رأينا أن المشرع واكب الاتجاهات الحديثـة بشـأن اعلاء مبدأ سلطان الارادة ، فخول الأطراف حرية اختيار القانون الذي يحكم اجراءات التحكيم ، والقانون الذي يحكم موضـوع النزاع ، ولكن المشرع كما رأينا أصـدر قانون التحكيم ليتستوعب كل صـور التحكيم : داخليا أو دوليـا وأيا كانت طبيعة النزاع . وكان طبيعيا مع هذا الاستحداث ، أن يستحدث المشرع هـذا السبب من أسباب البطلان ، كما وردت الاشارة الى ذلك في تقرير اللجنة اس الدفاع المشتركة .
وقد رأينا أن اختيار الأطراف للقانون الذي يحكم الموضوع ينصرف الى القواعد الموضوعية التي يتضمنها هذا القانون . اذ يتحتم على هيئة التحكيم الفصل في النزاع وفقـا للقواعد الموضوعية التي يتضمنها القانون المحـدد باتفـاق الأطراف . فهل يعد هذا الاختيار ملزما لهيئة النحكيم ؟ ترجح أن الهيئة تعد ملزمة ، لأن القانون الذي أدت اليه قاعدة التنازع هو في النهاية قانون الارادة ، لأن قاعدة التنازع التي تم الاتفاق عليها هي التي أدت إلى تحديد هذا القانون الذي يعد ثمرة غير مباشرة لاتفاق الأطراف .
والقول غير ذلك يخـرج بنا من نطاق دعوى البطلان الى نطاق « دعوی استئناف » تسمح للقاضي بمراقبة التقدير الموضوعي وكيفية تكييف الوقائع وتفسير النصوص وانزال حكمها على هذه الوقائع ، وكل هذا يخرج تماما من نطاق دعوى البطـلان التي لا تسمح للقاضى الا بالتحقق من صحة الحكم في ضوء اتفاق التحكيم وما حددته ارادة نصوص الأطراف وانصرفت إليه من ايداع ثقتهـم في محكمين قامـوا هـم باختيارهم أو أسهموا في اختيارهم مما لا يتسق معه تخويل القضـاء سلطه « اصلاح » الحكم ، فدوره يقتصر على اعلان بطلان الحكم أو رفض دعوى البطلان ، يرى استاذنا الدكتور أكثم الخولى ان الخطأ الجسيم في تطبيق قانون الارادة يعادل استبعاده ويسمح بطلب البطلان ، وهو ما اتجهت اليه اللجنة المشتركة عندما قررت بأنه « يدخـل في مفهوم نطاق استبعاد القانون الواجب التطبيق الخطأ في تطبيقه الى درجة مسخه » . والمواقع أن المسخ أو الخطأ في تطبيق القانون مهما كانت جسامته لا يعادل « الاستبعاد » لو التزمنا حرفية اللفظ فالمسخ والخطأ الجسيم أسباب تبرر استئناف الحكم ولكن لا تبرر بطلانه ولذلك ـ لا يعد مسخ أو تشويه المحكم لنصوص القانون أو اتفاقات الأطــــــراف أو مستنداتهم مبررا للبطلان اذا كان الأطراف تنازلوا عن حـق والاستئناف ، ورغم ذلك فاننا نرى ترجيح ما انتهى اليه استاذنا الجليل الدكتور أكثم الخولى ، وما انتهت اليه اللجنة المشتركة ، ولن نمل ترديد أن الآفـة الأصلية التي أدت الى هذه النتيجة وغيرها من العيوب التي أشرنا اليها تتمثل في محاولة توحيد النصوص المنظمة للتحكيم الداخلي والدولي ، فاذا كانت مقتضيات هذا النوع الأخير من التحكيم ، وهيمنة الهيئات الدولية بلوائحها وقواعده التي تضمن الى حد كبير سلامة أحكم ، فان هذه المبررات لا تتوفر في التحكيم الداخلي مما كان التحكيم تبرر حظر الاستئناف أو المراجعة « الموضوعية » لحـدم التحكيم يتنخى معالجته بقـواعد خاصة ان كما سنرى في ظل القانون الفرنسي خاصة واننا كما سنرى ، تقف سلطة المحكمة التي ترفع أمامها دعـرى البطلان عند حـد الحكم بالبطـلان رفض الدعوى ولا تتصدى للموضوع ، واذا كان هذا مبررا في التحكيم الدولي فهو غير مبرر التحكيم الداخلي.