الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب تتعلق بالقانون الواجب التطبيق / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / تجاوز المحكم لمهمته فيما يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع المنازعة في ظل القانون الفرنسي

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    529
  • رقم الصفحة

    439

التفاصيل طباعة نسخ

تجاوز المحكم لمهمته فيما يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع المنازعة في ظل القانون الفرنسي

يذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى تأكيد أن القانون الفرنسي بشأن التحكيم لا يتضمن أي نوع من الرقابة على الطريقة التي يقوم بها المحكمون بالفصل في النزاع باستثناء احترام النظام العام الدولي وفقاً للمفهوم الفرنسي لهذه لفكرة. وترتيباً على ذلك، يذهب هذا الفقه إلى أن خطأ المحكم في الواقع أو في القانون،أياً ما كانت درجته، لا يعد سبباً لبطلان الحكم التحكيمي أو رفض إصدار الامر بالتنفيذ. ورقابة القضاء لاحترام امحكم لمهمته يجب أن لا تؤدي إلى المساس بهذا المبدأ الجوهري ومن ثمة فإنه يتعين تأييد المسلك الذي سار عليه القضاء الفرنسي في هذا الاتجاه.

والواقع أن مشكلة تجاوز المحكم لمهمته عند تحديد القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع ، تثور، كما لاحظ جانب من الفقه وبحق ،فروض عديدة:

الفرض الأول: ويتعلق بالمحكم المصالح، وهو ما  يستدعي إجراء التفرقة التالية: فقد يحدث عملاً أن المحكمين المخول إليهم سلطة الفصل في المسألة المعروضة عليهم كمحكمين مصالحين، يفصلون فيها وفقاً لقانون معين أو قد يتحقق الفرض العكسي وهو أن المحكمين الذين يتعين عليهم الفص في موضوع المنازعة وفقاً لأحكام القانون ، يؤدون مهمتهم كما لو كانوا محكمين مفوضين بالصلح على الرغم من عدم تخويل الأطراف لهم هذه الصلاحية.

والواقع أن التماثل بين الفرضين السابقين غير كامل، وذلك يرجع إلى أن طبيعة التحكيم بالصلح تعطي للمحكم حرية أكبر من تلك التي يتمتع بها المحكم الذي يتعين عليه الفصل وفقاً لأحكام القانون كذلك فإن المحكمين المفوضين بالصلح والذين يفصلون في الدعوى وفقاً للقانون، فإنه من غير اعتبار هذا التصرف منهم مكوناً لتجاوز المحكم في أداء مهمته من حيث الموضوع إلا إذا كان الثابت أنهم اعتقدوا أنهم ملزمون أو أنهم اختاروا بشكل قاطع عدم الفصل في المنازعة إلا بناءً على إعمال قواعد قانونية، أما إذا ظهر، على العكس من ذلك أن المحكمين اختاروا تطبيق قاعدة قانونية التقديرهم أنها قاعدة عادلة ومنصفة، فإنه يبدو من غير الممكن الطعن عليهم بعدم تمشيهم مع المهمة الواقعة على عاتقهم.

وتذهب الأحكام القضائية الفرنسية والتي تتسم بطابعها التحرري بالنسبة لهذه الفروض المذكورة إلى تقدير أن الاختيار الذي يقوم به المحكم عند تطبيقه للقاعدة القانونية يتضمن في ثناياه وضمنياً أن هذه القاعدة تم اختيارها تسم به من عدل وانصاف فعلى سبيل المثال ذهبت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ١٥ مارس ١٩٨٤ إلى القول بأنه: "إذا كانت الأطراف قد حولت المحكمين الفصل في موضوع المنازعة على اعتبار أنهم مقوضون بالصلح، فإن الأطراف أرادت بذلك إعفاء المحكمين من الالتزام الحرفي بتطبيق قواعد القانون. ومع . ذلك فإنه يبقى لمحكمة التحكيم على الأقل الرخصة في ان تشير إلى هذه القواعد إذا قدرت أنها صالحة على أن تعطي المنازعة الحل ما الأكثر عدالة".

واستناداً إلى ما تقدم، رفضت محكمة استئناف باريس القضاء ببطلان حكم التحكيم بمقولة أن المحكمين في واقعة الحال لم يشيروا في أية لحظة إلى أن الحكم التحكيمي مؤشس على تحرص القانون السويدي الذي قام المحكمون يبحث مسئولية الطرق بالغ في والمذكورة من أجل تفسير وتبرير مسلك البائع في لحظة معينة.

وبهذه المثابة فإن الحكم التحكيمي لا يكون محلاً للطعن عليه بالبطلان تطبيقاً لنص المادة ١٥٠٢ - ٣ من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد إلا في الفرض الذي لا يثور إلا بشكل نادر من الناحية العملية، والذي يظهر فيه من الحكم التحكيمي أن المحكمين المفوضين بالصلح قد اعتقدوا خطأ أنهم غير ملزمين في ممارسة سلطاتهم بالصلح والقضاء وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف، أو رفضوا على نحو قطعي وعمدي أن يمارسوا مهمتهم وفقاً لهذه القواعد.

وعلى عكس ما تقدم، فإن المحكمين الذين يتعين عليهم الفصل في المنازعة وفقاً للقانون ولكنهم مع ذ ذلك فصلوا فيها كمحكمين مفوضين بالصلح فإن عدم احترامهم للمهمة يبدو من السهولة بمكان ملاحظته واختيار المحكمين في هذا الفرض في المنازعة وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف لن يجعل أحكام التحكيم الصادرة عنهم بمنأى من الطعن.

ومع ذلك وحتى في هذا الفرض الأخير، فإن القضاء الفرنسي ظل منتهجاً ذات المنهج التحرري الذي سار عليه بالنسبة للفرض السابق. فذهب إلى القول مجرد إشارة المحكم إلى مبادئ العدالة والإنصاف لا يكفي في حد ذاته لإثبات أن المحكمين قد تجاوزوا سلطاتهم بل يجب أيضاً، من أجل القضاء ببطلان الحكم التحكيمي أو رفض إصدار الأمر بتنفيذه، إثبات أن المحكمين قد أساؤوا في واقعة الحال ذلك استخدام السلطات التي يتمتع بها المحكمون بالصلح .

ویری جانب من الفقه الفرنسي أيضاً ضرورة تعدية هذا الحل التحرري بالنسبة للفرض الذي يكون الإشارة إلى قواعد الإنصاف والعدالة هي محض اعمال لنصوص القانون الواجب التطبيق نفسه، والذي يخول للقاضي وبالتالي للمحكم سلطة تصحيحه. فممارسة هذه السلطة باللجوء إلى قواعد الإنصاف والتي ينص عليها القانون الواجب التطبيق لا يمكن أن تكون محلاً للطعن عليها بالبطلان وفقاً لنص المادة ١٥٠٢ – ١١٣.

 

أما الفرض الثاني، الذي تثار فيه مشكلة تجاوز المحكم لمهمته عند القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع، فهو الخاص بالمحكمين الذين يقومون بتطبيق القواعد العابرة للدول وليس قانون دولة محايدة أي قانون وطني، بينما تكون الأطراف لم تفصح عن إرادتها بشأن القانون الواجب التطبيق.

ولقد ذهب اتجاه فقهي إلى القول بأن قيام المحكم بالفصل في المنازعة المطروحة عليها عند عمد اختيار الأطراف لقانون يحكم المنازعة، وفقاً للقواعد العابرة للدول يعني أن المحكمين لم يحترموا المهمة المخولة إليهم بالفصل في المنازعة وفقا للقانون، وليس وفقاً لقواعد الإنصاف .

ويبدو أن الأحكام القضائية قد صارت فى اتجاه مخالف لهذا الاتجاه الفقهي فلقد أصدرت محكمة النقض الفرنسية في ٢٢ أكتوبر (۱۹۹۱) في المنازعة الناشئة بين شركة Compania Valenciana de Cementos Portland SA وشركة Primary Coal حكمها بأن المحكم بإشارته إلى مجموع القواعد السائدة في مجال التجارة الدولية والمستخلصة مما يجري عليه العمل في هذا المجال، والتي كرسته المحاكم الوطنية، يكون قد فصل في المنازعة وفقاً للقانون.

 

ولعل حكم محكمة النقص الفرنسية الصادر في ٢٢ أكتوبر ۱۹۹۱ يبرز هذا الاتجاه المخالف، إذ تضمن العقد المبرم بين الشركة الأمريكية Primary Coal والشركة الإسبانية Valenciana de Cementos Portland، والذي بمقتضاه تلزم الشركة الأولى بتسليم الأخيرة كميات محددة من الفحم وفقاً لسعر يتم تحديده كل ستة أشهر، شرطاً تحكيمياً بمقتضاه تعرض المنازعات الناشئة بينهما للتحكيم وقفاً لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس.

 

وإعمالاً للشرط المذكور قامت الشركة الأمريكية Primary Coal بالشروع في إجراءات التحكيم. ولقد نص في وثيقة المهمة، في المادة الخامسة منها، أن القواعد الواجبة التطبيق على الإجراءات هي علاوة على لائحة التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية، قواعد الإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات الفرنسي الجديد بشأن التحكيم الدولي، ونص في المادة التاسعة من وثيقة المهمة أنه وحيث أن القانون الواجب التطبيق لم يتم تعيينه من قبل الأطراف، فإنه يتعين تحديده بواسطة المحكم من خلال حكم تحكيمي جزئي.

وإعمالاً لنص المادة المذكورة قرر المحكم في حكمة الجزئي الصادر في القضية ٥٩٥٣، أن النزاع المعروض عليه سوف يتم وفقاً للتجارة الدولية أو ما يطلق عليه القانون التجاري الدولي lex mercatoria

 

ولقد ذكر المحكم في معرض شبيه لهذا الحكم أن القانون التجاري الدولي يشير إلى مجموعة القواعد المتصلة بالتجارة الدولية وأنه إذا كانت قواعد هذا القانون قواعد لم يتم تقنينها، فإنه تم استخلاصها من الواقع العملي ولا الممارسات التحكيمية والتي تم تكريسها من قبل القضاء الوطني للعديد من الدول، وبعد من هذه الزاوية بمثابة قواعد قانونية.

 

ولما كان هذا الحكم الجزئي لم يلق قبول الشركة الإسبانية فإنها قامت بالطمن عليه أمام محكمة استئناف باريس يزعم أن المحكم قد خالف مهمته بتطبيقه القانون التجاري الدولي Les mercatosis على النزاع المعروض عليه دون أن يكون الأطراف قد أشارت إلى تطبيق هذا القانون.

ولقد رفضت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ١٣ بولية ١٩٨٩ الطعن بالبطلان المرفوع أمامها استناداً إلى أنه للمحكم في حالة عدم قيام الأطراف بتحديد القانون الواجب التطبيق على المنازعة، يمكنه أن يطبق مبادئ وأعراف التجارة المعروفة تحت اسم Lex mercatoria.

ولقد طعن على هذا الحكم أمام محكمة النقض الفرنسية استناداً إلى أن رفض محكمة استئناف باريس للطعن بالبطلان المرفوع أمامها، وأنها خالفت داد ١٤٩٦، ١٥٠٢ فقرة ٣، ١٥٠٤ من قانون المرافعات الفرنسي الجديد إذ أن المحكم قام بالفصل في المنازعة المعروضة عليه دون التقيد بوثيقة المهمة والتي أقرت له الفصل في المنازعة في حالة عدم وجود اختيار من للقانون الواجب التطبيق، وفقاً للقانون الذي تعينه قاعدة الإسناد التي يرى أنه من الملائم إعمالها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المحكم قام أيضاً بمخالفة مهمته والنصوص المذكورة بتقريره الفصل في المنازعة وفقاً لأعراف التجارة الدولية فقط، مستبعداً بذلك إعمال أي قانون وضعي. وأخيراً فإن المحكم لم يشر إلى قاعدة الإسناد التي قام بتطبيقها، ولم يشر إلى أي عامل يبرر إعمال القواعد المذكورة فقط على المنازعة.

ولقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ٢٢ أكتوبر ۱۹۹۱ إلى رفض الطعن المرفوع أمامها وتأييد حكم محكمة استئناف باريس من الممارسة مقررة أن المحكم بإعماله لقواعد التجارة الدولية المستخلصة العملية والتي تلقت تكريس الأنظمة القضائية الوطنية على موضوع المنازعة المعروضة عليه، يكون قد فصل فيها وفقاً للقانون حسب ما يمليه عليه الالتزام الوارد في وثيقة المهمة.

 

إذ لا يقع على عاتق محكمة الاستئناف عند نظرها للطعن بالبطلان على حكم التحكيم المعروض المواد ١٥٠٤، ١٥٠٢ فقرة ٣ من قانون المرافعات الفرنسي الجديد أن تراقب شروط تحديد المحكم وإعمال القاعدة القانونية، التي يرى إعمالها.

ويذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى مباركة هذا الاتجاه التحرري المؤكد بشأن تحديد مهمة المحكم. إذ أنه من الثابت أن القاضي الفرنسي عليه طعن بالبطلان وفقاً لنصوص المواد ١٥٠٤، ١٥۰۲ ليس من سلطته كأصل عام أن يتعرض الملاءمة القضاء الصادر عن المحكم من عدمه، ولكن الأمر يدق عندما يكون سبب الطعن بالبطلان مرجعه نص المادة ١٥٠٢ فقرة ٣ الخاصة يعلم احترام المحكم لمهمته، وأنه لم يقم بتعيين، أو تفسير، أو تطبيق القانون أو القاعدة القانونية المختصة. المعروض

ولقد فحصت محكمة استئناف باريس في الواقعة محل البحث، ما إذا كان القانون التجاري الذي تملك المحكم بإعماله على المنازعة يمثل فعلاً القانون الذي حددت وثيقة المهمة سلطنة بأن يفصل في المنازعة وفقاً له، وذلك دون التعرض لمدى ملاءمة هذا الحل لحكم المنازعة، إذ أن هذا التعرض لبحث هذه الملاءمة لا يدخل في نطاق الرقابة القضائية للحكم المطعون عليه بالاستئناف.

فكأن نطاق الرقابة القضائية على مدى تنفيذ المحكم لمهمته ينحصر فقط على التأكد من أن هذا الأخير قام يبحث وتعيين القانون الذي عليه وثيقة المهمة تطبيقه، وذلك دون الدخول في بحث الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذا المسلك. وبهذه المثابة يكون المحكم قد فصل في المنازعة طبقاً للقانون مستجيباً للالتزام الواقع عليها بالفصل في المنازعة على نحو ما هو وارد في وثيقة المهمة.

 

وبهذه المثابة، فإن محكمة الاستئناف المعروض عليها الطعن بالبطلان التحكيمي بالتطبيق للصوص المواد ۱٥٠٤ ۱۵۰۲ قانون المرافعات الفرنسي الجديد لا يتعين عليها رقابة شروط تطبيق وإعمال المحكم للقاعدة القانونية المختارة.

ويذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى القول بأن هذا القضاء الذي لا يهتم بالتساؤل حول ما إذا كان القانون التجاري الدولي Lex mercatoria يعد نظاماً قانونياً مستقلاً من عدمه، قضاء يتعين تأييده دون أدنى تحفظ، فمهمة المحكم عند عدم اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق تنحصر في ضرورة الفصل في المنازعة وفقاً للقواعد القانونية الملائمة وهو ما يفيد عدم ا اقتضاء ضرورة الفصل وفقاً لقانون وطني.

أما الفرض الثالث الذي قد يوجه فيه إلى المحكم الانتقاد لعدم احترام مهمته فيما يخص القانون الواجب التطبيق على موضوع المنازعة فهو يتعلق بالفرض الذي يعقل التزامهم بتطبيق القواعد القانونية المختارة من قبل الأشخاص.

ويتحقق هذا القرض في حالة ما إذا كانت القواعد القانونية، سواء كانت قواعد وطنية أو قواعد عابرة للدول والواجبة التطبيق من قبل المحكم على موضوع المنازعة، تم تحديدها صراحة بوضوح من قبل الأطراف، وعلى الرغم من ذلك قضى المحكمون في المنازعة بما لا يتفق هذه القواعد.

فالحكم التحكيمي الذي يطبق قانون دولة أخرى غير قانون الدولة المختار من قبل الأطراف، يمكن القضاء ببطلانه أو رفض إصدار الأمر بتنفيذه إعمالاً لنصوص المادتين ١٥٠٢ - ٣ و ١٥٠٤. كذلك فإن الحكم التحكيمي الذي يطبق القواعد العابرة للدول بدلاً من القانون الوطني الذي اختارته الأطراف ليحكم علاقاتهم يمكنه أن يواجه نفس المصير.

ولكن هل الحل المتقدم يسري أيضاً في حالة ما إذا كانت الأطراف بدلاً من أن نختار قانون دولة معينة اختار اعد العابرة للدول وأصدر المحكم الحكم التحكيمي بناء على تطبيق قانون دولة تطبيقاً قاصراً عليه ودون الأخذ بعين الاعتبار القواعد العابرة للدول؟

يذهب جانب من الفقه إلى القول إنه من التاجية النظرية يتعين إعمال الحل المتقدم وإبطال الحكم التحكيمي نحو قاصر إلى قانون وطني بينما كانت الأطراف ارتضت تطبيق القواعد العابرة للدول.

ومع ذلك فإنه يجب الاعتراف بأن حرية تقدير مضمون تلك القواعد والمنهج الذي يسير عليه المحكمون يؤدي إلى عدم المساس إلا بالأحكام المصاغة بشكل معيب maldroite وليس تلك التي تستوحي قانوناً معيناً من أجل استخلاص قاعدة عابرة للدول.

ومما تجدر الإشارة إليه أنه إذا كان القانون المختار من قبل الأطراف كقانون واجب التطبيق مستوحى هو نفسه من قوانين أجنبية، فإنه لا تشريب على المحكمين في حالة إشارتهم إلى هذه القوانين فالسلطة التقديم التي يتمتع بها المحكمون في البحث عن مصادر ومضمون القانون المختار من قبل الأطراف تخول لهم هذا الحق.

ولقد ذهبت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ۱۰ مارس ۱۹۸۸ إلى رفض دعوى الطعن بالبطلان المقامة ضد الحكم التحكيمي الذي من أجل أن يحدد مضمون القانون العصري الواجب التطبيق، أشارت إلى بعض نصوص القانون الفرنسي بعدما لاحظت استلهام القانون المصري لهذه النصوص، وذهبت إلى أن المحكم في واقع الأمر، قد طبق القانون المصري على المنازعة ولا محل لإعمال الطعن بالبطلان المنصوص عليه المادة في 1502- 3.

وتعلق الوقائع التي صدر فيه. محكم بالمنازعة القائمة بين كل Crocodile Tourist Project و Aubert esques et autres فلقد الشركة المصرية المذكورة مع الشركة الفرنسية للبناء والتشيد SA Roch عقداً للتزم بمقتضاء هذه الأخيرة بتشيد فندق موفنبيك في الأقصر ولقد تضمن هذا العقد في المادة ٦٥ منه والمخصصة لحل المنازعات الناشئة عن الأطراف عن العقد أو بسببه نصاً مشابهاً لنص المادة ٦٧ من الشروط العامة التي وضعها الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين والمعروفة باسم .f.i.d.c

وفي أعقاب نشأة المنازعات بين طرفي العقد بسبب التأخر في وصول المواد الضرورية لعمليات البناء، وبسبب عدم إنجاز الأعمال في المادة المحددة العقد قامت الشركة الفرنسية باللجوء أولاً إلى إعمال ما نص عليه في المادة  65 في العقد والتي تقرر ضرورة الالتجاء إلى المهندس الاستشاري للفصل في المنازعة في خلال ٩٠ يوماً تحتسب من اليوم الذي يطلب منه أحد الأطراف أداء هذه المهمة. وعلى أثر تلقي شركة Roch في ٨ أكتوبر ۱۹۸۲ مذكرة من المهندس اعتبرتها بمثابة رفض لشكواها.

وقامت الشركة المذكورة في ٧ يناير ۱۹۸۳ بمخاطبة محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية في باريس من أجل تنظيم التحكيم للفصل في المنازعة الناشئة بين الأطراف، وقامت بفسخ العقد في ١٦ مايو ۱۹۸۳ وطلبت من المحكم الفصل أيضا في هذه المسألة ولقد تم توقيع وثيقة المهمة بين ٢٩ فبراير ١٩٨٤ . ولقد أصدر المحكم المنفرد حكمين، الأول حکم تمهید وفي ٢٤ فبراير أصدر حكماً قطعياً الموضوع وقضى بعدم مسؤلية شركة Roch عن التأخير في تنفيذ  الأعمال وأن قيام الشرركة الفرنسية بفسخ العقد مبعثه عدم قيام الشركة المصرية وأن قيام بسداد مستحقات الشركة الأولى.

ولقد قامت الشركة المصرية بالطعن بالبطلان على الحكمين المتقدمين أمام محكمة استئناف باريس ومن بين أسباب البطلان التي تمسكت بها، وهو ما يهمنا في هذا الصدد، أن المحكم قد جاوز المهمة المنوط به القيام بها ولم يقم بتطبيق القانون المصري، باعتبار أن هذا الأخير هو القانون الواجب التطبيق على موضوع الدعوى على نحو ما هو ثابت في مشارطة التحكيم.

ولقد رفضت محكمة استئناف باريس هذه الحجة التي تمسك بها الطرف المصري وذهبت إلى القول بأنه ومن حيث ما تتمسك به الشركة المصرية من ان المحكم قد فصل في مالة فسخ العقد بالتطبيق لنص المادة ٧٦ من العقد وبالإشارة أيضاً إلى القانون الفرنسي الذي استلهم منه القانون المصري، ودون أن يأخذ بعين الاعتبار نصوص المواد ١٥٧، ١٥٨ من القانون المدني المصري التي تلزم المقاول قبل أن يشرع في فسخ العقد بأن يقوم بإعذار رب العمل بالوفاء بالمبلغ المستحق الذي لم يتم الوفاء به، إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء من الإعذار.

ولقد استطردت محكمة استئاف باريس إلى أنه حيث أن المحكم قد قام في الحكم بفحص مدى تمشي الشرط المذكور في المادة ٦٧ من العقد والخاص بفسخ العقد وفقاً للقانون المصري، وحيث أنه ذكر أن المادة ١٥٨ من القانون المصري تنص على إعفاء الأطراف من الإعذار إذا اتفقنا صراحة على ذلك، وحيث أنه ذكر أن هذا الاتفاق لا يشترط أن يتم إفراغه في شكل معين ويمكن أن يستخلص من نصوص العقد، ولقد قدر المحكم أن نصوص المادة ٧٦ من العقد تخول إلى المقاول أن ينهي أعماله في حالة التوقف عن الدفع في خلال ٣٠ يوماً من تاريخ الشهادة الصادرة من المهندس، وبعد مرور ١٤ يوماً من اعذاره لصاحب العمل، لا تخالف نصوص القانون المصري وأنها قد تم احترامها.

 

وإذا كان من الثابت أن المحكم قد أشار بشكل عرضي إلى أن تفسيره يتمشي مع نصوص القانون الفرنسي الذي استلهم منه القانون المصري، فإنه يكون بذلك، وعلى عكس ما تتمسك به الشركة المصرية، قد قام بتطبيق القانون المصري على المنازعة، وقام بتقدير ما إذا كانت شروط فسخ العقد متحققة وفقاً لأحكام هذا القانون، وذلك بما يتمتع به من سلطة تقديرية في هذا الشأن.

ولقد أتيحت الفرصة لمحكمة النقض الفرنسية في قضية Sonidep، التي سبق لنا أن تعرضنا لبعض جوانبها ، في أن تحدد اتجاه القضاء الفرنسي بشان مدى التزام المحكم باحترام القواعد القانونية المختارة صراحة من قبل الأطراف لتحكم العقد إذ نعت شركة Sonidep على الحكم الصادر محكمة من استئناف باريس، والذي رفض القضاء ببطلان حكم التحكيم الصادر في المنازعة بين الشركة المذكورة وشركة Sigmail بأنها لم تطل هذا الحكم على الرغم من تجاوز المحكم الحدود مهمته والتي تمثلت في أن هذا المحكم قد طبق عادات التجارة الدولية السائدة في مجال البترول والتي لم تعينها الأطراف على موضوع المنازعة.

ولقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أن المحكم بإشارته إلى عادات التجارة الدولية طبقاً لنصوص المادتين ١٣ و ١٦ من العقد التي تم في ضوء المواد ۱۱۳۵، ۱۱٦۱ القانون المدني الفرنسي، وبأخذها كأساس لقضائه، القانون الفرنسي الواجب التطبيق على موضوع المنازعة، يكون قد طبق القاعدة القانونية المحددة له من قبل الأطراف في شرط التحكيم، والتي تلزمه الأطراف بإعمالها على واقعة الحال، والتي لا يخضع تحديدها وإعمالها لرقابة من محكمة النقض.

ويستخلص من هذا القضاء أن محكمة النقض كانت سوف تبطل حكم التحكيم بسبب مجاوزة المحكم لمهمته، إذ أن القانون الفرنسي لا يعرف على عكس القانون المصري إمكانية البطلان لعدم تطبيق المحكم للقانون المختار من قبل الأطراف، إذا قام المحكم بتطبيق الأعراف والمبادىء العامة غير المعينة من قبل الأطراف، بدلاً من أن يطبق القانون الفرنسي الذي عينته الأطراف.

 ولعله من الملاكم قبل أن تنهي دراستنا لهذا السبب من أسباب الطعن

بالبطلان على حكم التحكيم أن تعرض للمسألتين التاليتين، الأولى: هل يمكن للمحكم أن يستبعد القانون المختار من قبل الأطراف ليحكم موضوع المنازعة سبب عدم ملاءمة هذا القانون لحكم العلاقة القانونية المعروضة عليه؟

 أما المسألة الأخرى فهي تتعلق بنطاق رقابة محكمة الاستئناف على حكم التحكيم الذي استبعد القانون الواجب التطبيق.

استبعاد القانون المختار من قبل الأطراف بسبب عدم ملاءمته

 قد يكون استبعاد المحكم للقانون المختار من قبل الاطراف مرجعه عدم ملاءمة هذا القانون الحكم العلاقة القانونية المثارة أمامه. فعلى سبيل المثال لم يقم المحكمون في المنازعة الناشئة عن عقد بيع الكتب بتطبيق القانون الروماني كانت الأطراف قد اختارته ليحكمه مفضلين إعمال القانون اليوناني عليه بحجة أن هذا القانون هو الأصلح لحكم هذه المنازعة.

  ويرى جانب من الفقه أن هذا المسلك يقترب من المسلك الذي ابتدعه جانب من القضاء.

والواقع من الأمر أنه من الصعوبة بمكان قبول تمتع المحكمين بهذه الحرية التي تذهب إلى حد استبعاد القانون أو القواعد المختارة من قبل الأطراف، وبناء عليها يتم استبعاد الاختيار الذي يعد من وجهة نظر هؤلاء الأطراف الحل الأمثل للفصل في المنازعات القائمة بينهم من أجل استبداله يجل أكثر ملاءمة من وجهة نظر المحكم.

وهناك فرض آخر قد يقوم المحكم فيه باستبعاد القانون المختار من قبل الأطراف ليس على اعتبار أنه ليس الحل الأكثر ملاءمة وإنما على اعتبار أن هذا القانون أو هذه القواعد المختارة تتعارض مع النظام العام الدولي أو العابر للدول.

ويذهب جانب من الفقه إلى أنه إذا كان من غير المقبول تأييد الحكم في حالة استبعاد القانون المختار من قبل الأطراف بمقولة أنه ليس القانون الأصلح الحكم المنازعة، فإنه تأييد الحكم في حالة استبعاده لهذه القواعد إذا كانت تتعارض مع النظام العام الدولي المشترك بين الدول أو النظام العام ذلك يجو العابر للدول.

نطاق رقابة محكمة الاستئناف على حكم التحكيم

 

في من المعروف أن اللجنة التي شكلت لدراسة مشروع قانون التحكيم الحالي استحدثت في نص المادة محل الدراسة البند (د) لتضيف إلى حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم حالة استبعاد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي انفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع. ويدخل في مفهوم نطاق استبعاد القانون الواجب التطبيق الخطأ في تطبيقه إلى درجة مسخه.

والسؤال الذي يتعين طرحه الآن هل رقابة محكمة الاستئناف الفرض يمكن أن تشمل حالة قيام المحكم بالخطأ. تفسير العقود محل المنازعة إلى درجة تصل إلى حد. المخ denaturation، فتقضي ببطلان حكم التحكيم لمجرد أن هيئة التحكيم قد أولت العقد وفشرت بنوده علی غیر مقتضی أو لم تفره التفسير السليم مما أدى إلى تشويه العقد ومسخه؟

 

لا نعتقد من جانبنا أن النصوص الواردة في القانون المصري والتي تقرر حالات بطلان حكم التحكيم على سبيل الحصر تسمح بمثل هذا النوع من الرقابة فرقابة محكمة الاستئناف على احترام المحكم لمهمته تنحصر في مراقبة مدى إعماله للقانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع ويدخل في هذا النطاق الخطأ في تطبيق القانون إلى درجة مسخه .

أما الخطأ في تأويل الوقائع وتعميرها فهي. سألة أخرى تخرج من نطاق لمرقابة محكمة الاستناف والقول بعكس ذلك يخلق حالة من حالات البطلان لم ينص عليها القانون المصري.

ولعل ما تقول به من رأي يتمشى مع ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية أخيراً في حكمها الصادر في قضية شركة Fougerolls ضد شركة Botec Engineering في ٢٠ ديسمبر (۱۹۹۳).

فحص فلقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى القضاء بأن وظيفة محكمة الاستئناف المعروض عليها الطعن بالبطلان على حكم التحكيم وفقاً لنصوص المواد ١٥٠٢ و ١٥٠٤ من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد تنحصر في أوجه البطلان الواردة على سبيل الحصر في هذه المواد، ولقد أصابت محكمة الاستئناف عين الحقيقة عندما قضت بأن مسخ الوثائق التعاقدية من قبل المحكمين لا يمكن تشبيهه بمخالفة هؤلاء للالتزام الواقع عليهم بالفصل في المنازعة المعروضة عليهم في حدود المهمة المخولة لهم.

وتتعلق الوقائع التي صدر فيها هذا القضاء بالمنازعة الناشئة بين شركة Fougerolle، والواقع على عاتقها القيام ببناء مستشفى عسكري في سوريا والشركة اللبنانية Butec Engineering والتي أبرمت معها الشركة الأولى ثلاثة أجل القيام بالدراسات والأبحاث وعلى أثر عقود في عامي ١٩٧٦ و ١٩٧٧ من قیام صاحب العمل بالتوقف عن دفع المستحقات الواقعة على عاتقه توقفت شركة Frugerolle بدورها عن دفع مستحقات الشركة اللبنانية لديها، متمسكة بأن نصوص العقد تتيح لها في حالة عدم حصولها على مستحقاتها من صاحب العمل أن تتوقف عن الدفع لمكتب الدراسات.

وعند عرض المنازعة على التحكيم فؤر المحكمون أحقية شركة Batee تلقي مقابل أتعابها. ولقد رفضت محكمة استئناف باريس الطعن الذي تقدمت به شركة Fougerolle ضد حكم التحكيم الصادر بإلزامها بدفع الأتعاب المقررة بمقتضاه إلى شركة Butec، وهو ما دفع هذه الأخيرة إلى الطعن في هذا القضاء أمام محكمة النقض التي أصدرت حكمها المتقدم.

وإلى جانب هذه الحالة الأولى من حالات الطمن بالبطلان على حكم التحكيم بسبب عدم احترام المحكم لإرادة الأطراف فإن هناك حالة أخرى يتحقق فيها عدم احترام المحكم لهذه الإرادة وذلك بتجاوزه لنطاق المهمة المخولة إليه بالفصل فيها.

 

119