نتناول في هذا المطلب بطلان حكم التحكيم كعمل إجرائي يقوم به المحكم، تمهيد وتقسيـم: سواء كان العيب الذي لحق به نتيجة لسلوك ايجابي من قبل هيئة التحكيم، كمخالفة القواعد الواجب إتباعها في إصداره، أو نتيجة لسلوك سلبي، كإغفال البيانات الواجبة في الحكم.
وقد نصت المادة[53] من قانون التحكيم المصري على هذه الحالة في الفقرة(ز) " إذا وقع بطلان في حكم التحكيم...". وجاء تعبير المادة[53/ج].من قانون التحكيم اليمني، في بيانه لهذا الحالة عاما "إذا كانت الإجراءات غير صحيحة " ليشمل عدم صحة الإجراءات المتبعة في إصدار حكم التحكيم أو إغفال البيانات الواجبة في الحكم.
وذكرت حالتين تتعلقان ببطلان حكم التحكيم ذاته، الأولى؛ إذا لم تراعى المتطلبات الخاصة بشكل حكم التحكيم، والثانية؛ الغموض أو اللبس في منطوق التحكيم. ووفقا لبعض قوانين التحكيم فان عدم اشتمال حكم التحكيم على البيانات الواجب توافرها فيه يشكل سببا مستقلا من أسباب بطلان الحكم.
مخالفة قواعد إصدار حكم التحكيم
وفقا لقانون التحكيم اليمني " فإذا لم تتوفر الأغلبية يرجح الرأي الذي فيه الرئيس ما لم يتفق طرفا التحكيم على خلاف ذلك." المادة[47]. وهو الحل الذي اعتمده أيضا قانون التحكيم الانجليزي حيث نصت المادة[٤/٢٠] على انه " يرجح رأي رئيس هيئة التحكيم فيما يتعلق باتخاذ القرارات والأوامر والأحكام، حيث لا يوجد إجماع أو أغلبية وفقا للفقرة الثالثة .
كما يمكن القول بأن إمكانية بطلان حكم التحكيم لتخلف البيانات الواجبة فيه، وفقا للقانون الانجليزي محدودة، فمن جهة أولى: لم يتطلب القانون إلا ذكر البيانات الأساسية (التوقيع، والأسباب وتاريخ ومكان صدور الحكم).
وتفصيلا نقف على اثر مخالفة أو إغفال البيانات الواجب ذكرها في حكم لتحكيم، في ضوء القواعد السابقة، كالأتي:
أ - أسماء الخصوم وعناوينهم:
ذهب بعض الفقه إلى أن النقص أو الخطاء في أسماء الخصوم وصفاتهم يترتب عليه بطلان حكم التحكيم. بينما ذهب جانب من الفقه إلى انه لا يترتب على تخلف هذا البيان بطلان حكم التحكيم، لأنه يمكن تكملته من بيانات أخرى في ذات ورقة حكم التحكيم، فقد أكد المشرع على ضرورة اشتمال حكم التحكيم على صورة من اتفاق التحكيم، وهي تتضمن أسماء الخصوم، كما يمكن تكملة هذا النقص من محضر جلسات التحكيم. كما لا يترتب على إغفال عناوين الخصوم بطلان الحكم طالما لم يؤد إلى التجهيل بهم ويبدو أن الرأي الأخير هو الأرجح، وتطبيقا لذلك قضي بان إغفال حكم التحكيم بيان اسم الشركة المحتكمة كاملا وعنوان مقرها لا يترتب عليه بطلان الحكم، إذا لم يؤد إلى التجهيل بتلك الشركة أو اتصالها بالحكم المطعون فيه أو إذا لم يحول دون المدعية وإعلان الشركة المذكورة بصحيفة دعوى البطلان.
صورة من اتفاق التحكيم
اوجب المشرع اشتمال حكم التحكيم على صورة من اتفاق التحكيم [المادة/43] قانون التحكيم المصري، فإذا لم يتضمن الحكم هذا البيان فانه يكون باطلا، وعلى هذا جرى قضاء محكمة النقض المصرية.
ولم توجب المادة[48] من قانون التحكيم اليمني ذكر هذا البيان في الحكم، ومع ذلك فالقضاء يرتب على إغفاله بطلان الحكم.
أن الحكم يكون صحيحا رغم عدم ذكر أسباب امتناع الأقلية عن التوقيع، متى اثبت في الحكم واقعة الامتناع، ونحن حالة نميل إلى ترجيح الرأي الثاني فإذا كان المشرع قد أجاز صدور حكم التحكيم بأغلبية أراء هيئة التحكيم فانه في المقابل قد أجاز للأقلية التعبير عن رأيها بإبداء عدم توقيعها على الحكم، فإذا امتنعت عن ذكر تلك الأسباب فلا ينبغي أن أسباب ينعكس ذلك على صحة الحكم الصادر بأغلبية الآراء وإلا لما كان لنص المشرع ما على صدور الحكم بالأغلبية في هذه الحالة أي معنى، والأفضل أن تعاد صياغة المادة [1/43] بحيث يكتفى بإثبات امتناع الأقلية عن التوقيع، ويكون بيان أسباب الامتناع الأقلية بيانا اختياريا، وهو ما تنص عليه المادة[48] من قانون التحكيم اليمني على انه "تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون جميعهم صدور الحكم بالأغلبية فانه يجوز للمحكم الذي لم يوافق على الحكم عدم التوقيع مع ذكر الأسباب.
ز – مخلص بأقوال وطلبات ومستندات الخصوم:
وتطبيقا لذلك قضي إعمالا للمادة[48] من قانون التحكيم اليمني، بان خلو حكم المحكمين من بيان طلبات ومستندات الخصوم يبطله.
هيئة التحكيم لو كانت قد بحثته لجاز أن تتغير هذه النتيجة إذ يعتبر ذلك قصور في أسباب الحكم يترتب عليه البطلان.
أن القصور في أسباب حكم التحكيم أو تناقضها يؤدي إلى بطلان الحكم، بينما قضي بأنه لا يجوز الطعن بالبطلان للقصور في أسباب الحكم، وقضي أيضا بان التناقض في أسباب حكم التحكيم لا يعتبر من أحوال البطلان المنصوص عليها في المادة[53] من قانون التحكيم المصري، ولا يتساوى في الأثر مع خلو الحكم من الأسباب.
ونعتقد أن عيوب التسبيب لا تؤدي إلى بطلان حكم التحكيم ما تصل إلى حد اعتبارها عيبا شكليا في الحكم، أي إلى درجة تساوي انعدام التسبيب، ولذلك فان الأسباب العامة المجملة التي تصلح لكل طلب تتساوى مع عدم التسبيب.