الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب تتعلق بالقانون الواجب التطبيق / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 29 / تحكيم خاضع لأحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار الأموال العربية في الدول العربية - جريان التحكيم في مصر - خضوعه لاجراءات مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي - تطبيق قواعد الاتفاقية - عدم قابلية حكم التحكيم للطعـن عليـه - قواعـد الاتفاقيـة لا تجيـز إقامـة دعـوى بطـلان الحكـم التحكيمي

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 29
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    560

التفاصيل طباعة نسخ

إن ما يقطع الشك ويكون الأمر يقينا ما هو مقرر قانونا من وجوب عدم الإخـلال بـمـا تـنص عليه الإتفاقيات الدولية، أي أن كل اتفاقية دولية وافقت مصر على الإنضمام اليها تشكل جزءا لا يتجزأ من التشريع المصري، فإذا تضمنت هذه الإتفاقية قواعد خاصة بالتحكيم فـإن هـذه القواعـد تكون واجبة التطبيق في نطاق هذه الإتفاقية دون القواعد الواردة في قانون التحكيم، وفقا لما نصت عليه المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 1994/27، والتي تقضي بأن سريان أحكام هذا القانون يكون على عدم الإخلال بأحكام الإتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية ، وكـان ذلك، وكانت اتفاقية استثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية الواجبة التطبيق على التحكيم موضوع دعوى البطلان الماثلة، والتي طبقت بالفعل على ذلك التحكيم والمنضمة اليهـا جمهوريـة مصر العربية، من ثم فإن جريان التحكيم في مصر وخضوعه لإجراءات مركز التحكـيم الإقليمـي لا يحول دون اخضاع وتطبيق قواعد الإتفاقية المذكورة على حكم التحكيم الطعين، والتـي جـاء مـن ضمن أحكامها عدم قابلية ذلك الحكم للطعن عليه ويتعين تنفيذه فور صدوره على نحـو مـا سـلف بيانه، مما مؤداه أن قواعدها وأحكامها لا تجيز إقامة دعوى بطلان على الحكم الطعين.

 

(محكمة استئناف القاهرة، دائرة 62 تجاري، الدعوى رقم 39 لسنة 130 ق، جلسة 2014/2/5)'مقدمة:

 

قبل بدء تعليقنا على حكم محكمة استئناف القاهرة - دائرة 62 تجاري، لا بد من أن نشير إلى أن الطبيعة الخاصة للعدالة التي يقوم بها المحكم والمستندة في أساسها إلى إرادة الأطـراف تضفي على أوجه الرجوع بطرق الطعن على الحكم التحكيمي ذاتية خاصة بها تهدف إلى تحصين الحكم التحكيمي وتعزيز دور التحكيم كوسيلة بديلة لحل النزاعات.

 

وتذكر بإيجاز بوقائع القضية وبالمراحل القانونية التي مرت بها. كانت شركة الحرافي قـد وقعت اتفاقا مع الحكومة الليبية على إقامة مشروع سياحي يتمثل في فندق سياحي 5 نجوم ومركز تجاري خدمي وشقق فندقية ومطاعم وأماكن ترفيهية بمنطقة تاجورا" في ليبيا بتكلفة استثمارية 130 مليون دولار على مساحة 24 ألف متر مربع، على أن تكون مدة تنفيذ المشروع 7 سنوات وستة أشهر ومدة الانتفاع بهذا الاستثمار 90 عاما، واتفقا في ما بينهما على اللجوء إلى التحكـيم وفقاً للإتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية حال حدوث أي نزاع بينهما في شأن المشروع.

 

بعد صدور حكم التحكيم، لجأت الحكومة الليبية إلى محكمة الإستئناف في القاهرة تطالب بإلغاء هذا الحكم التحكيمي، وادعت بطلانه بعدما ألقت بالمسؤولية علـى شـركة الخرافي في التأخير في إنشاء المشروع، إلا أن محكمة الإستئناف التي نظرت النزاع، قضت بعدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم المقامة من الجانب الليبي لعدم جواز الطعن على هذا الحكم، حيث أن عقد المشروع قد تم توقيعه وفقا للاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية التي يجب على مصر تطبيقها باعتبارها إحدى الدول التي وقعت عليها، والتي تنص على عدم جواز الطعن في الأحكام التحكيمية الصادرة وفقا لهـا، ولـو

 

بدعوى البطلان.

 

بعد صدور الحكم الإستئنافي، لجأ الطرف الليبي إلى محكمة النقض المصرية. ونسرد في ما يلي موجزا عن رأي النيابة وموقف محكمة النقض المصرية من باب الإضاءة على المراحل التي مرت بها دعوى بطلان حكم التحكيم.طلب رئيس نيابة النقض المدني بمحكمة النقض بالعاصمة المصرية القاهرة محمد فاروق جاد الله، من المحكمة رفض الطعن المقدم من الحكومة الليبية، ووزارة الاقتصاد ووزارة المالية والهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشؤون الخصخصة في ليبيا ضد شركة محمد عبـد المـحـسن الخرافي وأولاده.

 

وأوضحت نيابة النقض المدني في مذكرتها أن الطاعنين تقدموا لدى محكمة استئناف القاهرة

 

بالدعوى رقم 39 لسنة 130 قضائية على الشركة بطلب القضاء ببطلان حكم التحكيم الصادر

 

ضدهم بتاريخ 22 مارس 2013م. وتضيف النيابة في مذكرتها أن الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشؤون الخصـصة الليبيـة أعطت موافقتها لشركة الخرافي بتاريخ 7 يونيو 2006م، بموجب القرار رقم 135 لسنة 2006م، لإنشاء مشروع استثماري في شعبية تاجوراء بطرابلس بقيمة استثمارية 130 مليون دولار ينفـذ خلال سبع سنوات ونصف، ومدة الاستثمار 90 سنة وفقا للشروط والضوابط الواردة في القانون الليبي رقم 5 لسنة 1997 بشأن تشجيع استثمار رؤوس الأموال الأجنبية ولائحته التنفيذيـة والقانون الليبي رقم 7 لسنة 2004 بشأن السياحة ولائحته التنفيذية، وبناء عليهما تم ابرام عقـد ايجار الأرض في 8 يونيو 2006م.

 

وأوضحت مذكرة نيابة النقض المصرية أن الجانب الليبي قرر عام 2010م، بموجـب القرار رقم 203 لسنة 2010، الغاء التخصيص والترخيص الممنوح لشركة الخرافي الكويتية ليتم اللجوء إلى التحكيم بموجب البند 29 من عقد الايجار بين الخرافي وليبيا الذي ينص على أنه في حالة نشوء نزاع بين الطرفين يتعلق بتفسير نصوص هذا العقد أو تنفيـذه أثنـاء سريانه يتم تسويته وديا، وإذا تعذر ذلك يحال النزاع إلى التحكيم وفقـا لأحكـام الاتفاقيـة الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية الصادرة بتاريخ 26 نوفمبر 1980

 

أخيراً، اعتبرت محكمة النقض المصرية أن الإتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، التي تنص في المادة 8/2 من ملحقها حول التوفيق والتحكيم علـى أن الأحكام التحكيمية الصادرة بموجب هذه الإتفاقية غير قابلة للطعن، لا يمكنها أن تحـرم القـضاء المصري اختصاص النظر في الخلافات، وقضت بإعادة الدعوى للنظر من جديد أمام محكمـة الإستئناف بهيئة أخرى، متجاهلة النصوص القانونية الواضحة والصريحة، وقد جاء قرار محكمة النقض متناقضاً مع ما أورده حكم الاستئناف محل التعليق الذي شابته أيضاً عيوب فادحة حسب ما سنبين في سياق تعليقنا. ستباشر في الجزء الذي يلي، مناقشة حكم محكمة الإستئناف وما شابه من عيـوب فادحـة لناحية التعليل وعدم الحياد.

 

معالجة قرار محكمة الاستئناف أسباب الإبطال المثارة من الجانب الليبي: لا بد من أن نشير، بادئ ذي بدء، الى أن القضاء بشكل عام أدرك طبيعـة وحـدود دوره الرقابي على أحكام التحكيم، معتبراً أن التحكيم كالقضاء يسعى لتحقيق الهـدف ذاتـه، ألا وهـو تحقيق العدالة، فدعوى البطلان لا تجيز إعادة طرح موضوع النزاع أمام القضاء الوطني، إذ إن في ذلك مساس بنهائية حكم التحكيم وبحجيته المعترف بهما في القانون المصري، بيد أن التحقق من توافر هذه الحالات من عدمه قد يؤدي إلى جعل القاضي الوطني يدخل في الموضوع، الأمر الذي لا تجيزه النصوص، والأمر الذي لم يقصده المشرع المصري أيضاً. فهناك خط رفيع بين التعرض للموضوع وبين ممارسـة مجـرد دور رقابي، وعلـى القاضي الوطني، مهما بلغت الحجج القانونية المشـارة أمامـه مـن الطـرف خاسـر الـدعوي

 

التحكيمية طالب البطلان، الا يتعرض لموضوع النزاع، وأن يتقيد بدوره الرقابي علـى أحكـام

 

المحكمين. تنص المادة الأولى من قانون التحكيم المصري 1994/27 على أنه: "مع عـدم الإخـلال بأحكام الإتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم... إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر".

 

اعتبر حكم محكمة الاستئناف أن أسباب الإبطال تحققت في حكم التحكيم بحسب المـادة 1/53 بعدما قضت بأن التحكيم جرى في مصر، وأنه سنداً للمادة 2/52 يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، وفقا للأحكام المبينة في المادة 1/53 من القانون السالف الذكر. وقد ضرب حكم محكمة الإستئناف هذا عرض الحائط بما ورد في المادة الأولى من قانون التحكيم المصري الذي نص صراحة على عدم الإخلال بأحكام الإتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية، فحكم التحكيم صدر وفقا للإتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، وأورد حكم محكمة الاستئناف أن المقرر قانوناً هـو وجـوب عـدم الإخلال بما تنص عليه الإتفاقيات الدولية، وأن كل اتفاقية دولية وافقت مصر على الإنضمام إليها

 

تعتبر جزءاً من التشريع المصري. بالتالي، إذا تضمنت هذه الإتفاقية قواعد خاصة بالتحكيم، فإن هذه القواعـد تكـون واجبـة التطبيق في نطاق هذه الإتفاقية دون القواعد الواردة في قانون التحكيم، وفقا لما نصت عليه المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 27/1994، والتي تقضي بأن سريان أحكام هذا القانون يكون مـع عدم الإخلال بأحكام الإتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية، ورغـم ذلـك تناولت محكمة الاستئناف أسباب البطلان بالمناقشة والتعليل غير المسند مسقطة كل ذلـك علـى الحكم التحكيمي المطلوب إبطاله وهو الأمر المحظر عليها طالما أن قانون التحكيم المصري نصت المادة الأولى منه على أن الأولوية في التطبيق تكون للاتفاقيات إذا تعارضت مـع نـص القانون المصري، وقد نصت المادة 8/2 من ملحق التوفيق والتحكيم الملحق بالاتفاقية الموحـدة على أن الحكم التحكيمي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن. وتناول حكم محكمة الإستئناف أسباب البطلان الواردة في المادة 53 مـن قـانون التحكـيم المصري ورد على كل سبب منها بتعليل غير كاف هو في حاجة الى تعليل.

 

* السبب الأول: فصل الحكم المطعون فيه مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم ومجاوزتـه لحـدود شرط التحكيم:

 

ه الوجه الأول – النطاق الموضوعي لشرط التحكيم

 

اعتبرت محكمة الإستئناف تحت هذا السبب أن المادة 29 من العقد تحدد تحديداً قاطعاً نطاق المنازعات التي يتوجب الرجوع في شأنها إلى التحكيم بعد استنفاد طرق التسوية الودية، وهـو تحديد على أساس طبيعة المنازعات وعلى أساس النطاق الزمني لهـا، فبحسب المحكمـة، إن المنازعات التي يختص بها هذا التحكيم، هي أي نزاع بين الطرفين يتعلق بتفسير نصوص هـذا العقد أو تنفيذها أثناء سريانه فقط، كما فسرت المادة 29 من العقد على أنها تستبعد أية منازعات أخرى من نطاق شرط التحكيم تثار في شأن تفسير نصوص هذا العقد أو تنفيذها بعد انقضائه. من جهة أخرى، قضت محكمة الإستئناف باستبعاد طلب التعويض عن الأضـرار نتيجـة لصدور القرار الإداري 203/2010 بإلغاء الموافقة على الإستثمار، لأنـه لا يـدخل فـي النطـاق الموضوعي لشرط التحكيم كونه قرارا منفصلا ومستقلا عن العقـد. فالقرار الإداري صدر طبقا للقانون الليبي، وبالتالي يخرج النزاع في هذا القرار والتعويض عنـه عـن ولايـة التحكيم.

 

كما هو معلوم، إن الإرادة هي معيار العقد، وبالتالي يجب تحديد مدلولها، فالتفسير يرتكـز على تحديد معنى العقد وأبعاده، كلما حصل اختلاف في هذا الشأن بين طرفيه، وجدوى التفسير تكمن في البحث عن الإرادة الحقيقية المشتركة. فيجب في مادة العقود البحث عن الإرادة الحقيقية المفترضة عوضا عن التوقف عند ظاهر الألفاظ،

 

النظرية في الواقع نتيجة منطقية لسلطان الإرادة فما دامت ارادة المتعاقدين هي التي تضع الإلتزام وتحدد مداه، فيجب البحث عن هذه الإرادة في ما تنطوي عليه النفس وما يستكين فـي الصدر. هذه الإرادة التي جالت في الخاطر والعقدت في الضمير هي التي يعتد بها، أما مظهـر التعبير عنها فليس إلا دليلا عليها، ولا يعتبر إلا بالقدر الذي يفصح به عن الإرادة الباطنة بأمانـة ودقة، فإذا قام دليل، من جهة أخرى، على أن هذا المظهر المادي لا يتفق مع الإرادة النفسية، فلا يعبأ بهذا المظهر وهو عرضي، بل يجري حكم الإرادة الحقيقية وهي الجوهر",2

 

في تفسير شرط التحكيم يجب عدم الوقوف عند المعنى الحرفي لعباراته، وعنـد عـدم الوضوح تعين عند التفسير البحث في النية الحقيقية للمتعاقدين دون التوقف عند المعنى الحرفي، ولمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير المستندات وصيغ العقود والشروط بما تراه وافيـاً بالعقد دون التقيد بالنص، وفي تفسير اتفاق التحكيم بحسن نية يقتضي تغليـب النيـة المـشتركة الحقيقية للمتعاقدين، والقول بقصر نطاق الشرط التحكيمي على تفسير العقد وتنفيذه أثناء سريانه، وأنه لا يمتد الى المنازعات المتعلقة بعدم تنفيذ أو طلب بطلان أو فسخ العقد يتعارض مع اختيار المتعاقدين الالتجاء الى التحكيم كالية فعالة لحسم ما بينهما من نزاع حالا أو في المستقبل، واتفاق الأطراف على تسوية نزاعهم عن طريق التحكيم يعني أنهم أرادوا إعطاء هيئة التحكيم اختصاصاً واسعا، وهذا ما استقر عليه الاجتهاد القضائي الدولي والعربي، وأنه يجب ألا تفوت الاشارة الى أن تفسير اتفاق التحكيم تفسيرا ضيقاً لا يسري بالنسبة للتحكيم الدولي، لأنه أصبح الطريق العادي والمسلم به عالميا لفض منازعات التجارة الدولية، ويجب تفسيره بما هو أدنـي الـى مـقـصود

 

المتعاقدين حقيقة.فإذا لم تبلغ عبارات العقد من الوضوح الحد الذي يدعو إلى عدم الإنحراف عنها تعين عند تفسيره البحث عن النية الحقيقية للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفـي.... ولمحكمـة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير المستندات وصيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تـراه هي أوفى بمقصود المتعاقدين واستخلاص ما يمكن استخلاصه منها دون التقيد بألفاظها، وتفسير اتفاق التحكيم بحسن نية يقتضي تغليب النية المشتركة التي اتجهت إليها إرادة المتعاقدين الحقيقية من حيث إختيارها الالتجاء إلى التحكيم كالية فعالة لحسم ما بينهما من نزاع حـال أو مستقبلي وإعطاء العبارات المستخدمة المعنى الذي يحقق تلك النية المشتركة ويبلغ الطرفين ما قصد إليـه في هذا الخصوص .

 

وهو ما يعرف في الفقه بمبدأ الأثر المنتج في التفسير، وهذا المبدأ مسلم بـه فـي قـضاء

 

التحكيم الدولي .

 

وقد سار الإجتهاد الدولي في التحكيم على الطريق نفسها، إذ قضت المحكمة الفيدرالية فـي سويسرا في قضية Sonatrach بأنه متى اتفق الأطراف على التحكيم، فإنه ليس هناك ما يبـرر تفسير اتفاقهم تفسيراً ضيقا، بل على العكس فإن القاضي سيعتبر أن اتفاق الأطراف على تسوية تزاعهم عن طريق التحكيم يعني أنهم قد أرادوا إعطاء هيئة التحكيم اختصاصاً واسعاً، وقضت محكمة النقض الفرنسية بأن شرط التحكيم الذي يتعلق فقط بتنفيذ العقد يعطي المحكم سلطة الفصل كذلك في صحة العقد، والشيء نفسه في سويسرا حيث ذهبت إلى أن شرط التحكيم الذي يتعلـق بجميع المنازعات الناشئة عن تفسير العقد أو تنفيذه يشمل كذلك النزاع الذي يتعلق بفسخه .

 

كما قضت محكمة النقض المصرية بأن الاتفاق على التحكيم في ما يتعلق بتنفيذ العقد يتسع للمنازعات الخاصة بعدم التنفيذ كليا أو بعدم التنفيذ جزئيا أو التنفيذ المعيب. تضمن العقد شرطاً تحكيميا في المادة 29 ولم ينص على إختصاص القضاء الإداري بنظـر النزاع الناشئ عن العقد، ومن المقرر في الفقه والقضاء الإداريين أن تضمين العقد شرطا بقـرر إختصاص القضاء الإداري هو بمثابة إفصاح عن نية المتعاقدين في إخضاع عقودهم للقانون العام، في حين أن شرط التحكيم الوارد في المادة 29 من العقد يفصح عن نية المتعاقدين فـي إخضاع العقد المبرم بينهما لقواعد القانون الخاص، كما أن شرط التحكيم يؤكد قيام المساواة بين طرفي العقد حيث يسمح بإخراج المنازعات في شأنه من الاختصاص القضائي للدولة المتعاقدة ان نطاق الشرط التحكيمي ليس محصورا في العقد، بل تمتد ولاية التحكيم الى مراقيـة أسباب الفسخ وحق الطرف المتعاقد في الحصول على تعويضات من جراء سلطة الادارة في انهاء العقد اذا كان لهذه المطالب بالتعويضات وجه حق، فقرار الإنهاء متصل بالعقد المتضمن شرط التحكيم وليس مستقلاً عنه

 

أنهى فالعقد الذي أنهي بقرار إداري أدى إلى إلحاق ضرر بالطرف الذي عقده، وبالتالي إلى توجب التعويض لهذا الأخير. وتبعا للمبادئ التي ترعى تفسير شرط التحكيم السائدة في التحكـيم الدولي، والتي تتجه إلى تفسير واسع يتوافق مع نية الأطراف الذين أرادوا إخضاع النزاعـات المحتملة التي قد تنشأ بينهم إلى التحكيم، فلا يمكن إخضاع العقد للتحكيم دون الأثر الذي ينجم عن إنهائه من طرف واحد، أي التعويض عن فسخ العقد دون وجه حق، ومطالب التعـويـض عـن الضرر المقدمة من الطرف الكويتي هي مشمولة بالشرط التحكيمي الذي يحيل الى تطبيق أحكـام الإتفاقية الموحدة لإستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية. وبالتالي ما من خروج عن النطاق الموضوعي لشرط التحكيم.

 

ه الوجه الثاني – النطاق الشخصي لشرط التحكيم وتتحقق هذه الحالة في حالة من أثر إتفاق التحكيم في مواجهة أشخاص ليسوا أطرافاً فيه. اعتبر الحكم الإستئنافي أنه لا يجوز الإحتجاج بشرط التحكيم الوارد في العقد على من لـم يكن طرفا في هذا العقد ولا يحتج به إلا من قبل الطاعنة الثالثة - الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشؤون الخصخصة – وهي الطرف الأول في العقد باعتبار أن لها شخصية اعتبارية وذمة مالية

 

مستقلة عن الحكومة الليبية. إذا كان الأصل أن شرط التحكيم لا يلزم إلا أطراف العقد الأصلي المتضمن هذا الشرط، فإنه من المسلم به أن شرط التحكيم يمتد الى كل من تدخل في مرحلة إبرام العقد أو في تنفيـذه وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء وأحكام التحكيم السائدة في الإتجاهات الحديثة الداعمة للتحكيم،ذفقضاء التحكيم الدولي اعتبر أن آثار اتفاق التحكيم تمتد إلى الأطراف التـي تـداخلت أو شاركت مباشرة في تنفيذ العقد ما دام أن ما بدر منهم من مواقف أو أعمال يفترض معهـا أنهـم كانوا على بينة من وجود اتفاق التحكيم وحدوده ونطاقه... وامتداد شرط التحكـم علـى النحـو المتقدم بيانه يحقق وحدة الاختصاص في ما يتعلق بعقد الأساس". كما أن من يتدخل في مناقشة العقد المتضمن شرط التحكيم أو في تنفيذه بشكل واضح يحدث ظاهرة تبرر التزامه شرط التحكيم تطبيقا لنظرية الوضع الظاهر . وفي حكم المحكمة النقض المصرية، قررت المحكمـة الأخـذ بمعيار التدخل في تنفيذ العقود من أجل إلزام أحد الأطراف بشرط التحكيم.

 

وتمتعها بالشخصية الاعتبارية وبذمة مالية مستقلة لا يعني استقلالها عن الدولة ولا يعني توجيـه الدعوى القضائية اليها دون اشراك الدولة، فما قام به المشاركون في العقد يضفي عليهم طابعـا حكومياً واضحاً يعزز القناعة بتدخل هيئات حكومية ليبية في إبرام العقد وتنفيذه وإنهائه. وتشير إلى أنه في ظروف معينة، يمكن الالتفات عن الشخصية القانونية المستقلة للكيانات أو 10

 

بشروط العقد الذي أبرمته تلك الوحدة أو ذلك الكيان، وذلك متى أمكن استخلاص أن الكيان قـد تصرف باعتباره أداة في يد الدولة. الثابت من مطالعة الحكم التحكيمي المطعون عليه بالبطلان، خلافا للنص المانع، أن كل هذه الادارات كانت تتصرف في ما يتعلق بالعقد موضوع النزاع باعتبارها أدوات للدولة الليبية ومنقذة لمشيئتها، وأنه في ظروف معينة يمكن الالتفات عن الشخصية القانونية المستقلة للوحدات والكيانات الخاضعة لسيطرة الدولة التي تعتبر في هذه الحالة ملزمة بشروط العقد الذي أبرمته هذه الوحدة الادارية.

 

وتلاحظ أن الحكم الإستئنافي موضوع التعليق اكتفى بتبني ما أوردته الجهة الليبيـة فقـط وجاء ناقصا لناحية تعليل الإستنتاج الذي توصل إليه تحت كل سبب متجاهلا كليا مسألة امتـداد شرط التحكيم، في التحكيم الدولي، إلى غير من وقعه. هذا الامتداد الذي أضحى مبدأ من المبادئ

 

الدولية في التحكيم الدولي

 

* السبب الثاني: بطلان حكم التحكيم بسبب البطلان الذي وقع في حكم التحكيم ذاته:

 

أورد الحكم الإستئنافي في حيثياته حول هذا السبب أن الحكم المطعون فيه لم يشتمل علـي أسباب عدم توقيع الأقلية، وأنه لا يكفي أن يثبت المحكم المرجح أن المحكم الثالث امتنـع عـن التوقيع.

 

لدى مراجعة الحكم التحكيمي يتبين أن المحكم المرجح دون تحت إسـم المحكـم الثالـث

 

المستشار محمود قمودي الحافي، أنه خالف ولم يوقع، كما هو ثابت في الصفحة 437 من الحكم

 

التحكيمي، مما يعني أن الحكم التحكيمي تضمن سبب عدم توقيع المحكم الثالث، الذي يتمثل فـي

 

أنه خالف، أي الأقلية، ما توصلت إليه الأغلبية.

 

وجدير بالذكر أن الحكم الإستثنافي ثم يشر إلى كلمة "خالف" الواردة قبل كلمة "لم يوقع في الحكم، بل شوه الحقائق المثبتة في الحكم التحكيمي. وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على عدم الحياد الذي تجلى في الحكم الإستئنافي موضوع التعليق. هذا وتشير إلى أن المحكم الثالث لم يقدم رأيا مخالفا معللا لكي يصار ضمه إلى الحكم التحكيمي، كما يتبين مـن هـذا الحكم.

 

أما بالنسبة لما أورده الحكم الإستئنافي لجهة أن الحكم التحكيمي المطعون فيه هـو معيـب وجدير بالبطلان، لأنه صدر دون مداولة بذريعة أنه صدر في خمسة أيام رغم أن الحكم قد حوى الآلاف من الصفحات واحتوى على أوجه دفاع ودفوع أبداها الطاعنون لو قامت الهيئة التحكيمية بإعطائها الوقت اللازم لفحصها لتغيرت وجهة الحكم في الدعوى"، فهذا ليس إلا دليلا واضحاً على تحيز محكمة الإستئناف الممنهج والفاضح وميلها نحو الجانب الليبي، ذلك أن عبارة خـالف ولم يوقع تدل دلالة صريحة على أن المداولة تمت وحصلت، وقد نظمت الهيئة التحكيمية محضراً بحصول المداولة قبل توقيع الحكم التحكيمي موضوع البطلان أمام محكمة الاستئناف، لـدى مراجعة حكم التحكيم، نرى بوضوح كيف أورد طلبات الطرفين وما ورد في لوائحهمـا ليعـود ويقضي بما استنتجه بعد التمعن فيها، فالحكم التحكيمي علل الإستنتاجات التي توصل إليهـا بوضوح، مفصلاً كل نقطة على حدة، مرتكزاً على الآراء الفقهية والإجتهادات القانونية، وشركة الخرافي أوضحت كل ذلك في مذكراتها الجوابية أمام محكمة الإستئناف، وحكم محكمة الاستئناف

 

تغاضى عن كل ذلك، ولم يورد أقوال شركة الخرافي في لانحتها أمام محكمة الإستئناف، بـل اكتفي بأقوال الطرف الليبي ولم يتطرق إلى أقوال شركة الخرافي، إلا في تعليله لما توصل إليـه بأن الحكم غير قابل لأي طعن، ولذلك فطلب الإبطال غير مقبول. إن القضاء يعني الإلزام والحكم، ويعني فض الخصومات والمنازعات وفق نص تشريعي نفاس عليه الواقعة، وتخلص الى حكم يصدره قاض تقسم وظيفته بالاستقلال والحياد. والمرتكـز الأساسي لاستقلال القضاء هم القضاة إن صلحوا صلحت المحـاكم وصـلح المجتمع وعمت الطمأنينة. ويكمن ضمان وجود عدالة فاعلة في وجود قضاة يحققونها عنـد مباشـرة أعمـالهم. والخلاصة أن النظام القضائي المستقل والمتماسك يهدف إلى تحسين مستوى الأداء عن طريـق تقديم عدالة ناجزة تتوافر فيها ضمانات العدالة، وفي جو من الحياد التام للقاضي، وهذا ما افتقدناه

 

في الحكم الإستئنافي موضوع التعليق. ثم يتابع الحكم الإستئنافي حول أن الحكم التحكيمي معيب وجدير بالبطلان، لأنه خـلا مـن بيان جنسية المحكمين وعناوينهم وصفاتهم، منطلقا من نص المادة 3/43 مـن قـانون التحكـيم المصري رقم 1994/27ء

 

لا بد من أن نشير إلى أن الهيئة التحكيمية اعتمدت قواعد تحكيم مركز القاهرة الإقليمـي للتحكيم التجاري الدولي، فالمادة 34 حول شكل حكم التحكيم وأثره لم توجـب أن يذكر الحكـم جنسية المحكمين وصفاتهم، بل أن يشتمل فقط على مكان وتاريخ صدوره، وهذا ما اشتمل عليـه الحكم التحكيمي الذي أورد مكان التحكيم والتاريخ الذي صدر فيه الحكم،

 

من ناحية أخرى، يتابع الحكم الإستئنافي تعليله حول بطلان حكم التحكيم منطلقا من البطلان في إجراءات التحكيم الذي أثر في الحكم بقوله أن ورقة العمل التي وضعتها الهيئـة التحكيميـة نصت على أن يقدم كل من المحكمين الثلاثة تصريحاً في أول الجلسة بحياد واستقلال كل منهم ويسجل في محضر الجلسة. يورد الحكم الإستئنافي وقائع مغلوطة تشوه حقيقة الواقـع الثابـت

 

بالأوراق.

 

أورد الحكم التحكيمي في الصفحة 11 منه، أنه بتاريخ 2012/7/14 عقدت الجلسة الأولـى الساعة الحادية عشرة صباحا في مقر مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، حـضرها محامي شركة الخرافي المدعية، كما حضرها مندوب إدارة القضايا عن المدعى عليهم، وصـرح المحكمون باستقلاليتهم، واعتمد الحاضرون الورقة التي قدمتها الهيئة التحكيمية والجـدول دون تعديل، فكيف يكون المحضر قد خلا من وجود التصريح المشار إليه؟ وأخيراً، وتحت هذا السبب أورد الحكم الإستئنافي أن الحكم المطعون فيـه مـعيـب وجـدير بالبطلان، لأن هيئة التحكيم لم تكن حيادية عند تصديها لموضوع التعويض المقضي به في الحكم المذكور، لا بد من أن نشير إلى أن الهيئة التحكيمية استندت في تحليلها وحكمها عنـد التـصدي لموضوع التعويض إلى القانون الليبي، وإلى الاجتهاد السائد في هذا المجال، كمـا إلـى أربعـة تقارير لمكاتب خبراء محاسبة دوليين، مع العلم أن الجانب الليبي لم يطلب تعيين خبراء محاسبة آخرين لدحض هذه التقارير، ولم يقدم من جانبه أية تقارير تدحض تلك التي اعتمدتها هيئـة التحكيم، علاوة على ذلك، أورد الحكم التحكيمي ذلك بالتفصيل المـسهب، شارحاً موضـوع التعويض، مستندا إلى تقارير محاسبة دقيقة وآراء فقهية وقانونية وعلمية متوجا قناعاته بـاراء العلامة السنهوري، ورغم ذلك لم يعتمد ما توصلت اليه التقارير الأربعـة، بـل خفـض بـدل التعويض المقدر بموجب هذه التقارير الى ربع قيمته، كما وردت في التقارير، وحتى أقـل مـن متوسط التقدير في التقارير الأربعة.

 

وفي هذا السياق نورد اجتهادا صادرا عن محكمة استئناف القاهرة قضت فيه أن "الشركة المدعية التي تدعي إخلال حكم هيئة التحكيم بحق الدفاع وإهدارها مبدأ المساواة، لم تقم بإبداء ثمة إعتراض أمام الهيئة على المخالفة المدعى بها"، وبالتالي قررت المحكمة رفض هذا السبب وعدم قبول دعوى البطلان.

 

* السبب الثالث : بطلان حكم التحكيم بسبب استبعاد القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه:

 

تحت هذا السبب أكمل حكم محكمة الاستئناف تعليله المعيب، واعتبر أن الحكم التحكيمـي جدير بالبطلان، لأنه استبعد القانون الليبي الواجب التطبيق، كما هو محدد في العقد بين الطرفين، وأن القانون الليبي هو المختص بتحديد الطبيعة القانونية للعقد. وقضى بأن العقد هو عقد إداري يشتمل على شروط استثنائية غير مألوفة في العقود المدنية، وفقا للقانون الليبي الواجب التطبيق. بالإضافة إلى ذلك، اعتبر الحكم الاستئنافي أن الحكم التحكيمي شوه القانون المدني الليبي علـى صعيد تقدير التعويض المستحق، إذ استبعد إعمال الإلتزام المنصوص عنه في القانون الليبـي المتمثل بمنع تفاقم الأضرار، والذي كان يجب على الجانب الكويتي التقيد بـه اللاحق به، واعتبر الحكم الإستئنافي أيضاً أن الحكم التحكيمي شوه القانون الليبـي، إذ بحسب القانون المذكور يستحق التعويض عن ضرر محقق الوقوع، أما الضرر الإحتمالي فـلا يكـون محلا للتعويض. كما قضى بأن تشويه القانون الليبي وقع في الحكم التحكيمي باستبعاده قاعدة أن الأضرار التي تلحق بطرف ما نتيجة خطئه لا تكون محلا للتعويض، إذ قضى الحكم التحكيمـي بتعويض الطرف الكويتي مخالفا بذلك ما تقدم.

 

من ناحية ثانية، قضي الحكم الإستئنافي أن الحكم التحكيمي شوه أيضا الإتفاقيـة الموحـدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية التي حددت نطاق تطبيق أحكامها الموضوعية بفكرتي رأس المال العربي واستثمار رأس المال العربي من خلال إصراره على تطبيقها في حين أن أحكامها لا تنطبق لعدم توافر هاتين الحالتين، لا بد أولا من الإشارة إلى أن القضاء الإداري المصري يتطلب بجانب كون الإدارة طرفاً

 

في العقد ضرورة اجتماع عنصر الشروط الاستثنائية غير المألوفة مع عنصر المرفق العام بنفس الدرجة والقوة، وفي ذلك تقول المحكمة الإدارية العليا بأن العقد الإداري على ما استقر عليـه قضاء هذه المحكمة هو العقد الذي تكون الإدارة طرفا فيه، ويتصل بنشاط مرفق عام من حيست تنظيمه وتيسيره بغية خدمة أغراضه وتحقيق احتياجاته مراعاة لوجه المصلحة العامة، وتأخذ فيه الإدارة بأسلوب القانون العام بما تضمنه من شروط استثنائية غير مألوفة فـي عقـود القـانون الخاص. وقضت المحكمة الإدارية العليا في مصر أن العقد الإداري هو العقد الذي يبرمه شخص معنوي من أشخاص القانون العام مع أي طرف آخر بتوافق إرادتيهما بإيجاب وقبول لإنشاء التزامات تعاقدية تقوم على التراضي بين طرفيه بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره، وأن تظهر نيته في الأخذ بأسلوب القانون العام، وما ينطوي عليه من شروط استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص تنتقل إلى تحديد العقد الإداري بحسب القانون الليبي لمعرفة ما إذا كان الحكم التحكيمي قد شوه القانون المذكور لهذه الناحية. 12

 

يقصد بالعقد الإداري بحسب القانون الليبي، كل عقد تبرمه جهة من الجهات والوحدات الإدارية، بقصد تنفيذ مشروع من المشروعات المعتمدة فـي خطـة التنميـة أو الميزانيـة أو الإشراف على تنفيذه أو تقديم المشورة الفنية أو تطويره أو في تسيير مرفق من المرافق العامة بإنتظام واطراد، متى كان ذلك العقد يشتمل على شروط إستثنائية غير مألوفة في العقود المدنية وتستهدف تحقيق المصلحة العامة. وبذل القضاء الإداري جهوداً حاول من خلالها تعريف هذه الشروط بأنها تلك الشروط التي تمنح أحد الطرفين المتعاقدين حقوقا وتحمله إلتزامات غريبة في طبيعتها عن تلك التي يمكن أن يوافق عليها من يتعاقد فـي نطـاق القـانون المدني أو

 

التجاري. 13 ولما كانت المحكمة العليا في ليبيا قد وضعت الشروط الثلاثة الواجب توافرها لاعتبار العقد الثلاث التي تتميز بها العقود الإدارية، فإنه لا يكون عقد توريد إداري..... إذا لا بد من توافر هذه الشروط مجتمعة للقول بوجود عقد إداري، ولا لزوم للغوص في خصائص ثلاث:

 

عقدا اداريا، وقد جاء في قرارها المذكور "... يكون هذا العقد وفقا لمقصود المشرع منه في نص المادة الرابعة من القانون رقـم 88/1971م بشأن القضاء الإداري إداريا بمعنى أن يكون أحد طرفيه شخصا معنويا عاما ومتعلقا بمرفق عام ومحتويا على شروط استثنائية غير مألوفة في العقود الخاصة أو متضمنا ما يفيـد أن نية الإدارة قد اتجهت في إبرامه إلى الأخذ بأسلوب القانون العام، فإن فقد إحـدى هذه الخصائص

 

تفاصيل هذا التعريف، وإنما سنكتفي بعرض موجز وسريع بهدف تبيان الخطأ الذي وقـع فيـه الحكم الإستئنافي والتحير الواضح الذي تمثل بإهمال التعليل الوارد في الحكم التحكيمي، كمـا الأسس القانونية الراسخة التي استند إليها في ما يتعلق بهذا الموضوع. استند الحكم التحكيمي إلى العلامة السنهوري في ما يتعلق بتعريف المرفق العام، ونورد في

 

ما يلي بعض ما جاء في الحكم التحكيمي، إن المرفق العام مشروع تديره جهة الإدارة أو تنظمه وتشرف على إدارته، ويقصد به أداء خدمات أو سد حاجات ذات نفع عام. مثل ذلك مرافق الدفاع والأمن والعدالة والصحة والتعلـيم ومثل ذلك أيضاً مرافق المياه والنور والغاز والمواصلات والتموين والـري. وللمرفق العـام

 

- أن يكون المرفق العام مشروعا ذا نفع عام، كتوفير خدمات عامة أو سد حاجات عامة.ألا يكون المقصود أساسا من المرفق العام هو الحصول على الـريح، وإذا كانت إدارة المرفق العام تدر في بعض الأحوال ريحا، فإن ذلك إنما يأتي عرضا وكفرض ثانوي أما الغرض الأساسي فهو توفير الخدمات العامة أو سد الحاجات العامة. يجب أن يدير المرفق العام أو ينظمه ويشرف على إدارته جهة إدارية. فالمشروع الـذي يديره أفراد أو شركات أو جمعيات لا يكون مرفقا عاما، ولو كان ذا نفع عام، مع الإشارة

 

إلى أن الجهة الإدارية تبسط رقابة شديدة على أسعار المرافق الاقتصادية.14

 

من المبادي السائدة والمسلم بها بالنسبة للعقود الإدارية أنه تراعي فيها دائماً تغليب المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة، وهذا ما استنتجه الحكم التحكيمي، وعن حق، عندما قضى بعدم توافر شروط العقد الإداري في العقد موضوع النزاع، لأن المشروع لا يقدم خدمـة عامـة للجمهور أو تحديدا للشعب الليبي، بل يقدم خدمة خاصة لمن يريدها، سواء في إشغال الفندق أم الفلل أم صالات السينما أم المطاعم الخ... باعتبار أن المشروع يتقاضى ممن يتلقـون خدماتـه السياحية ثمنا يتفاوت بحسب ظروف العرض والطلب، وليس رسما تحدده الدولة ويمكن تعديله.

 

فموضوع العقد هو إنشاء فندق سياحي ومركز تجاري خدماتي ومطاعم وأماكن ترفيهيـة وشقق فندقية وسكنية وفيلات، وهو بذلك يبعد تماما عن فكرة المرفق العام باختلاف صـوره، وخاصة فكرة تحقيق المصلحة العامة، فهو لا يرمي إلى تحقيق النفع العام أو إشباع الحاجـات العامة للأفراد.

 

أما بالنسبة للشروط الإستثنائية غير المألوفة التي لها دور فعال في تمييز العقد الإداري عن العقد الخاص كالية مميزة مع ضمها للآليات الأخرى المميزة للعقد الإداري حتـى يكتمـل هـذا الأخير بصفته عقداً مميزاً عن العقد الخاص، فقد قضى الحكم الإستثنائي بتحققها مكتفياً بذكرها دون تبني أي تحليل قانوني يدعم النتيجة التي توصل إليها، ويبين الحكم الإستثنافي مستوى الخفة والتحيز الذي هيمن على طريقة فصل الدعوى، كما يدل على ضعف التعليل، وعلى عدم الحيـاد في فصل الموضوع، وعلى تجاهل فاضح للتحليل الدقيق والمفصل الذي أورده الحكم التحكيمـي في هذا السياق، والحكم التحكيمي بين أن ما من شروط استثنائية ترد في العقد بين الطرفين، بـل كلها شروط من المألوف أن ترد في عقود القانون الخاص. فالحكم الإستئنافي شوه نصوص العقد عندما أورد مثلاً أن من حق الإدارة فسخ العقد دون الحاجة الى إتخاذ أي إجراء ليقضي بأن هذا الشرط هو من قبيل الشروط الإستثنائية التي ترد في العقود الإدارية. والصحيح أن العقد فرض على الإدارة توجيه إنذار للطرف الثاني بالدفع خلال 30 يوما في حال تأخره بدفع بدل الإنتفـاع بالأرض في ميعاد إستحقاقه، ولم يمنحها حق فسخ العقد دون إنذار، إلا إذا لم يقم الطرف الثـاني بالسداد خلال مهلة الـ30 يوما. أيضا لم يمنح العقد الإدارة حق إلغاء العقـد، إلا إذا لـم يبـدأ الطرف الثاني في تنفيذ المشروع خلال ثلاثة أشهر من تاريخ حصوله علـى تـرخيص تنفيـذ المشروع... فهذه ليست سوى شروط مألوفة نجدها على الدوام في العقود الخاضعة للقانون الخاص وتقوم على التوازن والتكافؤ بين الطرفين.

 

ونلاحظ كذلك أن الحكم الإستئنافي أسهب، وعن قصد، بأن لا يتسم بالجدية القانونية اللازمة

 

بالنسبة لمسألة العقود الإدارية، إذ من الواضح أن تعليله جاء مجتزاً ومكيفاً حسب وجهـة نظـر

 

معينة للتوصل إلى النتيجة التي خلص إليها. أما في ما يتعلق بتشويه القانون الليبي لناحية تقدير التعويض المستحق الذي قضى به الحكم التحكيمي كونه استبعد إعمال الإلتزام المنصوص عنه في القانون المدني الليبي الذي يتمثل بـأن يقوم الطرف المضرور بمنع تفاقم الأضرار، والذي كان يجب عليه التقيد بـه لتجلـب الضرر اللاحق به، ألقي الحكم الاستئنافي الضوء على هذه النقطة من خلال الوقائع التي أوردها الطرف الليبي دون أن يشير الى موقف شركة الخرافي في هذا الاطار، ورغم بحث الحكم التحكيمي ذلك والاستفاضة لهذه الجهة، ومن مراجعة هذه الوقائع يتبين أن الطرف الكويتي المضرور كان بأخذ وعود الطرف الليبي بتسليم الأرض على محمل الجد، لذلك تريت قبل أن يلجأ إلى فسخ العقـد وإيجاد نوع من عدم الإستقرار في التعامل، كما أن قطعة الأرض البديلة التي ادعـى الطـرف الليبي تقديمها بدل الأرض الأساسية لم يكن طرحا جديا. فهذه الوقائع الثابتة تدل على سوء نيـة الطرف الليبي التي تجاهلها حكم الإستئناف، بل قلب الأدوار وصور الطـرف الليبـي بـصورة الطرف المغبون بعد أن تبنى حرفيا ما أدلى به هذا الأخير متجاهلا ما أثاره الجانب الكويتي،

 

ويضيف الحكم الإستئنافي أن الحكم التحكيمي قضى بالتعويض عن الضرر الإحتمـالي وبالتالي شوه القانون المدني الليبي، إذا ما عدنا إلى الحكم التحكيمي نجد أنه خصص جزءاً منه لشرح التعويض عن تفويت الفرصة الذي هو أمر محقق. واستند الحكم التحكيمي إلى العلامة السنهوري في شرح القانون المدني الذي أورد في هذا الخصوص أنه "إذا كانت الفرصة أمراً محتملاً فإن تفويتها أمر محقق يجيز للمضرور أن يطالب بالتعويض عنها، ولا يمنع القـانون من أن يدخل في عناصر التعويض ما كان المضرور يأمل الحصول عليه من كسب من وراء تحقق هذه الفرصة، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون هذا الأمل قائماً على أسباب مقبولة"، وهـذا ما فسره الحكم التحكيمي بالنسبة لما فات الجانب الكويتي من ربح محقق الوقوع جراء إلغـاء

 

استثماره.

 

أما بالنسبة لما أورده الحكم الإستئنافي من أن الأضرار التي لحقت بالطرف الكـويتـي هـي أضرار لحقت به نتيجة خطئه وقضاء الحكم التحكيمي بالتعويض هو تشويه للقانون الليبـي فظروف الدعوى ومستنداتها والأدلة تثبت عكس ذلك. فعلام استند الحكـم الإستئنافي المـبهم ليخلص إلى هذه النتيجة؟

 

ويتابع الحكم الإستئنافي استنتاجاته حول تشويه الحكم التحكيمي للإتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية كون حالات التطبيق التلقائي لها لـم تـكـن متـوافرة. وحددت الإتفاقية نطاق تطبيق أحكامها الموضوعية بفكرتي رأس المال العربي واستثمار رأس

 

المال العربي. عرفت الإتفاقية رأس المال العربي بأنه المال الذي يملكه المواطن العربي ويشمل كـل مـا يمكن تقويمه بالنقد من حقوق مادية ومعنوية بما في ذلك الودائع المصرفية والاستثمارات المالية،

 

وتعتبر العوائد الناجمة عن المال العربي مالا عربيا كما تعتبر مالا عربيا الحصة الشائعة التـي

 

ينطبق عليها هذا التعريف. وعرفت استثمار رأس المال العربي بأنه استخدام رأس المال العربي في احـدى مجـالات التنمية الاقتصادية بهدف تحقيق عائد في اقليم دولة طرف غير دولة جنسية المستثمر العربي أو تحويله اليها لذلك العرض، وفقا لأحكام هذه الاتفاقية.

 

ان وقائع النزاع الثابتة في الملف والتي استند إليها الحكم التحكيمي، كما هو وارد فيه، هـي قاطعة في أن الجانب الكويتي أدخل جزءاً من أمواله إلى ليبيا ودفع لمن تعاقد معهم من الشركات في إطار تنفيذ مشروعه الاستثماري في ليبيا، مما يدل على أنه قد جرى انتقال واستخدام رأس المال الكويتي، كما أن المشروع هو إستثمار في احدى مجالات التنمية الاقتصادية أي في المجال السياحي وفقا لتعريف ومفاهيم الإستثمار الواردة في القانون الليبي، فيكون الحكم التحكيمي بمـا توصل إليه من إعمال الإتفاقية الموحدة في محله وقائم على تحليل قانوني متين.ه السبب الرابع: بطلان حكم التحكيم لمخالفته النظام العام في مصر:

 

اعتبر الحكم الإستئنافي تحت هذا السبب أن الحكم التحكيمي خالف النظام العام الموضوعي في مصر، لأنه قضى بتعويض مجحف وأخل بمبدأ التناسب بين الضرر والتعويض، كما خـالف النظام العام الإجرائي، لأن المحكمين افتقدوا صفات الحياد والإستقلالية والثقافة القانونية الأمـر

 

الذي انعكس على الحكم وجعله متناقضاء ان مبدأ التناسب بين الضرر والتعويض يقوم على أساس المطالبة بتعويض عـن جميـع الأضرار المتحققة عن العمل غير المشروع، والتناسب بين الضرر والتعويض يقضي أن يقـدر القاضي كامل الضرر حين تقدير التعويض، وبالتالي، يجب أن يكون مقدار التعويض بعد تقديره مساويا للضرر، ويدخل في اعتبار القاضي تفاقم الضرر أو تناقصه، ولا يجوز للقاضي أن يقدر التعويض بأقل من قيمة الضرر أي أنه يقدر التعويض، في جميع الأحوال، يقـدر مـا لـحـق المتضرر من ضرر وهذا ثابت بحسب القانون الليبي والإجتهاد المصري،

 

15 فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن تقدير التعويض من مسائل الواقع التي لا يلتزم فيها قاضي الموضوع إلا بإيضاح عناصر الضرر الذي من أجله قضى بالتعويض. كما قضت بأن تقدير التعويض الجابر للضرر من سلطة قاضي الموضوع ما دام لا يوجد في القانون نص يلزم بإتباع معايير معينة في خصوصه، ومتى كان قد بين عناصر الضرر ووجه أحقية طالب التعويض فيه، وقضت محكمة النقض المصرية أن تقدير التعويض الجابر للضرر هو من سلطة محكمة الموضوع، وأنه لا وجود لنص في القانون أو العقد يلزمها باتباع معـابير معينة. 16

 

والحكم التحكيمي علل بالتفصيل وجود الخطأ العقدي والتعويض المتوجب عن ذلك والـذي يشمل الأضرار المادية والكسب الفائت والضرر المعنوي. وأشرنا أعلاه إلى أن الهيئة التحكيمية لجأت إلى مكاتب ذات شهرة عالمية متخصصة في المحاسبة، وذلك حرصا منهـا علـى الموضوعية والحيادية والإستقلالية في تقدير التعويض المتوجب للطرف الكويتي المضرور.والجدير بالذكر أن هيئة التحكيم قررت عملا بسلطتها التقديرية تخفيض مبلغ التعويض عن الكسب الفائت الذي طالب به الطرف الكويتي الناجم عن الفرص الضائعة المحققـة والأكيـدة استثناساً بما قاله وتمناه الدكتور هشام صادق، وكيل الطرف الليبي في الدعوى التحكيميـة التـي فصلها الحكم التحكيمي المطعون عليه بالبطلان وقد أورد الحكم التحكيمي هذا التمنـي للـدكتور صادق، وهذا يدل ويثبت أن الحكم التحكيمي لم يقض بتعويض مجحف، ولم يخل بمبدأ التناسـب بين الضرر والتعويض، كما ورد في حكم محكمة استئناف القاهرة.

 

كذلك، الحديث عن عدم التزام الهيئة التحكيمية بمبادئ الإستقلالية والحياد وعدم تمنع أعضاء المحكمة بالثقافة القانونية اللازمة لفصل الموضوع ليس إلا من قبيل القول غير المـدعم وغيـر المسند بالأدلة. وكان الأجدر بمحكمة الاستئناف عند إيرادها هذا الأمر في حكمها أن تبين مكامن عدم الحيادية والإستقلالية، خاصة وأن الحكم التحكيمي آورد ما أدلى به كل طرف من الأطراف، وأعطى كلا من الطرفين الفرصة الكاملة لدحض حجة الطرف الآخر ليعود بعدها ويخلص إلى ما توصل إليه من استنتاجات معللة تعليلا سليماً، على عكس ما قام به حكم محكمة الإستئناف الـذي لم يورد ما أدلى به الطرف الكويتي، وإنما تبنى حرفيا كل إدلاءات الطرف الليبي، فإن دل ذلـك على شيء، إنما يدل على عدم حيادية حكم محكمة الإستئناف وتحيزها الفاضح للجانب الليبـي وعلى عدم احترام مبدأ الوجاهية الذي يعد من أهم المبادئ التي يقوم عليها القضاء بعدم ابراده أي من أقوال الطرف الكويتي في مذكرة دفاعه المقدمة أمام محكمة الاستئناف، وهكذا تصرف يثيـر الكثير من التساؤل والاستفهام والغاية من وراء هكذا قصد.

 

خاتمة:

 

إن المجتمعات التي تقوم على أسس سليمة، إنما ترتكز أولاً على قضاء نزيه يحمي الأفـراد ويمتن العلاقات في ما بينهم ويرسي نوعاً من الإستقرار في التعامل في ما بينهم، وذلك من خلال فرض هيبة الدولة وبسط مبادئ الحياد والاستقلال والإنصاف واستقلال القضاء تجـاه الجميـع فمتى تخلف ركن من هذه الأركان تزعزعت الثقة بالقضاء، وبالتالي بالدولة.