على الرغم من خضوع الاتفاق التحكيمي سواء كان بندا أو عقدا، لمبدأ نسبية العقود، فهو ملزم لأطراقه، إلا أن الاجتهاد والمقتضيات العملية فرضت امتداد هذا الاتفاق الى غير أطرافـه من الأشخاص الثالثين، وبالتالي إضافة عدد الملزمين بهذا الاتفاق في أحوال عديدة، منها حالة مجموعة الشركات وحالة الموجبات المتضامنة وحالة قبول الثالث بصراحة الاتفاق التحكيمـي وحالة التعاقد لمصلحة الغير، كما انتقال الانفاق بالوفاة الى الورثة مـع انتقـال الموجبـات العقدية في العقود التي لا تعتمد على الاعتبار الشخصي.يستفاد من تعريف الكفالة أنها عقد تبعي يفترض وجود عقد أصلي، فيتحدد التزام الكفيـل بالتزام الأصيل وتكون التزامات الأول في التزامات الثاني ذاتها .
استند البعض إلى هذا التعريف من أجل توسيع نطاق البند التحكيمسي وانتقاله إلى الكفيل
داخلا ضمن نطاقه التطبيقي وملزما به الطلاقاً من أن الكفالة تشكل عقدا تبعيا يتبع
العقد الأصلي بكل التزاماته، فتكون هذه الكفالة الضامنة للقرض الموقع من المدين الأصلي
خاضعة ومشتملة على كل الزامات العقد الأصلي بما فيها البند التحكيمي
يرى أصحاب الرأي الثاني أن الكفالة، ولو شكلت موجبا تبعيا، إلا أن التزام الكفيل يبقـى ناتجا من عقد مستقل ومتميز على العقد الأساسي المشتمل على البند التحكيمي، فيكون مصدر الإلتزامين مختلفا عن الآخر، وبالتالي لا يسري البند التحكيمي على الكفيل الذي لم يوقع ولم يبد أية موافقة عليه،
تأسيسا على ما تقدم، يكون القرار التحكيمي صادرا بوجه فريق غير ملزم بالبند التحكيمي، فالبند التحكيمي الوارد في عقد القرض الأساسي لا ينتقل أو يمتد إلى الكفيـل الـذي يبقى مصدر التزامه مستقلا عن مصدر الالتزام الأساسي في هذه الحالة، منـا يقتـضـي معـه قبول السبب الأول واعتبار القرار التحكيمي الصادر بوجه الكفيل، صـادرا مـن دون الفـاق تحكيمي
على هدي ما تقدم، يكون القرار التحكيمي موضوع الطعن الراهن، باطلا
(محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الغرفة الرابعة عشرة الناظرة في فضايا التحكيم، القرار رقم 2015/19، تاريخ 2018/5/10)
ثالثاً- في الأساس :
حيث تطلب طالبة الإبطال (المطلوب التحكيم بوجهها) إبطال القرار التحكيمي الصادر في القضية التحكيمية في ما بينها وبين المطلـوب الإبطـال بوجهـه (طـالـب التحكيم)، بتـاريخ 2014/9/23 تحت الرقم 2014/213 عن المحكم الأستاذ عالم والمكتسب الصيغة التنفيذية
بموجب القرار 108/72 بتاريخ 2014/11/20، للأسباب المبينة أعلام،
وحيث بنارع المطلوب الإبطال بوجهه في صحة الأسباب المدلى بها من طالبـة الإيطـال ويطلب ردها لعدة أسباب سيتم التطرق اليها تباعا في سياق القرار الراهن.
وحيث من نحو أول، نصت المادة 8080 أمم. على أنه: "لا يكون الطعن بطريق الإبطـال
جائزاً إلا في الحالات الآتية:
- صدور القرار بدون اتفاق تحكيمي أو بناء على اتفاق تحكيمي باطل او ساقط بالقـضاء
المهلة،
عدم
- صدور القرار عن محكمين لم يعينوا طبقا للقانون، - خروج القرار عن حدود المهمة المعينة للمحكم أو المحكمين،
- صدور القرار بدون مراعاة حق الدفاع للخصوم،
اشتمال القرار على جميع بياناته الإلزامية المتعلقة بمطـالـب الخـصوم والأسباب
والوسائل المؤيدة لها، وأسماء المحكمين وأسباب القرار ومنطوقه وتاريخه وتوقيـع
المحكمين عليه.
- مخالفة القرار قاعدة تتعلق بالنظام العام".
وحيث يقتضي تاليا التثبت من مدى توافر وتحقق احدى هذه الحالات في القرار التحكيمـي المطعون فيه في ضوء الأسباب المثارة من طالبة الإبطال، بهدف بت صوابية إبطاله، وفقا لمـا ياتي، علما أن القرار التحكيمي ببطل لمجرد توافر أحد الأسباب المنصوص عنها في متن السادة
سالفة الذكر :
عن السبب الأول:
حيث تدلي طالبة الإبطال بوجوب إيطال القرار التحكيمي المطعون فيه لصدوره بوجههـا بصفتها كفيلة للمقترض، وهي ليست طرفا في البلد التحكيمي الوارد في عقد القرض الموقع مــن السيد محمد نجيب عبد اللطيف مورت طالبة الإبطال والمطلوب التحكيم بوجهها شركة فيرسـت ناشونال بلك ش.م.ل.، وبالتالي صدوره دون بند تحکیمي،وحيث بالمقابل بطلب المطلوب الإبطال بوجهه رد إدلاء طالبة الإبطـال كونهـا ملتزمـة موجبات المورث المقترض بموجب الكفالة التي وقعتها لضمان قرض المورث، وحيث نصت الفقرة الأولى من المادة 800 أ.م.م. على أن القرار التحكيمي يكون باطلا في
حال صدوره بدون اتفاق تحكيمي،
وحيث يطرح النزاع الراهن إشكالية مدى امتداد أو انتقال البند التحكيمي الموقع من الطرفين المقرض والمقترض الى كفيل هذا الأخير، فهل يعتبر القرار التحكيمي الصادر بالاستناد إلى البند المذكور والقاضي بإلزام الكفيل بتسديد مستحقات الطرف المقترض، صـادراً مـن دون اتفـاق تحكيمي ملزم للكفيل؟
وحيث بالعودة الى وقائع النزاع الراهن، يتبين أن مورث طالبة الإبطال وقع عقد قرض، يتضمن في البند التاسع منه إحالة كل نزاع ينشأ حول صحة أو تنفيذ أو تطبيق أو تفسير بنـود اتفاقية القرض الى التحكيم المطلق بواسطة مركز التحكيم التابع لغرفـة الـصناعة والتجـارة والزراعة في بيروت وتبعا للأنظمة المتبعة لديها،
وحيث أولا، وعلى الرغم من خضوع الاتفاق التحكيمي سواء كان بندا أو عقدا، لمبدأ نسبية العقود، فهو ملزم لأطرافه، إلا أن الاجتهاد والمقتضيات العملية فرضت امتداد هذا الاتفاق الـي غير أطرافه من الأشخاص الثالثين، وبالتالي إضافة عدد الملزمين بهذا الاتفاق في أحوال عديدة، منها حالة مجموعة الشركات وحالة الموجيات المتضامنة وحالة قبول الثالث بصراحة الاتفاق التحكيمي، وحالة التعاقد لمصلحة الغير، كما انتقال الاتفاق بالوفاة الى الورثة مع انتقال الموجبات العقدية في العقود التي لا تعتمد على الاعتبار الشخصية پراجع بهذا الخصوص:
F. Nammour: Droit et pratique de l'arbitrage interne et international. troisième édition, Bruylant-Delta-Lgdj, p. 90. ثانياً، وفي ما يتعلق بحالة الكفيل، فقد نصت المادة 1053 م.ع. على أن الكفالة عقد
وحيث
بمقتضاء يلتزم شخص تجاه الدائن تنفيذ موجب مديونه إذا لم يقم هذا المديون بتنفيذه،
وحيث يستفاد من تعريف الكفالة سالف الذكر، أنهـا عنـد تبعـي يفترض وجـود عقـد أصلي، فيتحدد التزام الكفيل بالتزام الأصيل، وتكون التزامات الأول هـي التزامـات الثـاني ذاتها،وحيث استند البعض إلى هذا التعريف من أجل توسيع نطاق البند التحكيمي و انتقالـه الـي داخلا ضمن نطاقه التطبيقي وملزماً به، انطلاقاً من أن الكفالة تشكل عقداً تبعياً يتبع العقد الأصلي بكل التزاماته، فتكون هذه الكفالة الضامنة للقرض الموقع من المدين الأصـلي خاضعة ومشتملة على كل الزامات العقد الأصلي، بما فيها البند التحكيمي، ولا سيما أن نطـاق تطبيق هذا البند يعطي كل النزاعات الناشئة حول صحة اتفاقية القرض، أو تنفيذها أو تطبيقهـا أو تفسيرها، أي أن الكفالة هي من ضمن الأمور التي يغطيها، فهي تحيا عند عـدم تنفيذ المـدين الأصلي موجبه الناتج من القرض الأساسي، وحيث على الرغم من التبريرات القانونية التي تدعم هذه الوجهة، إلا أن البعض الآخر لـم
يجز انتقال البند التحكيمي الى الكفيل لعدة أسباب؛ - فمن جهة أولى، يرى أصحاب الرأي الثاني أن الكفالة ولو شكلت موجبـا تبعيـا، إلا أن التزام الكفيل يبقى ناتجاً من عقد مستقل ومتميز عن العقد الأساسي المشتمل على البنـد التحكيمي، فيكون مصدر الإلتزامين مختلفا عن الآخر، وبالتالي لا يسري البند التحكيمي على الكفيل الذي لم يوقع ولم يبد أية موافقة عليه،
يراجع بهذا الخصوص:
"la clause compromissoire ne lie pas la caution même solidaire, qui n'est pas partie au contrat principal qu'elle n'a pas signé. Elle ne peut invoquer la clause compromissoire et ne peut être attraite à l'arbitrage dès lors que son engagement résulte d'un contrat distinct de celui qui oblige le débiteur principal et qui seul contient la clause: les sources des deux obligations, celle du débiteur et celle de la caution sont donc distinctes. La caution ne peut intervenir volontairement à l'instance arbitrale à moins de recueillir l'accord de toutes les parties à l'instance."
C. Seraglini et J. Ortscheidt: Droit de l'arbitrage interne et international, Montehrestien, p. 213.
- من جهة ثانية، ولو صح الرأي الأول، إلا أن صوابيته تبقى محصورة بحالتين: الأولى، وهي عندما يثير الكفيل البند التحكيمي بوجه الدائن ويتذرع به، فيكون متنازلا عن حقـه بعدم إمكانية الدائن فرض البند التحكيمي على الكفيل ومجابهته بالتزام لم يكن طرفا فيـه عملا بمبدأ نسبية العقود، أما الثانية فهي عندما يتذرع الكفيل بالبند التحكيمي بوجه المدين الأصلي عملا بمبدأ حلوله مكان الدائن الأصلي،يراجع بهذا الخصوص:
"La réponse varie selon qu'il s'agit d'une extension de la clause compromissoire impose à la caution ou d'une extension voulue par celle-ci. L'invocation de la clause contre la caution est impossible: le principe de l'effet relatif des contrats s'y oppose. En outre, elle ne saurait être fondée sur le caractère accessoire du cautionnement puisque celui-ci ne permet pas d'assimiler l'obligation de la caution à celle du débiteur principal mais simplement d'en limiter l'étendue. En revanche, l'invocation de la clause par la caution ou contre le débiteur principal est possible: elle est fondée sur les principes du code civil ".
R. Chaaban : clause d'arbitrage et cautionnement, revue de l'arbitrage 2007, p. 721.
وحيث ترى المحكمة بالتالي عدم الـزام الكفيـل بالبنـد التحكيمـي بالإستناد الـي طبيعة موجب الكفيل التبعـي، بل تغليـب قاعـدتـي نـسبية العقـود ووجـوب موافقـة الكفيل الصريحة، على طبيعة الكفالة التبعية، كي يسري البند بحق الكفيل، علما أنه في حال طلب الكفيل نفسه الإنضمام الى المحاكمة التحكيمية الجارية بين المدين الأصـلـي والـدائن، يكون ذلك جائزا له على أن يعتبر متنازلاً عن حقه بالتذرع بمبدأ نسبية العقود بوجه الـدائن الأصلي،
يراجع بهذا الخصوص:
<< En revanche, si la caution demande à intervenir au cours d'une procédure arbitrale déjà engagée entre le créancier l'effet relative de la clause compromissoire en cours d'instance, encore moins, après le prononcé de la sentence arbitrale >>.
R. Chaaban :op.cit.. p. 743.
وحيث تأسيساً على ما تقدم، يكون القرار التحكيمي صـادراً بوجـه فـريـق غيـر مـلـزم بالبنـد التحكيمي، فالبلد التحكيمي الوارد في عقد القرض الأساسي لا ينتقل أو يمتد إلى الكفيـل الذي يبقى مصدر التزامه مستقلا عن مصدر الإلتزام الأساسي في هذه الحالة، مما يقتضي معـه قبول السبب الأول واعتبار القرار التحكيمي الصادر بوجه الكفيل، صـادراً مـن دون اتفـاق تحكيمي،
وحيث على هدي ما تقدم، يكون القرار التحكيمي موضوع الطعن الراهن، باطلاً،وحيث من نحو ثان، نصت المادة 801 أ.م.م. على أنه إذا أبطلت المحكمـة المقدم البهـا الطعن بطريق الإبطال القرار التحكيمي، فإنها تنظر في الموضوع في حدود المهمـة المعينة للمحكم، ما لم يتفق الخصوم على خلاف ذلك،
وحيث طالما أن المحكمة قررت إيطال القرار التحكيمي موضوع الطعن الراهن، ولم ينهض في الملف ما يشير الى اتفاق الخصوم على ما يخالف صلاحية المحكمة للنظر في النـزاع بعـد إيطال القرار التحكيمي والطريقة التي تعتمدها المحكمة من أجل ذلك، ترى المحكمة فتح المحاكمة وتكليف الخصوم مناقشة أساس النزاع وتحديد مطالبهم خلال المهل القانونية ليصار بعـدها الـي
إجراء المقتضى القانوني،
لذلك
ومع حفظ بت النقاط القانونية كافة
تقرر بالاتفاق:
أولا- قبول الطعن شكلاء
ثانياً - قبوله أساساً وإيطال القرار التحكيمي الصادر بتاريخ 2014/9/23 تحـت الـرقم 2014/213 عن المحكم الأستاذ عالم والمكتسب الصيغة التنفيذية بموجب القرار 108/72 بتاريخ
2014/11/20
ثالثاً - فتح المحاكمة وتكليف الخصوم مناقشة أساس النزاع وتحديد طلباتهم ضـمن المهلـة القانونية، وقيد الدعوى في جدول المرافعات وتعيين موعد جلسة نهـار الثلاثاء الواقـع فـي 2018/6/26 وإبلاغ من بلزم،
قراراً صدر وأفهم علنا في بيروت بتاريخ 2018/5/10.
الكاتب
المستشارة (أبو علوان)
المستشار (قائصو)
الرئيس (مزهر)