التنفيذ / اسباب اخرى / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / مدى إمكانية الرجوع على حكم التحكيم لسبب آخر غير الأسباب الواردة في قانون التحكيم
مدى إمكانية الرجوع على حكم التحكيم لسبب آخر غير الأسباب الواردة في قانون التحكيم
حدد المشرع المصري حالات الطعن بالبطلان على حكم التحكيم تعداداً شاملاً على نحو يستحيل معه الطعن عليها بالبطلان لسبب غير هذه الأسباب الواردة على سبيل الحصر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المشرع المصري نص صراحة في المادة ٥٢ ١ على أنه:" لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية".
ويؤدي احترام هذه النصوص الصريحة إلى عدم إمكانية الطعن على حكم التحكيم لسبب غير الأسباب الواردة على سبيل الحصر في القانون. كما أنه لا يمكن الطعن عليه بأي طريق أخرى للرجوع، كالطعن بالتماس إعادة النظر مثلاً، وهو طريق الرجوع الذي كان متاحاً في ظل قانون المرافعات رقم ١٣ لسنة ١٩٦٨.
والواقع أن هذه النتيجة السابقة، وعلى الرغم من تمشيها مع ظاهر النصوص الصريحة الواردة في قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ تتعارض - في بعض الحالات الاستثنائية - مع المبادئ العامة للقانون السائد في إطار التحكيم على نحو يدفع إلى طرح التساؤل التالي: أليس من الملائم قبول الطعن بالبطلان على حكم التحكيم لأحد الأسباب غير الواردة في قانون التحكيم على سبيل الحصر، وذلك من خلال إدراج هذا السبب في إطار سبب كفكرة النظام العام الدولي مثلاً.
ومن جهة أخرى فإنه يتعين في بعض الفروض الأخرى السماح للطرف ذي المصلحة في أن يطلب من محكمة التحكيم مراجعة حكم التحكيم وإعادة النظر فيه وذلك إذا صدر هذا الحكم بناءً على الغش من قبل أحد الخصوم؟
والواقع أن الإجابة على التساؤل المطروح بالإيجاب لا يتمشى مع
النصوص القانونية الواردة في قانون التحكيم المصري، إلا أنه يتمشى مع فلسفتها. إذ أنه من غير المتصور أن يسمح المشرع الوطني لصاحب المصلحة بأن يطعن على حكم التحكيم في فروض يكون فيها المساس بالمبادئ العامة للقانون أقل، بينما تتحصن أحكام تحكيمية أخرى على الرغم مما يشوبها من خلل جسيم بزعم أن المشرع لم ينص على إمكانية الطعن فيها.
وإذا كان صحيحاً أن الإجابة على التساؤل المطروح بالإيجاب تبدو غير متمشية مع النصوص الصريحة للقانون Contra Legem، فإننا نرى مع ذلك أنها سوف تكون الاتجاه الذي يسير عليه القضاء إذا عُرض عليه الأمر.
ولعله مما يدعم هذا النظر أن قانون التحكيم الفرنسي، والذي يحدد قبول الطعن بالبطلان تحديداً قاصراً على حالات محددة على سبيل الحصر وعلى الرغم من استبعاده طريق الطعن بالتماس إعادة النظر على حكم التحكيم الصادر في العلاقات الخاصة الدولية، فإن ذلك لم يمنع المحكمة العليا في فرنسا من أن تقرر إمكانية الطعن بالبطلان على حكم التحكيم لسبب الغش على الرغم أن هذا السبب غير وارد على نحو مستقل في الأسباب المحددة للطعن بالبطلان.
وقد يبدو من الملائم في هذا الصدد التعرض للقضاء الذي انتهى إلى تقرير هذه المبادئ على نحو تفصيلي.
قضية Fougerelle
في سبتمبر ١٩٧٨ أبرمت شركة Procofrance عقداً مع الشركة الكاميرونية Soara بغرض تسليم مصفاة لتكرير البترول في مدينة فيكتوريا في الكاميرون، وفقاً لصيغة العقد تسليم المفتاح في اليد. ولقد عهدت الشركة Procofrance بأعمال الهندسة المدنية لمصفاة التكرير لشركة Fougerolle، وذلك من خلال عقد مقاولة من الباطن تم إبرامه في ١٩ فبراير۱۹۷۹.
وعلى إثر النزاع الناشئ بين الطرفين بشأن تنفيذ الأعمال، قام الطرفان بتوقيع مشارطة تحكيم في ۳ فبراير ۱۹۸۱. وفي ۲۱ إبريل ۱۹۸۳ شكلت هيئة التحكيم وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس وقامت بإصدار حكم تمهيدي أولي رفضت فيه الطلب الرئيسي لشركة Fougerolle وألزمتها بإعادة مبلغ ١,٨٠٠000 فرنك إلى شركة Procofrance، تلقتها الشركة الأولى من الثانية بمقتضى العقد الموقع في ۱۲ إبريل ۱۹۸۰، وطلبت من شركة Procofrance. والذي تم قبول الطلب الفرعي الذي أبدته أن تتقدم بمذكرات إضافية من أجل أن تقدر محكمة التحكيم الضرر الذي يتعين جبره. إلا أنه بعد شهور من صدور حكم التحكيم التمهيدي المشار إليه في صيف ۱۹۸۳، علمت شركة Fougerolle أن شركة Procotrance وشركة Sonora توصلا إلى اتفاق بعد أن قامت شركة Procofrance، بالتقدم بمطالبها الشركة Sonora.
بناء على تلك المعلومات التي توفرت لمحكمة التحكيم قامت الأخيرة بإصدار قرار في 28 سبتمبر 1983 أمرت فيه Procofrance بأن تقدم إلى المحكمة الأوراق التي قد تبادلتها مع Sonara وذلك دون السماح لشركة Fougerolle بالحصول على نسخة منها، ويكتفي فقط باطلاعها عليها.
وبالاطلاع على هذه الوثائق اتضح أن أسباب مطالبة Procofrance لشركة Sonara هي ذات الأسباب التي تقدمت بها إلى Fougerolle في منازعاتها معها. إذ استندت Procofrance وعلى وجه الخصوص على اكتشاف الطبيعة غير المتجانسة والصخرية لسطح الأرض، وهو ما يبدو أن Procotrance قامت بإنكاره أثناء إجراءات التحكيم. كذلك طالبت Procofrance بالوفاء بالمبالغ التي تم دفعها إلى شركة Fougerolle كما أنها قدرت المبالغ التي تتوقع أن تقوم بدفعها إلى المقاول من الباطن Fougerolle عند نهاية التحكيم.
وبناء على هذه المعلومات طلبت شركة Fougerolle من محكمة التحكيم أن تراجع حكم التحكيم التمهيدي الصادر في ۲۱ إبريل ۱۹۸۳ وذلك بسبب وجود عناصر جديدة، تبدو متناقضة مع الحلول التي كرسها حكم التحكيم التمهيدي الأول.
في 13ديسمبر وفي ١٩٨٤ أصدرت هيئة التحكيم تحكيماً تمهيديا ثانيا. قررت فيه الاستجابة للطلب الفرعي المقدم من شركة Procofrance بالتعويض، وذلك لعدم قيام الشركة المذكورة بإثبات استحقاقها للتعويض باستثناء طلب التعويض لحلول شركة Fougerolle محلها في تنفيذ العقد.
ولكن المحكمين إعادة النظر في حكم التحكيم التمهيدي الأول. استناداً إلى أن المسائل التي تم الفصل فيها بهذا الحكم تمتعت بحجية الشيء المقضي وأن الطعن بالتماس إعادة النظر لا يمكن قبوله. فالطعن بالتماس النظر غير مقبول، نظراً لأنه لا نصوص لائحة التحكيم التجارة الدولية بباريس على هذا الوجه أوجه الطعون على حكم التحكيم، ولا نصوص قانون المرافعات الجديد، المواد 1492 وما بعدها.
وفي 2 أبريل أصدرت محكمة التحكيم حكماً تحكيمياً أنهتبه الخصومة أمامها. ولقد تقدمت شركة Fougerolle في هذه المرحلة من مراحل التحكيم، بطلب جديد يهدف إلى استعادة المبالغ التي حصلت عليها شركة Procofrance لحسابها من شركة Sonara.
ولقد رفضت محكمة التحكيم هذا الطلب المقدم من شركة Procofranc بسبب طابعه الجديد والذي يتجاوز، وفقا لرأي محكمة التحكيم، وثيقة المهمة محددة أن ما سبق صدوره من أحكام لا حجية له بالنسبة لهذا الطلب.
ولقد طعنت شركة Fougerelle على هذه الأحكام الثلاثة بالبطلان وتمسكت بأن هيئة التحكيم قد أغفلت قاعدة من قواعد النظام العام الدولي وهي ضرورة احترام مبدأ حسن النية في المعاملات القانونية الدولية، برفضها الطلب المقدم من Fougerolle بالتماس إعادة النظر في حكم التحكيم الصادر في 21ابريل ۱۹۸۳ من ناحية. كذلك تمسكت Fougerolle من ناحية أخرى بأن هيئة التحكيم خالفت مبدأ المساواة بين الأطراف بحرمانها لشركة Fougerolle من التمسك بالعناصر الجديدة التي تم اكتشافها بعد صدور حكم التحكيم الأول.
ولقد رفضت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في25 مايو ١٩٩٠ الطعن بالبطلان الذي تقدمت به شركة Fougerolle ، مستندة في ذلك الرفض إلى أنه لا يوجد مبدأ من مبادئ النظام العام الدولي ذات التطبيق العالمي تخول للمحكم قبول طريق من طرق الطعن لا يقره القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم والمختار وفقاً للإرادة المشتركة للأطراف.
ولقد طعنت شركة Fougerelle على حكم محكمة استئناف باريس المتقدم أمام محكمة النقض الفرنسية والتي ذهبت إلى أنه يترتب على المبادئ العامة للقانون المستقرة بشأن موضوع الغش، على الرغم من استبعاد طريق الطعن بالتماس إعادة النظر بالمادة ١٥٠٧ قانون المرافعات المدني الفرنسي الجديد. إمكانية سحب حكم التحكيم الصادر في فرنسا في إطار التحكيم الدولي، استثناء في حالة الغش إذا ما كانت محكمة التحكيم ما زالت قائمة بعد صدور حكم التحكيم أو كان من الممكن اجتماعها مرة أخرى.
ومع ذلك قررت محكمة النقض في ٢٥ مايو ۱۹۹۲، رفض النقض، إذ ارتأت أن هيئة التحكيم قدرت أن احتفاظ شركة Procofrance بالأوراق الخاصة بعلاقتها مع شركة Sonara تم بحسن نية لاعتقادها بأن هذه الأوراق لا أهمية لها في المنازعة بينها وبين شركة Fougerelle وأن هذا التقدير، حتى وإن كان خاطئاً، لا يكفي لوصف هذا الاحتفاظ من قبل الشركة المعنية بأنه كان احتفاظ بالوثائق مبعثه الغش والتدليس.
وإلى جانب هذا الحكم الرائد والذي قرر إمكانية سحب حكم التحكيم في حالة الغش فإن محكمة النقض ذهبت أيضاً إلى تكريس ذات الاتجاه في
قضية Westman ضد Turbines.
حكم محكمة النقض الصادر في قضية Westman
ولقد أتيحت الفرصة لمحكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ١٩ ديسمبر1890في قضية شركة Westman المحدودة ضد شركة Turbines والتي سبق أن عرضا لجانب من جوانبه عند تعرضنا لفكرة النظام العام الدولي في أن تؤكد ما سبق أن قررته من إمكانية مراجعة حكم التحكيم وسحبه في حالة ثبوت الغش.
إذ نعت شركة Westman على حكم محكمة استئناف باريس الصادر في ۳۰ سبتمبر ۱۹۹۳ بأنه أبطل حكم التحكيم فيما يتعلق بما قضى به من إلزام شركة European Gaz Turbins المصاريف التي تكبدتها شركة Westman لمخالفة هذا الحكم للنظام العام الدولي لاستصداره بناء على الغش الذي قامت به شركة Westman من أجل التضخيم في مصاريفها في حين أن مخالفة النظام العام الدولي لا تعد سبباً من أسباب البطلان الواردة في المادة ١٥٠2 من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد إلا حالة تعلقها بتنفيذ حكم التحكيم وليس في حالة اتصالها بالإجراءات هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن الغش، على فرض تحققه، يعد سبباً من أسباب الطعن بالتماس إعادة النظر في الحكم وليس إضافياً للطعن بالبطلان.
ولقد رفضت محكمة النقض الفرنسية ما نعته شركة Westman على محكمة استئناف باريس وقضت بأن الغش في الإجراءات إذا كان يؤدي بطبيعته استثناءً إلى إمكانية سحب حكم التحكيم الذي صدر بناءً عليه فإنه يمكن أيضاً إخضاعه لفكرة النظام العام الدولي الإجرائي على نحو يظل معه من الممكن اللجوء إلى استخدام الطعن بالبطلان المنصوص عليه في المادة ١٥٠٢ – ٥ من قانون المرافعات المدنية الجديد.
ويتضح من هذه الأحكام المتقدمة ذات المغزى الهام بالنسبة للوضع المشابه في مصر أن هناك طريقين لمواجهة الغش الذي قد يلحق بإجراءات التحكيم.
الطريق الأول: هو الطعن بالبطلان على حكم التحكيم الصادر بناء على غش من أحد الخصوم. وذلك على اعتبار أن الغش يدخل في إطار فكرة النظام العام الدولي وليس على اعتبار أنه سبب مستقل من أسباب الطعن بالبطلان.
والواقع أن هذا الحل يتسم بطابعه العملي وببساطته ويتمشى مع نصوص القانون وذلك جرياً على أخذ فكرة النظام العام الدولي في مفهومها الواسع.
أما الطريق الثاني: فهو الطريق الاستثنائي الذي وضعته محكمة النقض الفرنسية على الرغم من مخالفته لنصوص القانون وأسندته إلى فكرة المبادئ العامة للقانون التي تحكم التحكيم. ويتلخص هذا الحل في إمكانية قيام محكمة التحكيم بمراجعة الحكم وسحبه إذا كان منطوياً على غش. ويتطلب هذا الحل أن تكون محكمة التحكيم ما زالت قائمة أو من الممكن دعوتها للانعقاد.
ولكن ما هو الحل إذا كان الطرف الذي صدر حكم التحكيم ضده، لم يكتشف الغش الذي بناء عليه صدر حكم التحكيم إلا بعد انقضاء المدة المحددة قانوناً للطعن بالبطلان في حكم التحكيم؟ هل يمكن لهذا الطرف أن يطعن على هذا الحكم بالتماس إعادة النظر؟
تتوقف الإجابة على التساؤل المطروح على الإجابة على تساؤل آخر: هل يتعين ترجيح المبدأ المستقر والمعروف الذي من مقتضاه عدم السماح للغش بأن يرتب أي أثر لأن الغش يفسد كل أمر Rates omnia corunpit واحترام المقتضيات العليا للعدالة، أم يتعين احترام النصوص القانونية الوضعية وعدم الخروج عليها وإن تعارضت مع هذه المبادئ المتقدمة المستلهمة من روح العدالة؟ أياً ما كان الأمر، فإن هناك حاجة ملحة تقتضي ضرورة تعديل نصوص قانون التحكيم المصري من أجل مواجهة هذه الحالة المطروحة على نطاق البحث احتراماً للمبادئ المتقدمة.
والرقابة القضائية على حكم التحكيم كما أشرنا سلفاً لا تقتصر على الرقابة عن طريق الطعن على حكم التحكيم، ولكنها تتضمن أيضاً الرقابة على حكم التحكيم عند طلب إصدار الأمر بتنفيذه من القضاء الوطني.