اتجه رأى إلى أن اتفاق التحكيم يخضع لقانون دولة محل هيئة التحكيم وقد استند هذا الرأي إلى أن اتفاق التحكيم هو جزء من إجراءاته التي تخضع لقانون محل التحكيم. وقد أخذت محكمة النقض المصرية بهذا الاتجاه مقررة خضوع اتفاق التحكيم لقانون «البلد الذي اتفق على إجراء التحكيم فيه». ولكن هذا الرأي لم يلق قبولًا، من ناحية لأن إجراءات التحكيم لا تخضع بالضرورة لقانون محل التحكيم فلأطراف الاتفاق على إخضاعها للقانون الذي يختارونه، كما أن لهيئة التحكيم- عند عدم اختيار الأطراف إخضاعها لقانون آخر غير قانون محل التحكيم. ومن ناحية أخرى فإن اتفاق التحكيم ليس جزءًا من إجراءات التحكيم، فهو يسبق هذه الإجراءات ولا يعتبر مرحلة من مراحلها.
ولهذا رجح الرأي الذي يرى عدم إخضاع اتفاق التحكيم إلى قانون محل التحكيم. والسؤال الآن ما هو القانون الذي يخضع له؟!
وفقًا لاتفاقية نيويورك سنة ۱۹۵۸ (المادة 1/5)، يجب الرجوع بالنسبة إلى انعقاد الاتفاق على التحكيم وشروط صحته وترتيبه لآثاره وحوالته وتفسيره إلى قواعد القانون الذي اتفق الأطراف على خضوع الاتفاق له. فلأطراف حرية اختيار القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم، ولهذا فإن قانون الإرادة هو الذي يكون واجب التطبيق.
والمقصود هو النظام العام الداخلي بالنسبة للتحكيم الوطني، والنظام العام الدولي بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي. وأساس هذا المبدأ هو أن اتفاق التحكيم عقد يخضع كغيره من العقود لإرادة الطرفين، ويمكن للطرفين أن يحددا مقدمًا القانون الذي يطبق على اتفاق التحكيم.
ولأنه وفقًا لاستقلال شرط التحكيم، يمكن أن يخضع اتفاق التحكيم لقانون مختلف عن القانون الذي يخضع له العقد الأصلي الذي يتضمن هذا الشرط، فإنه تثور أحيانًا مشكلة لمعرفة ما إذا كان الأطراف قد اتفقوا على القانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم. ويحدث هذا عندما يكون الاتفاق على التحكيم في صورة شرط في العقد الأصلي، وتضمن هذا العقد نصًا يقضى بأن القانون الذي يخضع له هذا العقد هو قانون معين. فهل يعتبر هذا اختيارًا من الأطراف للقانون الذي يحكم العقد الأصلي وحده، لم يعتبر أيضًا اختيارا للقانون الذي يحكم اتفاق التحكيم؟ الراجح أن يعتبر اختيارًا للقانون الذي يحكم العقد الأصلي وحده، وليس للقانون الذي يخضع له شرط التحكيم.
وقد تكون إرادة الأطراف في الاتفاق على قانون يخضع له اتفاق التحكيم إرادة ضمنية. من هذه أن يتفق الأطراف على شرط تحكيم نموذجي لجماعة مهنية معينة بدولة معينة، ويرتبط هذا الشرط برابطة لصيقة بالنظام القانوني لهذه الدولة. ومثاله عقود النقل البحري المتضمنة شرط التحكيم وفقًا للنموذج الإنجليزي( Le modele de chartes- parties anglaises) فهذا الاختيار يعنى ضمنًا اختيار الأطراف لتطبيق القانون الإنجليزي.
وتعتبر المادة أ/5 من اتفاقية نيويورك «القانون الذي ينطبق عليهم أي على أطراف اتفاق التحكيم. وهذا القانون قد يكون في بعض التشريعات قانون دولة جنسية الطرف وقد يكون في بعضها الآخر قانون دولة موطنه. ووفقًا لما تنص عليه المادة ١/١١ من القانون المدني المصري، تتحدد أهلية الشخص وفقًا لقانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته. ومع ذلك فإنه إذا تعلق الأمر بتصرف مالي عقد في مصر وتترتب آثاره فيها وكان أحد الطرفين أجنبيًا ناقص الأهلية( وفقًا لقانون جنسيته) وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه، فإن هذا السبب لا يؤثر في أهليته.
لما بالنسبة لسلطة الأشخاص الاعتبارية في إبرام اتفاق التحكيم فيسرى عليها قانون الدولة التي اتخذت فيها هذه الأشخاص مركز إدارتها الرئيسي الفعلى. ومع ذلك إذا باشرت نشاطها الرئيسي في مصر، فإن القانون المصري هو الذي يسري. (مادة ۲/ ۱۱ مدني مصري). وإذا كان الشخص الاعتباري هو الدولة أو إحدى الهيئات العامة، فإن قانون هذه الدولة هو الذي يحدد سلطتها في إبرام اتفاق التحكيم...
ويمكن قياسًا على المادة 1/11 مدني، ولنفس العلة القول بأنه إذا أبرم التصرف المالي في مصر وترتبت فيها آثاره، وكان الطرف الأجنبي شخصًا اعتباريًا وكان عدم توافر أهليته في إبرام اتفاق التحكيم- وفقًا لقانون الدولة التي اتخذ فيها مركز إدارته- يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه، فإن هذا السبب لا يؤثر في أهليته.
على أنه يلاحظ أنه إذا تعلق الأمر بتنفيذ حكم تحكيم أجنبي، فإن القاضي يطبق، لإصدار هذا الأمر، قانون دولته أي قانون دولة القاضي المطلوب منه الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه.
فإذا ثارت المشكلة قبل صدور حكم التحكيم، وليس في مرحلة الاعتراف به أو تنفيذه ولم يكن الأطراف قد اتفقوا على القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم فيجب تطبيق القاعدة التي تحيل إليها قواعد الإسناد في قانون المحكمة التي تنظر في صحة أو بطلان الاتفاق فإذا كانت هذه المحكمة محكمة مصرية، فإنها تطبق قواعد تنازع القوانين التي تقص عليها المجموعة المدنية المصرية. ووفقًا لها يجب التفرقة بين شكل العقد وموضوعه.
فبالنسبة لشكل اتفاق التحكيم يجب تطبيق المادة ۲۰ مدني التي تنص على أن «العقود ما بين الأحياء تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه، ويجوز أيضًا أن تخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما المشترك». وذلك مع ملاحظة ما تنص عليه المادة ٢/١/٢ من اتفاقية نيويورك من أن «١- تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذي يلتزم بمقتضاء الأطراف بان يخضعوا للتحكيم... ۲- يقصد باتفاق مكتوب شرط التحكيم في عقد أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف أو الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلة أو البرقيات».
أما بالنسبة للشروط الموضوعية لصحة اتفاق التحكيم، فيراعي ما تنص عليه المادة 1/19 مدني من أنه: «فيسرى على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنا فإن اختلفا موطنًا سرى قانون الدولة التي تم فيها العقد. هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانونًا آخر هو الذي يراد تطبيقه وأيا ما كان الأمر، فإنه لا يجوز للمحكمة المصرية تطبيق أحكام قانون أجنبي وفقًا لتلك القواعد إذا كانت هذه القواعد «مخالفة للنظام العام او الآداب في مصر» (مادة ۲۸) مدني). وتطبيقًا لهذا، قضت محكمة النقض بأن الرجوع في شأن تقرير صحة شرط التحكيم وترتيبه لآثاره إلى قواعد قانون البلد الذي اتفق على إجراء التحكيم فيه مشروط بعدم مخالفة تلك القواعد للنظام العام.
ويجب على من يتمسك ببطلان شرط التحكيم المتفق على أجرأته وفقًا لقانون معين أن يقدم الدليل على نصوص هذا القانون حتى يتبين للمحكمة مدى ما يدعيه من بطلان الشرط التحكيم.
(111)