في إحدى القضايا مُشترِ دانماركى ضد بائع ألماني، التي أحال فيها الطرفين إلى قواعد التحكيم في غرفة تجارة الحبوب فى كوبنهاجن، والتي لاتتيح للأطراف معرفة أسماء المحكمين، قررت محكمة إستئناف Cologne ، أنه وعلى الرغم من أنها لم تتجاهل أن القاعدة المنصوص عليها في قواعد التحكيم الواجبة التطبيق قد تُعزز من حياد المحكمين في قضية مُعينة، على أساس أن عـــدم الكشف عن أسمائهم قد يخدم حرية إتخاذ الحكم، إلا أن إعلان الأطراف بهوية المحكمين يُعـــد مــــع ذلك أمراً جوهرياً، باعتبار أن هذه القاعدة تستبعد إمكانية قيام الأطراف برد المحكم لعدم حياده، رغم أهمية هذا المبدأ، ولذلك فقد إعتبرت المحكمة أن مثل هذا التحكيم الشبح ، قد جاء مخالفاً لأهم المبادىء الأساسية للمُحاكمة العادلة، ولذلك أمرت المحكمة برفض التنفيذ.
ويمكن أن يُشكل الإخلال بالحق في المشاركة في تعيين المحكم، إنتهاكاً للحق في المعاملة المتساوية، وقد تجسد هذا الفرض في قضية Siemens AG&BKMI ... Dutco ، حيث قام المدعي عليهما في إجراءات التحكيم (Siemens AG&BKMI) - بتعيين محكم عنهما مع حفظ كافة حقوقهما في الإعتراض، وقد نشأت إعتراضات المدعي عليهما نتيجة قيام Dutco بإقامة دعويين منفصلتين (في طلب تحكيم واحد) ؛ واحدة ضد كل من المدعي عليهما على حدة، في حين أنها كانت قد طلبت من غرفة التجارة الدولية أن تقوم بتعيين محكم واحد للتحكيم بينها وبين المدعي عليهما، وكان إتفاق التحكيم المبرم بينهم، ينص علي تشكيل هيئة تحكيم مكونة من ثلاثة محكمين، يتم تعيينهم وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية.
وبناءً عليه، طلبت كل من شركتي Siemens AG&BKMI نظر دعـــويي التحكيم المرفوعتين ضدهما من قبل شركة Dutco في إجراءات مُستقلة بكل دعوى، وفي هذه الحالة فإنه يحق لكل شركة تحديد المحكم الذي تختاره بالنسبة لكل قضية على حدة ، ، وعندما أصدرت هيئة التحكيم حكماً جزئياً يُشير إلى أنها قد تشكلت بطريقة صحيحة، وأن التحكيم يُمكن أن يجـــرى باعتباره تحكيم متعدد الأطراف طعنا المدعي عليهما بالبطلان علي حكم التحكيم أمام محكمة استئناف باريس، والتي إنتهت في حكمها إلى أن حقوق الأطراف لم يتم إنتهاكها، ورفضت بالتالى القضاء ببطلان حكم التحكيم.
بيد أن محكمة النقض الفرنسية نقضت ذلك الحكم، وأصدرت حكماً شهيراً لها جاء موجزاً ومبهماً إلى حد ما، إلا أنه يُفيد أن المساواة بين الطرفين في تعيين المحكمين تعتبر مسألة متعلقة بالنظام العام الدولي، وأن هذا الحق لا يُمكن إنكاره قبل نشوء النزاع، ورأت المحكمة أن إرغام المدعي عليهما علي الإتفاق على تسمية محكم واحد عنهما، يُمثل مُخالفة للمادتين ١٥٠٢(٢) و(٥) من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الجديد.
ولاشك أن محكمة النقض الفرنسية قد أصابت فى حكمها هذا ، ذلك أن إرغام أحد الأطراف في هذه الحالة على قبول تسمية محكم واحد ليتولى تحكيم مُتعدد الأطراف دون أن تنصرف إرادته إلى ذلك، يتساوى في تقديرنا مع تعيينه من جانب أحد الأطراف دون الآخر، طالما إنعدمت إرادة الطرفين فى مثل هذه الحالة فى الإتفاق على شمول هذا التعيين للتحكيم الآخر "
وفي قضية Sesostris SAE v. Transportes Navales SA and M/V Unamuno ، التى تضمنت أن أحد البنوك كان دائناً مرتهناً لسفينة، تم إحتجازها بموجب أمــــر قضائي في بوسطن، وقد وافق البنك على إيداع سندات مالية بقيمة مُطالبات مستأجر السفينة تجاه مالكها، إلا أنه تم إبقاء البنك عملياً بعيداً عن إجراءات التحكيم البحرى التي تمت لاحقاً في مدريد، وعندما حاول المستأجر تنفيذ حكم التحكيم الصادر في أسبانيا ضد السندات المالية المودعة لدى البنك، رفضت المحكمة المحلية في Massachusetts التنفيذ إستناداً إلى المادة الخامسة (۱)(ب) على أساس أن البنك، لم يتلق أي إخطارات بشأن إجراءات التحكيم إنتهاءها.
وإذا كان إعلان المدعى عليه بإجراءات التحكيم يقتضى معرف فة موطنه وإعلانه عليه، ولذلك فقد رفضت محكمة إستئناف ولاية Bavaria بألمانيا، تنفيذ حكم تحكيم صادر في Moscow لصالح بائع روسي، في ظل قواعد محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة والصناعة في الإتحاد الروسي ضد طرف ألماني مُقررةً أن المشتري الألماني لم يُعلن بالتحكيم علي الوجه الصحيح " ،وإرتأت المحكمة أنه على الرغم من أن قانون التحكيم ينص علي أن إعلان المدعي عليه في آخـــــر عنوان له يكفي إذا لم يعثر له علي عنوان آخر بعد القيام باستعلام معقول، إلا أنه لا يوجد ما يُثبت هنا بذل أي مجهود للعثور علي العنوان الصحيح للمُشتري الألماني .
وعلى خلاف ذلك، وفى قضية Yunnan Provincial Import And Export* Corporation v. Tang Yat Keung And Others HCMP، أثار المدعى عليه دفعــــاً بأنه لم يتلق إخطاراً بتعيين المحكم أو ببدء إجراءات التحكيم، وكان غير قادر على حضور التحكيم وعرض قضيته في بكين، وأنه لم يكن مُقيماً في آخر عنوان معروف له، وأن المدعى لم يقم بعمـــل تحريات تتعلق بمكان وجوده، وإقتصر فقط على إستخدام البريد العادى لإرسال الإخطار إلى هذا العنوان، إلا أن القاضي Burrell لم يقتنع بأن المدعى عليه لم يكن لديه علم بإجراءات التحكيم، مقرراً أنه – حتى إذا كان المدعى عليه لم يعلم بالإخطار بالتحكيم - فإنه يُعتبر مسؤولاً وحده عن ذلك، إذ أنه كان يحاول تجنب الإخطار من خلال تغيير عنوانه والإنتقال من الأماكن التي يمكــن العثور عليه فيها.
ولاشك في أن منطق هذا التسبيب يُعد قاسياً، إذ ينطوى على إفتراض نية معينة لدى المدعى عليه، رغم أنه يحق للأخير تغيير العنوان والإقامة فى أى مكان يختاره وفقاً لظروفه، وأن تراعـــــى كذلك إجراءات إخطاره بإجراءات التحكيم على العنوان الجديد على الوجه الصحيح، دون حاجة للبحث في النوايا أو التفتيش فى الضمائر أو على الأقل تقصى الأسباب الظاهرية التي جعلته يُقدم على هذا التغيير.