف على التمسك به، وهذا ما يثير التساؤل حول صاحب حق التمسك بالبطلان؟ وما هي آثار عدم التمسك به؟
فلكل من المتعاقدين أن يتمسك ببطلان عقد مصلحه في رد الشيء وللمشتري مصلحة في أن يسترد الثمن.
ويلاحظ أن الخلف والدائنين عندما يتمسك أحدهم بالبطلان فإنهم يفعلون ذلك بمقتضى حق مباشر خاص بهم وذلك زيادة على استعمال حق مدينهم بطريق الدعوى غير المباشرة، ويستطيع كل من هؤلاء أن يتمسك بالبطلان في أي مرحلة تكون عليها الدعوى، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.
إلى جانب هؤلاء يستطيع أي شخص غيرهم متى كانت له – مصلحة مستنده إلى الحق – أن يتمسك بالبطلان، وبالتالي فالمصلحة التي لا تستند إلى حق لا تخول صاحبها حق التمسك ببطلان العقد.
وإلى جانب أصحاب المصلحة، تستطيع المحكمة أن تقضي ببطلان العقد من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوى ويرجع هذا الأساس إلى كون العقد الباطل عقدا منعدما ولا يمكن للمحكمة أن تعتد به أو أن تبني عليه قضاء ها. والعقد المنعدم هو العقد الذي يفتقد أحد أركانه، ومن ثم لايتصور وجوده بدونها، والانعدام أكثر أنواع البطلان شدة، لأن هذا العقد قد ولد ميتاً، فينعدم وجوده القانوني والمادي لتخلف أحد أركانه وبالتالي لا يترتب عليه أي أثر. أما العقد الباطل بطلاناً مطلقاً فهو عقد توافرت جميع أركانه، ولكنه قد خالف الشروط التي تطلبها القانون في هذه الأركان، كتخلف شروط المحل أو تخلف شروط السبب، أما العقد الباطل بطلاناً نسبياً فهو عقد قد تخلف فيه أحد شروط صحة التراضي، وهذا العقد أقل شدة من النوعين السابقين، وهو عقد صحيح حتى يطلب بطلانه ممن تقرر البطلان لمصلحته.
وإن كان التقسيم التقليدي للبطلان يصطدم مع المنطق، لأن العقد المنعدم ليس له وجود قانوني ودرجة الانعدام تتساوى فيه مع العقد الباطل بطلانا مطلقاً، فلا تفاوت في العدم، وعلى ذلك ليس هنالك فائدة من التمييز بين هذين العقدين لعدم اختلاف الأحكام بينهما، فكلا العقدين لا تلحقه الإجازة ولاينتج أي أثر ولا يرد عليه التقادم.
وعلى هذا، يستبعد الانعدام من أنواع البطلان، فالراجح في الفقه القانوني الحديث هو التقسيم الثنائي للبطلان، إلى بطلان مطلق وبطلان نسبي .وعلى الرغم من أن القانون المدني المصري، قد أخذ بالتقسيم الثنائي للبطلان.
فالبطلان النسبي (القابلية للإبطال)، قرره المشرع لمصلحة لأحد المتعاقدين وربطه بسبب يخص هذا العاقد لذلك يكون له وحده حق التمسك بإبطال العقد، وذلك لكون القابلية للإبطال ترتبط بنقص أهلية أحد المتعاقدين عیب شاب إرادته ولذلك يكون حق التمسك بالإبطال مقصوراً على المتعاقد ناقص الأهلية أو المتعاقد الذي لحق إرادته العيب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها أن تقضي بالإبطال لكون الإبطال مقرر لمصلحة شخص معين وليس مبنيا على إخلال ركن في العقد أو يتعارض مع النظام العام أو الآداب.
إذا تم التمسك بالإبطال أمام المحكمة وتحققت هي بدورها ذلك من قيام سببه، فإن من واجبها أن تحكم بإبطال العقد، وليس لها عند طلب الإبطال سلطة تقديرية كتلك التي تتمتع بها في الفسخ.
وإذا وجدت المحكمة أن المتعاقد الذي وقع في الغلط كان متعسفا استعمال حقه في طلب الإبطال، فإنها بدورها تستطيع رفض هذا الطلب، لتعارضه مع مقتضيات حسن النية وتحكم ببقاء العقد مادام المتعاقد الآخر قد عرض تنفيذه وفق ما تصوره من وقع في الغلط.
آثار البطلان
حال التأكد من البطلان والتمسك به فإن هناك آثارا للبطلان، والأثر الأساسي للبطلان هو زوال العقد، أي أن البطلان يترتب عليه انقضاء العقد وكل أثر له ويتم رد كل شيء إلى أصله، كما من الممكن أن يتم الحكم بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية.
وبناء عليه فإن زال العقد نتيجة للبطلان يولد التزاماً بالرد، حيث إن الرأي الراجح بالفقه يرى أن أساس الالتزام بالاسترداد يستند إلى قواعد رد غير المستحق.
وعليه يمكن القول إن البطلان يرتب أثرا فيما بين المتعاقدين أنفسهم وأيضاً يرتب أثرا بالنسبة للغير.
1 - آثار البطلان بين المتعاقدين:
يترتب على البطلان وجوب إعادة الحال لما كان عليه قبل التعاقد، فلو كان العقد لم ينفذ بعد وتقرر بطلانه فإن ذلك يحول دون التنفيذ لأن العقد يكون قد زال بالبطلان، وفي حال كان العقد قد نفذ جزئياً أو كلياً يلتزم كل متعاقد برد ما تلقاه كما أسلفنا.
ولكن الالتزام بالرد قد يصبح مستحيلاً في بعض الأحيان الأمر الذي يؤدي إلى الحكم بتعويض معادل، ومثال ذلك أن يهلك المبيع في يد المشتري وبهذه الحالة يستحيل رده، فلو انقضى العقد بالبطلان يحكم للبائع بالتعويض نظراً لاستحالة إعادة المشتري للمبيع بسبب الهلاك.
والالتزام بالرد قد يقيد أحياناً في حالة انعدام الأهلية أو نقصها، ففي هذه الحالة لو أبرم شخص عديم الأهلية أو شخص ناقص الأهلية عقداً ثم حكم بإبطاله فزال، لا يطالب هذا الشخص برد ما تلقاه من العقد، إلا إذا أثبت طالب الرد أنه انتفع نفعاً حقيقياً من تنفيذ العقد، حيث تنص المادة ٢/١٤٢ من القانون المدني المصري على أنه "ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية، إذا أبطل العقد لنقص أهليته، أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد"، وتنص المادة ٢/١٠٣ من القانون المدني الجزائري على أنه " غير أنه لا يلزم ناقص الأهلية، إذا أبطل العقد لنقص أهليته، إلا برد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد.
آثار البطلان بالنسبة للغير:
الغير هو كل شخص تلقى حقاً متعلقاً بالشيء محل التعاقد من أحد المتعاقدين، القاعدة في البطلان أنه يسري بأثر رجعي، وهو ما يعني سقوط حق المتعاقدين وسقوط حق الغير الذي تلقى الحق من العقد الذي زال، ومع ذلك فإن الأثر الرجعي للبطلان من الممكن أن يعطل بالنسبة للغير خاصة في نطاق العقود الناقلة للملكية، ويشترط في ذلك الشروط الآتية:
1- أن يكون هذا الغير قد تلقى حقه من شخص تلقى حقه هو من عقد قابل للإبطال لم يتقرر إبطاله.
2- أن يكون هذا الحق حقاً عينياً على شيء محل العقد القابل للإبطال.
3- أن يكون قد تلقى حقه معاوضة، والسبب في ذلك أن حماية الخلف الخاص تأتي بناء على من تلقى سلفه الحق عنه بموجب العقد الذي تم إبطاله وبالتالي يكون الخلف الخاص لهذا السلف أولى بالرعاية من الخلف الخاص الذي تلقى حقه من عقد تبرع، لأن درء المغارم مقدم على جلب المنافع.
4- أن يكون حسن النية، وهو الخلف الخاص الذي لا يعلم ولم يكن باستطاعته أن يعلم ببذل عناية الشخص العادي ما هو سبب إبطال عقد سلفه وقت إبرام العقد الذي نقل الحق من السلف إليه حتى ولو علم بعد ذلك أي بعد إبرام العقد، لأن العبرة بوقت التعاقد.
وبموجب التعديل التشريعي في القانون الفرنسي عام ٢٠١٦، أصبح من سلطة القاضي أن يتحقق من مدى توافر حسن نية طرفي العقد قبل وعند إبرام العقد، ومدى تنفيذ الالتزام بالإعلام قبل العقد، وأن يراقب ما إذا كان هناك غلط في القانون أو إساءة في استغلال حالة التبعية أو مدى وجود شروط تخل إخلالا جسيما بالتوازن العقدي بين المتعاقدين، وأن يراجع شروط العقد عند تغير الظروف خلال تنفيذه، وكذلك الثمن الذي يتم تحديده بالإرادة المنفردة في العقود النموذجية. كرس المشرع في المادة (1104 مستحدثة)، مبدأ حسن النية في المرحلة السابقة على العقد، وهي مرحلة التفاوض، وكذلك عند إبرام العقد، فضلا عن تنفيذه، وهو ما يعني أن التقيد بهذا المبدأ قد بات التزاما قانونيا يشمل كافة مراحل العقد بدءا من التمهيد له إلى إبرامه إلى تنفيذه، وهو عنه نص المادة 1104 بأنه "يجب أن يتم بحسن نية كل من التفاوض ما عبر على العقود وإبرامها وتنفيذها". وقد حل هذا النص محل المادة 1134-3 مدني والتي كانت تقصر حدود مبدأ حسن النية على مرحلة تنفيذ العقد، على أن التقيد بحسن النية في المرحلة قبل العقدية لا يعني بالضرورة وجود التفاوض قبل إبرام أي عقد، بل وجوب الالتزام بحسن النية حال التفاوض على العقد