التنفيذ / اسباب تتعلق بالقانون الواجب التطبيق / الكتب / بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة النقض عليه (دراسة مقارنة) / الجزاء المترتب على استبعاد هيئة التحكيم القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع
الجزاء المترتب على استبعاد هيئة التحكيم القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع
نص قانون التحكيم المصري على إمكانية إبطال حكم التحكيم، إذ استبعدت هيئة التحكيم القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع، وجاء هذا الحكم صريحاً في المادة (1/53/د) من قانون التحكيم المصري والتي تنص على أنه: "
1- لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:..(د) إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي إتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع . النزاع".
وقد أعطى كذلك المشرع الأردني، الحق للأطراف في الطعن بحكم التحكيم، إذ تم استبعاد القانون الذي اتجهت أرادتهم إلى تطبيقه على موضوع النزاع، وذلك وفقا للبند (4) من الفقرة الأولى من المادة (49) من قانون التحكيم..
أما فيما يتعلق بالقانون الكويتي، فنلاحظ أنه لم يشر بشكل صريح لحالة قيام هيئة التحكيم باستبعاد القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع بالاستناد على نص المادة ( 3/186 /أ) من قانون المرافعات والتي تنص على أنه: "ويجوز الكل ذي شأن أن يطلب بطلان حكم المحكم الصادر نهائيا وذلك...(أ) ... إذا خرج عن حدود الاتفاق على التحكيم". "
أما بالنسبة للموقف الفرنسي، فإنه وبالرغم من أنه لا يوجد نص صريح في قانون المرافعات الفرنسي على اعتبار حالة استبعاد هيئة التحكيم للقانون، الذي اتفق الأطراف على تطبيق على موضوع النزاع، من ضمن الأسباب التي يجوز الاستناد عليها في إقامة دعوى البطلان، إلا أن البعض قد اتجه إلى تقرير البطلان في هذه الحالة باعتبار أن المحكمين قد تجاوزوا مهمتهم، وهذا السبب هو أحد الأسباب التي يجوز الاستناد عليها للطعن في حكم التحكيم بطريق البطلان في القانون الفرنسي.
أما فيما يتعلق بحكم التحكيم الدولي، نجد أن نص المادة (1/1504) من قانون المرافعات الفرنسي، قد أحال فيما يتعلق بالأسباب التي يمكن الاستناد عليها للطعن بالبطلان، في حكم التحكيم الدولي الصادر في فرنسا إلى نص المادة (1502) من ذات القانون، والتي تتحدث عن الأسباب التي يجوز الاستناد عليها لاستئناف القرار الذي يعترف بالحكم التحكيمي أو يمنحه الصيغة التنفيذية.
أما القانون النموذجي، فإنه وبالرغم من أنه قد منح الأطراف حرية الاتفاق على القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع.
ولنتمكن من القول أن هناك استبعاد من قبل هيئة التحكيم للقانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع، فإنه يجب أن يكون هناك استبعادا كاملاً للقانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع، بمعنى أن الاستبعاد للقانون كسبب من أسباب بطلان حكم التحكيم لا يتوافر إذا استبعد الحكم بعض قواعد القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه، دون البعض الآخر، أو أخطأ في اختيار القاعدة الصحيحة واجبة التطبيق في محل النزاع، وذلك لأن هذه الصورة ليس إلا خطأ في تطبيق القانون، أو مخالفته، وهي ليست من أسباب البطلان.
وعلى الرغم من أن البعض يرى بأنه يدخل في عموم حالة استبعاد القانون من قبل هيئة التحكيم الخطأ في تطبيق القانون، أو تفسيره، أو تأويله، إذا أدى هذا الخطأ إلى نسخ القانون الواجب التطبيق، الأمر الذي يجعل الحكم التحكيمي قابلاً وضرباً من العبث.
إلا أن الرأي الراجح من الفقه يرى - وبحق - بأنه لا يكفي للقول إن هناك استبعاداً للقانون إذا قامت هيئة التحكيم بتطبيق القانون، الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع، ولكنها أخطأت في تطبيق القانون، أو تفسيره، أو تأويله، مهما كانت جسامة المخالفة، أو الخطأ إذا طبق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه، والقول بغيرذلك يخرجنا من نطاق البطلان إلى الاستئناف، والتي تسمح القاضي بمراقبة تقدير المحكم للموضوع، وكيفية تطبيق الوقائع وتفسير النصوص.
وهذا ما أكدته أيضا محكمة استئناف القاهرة في حكم حديث لها بتاريخ 2008/1/6 جاء فيه بأن: (دعوى البطلان ليست طعناً بالاستئناف فلا يتسع المجال فيها لإعادة النظر في موضوع النزاع أو تعيب قضاء الحكم فيه وإنه ليس لقاضي البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملائمته أو مراقبة حسن تقدير المحكمين وصواب أو خطأ اجتهادهم في فهم الواقع وتكيفه أو تفسير القانون وتطبيقه لأن ذلك كله من اختصاص قاضى الاستئناف لا قاضي البطلان).
وفي ذات هذا الاتجاه يرى الأستاذ الدكتور فتحي والي - وبحق - بأن الحرص على سرعة الفصل في النزاع يجب ألا تكون على حساب التطبيق الصحيح للقانون، ولهذا فإنه إذا كان مفهوما - لتحقيق هذه السرعة - النص على عدم قابلية حكم التحكيم للاستئناف، فقد كان يجب على المشرع المصري أن ينظم طريقا للطعن فيه المخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه، فالمحكم قد يخالف القواعد القانونية واجبة التطبيق، أو يخطئ في تأويلها أو تطبيقها.
ومن جهة أخرى يرى البعض بأنه لا تتوافر حالة استبعاد القانون إذا فوضت هيئة التحكيم باختيار القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع، ليحكم موضوع النزاع، ولكنها قد أساءت اختيار القانون.
فضلاً عن أنه من الصعب الفصل في مسألة تحديد القانون الأكثر اتصالاً بالنزاع، دون التعرض الموضوع الطعن برمته، وهذا ما يخرج تماما من نطاق دعوی البطلان التي لا تسمح للقضاء إلا بالتحقق من صحة الحكم على ضوء اتفاق التحكيم، دون أن يمتد ذلك إلى إصلاح الحكم.
وجدير بالذكر أنه يدخل في صورة استبعاد هيئة التحكيم للقانون المتفق بين الأطراف على تطبيقه، إذا قضت هيئة التحكيم، وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف، بغيرتفويض بذلك من قبل الأطراف، وتطبيقا لذلك حكمت محكمة استئناف القاهرة بأن الاستبعاد يتحقق (إذا اتفق الأطراف على أن القانون المصري هو الواجب التطبيق .
ومما هو جدير بالذكر، أن نأخذ في اعتبارنا إنه لا يكفي لاعتبار هيئة التحكيم قد طبقت قواعد العدالة والإنصاف على النزاع، بالرغم من عدم تفويضها بذلك، مجرد ورود عبارة عامة في هذا المعنى في حكم التحكيم، وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية في حكم لها.
وفي المقابل - وكما سبق وأن قلنا- بأنه إذا كانت هيئة التحكيم مفوضة بالصلح فبإمكانها أن تفصل في موضوع النزاع على مقتضى قواعد العدالة والإنصاف، دون التقيد بأحكام القانون، ولها أن تستبعد القواعد الموضوعية من القانون، والفصل في النزاع وفقاً لخبرات المحكمين، وقواعد العدالة، مع عدم مخالفتها للنظام العام، وفي ضوء ذلك لا يجوز للأطراف الطعن بالبطلان على حكم هيئة التحكيم المفوضة بالصلح بسبب استبعاده القانون، مع الأخذ في الاعتبار ما ذكرناه من أن سلطة هيئة التحكيم المفوضة بالصلح في استبعاد القانون الموضوعي ليست سوى رخصة.