التنفيذ / اسباب تتعلق بالقانون الواجب التطبيق / الكتب / النظام القانوني الواجب الإعمال على العقود الإدارية الدولية أمام المحكم الدولي / إبطال القرار التحكيمي
تتبنى الغالبية العظمى من القوانين الحديثة معيار مقر التحكيم من أجل تحديد الاختصاص لقضائها الوطني بنظر دعاوى الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم الصادرة في إقليمها، مثل القانون السويسري في المادة ۱۹۱ من القانون الدولي الخاص السويسري الجديد والقانون الجزائري بشأن التحكيم الصادر في ۲۳ أبريل ۱۹۹۳، والقانون الإيطالي بشأن التحكيم الصادر في يناير ١٩٩٤.
ثانياً - دعوى الإبطال
التزام المحكم بتطبيق القانون الذي حدده الأطراف مرده مبدأ العقد شريعة المتعاقدين هذا الالتزام ليس مصدره وظيفته، وإنما هو مستمد من المهمة التي أوكلها إياه أطراف التحكيم وبالتالي لا يمكنه أن يستبعد تطبيق هذا القانون كلياً أو جزئياً إلا لعلة مخالفة النظام العام الدولي بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي إن سلطات المحكم في تطبيق وتفسير القانون الذي اختاره الفرقاء ليحكم أساس النزاع هي أضيق من تلك التي يتمتع بها القاضي الوطني، لأنها محددة بالقدر الذي أراد أطراف عملية التحكيم أن تنطبق فيه .
وأي مخالفة للمحكم لجهة عدم تطبيق هذه القواعد يعتبر خروج عن حدود المهمة الموكولة إليه، وعدم تقيد المحكم باختيار الفرقاء يرتب جزاء إبطال القرار التحكيمي فاختيار الفرقاء للقانون الواجب التطبيق ملزم للمحكم الدولي، ولا يمكنه استبعاد تطبيقها إلا لعلة مخالفة النظام العام الدولي.
لذلك فإن القرار التحكيمي الذي يتضمن خطأ في الوصف القانوني والذي يؤدي إلى خطأ في تطبيق القواعد القانونية الواجبة التطبيق يستوجب الطعن عليه بالبطلان .
وإذا افترضنا أنه لا يجوز الطعن بالبطلان فإن هذا قد يؤدي إلى تحكم من قبل المحكم في تفسير وتطبيق القانون حينها لن تختلف سلطات المحكم في هذا الفرض عن سلطاته كمحكم مطلق.
والقول بالطعن بالبطلان لا يتوافر إلا إذا لم يطبق المحكم القانون الذي اختاره الأطراف صراحة أو ضمناً أو خرج عن المعنى الصريح الوارد في المستندات والذي يؤدي إلى عدم تطبيق المحكم للقانون الذي اختاره الفرقاء .
ويعني ذلك أن المحكم قد خالف في تطبيقه للقواعد التي اختارها الأطراف، ما يعتبر خروجا عن حدود المهمة الموكولة له ويترتب عليه ما - ورد في الفقرة الثالثة من المادة ٥٣ من قانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ المتعلق بالتحكيم في المواد المدنية والتجارية.
كما لو طبق المحكمون قواعد قانونية غير تلك التي اختارها الخصوم سواء كانت تنتمي إلى قانون دولة أخرى أو قواعد تنتمي إلى قانون التجارة الدولية .
ولا تتوافر شروط تطبيق المادة ١/٥٣ من قانون التحكيم المصري متى كان المحكم مطلقاً ولم يطبق القانون الذي اختاره الخصوم بل اختار قانونا قدر فيه تحقيق العدالة والإنصاف .
ثالثاً ـ الجهة المختصة بنظر الطعن على القرارات التحكيمية في لبنان
ينظر مجلس القضايا في الإعتراض على القرار الصادر عن رئيس مجلس شورى الدولة الذي يرفض منح الصيغة التنفيذية .
وقد عرضت هذه المسألة على محكمة استئناف بيروت بمناسبة القضية بين الدولة اللبنانية ( وزارة الأشغال العامة والنقل ) شركة المرافق اللبنانية ش . م . م .
والمشرع اللبناني لم يحدد الجهة المختصة للبت في الطعن استئنافاً أو بطريق الإبطال بقرار تحكيمي يتعلق بنزاع ذي طابع إداري، واكتفى بوضع قاعدة عامة في المادة ٨٠٢ أ . م . م . مفادها أن الاستئناف والطعن بطريق الإبـطـال يـقـدمـان إلى محكمة الاستئناف الصادر في نطاقها القرار التحكيمي.
وتحل المحكمة الناظرة في استئناف القرار التحكيمي أو في موضوع الدعوى، بعد إبطال القرار التحكيمي، محل المحكم وتنظر في الموضوع في حدود المهمة المعينة للمحكم، شرط أن تكون هذه المحكمة مختصة وظيفياً للنظر في النزاع.
وقد فسرت المحكمة هذه الفقرة على إن القضاء الإداري مختصاً بصورة حصرية للنظر في استئناف أو إبطال القرارات التحكيمية الصادرة في النزاعات الخاضعة للتحكيم والتي تقع في دائرة اختصاص القضاء الإداري، وأن القول بعكس ذلك يشكل خروجاً على المبادئ الراسخة المتعلقة بالاختصاص الوظيفي.
وأن المشترع أعطى لمجلس القضايا الاختصاص للنظر في الاعتراض على القرار الصادر عن رئيس مجلس شورى الدولة الذي يرفض منح الصيغة التنفيذية، مما يعني وعطفا على المادة ٨٠٥ أ.م.م. أنه لمجلس القضايا، أسوة بمحكمة الاستئناف بالنسبة للنزاعات الداخلة ضمن اختصاص القضاء العدلي، أن ينظر في الاعتراض انطلاقاً من الأسباب التي كان بإمكان الخصوم التذرع بها ضد القرار التحكيمي بطريق الاستئناف أو الإبطال، ما يعني أن مجلس القضايا هو الجهة المختصة للنظر في أسباب استئناف أو إبطال قرار تحكيمي يتعلق بنزاع موضوعه عقد إداري .
رابعاً- مدى إمكانية الاعتراف بحكم تحكيمي أبطل في دولة المقر وطلب تنفيذه في دولة أخرى - تحكيم كرومالوي -
فالحكم الذي يقضى ببطلانه وفقا لقانون دولة المقر والذي يفقد إمكانية تنفيذه وفقاً لأحكام معاهدة نيويورك الموقعة في ١٠ يونية ١٩٥٨ استجابة لنص المادة الخامسة (۱) (هـ) يمكن مع ذلك تنفيذه، ليس وفقاً لأحكام المعاهدة، وإنما وفقاً للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون الفرنسي .
ففي تحكيم كرومالوي على الرغم من أن القضاء المصري قد قضى ببطلان حكم التحكيم الصادر في هذه القضية إلا أن الشركة الأمريكية تقدمت إلى رئيس محكمة باريس الجزئية بوصفه قاضياً للأمور الوقتية من أجل أن يصدر الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الصادر باستحقاقها للتعويض، وبالفعل صدر الأمر بتنفيذ حكم التحكيم في ٤ مايو ١٩٩٥، ولقد طعنت الحكومة المصرية على هذا الأمر بالاستئناف أمام محكمة استئناف باريس .
فقد قررت محكمة استئناف باريس وحيث أن القاضي الفرنسي لا يمكنه أن يرفض إصدار الأمر بالتنفيذ إلا بشأن حالة من الحالات المنصوص عليها والمحددة على سبيل الحصر في المادة ١٥٠٢ من قانون المرافعات المدنية الجديد والتي تشكل قانونه الوطني في هذا الصدد، فإنه و ترتيبا على ذلك تكون شركة كرومالوي محقة في التمسك بتطبيقها .
إذا في فرنسا حكم التحكيم الذي قضي ببطلانه في الدولة التي صدر فيها لا يشكل سببا من أسباب رفض تنفيذ هذا الحكم.
ولا تعير القاعدة التي صاغها القضاء الفرنسي في تحكيم كرومالوي أدنى اهتمام للسبب الذي من أجله قضى ببطلان حكم التحكيم وفقا لقانون دولة المقر، فأيا ما كان هذا السبب، فإن حكم التحكيم الملغي يلقى الإعتراف والتنفيذ في ضوء القاعدة المستقرة التي وضعها القضاء الفرنسي.
أيضاً طلبت الشركة الأميركية تنفيذ الحكم التحكيمي في الولايات المتحدة . من محكمة مقاطعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية وأصدرت هذه الأخيرة حكما بتذييله بالصيغة التنفيذية في ٣١ يوليو ١٩٩٦.
وقد استندت محكمة كولومبيا إلى نص المادة الخامسة فقرة (١) (هـ) من معاهدة نيويورك والتي ذهبت إلى أنها تخول للقاضي وفقاً لتقديره، الحق في رفض منح الأمر بالتنفيذ لحكم التحكيم الذي أبطل في دولة المقر .
وقد لاحظت المحكمة أن القانون الأميركي لا يجيز لقاضي التنفيذ رد تنفيذ حكم تحكيمي، حتى ولو ارتكب في أسوا الاحتمالات خطأ في القانون، واستندت أيضاً إلى أن اتفاقية الطرفين استبعدت أي مراجعة ضد الحكم التحكيمي .
ولقد حرصت محكمة كولومبيا إلى التأكيد على أن اتفاق التحكيم بجانب إشارته إلى تطبيق القانون المصري نص صراحة على أن حكم التحكيم لا يمكن الرجوع عليه بالاستئناف أو بأي وجه من أوجه الرجوع الأخرى.
وترتيباً على ما تقدم فإنه لا يمكن الاعتراف بحجية الشيء المقضي للحكم الأجنبي الصادر في الطعن بالاستئناف على حكم التحكيم، لمخالفة ذلك للنظام العام الأمريكي والذي يفرض احترام القوة الملزمة لاتفاقات التحكيم ولا سيما تلك المبرمة في إطار المعاملات التجارية الدولية .
ولقد ذهبت محكمة كولومبيا إلى أن القاضي الأمريكي غير ملزم بتحديد ما إذا كان القضاء الأجنبي قد فصل في المنازعة المعروضة أمامها على نحو صحيح وفقا لقانونه .