ولما كان الاتفاق على التحكيم، بمثابة تنازل من جانب الأطراف عن اللجوء إلى القضاء الطبيعي ، وهو قضاء الدولة إلى قضاء أخر خاص، مما قد يعرض الحق الذى يرغبون فى عرض النزاع الذي نشأ بصدده إلى الضياع . كما أن اتفاق التحكيم قد يتضمن التنازل عن بعض الحقوق الإجرائية مثل الطعن على الحكم بالاستئناف . وذلك في النظم القانونية التي تجيز هذا الطريق مثل القانون الإنجليزي ، وفوق ذلك فقد يتفق الأطراف على تفويض المحكم بالصلح . لذلك فإنه لا يكفى بصدد الاتفاق على التحكيم توافر أهلية الإدارة فى الشخص أو أهلية الالتجاء إلى القضاء، بل يجب توافر أهلية التصرف، ويستوى فى ذلك الشخص الطبيعي أم الشخص المعنوي( المادة ۱۱ من قانون التحكيم المصري والمادة ٢٠٥٩ من القانون المدني الفرنسى والمادة ۱۰۵۹ من قانون الإجراءات المدنية الألماني) ، حتى يكون هناك اتفاق تحكيم متفقا مع القانون في هذا الجانب .
بناء على ما تقدم ذكره ، فإنه لا يجوز للقاصر أو المحجور عليه الدخول في اتفاق تحكيم ، كما لا يجوز للولى ، أو الوصى ، أو القيم ، أو الحارس القضائي ، الدخول في اتفاق تحكيم نيابة عنهم ، إلا باستئذان المحكمة الحسبية ، حيث يرسم القانون حدود سلطة النائب ، المعين بقوة القانون (الولى) ، والنائب المعين أو المثبت من قبل القضاء (الوصى والقيم) عند إبرام اتفاق التحكيم . وهذا ما تقضى به المادة ٣٣٩ من المرسوم بقانون رقم ۱۱۹ لسنة ٥٢ والخاص بأحكام الولاية على المال حيث تقول بأنه لا يجوز للوصى إجراء الصلح أو التحكيم إلا فيما يقل عن ۱۰۰ جنيه مما يتصل بأعمال الإدارة ، وإلا وجب استئذان المحكمة» .
وتنص المادة 61 من قانون الولاية على المال على أنه «للقاصر أهلية التصرف فيما يسلم له أو يوضع تحت تصرفه عادة من مال لأغراض نفقته ويصبح التزامه المتعلق بهذه الأغراض فى حدود هذا المال فقط» .
وتنص المادة ٦٣ من القانون المشار إليه أنفا بأن «القاصر الذى بلغ السادسة عشر يكون أهلا للتصرف فيما كسبه من عمله من أجر أو غيره ولا يجوز أن يتعدى أثر التزام القاصر حدود هذا المال الذي كسبه من مهنته أو صناعته» .
ويتضح من هذين النصين ، أنه يجوز للقاصر ، الدخول في اتفاق تحكيم، فيما هو أهل للتصرف فيه من أموال .
ويجوز للشخص ناقص الأهلية أن يطلب إبطال اتفاق التحكيم ، الذي أبرمه ، إذا بلغ سنة الرشد ، وحتى ثلاث سنوات من هذا التاريخ ، كما يجوز للولى أو الوصى عليه إبطاله أيضا .
ولما كانت قواعد الأهلية من النظام العام ، فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها . لذلك إذا أبرم ناقص الأهلية ، اتفاقا تحكيميا ، وتعهد للطرف الآخر بعدم المطالبة بإبطال هذا الاتفاق عند بلوغه سن الرشد ، كان هذا التعهد باطلا .
وإذا زالت صفة الولى أو الوصى أو القيم ، بسبب العزل ، أو الوفاة، أو بلوغ القاصر سن الرشد ، بعد إبرام اتفاق التحكيم ، فإن اتفاق التحكيم ، الذى عقدوه يظل صحيحا من الناحية القانونية ، إذا كان متفقا والقانون .
وقد يلجأ ناقص الأهلية إلى طرق احتيالية ، يقصد منها إخفاء أهليته حتى يبرم اتفاق التحكيم . وهنا وبالرغم من ذلك يعد عملا غير مشروع ، فإنه يجوز له إبطال اتفاق التحكيم ، إلا أن ذلك لا يهدر حق الطرف الآخر فى إلزامه بالتعويض عن الضرر الذى أصابه (المادة ۱۹۹ مدني) ، وقد يكون خير تعويض عينى يلتزم به إبقاء اتفاق التحكيم ، نظرا لأن القواعد العامة تسمح بأن يتمثل التعويض في تلك الصورة .
ومما يتحتم ذكره هنا أن كل ما سبق لا ينطبق على مجرد كذب ناقص الأهلية على الطرف الآخر أنه كامل الأهلية ، بل يجب وفقا لما ينطبق به نص المادة ۱۹۹ مدنى إقدام ناقص الأهلية على استعمال طرق احتيالية ، كأن يقدم شهادة ميلاد مزورة مثبت بها أنه كامل الأهلية .