الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب تتعلق بالقانون الواجب التطبيق / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / الطعن بالبطلان على حكم التحكيم الذي استبعد تطبيق القانون الذي اتفقت الاطراف على اعماله على موضوع النزاع

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    529
  • رقم الصفحة

    429

التفاصيل طباعة نسخ

الطعن بالبطلان على حكم التحكيم الذي استبعد تطبيق الذي اتفقت الأطراف على إعماله على موضوع النزاع

  تنص المادة ٥٣ - ١ - د على هذا الوجه من أوجه الطعن بالبطلان على حكم التحكيم الصادر في مصر بشأن منازعة تتصل بمصالح التجارة الدولية أو صدر في الخارج في شأن منازعة متصلة بمصالح التجارة الدولية واتفق أطرافها على إخضاع التحكيم للقانون المصري.

ولقد نصت المادة ٣٩ من قانون التحكيم المصري على أنه :

 ١-" - تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان، وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بشارع القوانين ما لم يتفق على غير ذلك.

 2- وإذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع.

3- يجب أن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة".

والواقع أن استبعاد حكم التحكيم للقانون الذي اتفقت الأطراف على تطبيقه، سواء كان هذا القانون هو القانون المصري أو القانون الأجنبي في الحالات التي يكون فيه قانون التحكيم المصري هو الواجب اتباعه بشأن تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع المنازعة، قد لا يثير صعوبة تذكر في حالة ما إذا كان هذا الاستبعاد قد تم من قبل المحكم بشكل صريح وقاطع .

فعلى سبيل المثال لو أن الأطراف اختارت قانون الدولة (أ) ليحكم المنازعة الناشئة فبدلاً أن يطبق المحكم قانون هذه الدولة طبق قانون الدولة (ب)، ففي هذا الفرض يندرج حكم التحكيم الذي استبعد القانون المختار من قبل الأطراف بهذا الشكل الصريح في إطار نص المادة ٥٣ - ١ - د.

 ولكن هل ينسحب هذا الحكم أيضاً على الفرض الذي يقوم المحكم، دون استبعاد صريح لهذا القانون المختار بتطبيق شروط العقد محل النزاع، والأعراف الجارية في نوع المعاملة بشكل قاصر عليهما، ولا سيما وأن إعمال هذه القواعد هو محض تنفيذ للالتزام الواقع على عاتق المحكم الذي يلزمه القانون بمراعاة هذه المسائل عند الفصل في موضوع النزاع؟

يبدو لنا أن الإجابة على التساؤل المطروح تقتضي التفرقة بين ما إذا كان التطبيق من قبل المحكم لشروط العقد وللأعراف الجارية في نوع بشكل قاصر عليهما دون استبعاد صريح للقانون المختار من قبل الأطراف، يشكل أو لا يشكل مساساً بالقواعد التي تعتبر من قبيل النظام العام في الدولة من المعاملة عدمة.

فإذا كانت هذه الشروط التعاقدية والأعراف الجارية في نوع المعاملة تتعارض مع النظام العام في مصر، فإن حكم التحكيم يمكن الطعن فيه بالبطلان لهذا السبب الأخير وليس لسبب استبعاده تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع، إذ أنه في الفرض محل البحث لم يتم استبعاد هذا القانون بشكل صريح، وإنما طبقت شروط العقد والأعراف الجارية في نوع المعاملة نزولاً على حكم المادة ٣٩ – ٣.

أما إذا كانت الشروط التعاقدية التي قام المحكم بإعمالها والأعراف الجارية في نوع المعاملة لا يمس النظام العام في الدولة فإن إعماله لها بشكل قاصر مع عدم استبعاد القانون المختار بشكل صريح لا يبدو من وجهة نظرنا سبباً للطعن على حكم التحكيم بالبطلان في مفهوم المادة ٥٣ - ١ - د، وفي ضوء الالتزام الواقع على عاتق المحكم وفقاً للمادة ٣٩ - ٣ بأن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة ولا سيما إذا طبق المحكم هذه الأعراف على اعتبار أنها تشكل جزءاً من القانون المختار من قبل الأطراف.

والواقع أن إفراد المشرع المصري لقيام المحكم باستبعاد تطبيق القانون الذي اتفقت الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع، كسبب مستقل للطعن بالبطلان على حكم التحكيم يبرز الأهمية التي أولاها المشرع المصري لإرادة الأطراف في شأن التحكيم التجاري الدولي وعلى الرغم من أن الكثير من الأنظمة القانونية الأخرى التي تشارك المشرع المصري احتراماً لإرادة الأطراف، فإنها مع ذلك لم تخصص استبعاد تطبيق القانون المختار من قبل المحكم کسبب مستقل للطعن بالبطلان على حكم التحكيم، بل يعالج القضاء فيها هذا التجاوز من قبل المحكم، في إطار سبب آخر مستقل من أسباب الطعن المهمة على حدود مهمته وعدم تقيده بها. بالبطلان، وهو خروج المهمة على حدود مهمته وعدم تقيده بها.

ولقد أتيحت الفرصة للقضاء المصري في أن يعمل نص المادة ١٥٣ - د من قانون التحكيم المصري في قضيتين تعرض لهما تباعاً:

قضية Chromalloy

بموجب عقد تم توقيعه في ۱۹۸۸/٦/١٦ بين كل من شركة كرومالوي، وهي شركة أمريكية، وهيئة تسليح القوات الجوية المرفوعة التابعة لوزارة الدفاع المصرية، تعهدت الشركة الأمريكية بتقديم معدات وخدمات ومعونة فنية متعلقة بطائرات الهليكوبتر، ونظراً لعدم وفاء الشركة الأمريكية بالالتزامات المنصوص عليها في العقد الموقع بينها وبين الطرف المصري، أنهى الطرف المصري العقد وقام بصرف خطابات الضمان المقدمة من الشركة الأمريكية .

ولما كان هذا الإجراء المتخذ من قبل الطرف المصري لم يحر رضاء الشركة الأمريكية فإنها لجأت إلى إعمال شرط التحكيم الوارد في العقد وتم عقد التحكيم في القاهرة.

ولقد انتهت محكمة التحكيم المشكلة من السيد Briner رئياً، والأستاذ الدكتور سمير الشرقاوي محكماً. عن الجانب المصري والأستاذ E Gaillard محكماً عن الشركة الأمريكية - إلى إصدار - حكم قضت فيه بأن إنهاء العقد غير قانوني والزمت الطرف المصري بأن يدفع تعويضاً للشركة الأمريكية يتجاوز ١٧ مليون دولار.

من ولقد طعن الطرف المصري على هذا الحكم بالبطلان أمام محكمة استئناف القاهرة للعديد الأسباب منها استبعاد حكم التحكيم للقانون الواجب التطبيق، وبطلان حكم التحكيم لمخالفته لضوابط التسبب المعتبرة قانوناً طبقاً للمادة ٥/٥٣ من القانون رقم ٢٧/ ١٩٩٤.

وبجلسة ١٩٩٥/١٢/٥ أصدرت محكمة استئناف القاهرة حكماً ببطلان حكم التحكيم مستندة في ذلك إلى أن المشرع أجاز الأطراف التحكيم الطعن على حكم التحكيم في حالات عددتها المادة ٥٣ من القانون رقم ٢٧ السنة ١٩٩٤ على سبيل الحصر، حيث ينص على أنه لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:

 (د) إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه في موضوع النزاع.

 

وذهبت المحكمة إلى أنه :

"لما كان ذلك، وكان من غير المتنازع فيه من الطرفين أن القانون المصري هو المتفق بينهما على تطبيقه على النزاع الماثل وكذلك من غير المتنازع فيه أن العقد محل التداعي مبرم بين هيئة تسليح القوات الجوية المرفوعة التابعة لوزارة الدفاع المصرية وهي من المرافق العامة والشركة المدعى عليها وهي إحدى شركات القطاع الخاص الأمريكية وأن العقد ينصب على قيامها بتوريد قطع غيار لأسطول طائرات الهليكوبتر المبينة بالعقد القيام بالصيانة وتنظيم مخازن قطع الغيار.

 ولما كان القانون المصري لم يعرف العقود الإدارية ولم يبين خصائصها التي تميزها عن غيرها من العقود التي يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها وصيانتها من تعرض المحاكم لها بالتعطيل أو بالتأويل إلا أن إعطاء العقود التي تبرمها جهة الإدارة وصفها القانوني الصحيح باعتبارها عقوداً إدارية أو مدنية إنما يتم على هدى ما يجري تحصيله منها ويكون مطابقاً للحكمة من إبرامها.

ولما كان من المقرر أن العقود التي تبرمها الإدارة مع الأفراد لا تعتبر عقوداً إدارية إلا إذا تعلقت بتسيير مرفق عام أو بتنظيمه وأظهرت الإدارة نيتها في الأخذ بشأنها بأسلوب القانون العام وأحكامه واقتضاء حقوقها بطريق التنفيذ لمباشر بتضمين العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة بمنأى عن أسلوب القانون الخاص.

 

وعلى هدي ما تقدم، وكان من الثابت لهذه المحكمة أن العقد محل المنازعة هو عقد إداري مبرم مع مرفق عام لتوريد مهام وخدمات متعلقة بشيره وتنظيمه وتضمن العقد - حسبما هو وارد بدفاع الطرفين بأوراق التداعي المائل - أن الإدارة أظهرت بيتها في الأخذ بأسلوب القانون العام وأحكامه واقتضاء حقوقها بطريق التنفيذ المباشر بما تضمنه العقد من حق جهة الإدارة في توقيع جزاءات مالية في بعض الحالات وسلطتها إنهاء التعاقد في حالات معينة في بإرادتها المتفردة بمجرد إخطار بخطاب مسجل وهي شروط استثنائية غير مألوفة بمنأى عن القانون الخاص، فإذا تضمن ذلك العقد النص على أن القانون الواجب التطبيق - بمعرفة هيئة التحكيم - هو القانون المصري فإن مفاد ذلك أن المقصود هو القانون الإداري المصري فإذا أعمل حكم التحكيم القانون المدني المصري دون القانون الإداري المصري فإنه يكون قد استبعد القانون المتفق في العقد على إعمال أحكامه بها تتوافر معه حالة من حالات طلب بطلان حكم التحكيم المنصوص عليها في المادة ٥٣ وفق فقرتها الأولى بند (د) من القانون. رقم ٢٧/ ١٩٩٤ آنفة البيان.

ومما لا شك فيه أن تكيف العقد بأنه عقد من عقود القانون الخاص يخضع بهذه المثابة لقواعد القانون الخاص أو أنه عقد من العقود الإدارية يخضع للقانون الإداري هي مسألة تكيف ثانوي ثارت أمام محكمة التحكيم بعد اختيار الأشخاص للقانون المصري ليحكم العقد. ولما كان القانون المصري الحاكم للعقد يعرف طائفتين من العقود: العقود الإدارية والعقود المنتمية إلى القانون الخاص، فإنه كان يجب على هيئة التحكيم أن تحترم هذا التقسيم التقليدي عليه القانون الذي يسير عليه القانون المصري وتنتهي إلى وصف العقد محل المنازعة بالوصف القانوني الحق وتعمل عليه القواعد القانونية الخاصة به، وإذا لم تقم محكمة التحكيم باتباع ذلك النظر تكون قد خلطت بين مسألتين لا ينبغي الخلط بينهما مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق والتكييف اللاحق للعقد

 

   وعلى الرغم من أن العقد المبرم بين الشركة الأمريكية والحكومة المصرية تحققت فيه المعايير المتفق عليها في مصر وفرنسا أجل إضفاء هذا الوصف على العقد لكي يكون عقداً إدارياً وهو المعيار العضوي (سلطة عامة تتصرف بوصفها كذلك) المعيار المادي (انطواء العقد على شروط استثنائية) المعيار الغائي (تسيير أو إدارة مرفق عام)، فإن محكمة التحكيم بدلاً من أن تخضع هذا العقد الإداري للقواعد القانونية الخاصة به الواردة في القانون المصري أخضعته للقانون المدني وذلك على الرغم من عدم ملاءمة القواعد الخاصة بالقانون المدني للانطباق على هذه النوعية من العقود التي أفرد لها القانون المصري نظاماً قانونياً خاصاً بها.

وتطبيق أحكام القانون المدني المصري على العقد الإداري المبرم بين الحكومة المصرية والشركة الأمريكية لا يعد مجرد خطأ في القانون بل هو عدم تطبيق للقانون المختار من أصله وهو ما يتحقق به مخالفة نص المادة ٥٣ من قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ علاوة على أنه إذا قام الأفراد باختبار قانون دولة ليحكم هذا العقد، فإن هيئة التحكيم لا يمكنها أن تختار داخل هذا القانون المختار النظام القانوني الواجب التطبيق دون أن يتضمن هذا الاختبار انتهاكاً واعتداء على الاختيار الصادر عن الأطراف والوارد في العقد نفسه، طالما كان هذا القانون المختار يحدد بنفسه المعايير اللازمة لإعمال الأنظمة القانونية المختلفة التي يتضمنها. وبهذه المثابة تكون هيئة التحكيم لم تخطئ في تطبيق القانون فقط بل وتجاوزت أيضاً حدود المهلة المنوط بها القيام بها، وهو بسبب مستقل تعرفه الكثير الأنظمة القانونية المنظمة للتحكيم من بينها القانون الفرنسي وتجيز بناء على تحققه إمكانية الرجوع على حكم التحكيم بالبطلان لمخالفة هيئة التحكيم الالتزام الواقع على عاتقها باحترام إرادة الأطراف.

ولقد أتيحت الفرصة للقضاء المصري ليؤكد ما انتهى إليه من قضاء في قضية Chromalloy في قضية أخرى هي قضية إيتالورك وهي القضية التي نتعرض لها الآن:

٢- قضية إيتالورك:
في ١٩٨٩/١١/٣٠ تعاقدت شركة إيتالورك الإيطالية مع هيئة النقل العام بالقاهرة على توريد عدد يدوية وقطع غيار لها، وتضمن العقد في البند ١٢ منه أنه في حالة الخلاف بين المشتري والمورد بحل النزاع حسب قواعد التوفيق والتحكيم لغرفة التجارة الدولية. ونظرا للخلاف الناشئ بين الشركة الإيطالية وهيئة النقل حول تنفيذ العقد، نتيجة توريد بعض البنود بالمخالفة للاشتراطات والمواصفات المقررة لجأت الشركة الإيطالية إلى تفعيل شرط التحكم. ولقد انتهى المحكم المنفرد إلى إصدار حكما، في ۱۱/ ۲۸/ ۱۹۹۷ بإلزام هيئة النقل العام بسداد مبالغ متنوعة للشركة الإيطالية.
ولقد طعنت هيئة النقل العام على هذا الحكم بالبطلان لاستبعاد القانون الواجب التطبيق، ذلك أن القانون الواجب التطبيق في النزاع هو القانون الإداري المصري باعتبار أن هيئة النقل العام بالقاهرة هي إحدى أشخاص القانون العام وأن العقد المبرم بينها وبين الشركة الإيطالية هو عقد توريد بما يستوجب تطبيق القانون الإداري المصري وليس القانون المدني على نحو ما انتهى إليه المحكم.
ولقد ذهبت محكمة استئناف القاهرة في حكمها الصادر في ١٩٩٩/٩/٧ إلى أن "لما كان من غير المتنازع فيه بين الطرفين أن القانون المصري هو المتفق بينهما على تطبيقه على النزاع الماثل وكان من غير المتنازع فيه أن العقد كل التداعي مبرم بين هيئة النقل العام بالقاهرة وهي من المرافق العامة، وبين الشركة المدعى عليها إحدى شركات القطاع الخاص الإيطالية وأن العقد ينصب على قيامها بتوريد عدد يدوية لها وقطع غيار لزوم تسيير مرفق النقل العام بالقاهرة.
ولما كان القانون المصري لم يعرف الإدارية، ولم بين خصائصها التي يهتدي بها عن غيرها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها
ولما كان من المقرر أن العقود الإدارية التي تعقدها الإدارة مع الأفراد لا عقودا إدارية إلا إذا تعلقت بتسيير مرفق عام أو تنظيمه وأظهرت الإدارة الأخذ بشأنها بأسلوب القانون العام وأحكامه واقتضاء حقوقها بطريق التنفيذ المباشر بتضمين العقود شروطا استثنائية غير مألوفة بمنأى من أسلوب القانون الخاص.
وعلى هدي ما تقدم وكان الثابت لهذه المحكمة أن العقد محل المنازع هو عقد إداري مبرم بين مرفق عام لتوريد عدد يدوية وقطع غيار لازمة لتسييره وتنظيمه، بالتالي إذا تضمن العقد النص على أن القانون الواجب التطبيق بمعرفة هيئة التحكيم هو القانون المصري، فإن مفاد ذلك أن المقصود هو القانون الإداري المصري فإذا أعمل حكم التحكيم القانوني المدني المصري دون القانون الإداري المصري فإنه يكون قد استبعد القانون المتفق في العقد على أعمال أحكامه بما يتوافر معه حالة من حالات بطلان حكم التحكيم المنصوص عليها في المادة ٥٣ في فقرتها الأولى بند (د) من القانون رقم ٢٧/١٩٩٤.
وحكم محكم استئناف القاهرة في قضية إيتالورك جدير بالتأمل. فعلى الرغم من أن المحكمة الموقرة قد ذكرت في حيثياتها المعايير الثلاثة المتطلبة. لاعتبار عقدا ما عقدا إداريا، إلا أنها لم تتصد لمدى تحقق هذه المعايير في واقعة الحال. إذ اكتفت المحكمة بالقول بأن هيئة النقل العام تعد من المرافق العامة، وأن العقد المبرم بينها وبين الشركة الإيطالية هو عقد توريد أبرم من أجل تسيير مرفق عام، ولم تبرز المحكم ما إذا كان العقد المبرم بين هيئة النقل العام المصرية والشركة الإيطالية قد تضمن شروطا استثنائية غير مألوفة تدخله في طائفة العقود الإدارية.

وعلى ما يبدو فإن هذا الشرط الأخير لم يكن متحققا. في واقعة الحال وهو ما حرص المحكم على الإشارة إليه في حكم التحكيم الصادر عنه.
وإذا كنا قد اتفقنا محكمة استئناف القاهرة فيها انتهت إليه من قضاء مع ببطلان حكم التحكيم الصادق قضية Chromally نظرا لأن العقد المبرم بين في الحكومة المصرية والشركة الأمريكية كان عقدا إداريا توافرت له العناصر الأساسية المتطلبة لوصف عقدا ما بذلك الوصف. ذلك أعملت عليه هيئة التحكيم قواعد القانون المدني المصري بدلا من قواعد الإداري المصري، فإننا محكمة استئناف القاهرة في قضية إيتالورك بشأن ما انتهت إليه من قضاء ببطلان حكم التحكيم لاستبعاده القانون الإداري المصري وأعماله للقانون. وقع تختلف مع الخاص.
فأعمال المحكم لقواعد القانون الخاص المصري في قضية إيتالورك أعمالا يتمشى مع طبيعة العقد المبرم بين هيئة النقل العام والشركة الإيطالية إذ إن هذا العقد لا يعدو أن يكون مجرد عقد توريد لا ينطبق عليه وصف العقد الإداري وذلك لتخلف عنصر الشروط الاستثنائية غير المألوفة في عقود القانون الخاص، والتي خلا العقد من ذكرها.
وإذا كانت أسباب الطعن بالبطلان الواردة في القانون المصري فضلا عن أنها أسباب واردة على سبيل الحصر فلا يجوز إضافة أسباب أخرى إليها غير المنصوص عليها صراحة، فإنها أيضا تعد أسبابا تتسم بطابع استثنائي، إذ إنها واردة على خلاف الأصل العام المتمثل في ضمان الفعالية القصوى لحكم التحكيم، وبهذه المثابة فإنه يتعين تفسيرها تفسيرا مضيفا وإعمالها في الحالات الداخلة في نطاقها دون توسع وترتيبا على ذلك وإذا كان المشرع قد جعل من استبعاد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع سببا مستقلا للبطلان، فإن أعمال القانون المدني لمصري على العقد الذي وفق لتكييف هذا القانون لا يعدو الآن يكون عقدا من عقود القانون الخاص لا يمكن أن يشكل استبعادا للقانون الذي اتفقت الأطراف على تطبيقه.

119