حال التأكد من البطلان والتمسك به فإن هناك آثارا للبطلان، والأثر الأساسي للبطلان هو زوال العقد، أي أن البطلان يترتب عليه انقضاء العقد وكل أثر له ويتم رد كل شيء إلى أصله، كما من الممكن أن يتم الحكم بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية.
وعليه يمكن القول إن البطلان يرتب أثرًا فيما بين المتعاقدين أنفسهم وأيضاً يرتب أثرًا بالنسبة للغير.
۱ - آثار البطلان بين المتعاقدين:
يترتب على البطلان وجوب إعادة الحال لما كان عليه قبل التعاقد، فلو كان العقد لم ينفذ بعد وتقرر بطلانه فإن ذلك يحول دون التنفيذ لأن العقد يكون قد زال بالبطلان، وفي حال كان العقد قد نفذ جزئياً أو كلياً يلتزم كل متعاقد برد ما تلقاه كما أسلفنا.
والالتزام بالرد قد يقيد أحياناً في حالة انعدام الأهلية أو نقصها، ففي هذه الحالة لو أبرم شخص عديم الأهلية أو شخص ناقص الأهلية عقداً ثم حكم بإبطاله فزال، لا يطالب هذا الشخص برد ما تلقاه من العقد، إلا إذا أثبت طالب الرد أنه انتفع نفعاً حقيقياً من تنفيذ العقد، حيث تنص المادة ٢/١٤٢ من القانون المدني المصري على أنه ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية، إذا أبطل العقد لنقص أهليته، أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد"، وتنص المادة ۲/۱۰۳ من القانون المدني الجزائري على أنه " غير أنه لا يلزم ناقص الأهلية، إذا أبطل العقد لنقص أهليته، إلا برد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد.
وتنص الفقرة الثانية من الفصل ٦ من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أن "ويبقى القاصر مع ذلك ملتزما في حدود النفع الذي استخلصه من الالتزام، وذلك بمقتضى الشروط المقررة في هذا الظهير. وعلى ذلك إذا تقرر البطلان لمصلحة القاصر فإنه لا يلزم تجاه الطرف الآخر إلا برد ما عاد عليه من نفع ظاهر بموجب العقد الباطل أو الذي تقرر إبطاله، حتى لو ثبت أنه استعمل طرقا احتيالية من شأنها أن تجعل المتعقد الآخر يعتقد أنه راشد، فمثلا إذا قام ناقص الأهلية ببيع منقول وقامر بجزء من الثمن في حين دفع الجزء الباقي منه سدادا لدين في ذمته فإنه لا يلزم برد كل الثمن إذا تقرر إبطال التصرف، وإنما بذلك القدر من الثمن الذي سدد به الثمن. ويتحقق نفع القاصر إذا تم صرف الشيء في المصروفات الضرورية أو النافعة أو إذا كان هذا الشيء ما يزال موجودا في ذمة القاصر في التفصيلات راجع: عبد الكريم شهبون، الشافي في شرح قانون الالتزامات والعقود المغربي، الكتاب الأول، الالتزامات بوجه عام، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، ۱۹۹۹.
آثار البطلان بالنسبة للغير:
الغير هو كل شخص تلقى حقاً متعلقاً بالشيء محل التعاقد من أحد المتعاقدين، القاعدة في البطلان أنه يسري بأثر رجعي، وهو ما يعني سقوط حق المتعاقدين وسقوط حق الغير الذي تلقى الحق من العقد الذي زال، ومع ذلك فإن الأثر الرجعي للبطلان من الممكن أن يعطل بالنسبة للغير خاصة في نطاق العقود الناقلة للملكية، ويشترط في ذلك الشروط الآتية:
1- أن يكون هذا الغير قد تلقى حقه من شخص تلقى حقه هو من عقد قابل للإبطال لم يتقرر إبطاله.
2- أن يكون هذا الحق حقاً عينياً على شيء محل العقد القابل للإبطال.
3- أن يكون قد تلقى حقه معاوضة، والسبب في ذلك أن حماية الخلف الخاص تأتي بناءً على من تلقى سلفه الحق عنه بموجب العقد الذي تم إبطاله وبالتالي يكون الخلف الخاص لهذا السلف أولى بالرعاية من الخلف الخاص الذي تلقى حقه من عقد تبرع، لأن درء المغارم مقدم على جلب المنافع.
4- أن يكون حسن النية ، وهو الخلف الخاص الذي لا يعلم ولم يكن باستطاعته أن يعلم ببذل عناية الشخص العادي ما هو سبب إبطال عقد سلفه وقت إبرام العقد الذي نقل الحق من السلف إليه حتى ولو علم بعد ذلك أي بعد إبرام العقد، لأن العبرة بوقت التعاقد.
كرس المشرّع في المادة (۱۱۰٤ مستحدثة)، مبدأ حسن النية في المرحلة السابقة على العقد، وهي مرحلة التفاوض، وكذلك عند إبرام العقد، فضلا عن تنفيذه، وهو ما يعني أن التقيد بهذا المبدأ قد بات التزاما قانونيا يشمل كافة مراحل العقد بدءا من التمهيد له إلى إبرامه إلى تنفيذه، وهو ما عبر عنه نص المادة 1104 بأنه يجب أن يتم بحسن نية كل من التفاوض على العقود وإبرامها وتنفيذها . وقد حل هذا النص محل المادة 1134-3 مدني والتي كانت تقصر حدود مبدأ حسن النية على مرحلة تنفيذ العقد، على أن التقيد بحسن النية في المرحلة قبل العقدية لا يعني بالضرورة وجود التفاوض قبل إبرام أي عقد، بل وجوب الالتزام بحسن النية حال التفاوض على العقد
وهذا ما يتضح بجلاء من نص المادة (1112) مدني والتي تقضي صراحة بأنه "يعد جائزا كل من الدعوة إلى التفاوض قبل التعاقدي ومباشرته وقطعه، مع مراعاة مقتضيات حسن النية ".