لا تنص الكثير من القوانين الوطنية في الدول المتقدمة، صراحة على أن استبعاد القواعد، التي اتجهت إليه إرادة الأطراف، لتطبيقها على النزاع، کسبب من الأسباب المؤدية، إلى بطلان حكم التحكيم، بل إن قانون اليونسيترال النموذجي لم ينص على ذلك في المادة 34 التي حددت حالات البطلان حكم التحكيم أيضا، ولعل ذلك قد يكون راجعا، إلى أن الدول المتقدمة وأشخاصها، تفرض تطبيق قوانينها على المنازعات، بينها، بين الدول النامية وأشخاصها. وحتى لو تم الاتفاق على تطبيق قوانين الدول النامية، فإن الدول المتقدمة، تقبض وتسيطر، على آليات فض المنازعات عن طريق التحكيم،
على مستوى العالم قاطبة، بحيث تأتي الأحكام لصالحها في كثير من الأحيان. وهذا بالتأكيد من أسباب، نفوز بعض الفقه في الدول النامية من التحكيم، وتخوف البعض الآخر . وما القضايا التي حدث فيها ظلم وإجحاف بحقوق الدول النامية عنا ببعيدة.
وبالرغم من عدم تص، قوانين الدول المتقدمة صراحة على اعتبار استبعاد القواعد الواجبة التطبيق، من الأسباب المؤدية إلى بطلان حكم التحكيم، فإنه يمكن إدارج هذا السبب تحت مسمى تجاوز المحكم لمهمته المنصوص عليه كسبب من أسباب بطلان حكم التحكيم في قوانين تلك الدول ومن تلك القوانين المادة 10-3- من القانون الفيدرالي الأمريكي ، والمادة ۲/۹۸/ب من قانون التحكيم الأنجليزي ، والمادة 4 ۱۷۰ فقرة ج من قانون الإجراءات المدنية البلجيكي ، والمادة ۸۹۷ فقرة 4 من قانون الإجراءات المدنية اليوناني ، والمادة 165 فقرة اج من قانون الإجراءات المدنية الهولندي ، والفقرة الثالثة من المادة ۱۵۰۲ من القانون الفرنسي
الجديد والمتعلق بالتحكيم الدولي والصادر سنة ۸۱ وأيضا المادة 1484 فقرة م3 من قانون التحكيم الداخلي.
دور إرادة الأطراف في اختيار القواعد القانونية الواجبة التطبيق:
انطلاقا من الفلسفة التي يقوم عليها التحكيم، والتي تعلى من شأن إرادة الأطراف ، سواء الصريحة أم الضمنية في العملية التحكيمية، وتمشيا مع مقتضيات التحكيم، في العصر الحديث، تنص الفقرة الأولى من المادة ۳۹ من قانون التحكيم المصرى رقم ۲۷ لسنة 1994 على أن :
«۱- تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان ، وإذا اتنا على تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق على غير ذلك» .
ويمكن القول ، بداءة في هذا المقام ، أن نص المادة ۳۹ ، يتنق مع الكثير من القوانين الوطنية المتعلقة بالتحكيم (المادة
1/46/أ من قانون التحكيم الإنجليزي ، والمادة 1496 من المرسوم الفرنسي في ۸۱/۰/۱۲ والمتعلق بالتحكيم الدولي والمادة 1474 المتعلقة بالتحكيم الداخلى ، والمادة ۱۸۷ من القانون الفيدرالي السويسري ، والمادة 894 من قانون الإجراءات المدنية اليوناني ، والمادة 1694 من قانون الإجراءات المدنية البلجيكي ، والمادة الرابعة من قانون التحكيم الأسباني ، والمادة 1051 من قانون الإجراءات المدنية الألماني ، والمادة 1054 من قانون الإجراءات المدنية الهولندي).
كما يتفق، هذا النص، مع المادة السابعة، من اتفاقية جنيف الأوربية سنة 11 والمادة و/أ من اتفاقية نيويورك سنة 1958 والمادة ۱/۱4 من اتفاقية واشنطن سلة 1965.
كما يتفق، هذا النص مع المادة ۲/۲۲، من نظام تحكيم محكمة لندن للتحكيم الدولي، والمادة ۳/۱۳ من لائحة محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية ، والمادة 1/۲۹ من نظام الهيئة الأمريكية للتحكيم .
كما يتفق، النص في هذا المقام، مع نص المادة ۱/۲۸، من القانون النموذجي الصادر عن الأمم المتحدة .
به وتجدر الإشارة، إلى أن هناك فارقا بين عبارة اختيار القواعد، التي تسري على موضوع النزاع، واختيار الأطراف قانون دولة معينة والواردين في نص المادة ۳۹ تحكيم مصري، فالأولى أشمل من الثانية ، لأنها بالإضافة ، إلى شمولها الثانية ، فإنها تشمل أيضا ، قيام الأطراف باختيار ، أو بخلق قواعد معينة، تجابه، ما قد ينشا بيلهم من منازعات، أو يقومون، باختيار هذه القواعد، من خليط من التشريعات الوطنية، أو الأجنبية، أو يحيلون، إلى الشروط العامة والعقود النموذجية ، أو إلى القواعد، التي وضعتها مؤسسة أو منظمة أو مركز معلی بموضوع التحكيم، مثل غرفة التجارة الدولية - عادات واعراف التجارة الدولية - (المادة ۳/۲۲ من نظام محكمة لندن للتحكيم الدولي ، والمادة ۳/۲۹ من نظام الهيئة الأمريكية للتحكيم) ، ويتنق ايضا مع نص المادة 1/46/ب من قانون التحكيم الإنجليزي الصادر سنة 1996.
وبالرغم من، اتفاق نص المادة 1/39 من قانون التحكيم المصری، في هذا المقام ، مع نص المادة 1/۲۸ من القانون النموذجي، إلا أن الأستاذ الدكتور سمير الشرقاوى ، يرى أن صياغة نص المادة 1/39 من القانون المصري للتحكيم أكثر عمومية من نص المادة ۲۸/ أمن القانون اللبوذجي الصادر عن الأمم المتحدة التي تنص على أن تفصل هيئة التحكيم في النزاع ، وفقا لقواعد القانون التي يختارها الطرفان بوصفها واجبة التطبيق على موضوع النزاع»، ويضيف أن النص الأول يشير إلى تطبيق القواعد التي يتفق عليها الطرفان، دون أن يقيد وصف هذه القواعد، بانها قواعد قانون معين، بما يسمح باختيار قواعد عقد نموذجي أو شروط نموذجية أو قواعد وضعتها إحدى منظمات التجارة الدولية .
ولعل محل النظر في هذا الراي - فيما اعتقد -، أنه بالرجوع إلى المذكرة الإيضاحية لقانون اليونسيترال النموذجي، ذكر فيها أن القانون النموذجي إذ يذكر صراحة حرية اختيار «قواعد القانون» وليس «القانونه يتيح للطرفين مجموعة أوسع نطاقا من البدائل ، فيما يتصل بتعيين القانون الواجب التطبيق ، على موضوع النزاع، بحيث أنهما، قد يتفقان مثلا، على قواعد قانونية، وضعها محفل من المحافل الدولية، ولكنها لم تدرج بعد في أي نظام قانونی وطني .
ونظرا للأهمية الكبيرة، العادات وأعراف التجارة الدولية، في حقل التحكيم، فسوف نتطرق إليها، بشئ من التفصيل على النحو الآتي :
يمكن تعريف أعراف وعادات التجارة الدولية، بانها عبارة عن قواعد متوارثة، نشات نتيجة الممارسة العملية بين التجار، في مجال التجارة الدولية من القرون الوسطى، وغير مرتبطة بقانون أي دولة، ويعمل بها بين أبناء المهنة الواحدة، وتختلف باختلاف السلعة.
وتتعدد مصادر عادات وأعراف التجارة الدولية . قد يكون مصدرها الشروط العامة والعقود النموذجية الخاصة بكل سلعة على حدة، مثال ذلك العقود النموذجية الصادرة عن تجارة وبيع الحبوب، والتي صدرت عن جمعية لندن.
ومما تجدر ملاحظته، أن المحكم، لا يستطيع تطبيق عادات وأعراف التجارة الدولية، إلا إذا خوله الأطراف، ذلك صراحة، فلا يعتد إذن بالإرادة الضمنية، لتطبيقها، على موضوع النزاع .
وتكاد تجمع، مختلف أحكام القضاء، وقرارات التحكيم التجاري الدولي، وبعض الفقه، على أحقية الأطراف في الاتفاق على تطبيق قانون دولة ما، على موضوع النزاع، حتى ولو لم يكن هناك أدنى صلة بينه وبين العقد مثار المنازعة، كما أن لهم استبعاد بعض نصوص هذا القانون، وذلك كله مشروط، بعدم مخالفة النظام العام أو الغش نحو القانون . مع الأخذ في الاعتبار أن كل قاعدة متعلقة بالنظام العام، هي قاعدة أمره، أما العكس فهو غير صحيح، كما سبق أن أوضحنا.
على أنه إذا اتجهت إرادة الأطراف، إلى اختيار قانون دولة معينة، اليطبق على موضوع النزاع، فإن القواعد الموضوعية في هذا القانون، هی التي تطبق دون قواعد التنازع، إلا إذا اتجهت إرادة الأطراف، إلى غير ذلك المادة ۳۹. وهذا ما يتفق مع نص المادة 46 من قانون التحكيم الإنجليزي . كما أن نص المادة ۳۹، يسمح للأطراف باختيار القانون الواجب التطبيق، عن طريق إعمال هيئة التحكيم، قواعد التنازع، وعلى ذلك، إذا لم تلتزم هيئة التحكيم بذلك، فيمكن الرجوع على حكم التحكيم، بدعوى البطلان لهذا السبب .
هذا ولا ينطبق نص المادة 39 من قانون التحكيم المصری، علی التحكيم الداخلي، إذ يتعين على هيئة التحكيم، إذا كانت بصدد تحكيم داخلی، أن تطبق القواعد الموضوعية الموجودة في القانون الوطني. فقانون التحكيم المصرى، قد وضع أصلا، لكي يطبق على التحكيم التجارى الدولى، ثم حدث أن تم العدول عن ذلك الموقف، لكي يطبق على التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي .
القفز فوق القواعد المختارة :
قد يتمثل قفز المحكم ، فوق القانون، الذي اتجهت إليه، إرادة الأطراف صراحة في استبعاده كلية، مثال ذلك أن يتفق الأطراف على تطبيق القانون المصري مثلا، فيطبق المحكم القانون الإنجليزي. فهنا يمكن القول، بأن حكم التحكيم يعتريه البطلان.
وإذا اتفق الأطراف مثلا على تطبيق القانون الباكستاني، فقام المحكم بتطبيق القانون الإنجليزي، على اعتبار أن القانون الباكستاني، ينتمي إلی الأسرة القانونية الأنجلوسكسونية. هنا يكون المحكم، قد استبعد تطبيق القانون، الذي اتجهت إليه إرادة الأطراف. ويترتب على ذلك أن يكون حكمه، عرضة للرجوع عليه، بدعوى البطلان .
وإذا سكت الأطراف عن اختيار تطبيق قانون معين، على موضوع النزاع، فقام المحكم بتطبيق القانون، الذي تشير إليه قواعد التنازع. الأكثر وثوقا بموضوع النزاع. فهنا لا غبار على حكم التحكيم من الناحية القانونية. أما إذا طبق المحكم قانونا له صلة فقط بالنزاع - ولم تكن الصلة غير وثيقة-، فإن حكمه في هذا المقام، يجوز النعي عليه بدعوى البطلان.
وإذا لم تتجه إرادة الأطراف الصريحة، أو الضمنية لتطبيق قانون ما على موضوع النزاع، فقام المحكم بتطبيق قانون التجارة الدولية. فهنا يمكن القول بان حكم المحكم، يجوز النعي عليه بدعوى البطلان، لأن قانون التجارة الدولية، لكى يطبق على موضوع النزاع، يجب أن تتجه إرادة الأطراف صراحة، إلى تطبيقه على موضوع النزاع، كما سبق أن أوضحنا .
هل يتحصن حكم التحكيم ضد دعوى البطلان، إذا ثبت أن المحكم أهمل القانون، الذي اتجهت إليه إرادة الأطراف، أو شوهها تشويها، يجعله معادی لعدم إعمالها أصلا . ثم يردف إلى أن الخطأ الجسيم في تطبيق قانون الإرادة يعادل استبعاده ويسمح بطلب البطلان .
ومن باب أولى ، إذا استبعد المحكم تطبيق مادة في قانون ما، مثل القانون المدني مثلا، وطبق أخرى بدلا منها، فإن ذلك لا يعد استبعادا للقانون الواجب التطبيق، بل خطأ في تطبيق القانون، وهو ما لا يعد، ضمن أسباب النعي على حكم التحكيم بالبطلان، وفقا لقانون التحكيم المصرى.
وإذا كان المحكم ملزما بالحكم بمقتضى القانون، لكنه حكم بمقتضی قواعد الصلح، فإنه يجوز النعي على حكمه بدعوى البطلان. أما إذا كان مفوضا بالصلح صراحة، ولكنه حكم بمقتضى القانون، فإن حكمه يكون سليما من الناحية القانونية، ولا يشوبه البطلان (المادة۶/۳۹) .
وإذا انتقلنا، إلى دائرة عقود الاستثمار، التي تبرمها الدولة، مع أحد الأشخاص الخاصة، نجد أنه، لطالما عانت، بلاد العالم النامي وأشخاصها، من مشكلة تدويل العقود المبرمة، في نطاق حقل التجارة الدولية.
واجب هيئة التحكيم عند الفصل في النزاع :
وفقا لنص المادة ۳/۳۹ من قانون التحكميم المصرى، يجب على هيئة التحكيم عند الفصل في النزاع، حتى ولو كان الأطراف، هم الذين اختاروا القانون الواجب التطبيق، على النزاع، أن تراعي في موضوع النزاع، شروط العقد محل النزاع، والأعراف الجارية، في نوع المعاملة .
ووجوب مراعاة الأعراف الجارية، منصوص عليه في المادة ۲۸ فقرة 4 من قواعد اليونسيترال، والمادة ۱۳ فقرة/5 من لائحة غرفة التجارة الدولية الصادرة سنة ۸۸، والمادة ۱۹۹۲ فرنسي ، والمادة 1054 من قانون الإجراءات المدنية الهولندي والمادة ۳/۳۹ من قانون التحكيم المصري .
ويثار تساؤل هنا هل، إذا لم تراع هيئة التحكيم، شروط العقد، والأعراف الجارية، فهذا يعني أنها، استبعدت تطبيق القواعد الواجبة التطبيق، أم لا ؟.
أعتقد أن ظاهر نص المادة ۳/۳۹، يدفعني إلى القول بأن استبعاد هيئة التحكيم لشروط العقد، والأعراف الجارية، بشكل مخالفة، تستدعي تطبيق نص المادة ۱/۰