الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / اسباب تتعلق بالأهلية / الكتب / الحماية الدولية لأحكام التحكيم الاجنبية / عدم أهلية أطراف إتفاق التحكيم

  • الاسم

    د. هشام إسماعيل
  • تاريخ النشر

    2012-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    1141
  • رقم الصفحة

    378

التفاصيل طباعة نسخ

عدم أهلية أطراف إتفاق التحكيم

   لا يكفى لصحة الإتفاق على التحكيم توافر رضاء طرفيه، وأن يكون هذا الرضاء غير مشوب بعيب من عيوب الإرادة، بل يجب بالإضافة إلى توافر الشروط القانونية الأخرى التي يستلزمها كل عقد، أن يكون إتفاق التحكيم مُبرماً من قبل أشخاص يستطيعون إخضاع نزاعهم للتحكيم، أي أن تتوافر لهما أهلية الإتفاق عليه.

    وهذا هو ما نصت عليه إتفاقية نيويورك إذ أجازت فى المادة الخامسة (۱) (أ) منها، رفض الإعتراف بحكم التحكيم الأجنبى وتنفيذه، إذا أثبت الخصم الذى يُحتج عليه بهذا الحكم: "أن أطراف الإتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية كانوا طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية...".

   وتثير هذه العبارة القصيرة - رغم بساطتها عدة أمور تتعلق بتفسيرها والتي يصعب إدراكها للوهلة الأولى ويرجع هذا إلى سببين أولهما : أن صياغة هذه العبارة من النص لا تضع تعريفاً لمفهوم الأهلية، كما أنها لا توضح القانون الواجب التطبيق عليها، والظروف الأساسية الأخري التي تحيط باعمال هذا الدفع.

   ولذلك فسوف نسعى في هذا المطلب نحو إكتشاف الثغرات الكامنة في السبب المتعلق بعـــدم أهلية أطراف إتفاق التحكيم المنصوص عليه في الإتفاقية مع التركيز بصفة خاصة علي المناهج التي تبنتها المحاكم الوطنية عند قيامها بتفسير هذا الدفع وتطبيقه.

   حيث نستهل المطلب بشرح الخلفية التاريخية للدفع بعدم الأهلية، ثم نتطرق بعد ذلك إلى بحث نطاقه في ضوء تفسيرات المحاكم الوطنية له من حيث مفهومه في ظل الإتفاقية، ونطاق عدم أهلية أحد أطراف إتفاق التحكيم، والقانون الواجب التطبيق علي تقرير عدم أهليته، والطرف الذي يحقُ له إبداء هذا الدفع.

   كانت إتفاقية جنيف لعام ١٩٢٧ قد نصت في المادة الثانية فقرة (۱)(ب) علي وجوب رفض تنفيذ حكم التحكيم إذا ما إطمأنت المحكمة إلي: "أن الطرف المطلوب تنفيذ الحكم عليه لم يُعلن بميعاد إجراءات التحكيم في وقــت يكفي لتمكينه من عرض قضيته، أو لأنه لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً لعدم الأهلية القانونية».

   وبذلك يتضح أن إتفاقية جنيف لعام ١٩٢٧ لم تتناول مسألة عدم أهلية الأطراف إلا في سياق التمثيل القانوني المعيب“ في إجراءات التحكيم، أى أنها قد إعتبرت الدفع بعدم الأهليـــة أحـــد الأسباب التي يجوز الإستناد إليها في طلب رفض الإعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه، ولكنه في ذات الوقت كان يتعلق بمدى صحة التمثيل القانوني لأحد الأطراف أثناء سير إجراءات التحكيم، دون العيوب التي يمكن أن تؤثر على تنفيذ إتفاق التحكيم. وباعتبار أن هذا السبب كان يتعلق أساساً بالمحاكمة العادلة، فقد أشير في نفس الفقرة إلي أنه يتعلق بالعيوب الإجرائية الأخري مثل عدم الإعلان بإجراءات التحكيم في وقت يكفي لتمكين الطرف المطلوب تنفيذ الحكم عليه من تقديم دفاعه.

   وتوضح الأعمال التحضيرية للإتفاقية أن مسألة عدم أهلية أطراف التحكيم كانت آخر مسألة تعرض على المؤتمر للمناقشة، إذ أنه وعند إفتتاح الجلسة الأخيرة للمؤتمر عبر المندوب الهولندي Peter Sanders عن عدم رضائه تماماً . عن صياغة المادة الخامسة (۱)(أ)، معللاً ذلك بأن إتفاقية جنيف لعام ۱۹۲۷ قد تناولت التمثيل القانوني المعيب لأحد الأطراف في دعاوي التحكيم وهو مايعد إستثناءاً. وعلى الجانب الآخر، فإن المادة الخامسة (١)(أ) تتعلق ببطلان إتفاق التحكيم عندما لا تكون الأهلية مُجرد أمرٍ نظري، وعلي سبيل المثال، عندما لا يجوز للدولـــة أو للهيئة العامة اللجوء إلى التحكيم، أو عندما لاتكون الشركة ممثلة على النحو الصحيح عند إبرام إتفاق التحكيم، معتبراً أنه من المفيد الإشارة إلي ذلك صراحةً في نص المادة الخامسة (١)(أ) إضافة إلي الأسباب الأخري لبطلان الإتفاق.

   وبذلك يتضح أن الدفع بعدم الأهلية كسبب لرفض الإعتراف بحكم التحكيم الأجنبي وتنفيذه، وعلى الرغم من أهميته لم يلق أثناء مُناقشته خلال الأعمال التحضيرية للإتفاقية القــــدر الكافي من الإهتمام، وذلك للسرعة التي صاحبت إعداده والظروف التي أحاطت به، بحيث أنــــه لا يمكن إستنباط إلا النذر اليسير حول المعنى المقصود منه . ، وهو ما ألقى بظلاله على القضايا التي أثير فيها هذا الدفع عند قيام المحاكم الوطنية بتفسيره.

  الأهلية هى الإمكانية المقررة لصاحب الحق في القيام بأعمال قانونية تتناول هذا الحق، وفي هذا السياق، تثير صياغة الدفع بعدم الأهلية العديد من المسائل بالغة الأهمية حول مفهوم الأهلية الذى تتبناه الإتفاقية، والوقت الذى يتحدد فيه عدم أهلية الطرف فى إبرام اتفاق التحكيم، وكذلك تحديد القانون الواجب التطبيق على تقرير إنعدام أهلية أحد أطراف إتفاق التحكيم، وأخيراً تحديد الطرف الذى يحق له إبداء هذا الدفع.

   لاتعرف الإتفاقية مُصطلح "عدم الأهلية، وبالتالى، يُمكن أن يتفاوت مفهوم "الأهلية“ مـــــن دولة لأخرى، فى ضوء أنه لا يوجد تعريف موحد له على الصعيد الدولي، ومع ذلك فإن نـــص الإتفاقية يشتمل على بعض السمات والخصائص التي تُشير إلى أن الأهلية تتعلق بالجوانب الشخصية في إتفاق التحكيم، دون الجوانب الموضوعية فيه.

   ونتناول في هذا الفرع عدم الأهلية بالنسبة لكل من الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين، والإشكاليات القانونية التى يُمكن أن يُثيرها الدفع بذلك بالنسبة لكل منهما، وكذلك الحالة التى يُبرم فيها أحد الأشخاص إتفاق تحكيم وكالة أو نيابةً عن الغير على الرغم من أنه لا يتمتع بالسلطة التي تخوله القيام بذلك.

   وفى سياق التحكيم، فقد ثار خلاف لدى بعض الفقه حول تحديد نوع هذه الأهلية، متسائلاً عما إذا كانت هذه الأهلية هى أهلية التقاضي، إنطلاقاً من الطابع القضائي لوظيفة المحكم، أم أنها الأهلية التعاقد إستناداً إلى الطابع التعاقدى لإتفاق التحكيم، الذي هو عقد في الأساس.

.  أما إذا كان موضوع النزاع ذاته بحسب طبيعته أو بنص القانون غير قابل للتجزئة، أو كـــان إتفاق التحكيم ذاته غير قابل للتجزئة كما هو الحال فى التحكيم بالصلح، وكان الدفع بالبطلان قد أبدى ممن شرع لمصلحته من أحد أطراف إتفاق التحكيم وإنتهت هيئة التحكيم إلى صحة هذا الدفع تعين عليها أن تُرتب على إبطال التحكيم بالنسبة لصاحب الحق في التمسك بـه إنعــــدام ولايتها في الفصل في النزاع  برمته.

   ويتضح مما سبق أنه إذا أبرم شخص لا يتمتع بالقدرة القانونية على إبرام إتفاق تحكيم، فإن الدفع بعدم الأهلية المنصوص عليه في المادة الخامسة (۱) (أ) من الإتفاقية يُمكن أن يظهر ويكون له دوراً فاعلاً في هذا الإطار، وذلك على الرغم من مخاوف المبعوث الهولندي التي رَغِبَ من أجلها في الإشارة بشكل مُقتضب إلي عدم أهلية الأطراف في المادة الخامسة (۱)(أ).

   ومن ناحية أخري، ونظراً للأهمية المتزايدة لمسألة أهلية أشخاص القانون العــــام كالدولة أو الهيئات العامة لإبرام اتفاق التحكيم، فقد أثارت مُشكلات عديدة فى هذا السياق تتعلق بإمكانية تطبيق هذا النص، وعلى وجه التحديد بمدى سريان مفهوم عدم الأهليــة علــى الأشخاص الإعتباريين مثل الشركات أو الحكومات أو الجهات الحكومية، حيث يعمد هؤلاء الأشخاص، وبعد التوقيع على إتفاق التحكيم والسير في إجراءته إلى التمسك بالقيود المنصوص عليها في قانونهم لوضع العقبات في سبيل تنفيذ حكم التحكيم الصادر فى غير صالحهم، ولذلك فلا يُمكن ترك هذا الموضوع جانباً، وهو ماسوف نتناوله في الفرع التالي.

  وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك عدة أسباب تحتُ علي القول بأن مفهوم الأهلية في ظـل الإتفاقية يُمكن أيضاً أن يمتد إلي الأشخاص الإعتباريين، ذلك أن النطاق الصارم للغاية للمفهوم المذكور لا يتماشي مع إتفاقية دولية هي في المقام الأول ذات نطاق عالمي، كما أن الشركات – خاصة المتعددة الجنسيات - والأشخاص العامة مثل الدولة والهيئات العامة، لايعدان فقط جزءاً من عولمة التجارة الدولية والإقتصاد العالمى، بل إنهما من أهم العوامل المؤثرة فيهما، ومن ثم فلاغـنى عتهما في المجتمع الدولي المعاصر.

   هذا إلى أنه يجب ألا نغض الطرف عن أن المادة الأولي من الإتفاقية تنص علي أنها تسري في شأن "المنازعات القائمة بين الأشخاص الطبيعية أو الإعتبارية، وبالتالي فلايجب تفسير نص المادة الخامسة (١) (أ) من الإتفاقية – في ضوء ماتقدم – على أنه ينحسر عن الأشخاص الإعتباريين، سيما وأن المفاهيم التي تتبناها الإتفاقية تعد شاملة من حيث نطاق سريانها.

    ومما يؤكد هذا النظر، أن إتفاقية جنيف للتحكيم التجارى الدولى لسنة ١٩٦١، التي جاءت لتكمل وتعزز إتفاقية نيويورك، قد أكدت على تمتع الأشخاص الإعتبارية العامة بأهليــة إبـرام إتفاقات التحكيم، وذلك وفقاً لما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثانية من أن: "الأشخاص المعنوية للقانون العام تملك القدرة على إبرام اتفاق التحكيم..."، كما تُجيز فقرتها الثانية للدول عند الإنضمام للإتفاقية أو التوقيع عليها أو التصديق عليها تقييد هذه الإتفاقية بالشروط التى تحددها، وبالتالي فلانجد لمشكلة أهلية أشخاص القانون العام ظل فى إطار تطبيق هذه الإتفاقية.

   وعلى أية حال، فقد خلصت بعض المحاكم - على نحو ماسيبين لاحقاً – إلى أن الأشخاص الإعتبارية - سواء أكانت عامة أو خاصة - يُمكنها أيضاً إثارة الدفع بعدم الأهلية.

   وعلى الرغم من ذلك، وفى إحدى القضايا التي تسرى عليها الإتفاقية الأوروبية لعام ١٩٦١ والتي تأتى صياغتها فيما يتعلق بأسباب رفض التنفيذ - فيما عدا البند(هـ) - مُطابقة تماماً لإتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ تعذر تنفيذ حكم تحكيم ضد إحدى الشركات الخاصة لإنعدام أهليتها وفقاً لمبدأ تجاوز الشركة لسلطتها المقررة.

  وعندما نشأ نزاع حول تنفيذ هذه العقود، وصدر حكم التحكيم ضد الطرف اليوغسلافي، رفضت المحكمة العليا الألمانية التنفيذ، تأسيساً على أن المدعى عليه كان يفتقر إلى الأهلية اللازمــــة لإبرام صفقة تجارية أجنبية إعمالاً لمبدأ تجاوز الشركة لحدود سُلطتها المقررة، كما هو منصوص عليه في القانون اليوغسلافي الواجب التطبيق.

   كما رفضت المحكمة كذلك إدعاء المدعى بأن مُمثل البائع كان قد أخطره بأن الشركة مفوضة بذلك، بحيث أنه لم يتوفر له الوقت الكافى للتحقق من هذه المسألة، نظراً لأن الأمر كان عــــاجلاً، فضلاً. عن أن رفض التنفيذ على هذا النحو يُخل بما توجبه مبادىء حسن النية، ورداً علــى ذلــك قررت المحكمة أن هناك عدة طرق مُتاحة وسريعة للحصول على المعلومات المطلوبة والتي كانت متاحة أمام المدعى.

   وعلى خلاف ذلك ، وفى قضية sojuznefteexport (SNE) (USSR) V. Joc  (Oil Ltd (Bermuda والتي تتشابه ملامحها مع القضية الأولى، قضت محكمة إستئناف Bermuda في عام ۱۹۸۹ بتنفيذ الحكم الصادر لصالح الشركة الروسية، على الرغم مما آثــاره المدعى عليه من دفع ببطلان العقد إستناداً إلى أن موظفي الشركة المذكورة الذين يسعون إلى تنفيذ القرار قد تجاوزوا سلطاقم المقررة حينما أبرموا العقد، إلا أن المحكمة رفضت الدفع إستناداً الي مبدأ إستقلال إتفاق التحكيم بعد أن توصلت الي أن إنعدام السلطة يؤثر علي العقد الرئيسي دون إتفاق التحكيم.

   وعلى سبيل المثال، كانت المادة ۱۰۰٤ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي القديم تحظر  اللجوء إلى التحكيم بشأن أية مسألة يجب عرضها على النيابة العامة، ومن بين هذه المسائل التي كان ينبغى عرضها إعمالاً لنص المادة ۸۳ من ذات القانون القضايا والمنازعات التي تتعلق بالدولة أو المؤسسات العامة.

   كما تبنى المشرع المصرى هذا الموقف الأخير، حيث أضاف بموجب القانون رقم 9 لسنة

۱۹۹۷ فقرة ثانية إلى المادة الأولى من قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤، أوجب فيها أن يكون الإتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية بموافقة الوزير المختص، أو من يتولى إختصاصه بالنسبة للأشخاص الإعتبارية العامة، وحظر التفويض في ذلك.

   كما تنص المادة ٥٠٧ من قانون الإجراءات المدنية السورى على أنه : "لا يصح التحكيم، إلا ممن له أهلية التصرف بحقوقه...“، وفى هذا الإطار، تحظر المادة ٤٤(٢) من القانون رقم ٥٥ الصادر بتاريخ ٢١ فبراير ١٩٥٩ الخاص بمجلس الدولة السورى على الوزارات أو مصالح الدولة يابرام أو قبول أو إجازة عقد أو مصالحة أو تحكيم أو تنفيذ قرار تحكيم فى مادة تتجاوز قيمتها الخمسة وأربعين ليرة سورية، دون طلب رأى الإدارة المختصة، قبل أن يتم لاحقاً تعديل هذا النص بالمادة (۷۸) من المرسوم التشريعي رقم ۲۲۸ الخاص بنظام العقود فى القطاع الإدارى، والتي حظرت تنفيذ العقود التي تتجاوز قيمتها الخمسمائة ألف ليرة سورية، قبل أخذ رأى مجلس الدولة.

   ومع ذلك، فإننا نرى أنه لابد من توخي الحرص عند النظر فى أثر هذه الخلافات الفقهية القانونية علي تطبيق إتفاقية نيويورك، نظراً لإختلاف نظام الأهلية عن قابلية التحكيم من حيث القانون الواجب التطبيق - على نحو ما سيتضح لاحقاً - وكذلك من الناحية الإجرائية، حيث أنــــه لا يجوز بداءة للمدعى عليه إبداء الدفع بعدم الأهلية إلا في مرحلة التنفيذ، ولايجوز للمحكمة أن تتصدى لهذا الدفع من تلقاء نفسها، باعتباره مُقرراً لصاحب الحق فى التمسك به، بينما يجوز لهيئة التحكيم أن تتعرض للدفع بعدم القابلية للتحكيم من تلقاء نفسها، ودون أن يتوقف ذلك علــى إثارته من أحد الأطراف وذلك لتعلقه بالنظام العام .

   حيث يجرى نص المادة ۱۷۷(۲) من القانون الدولي الخاص السويسري - علي سبيل المثال في الفصل الخاص : قابلية التحكيم علي مايلي: "إذا كان أحد أطراف إتفاق التحكيم دولة أو مشروع أو هيئة من التابعين لها فلا يُمكنها الإعتماد علي قانونها الخاص للمنازعة في أهليتها كطرف في التحكيم أو في القابلية للتحكيم في نزاع يشمله إتفاق التحكيم.

   ولم تكن المحاكم الوطنية هي الأخرى بعيدة عن هذا الجدل المحتدم، حيث إرتأى البعض منها، أن الحظر الوارد على الدولة وهيئاتها العامة في إبرام إتفاقات التحكيم، يتعلق بالأهلية.

   ففى نزاع طرح على القضاء التونسى حول صحة إتفاق تحكيم أُبرم بين شركة الكهرباء والغاز التونسية وهى مؤسسة عامة وبين شركة فرنسية تمسكت الشركة التونسية ببطلان إتفاق التحكيم على أساس أن القانون التونسي يحظر على المؤسسات العامة الإلتجاء إلى التحكيم.

    بيد أن المحكمة الإبتدائية في مدينة تونس وإستناداً إلى إنضمام تونس لإتفاقية نيويورك، رفضت الدفع مقررةً أن الحظر القائم فى القانون الداخلي لايسرى على الحالات التي يكون فيها الإتفاق على التحكيم مُتعلقاً بمعاملة دولية، وخلصت المحكمة فى ضوء ذلك، إلى أن إتفاق التحكيم، وبغض النظر عن القيود التي يفرضها التشريع الوطنى، يُعد صحيحاً ومُلزماً .

    وعلى خلاف هذا النهج، وفي قضية Société Arabe Des Engrais Phosphates et Azotes-SAEPA v. Gemanco Srl ، وحينما سعت شركتين حكوميتين تونسيتين إلي تنفيذ حكم التحكيم الصادر لصالحهما ضد إحدى الشركات الإيطالية، رفضت محكمة إستئناف Bari التنفيذ مقررةً أن الشركتين هما هيئات عامة ولا يجوز لهما في ظل القانون التونسي إبرام إتفاقات تحكيم، وذلك على الرغم مما قررته هيئة التحكيم – وإستناداً إلى السوابق القضائية التونسية - من أن هذه النصوص لا تسري علي العقود الدولية.

   إلا أن محكمة النقض الإيطالية ألغت الحكم علي أساس أنه ينبغى على الطرف المعارض للتنفيذ ”Gemanco أن يُثبت أن القانون التونسي يحظر علي الدولة وهيئات القانون العام إبرام اتفاقات تحكيم في العقود الدولية، ولكنه لم يستطع إثبات ذلك ، وعلى الرغم من أن هذا الحكم لم يُميز بشكل صحيح بين الصورتين اللتين أوردتهما المادة الخامسة (۱) (أ) - وهما إنعدام أهلية الأطراف وعدم صحة إتفاق التحكيم إلا أنه مع ذلك يتضح أن المحكمة لم تأخذ في إعتبارها أن الأمر يتعلق هنا بالقابلية الموضوعية للتحكيم الواردة في المادة الخامسة (۲)(أ).

   وفي قضية Centroamericanos S.A. v. Refinadora Costarricence de Petroleos .A أمرت المحكمة المحلية بجنوب ولاية نيويورك الأمريكية بتنفيذ حكم تحكيم ضد شركة عامة من كوستاريكا على الرغم مما إدعته هذه الشركة من أنها لا تتمتع بالأهلية اللازمة لإبرام إتفاق تحكيم على نحو يخالف نص المادة الخامسة (۱) (أ) من الإتفاقية، سيما وأن "السلطة التشريعية لم تصدق عليه كما تقضي بذلك قوانين كوستاريكا، إلا أن المحكمة رفضت هـذا الدفع آخذةً في إعتبارها – وعلى نحو خاطىء- أنه لا يجوز مُراجعة أحكام المحكمين بشأن أهليــــة الأطراف، ودون أن تتبين أن عدم توافر هذا "التفويض" يُعد وفقاً للإتفاقيـة أمــــراً متعلقـــاً بالأهلية.

   وعلى الجانب الآخر، رفضت المحكمة الإدارية بدمشق بتاريخ ۳۱ مارس ۱۹۸۸، تنفيذ حكمي تحكيم صدرا من غرفة التجارة الدولية بجنيف، في قضية تتعلق بعقد أُبـــرم بـــيـن شــركة Fougerolle الفرنسية، ووزارة الدفاع السورية بغرض إنشاء مستشفى عسكرى بسوريا، وقد نشأ عن هذا العقد نزاع بين الطرفين أحيل للتحكيم أمام غرفة التجارة الدولية بناءً على طلــــب Fougerolleطبقاً للشرط الوارد بالعقد، وكان كل من الحكمين المذكورين صادرين لصالح شركة Fougerolle.

  إلا أنه عندما حان وقت التنفيذ في سوريا، رفضت المحكمة المذكورة التنفيذ، إستناداً إلى النظام العام وليس لعدم الأهلية، مُقررةً أنه : "في القضية الحالية، فإن الحكمين المراد تنفيذهما صدرا، دون إبداء النصيحة التمهيدية . بإحالة النزاع للتحكيم، والتي يجب أن تُعطى بواسطة لجنة مختصة من مجلس الدولة، بالمخالفة لنص المادة (٤٤) من القانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٥٩ ، وهذه قاعدة إلزامية تتعلق بالنظام العام، ونتيجة لذلك فإنهما أى حكمي التحكيم ) يُعدان غير موجودان .

   وقد تظهر مسألة تجاوز السلطة في صور شتى، ففي حالة الشركات – علي سبيل المثال- قــــد يبرم الموظفين أو العاملين إتفاق تحكيم بالنيابة عن كيان قانونى مُعين دون تفويضهم بذلك علي النحو الصحيح من قبل الهيئة المختصة مجلس الإدارة أو المساهمين - حسبما يقتضي الحال) أو وفقاً للوائح الداخلية في الكيان، أو بنص القانون.

   فشرعت المؤسسة التونسية فى إتخاذ إجراءات التحكيم، وفقا لشرط التحكيم الوارد في العقد، حيث أخطرت شركة Bomar بذلك، والتي إمتنعت بدورها عن إختيار محكم عنها، فتم بالتالى تعيينه وفقاً لشروط العقد من قبل رئيس غرفة التجارة الدولية بباريس، وخلال إجراءات التحكيم نازعت شركة Bomar في إختصاص هيئة التحكيم، وعلى إثر قضائها بإختصاصها، طعنـــت الشركة المذكورة بالبطلان أمام محكمة إستئناف باريس لعدة أسباب من بينها: أن المؤسسة التونسية للأعمال البترولية .E.T.A.P لم تستحصل على موافقة وزارة الإقتصاد التونسية.

   وفي حكمها الصادر بتاريخ ٢٠ يناير ۱۹۸۷ ، رفضت محكمة استئناف باريس هذا الدفع، مستندة على أحكام قانون إنشاء المؤسسة التونسية الذى يجيز لها اللجوء إلى التحكيم من خلال ممثليها، حيث أشارت المحكمة إلى أن قرارات مجلس الإدارة فى هذه المؤسسة والمنفذة من قبل رئيسه المدير العام ليست خاضعة لمصادقة وزير الإقتصاد فى حالات مُحددة بالمادة ١٠ من المرسوم الصادر بتاريخ ١٦ أبريل ،۱۹۷۷ ، والتي ليس من بينها إمكانية اللجوء إلى التحكيم ".

  وتخلص وقائع هذه القضية فى أنه فى عامى ۱۹۸۰، ۱۹۸۱ قامت الشركة الوطنية الإيرانية للبترول N.I.O.C، بإبرام عدة عقود مع شركة Gatoil تضمنت تنظيم العلاقة العقدية بينهما بشأن قيام الأولى بتصدير البترول ومشتقاته بواسطة الثانية، وعلى إثر القرار الصادر من الشركة الإيرانية بتخفيض الكميات التي يتعين تسليمها إلى شركة Gatoil إمتنعت الأخيرة عن دفع مبلغ " من المال لإجبارها على التنفيذ، مما حدا بالشركة الإيرانية إلى اللجوء للتحكيم وفقاً لشروط العقود قعة بينهما ، فأثارت شركة Gatoil دفعاً ببطلان شرط التحكيم لكونه موقعاً عليه مــن قبــــل NIO.C التي لا تملك أهلية اللجوء إلى التحكيم دون الحصول على الترخيص المفروض بمقتضى أحكام المادة ۱۳۹ من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفى حكمها التمهيدى الصادر بتاريخ ٦ يونيو ۱۹۸۹ قررت هيئة التحكيم أنها ليست بحاجة لأى ترخيص خاص للجوء إلى التحكيم .

   فأقامت شركة Gatoil دعوى بطلب القضاء ببطلان هذا الحكم أمام محكمة إستئناف باريس إستناداً إلى عدة أسباب من بينها : بطلان إتفاق التحكيم لأنه موقع من قبل شخص لا يملك الأهلية ولا السلطة لذلك طبقاً للمادة ١٥٠٢(۱) (أ)، فضلاً عن أن الخضوع للتحكيم في المنازعات المتعلقة بالأموال العامة، وبحسب المادة ۱۳۹ من الدستور الإيراني، يجب إجازته من قبل البرلمان، وهو مالم يحدث في هذه القضية، كما أن مسألة الأهلية أو السلطة باللجوء إلى التحكيم، وبتطبيق قاعدة التنازع، تكون خاضعة للقانون الوطنى (الشخصى)، مما يعني عدم صحة شرط التحكيم لغياب الأهلية لذلك، إلا أن محكمة إستئناف باريس رفضت هذا الدفع، وأصدرت حكمها المتقدم.

   وقد تكرر هذا الوضع في قضية Ministry of Public Works v. Bec Freres" والتي ثار فيها نزاع بين وزارة التجهيز التونسية وبين شركة Bee Freres بصدد عقود أشغال عامة مُبرمة بينهما، أُحيل إلى التحكيم للفصل فيه، فصدر فيه حكم طعن عليه بالبطلان أمام محكمة إستئناف باريس، حيث أُثير أمامها الحظر الوارد فى القانون التونسى على الأشخاص المعنويين بشأن اللجوء إلى التحكيم.

   وقد أكدت المحكمة بحكمها الصادر فى هذه القضية بجلسة ٢٤ فبراير ١٩٩٤ ، على قضائها السابق الصادر في قضية Gaitoil بشأن إستقلال شرط التحكيم مُقررةً أن: "الحظر المفروض على الدولة باللجوء إلى التحكيم يقتصر على العقود الداخلية، وترتيباً على ذلك، فإن هذا الحظر لا يُعد ا طابع نظام عام دولى، وأنه يكفى لصحة شرط التحكيم المدرج في صفقة ما، أن نتثبت من وجود عقد دولى مُبرم لحاجات التجارة الدولية وطبقاً لعاداتها".

   كما واجهت محكمة النقض الإيطالية الإشكالية المتعلقة بسلطة الإلتجاء إلى التحكيم مرتين،

الأولى: في قضية Privilegiata Fabbrica Maraschino Excelsior Girolamo Luzardo SpA (Italy) v. Agrarcommerz AG (Switzerland) ،عندما دفع المدعي عليه في إجراءات التنفيذ بأن الموظف الذي وقع علي شرط التحكيم لم يكن يتمتع بالسلطة اللازمة للقيام بذلك، مما ينبغي معه رفض التنفيذ إستناداً إلي نص المادة الخامسة فقرة (۱)(أ) من الإتفاقية، إلا أن المحكمة رفضت الدفع وأمرت بالتنفيذ، نظراً لعدم قيام المدعي عليــــه بواجبه في الإثبات، ومع ذلك خلصت المحكمة إلي أن الإدعاء بشأن سلطة الموقع يندرج نطاق المادة الخامسة فقرة (۱) (أ) من الإتفاقية، دون أن توضح ما إذا كانت هذه المسألة . تناولها باعتبارها تتعلق بعدم الأهلية أم بعدم صحة إتفاق التحكيم

   والثانية، في قضية Dalmine S.p.A. (Italy) v M. & M.Sheet Metal (Forming Machinery A.G. (Switzerland حينما إدعي الطرف الإيطالي الخاسر – في تحكيم سويسري – أن إثنين من المدراء اللذين كانا قد وقعا علي شرط التحكيم قـــد تجاوزا سلطاتهما، بإعتبار أنه لا يجوز لهما سوي تمثيل الشركة في العمليات العادية»١٤٠٣ وليس في ”العمليات الإستثنائية ، وأن التوقيع على إتفاق تحكيم يُعد عملاً مُنتمياً إلي الفئة الأخيرة، وعلى الرغم من أن محكمة النقض الإيطالية كانت قد أمرت أيضاً بالتنفيذ، إلا أنهـا – عنـدما أدركت أن إبرام إتفاق تحكيم ليس من قبيل "التصرفات الإدارية الإستثنائية» ـ قررت أن سلطة الممثلين القانونيين قد تقع في إطار الدفع بعدم الأهلية المنصوص عليه في المادة الخامسة فقرة (۱) (أ) من الإتفاقية.

     وقد سارت إحدى المحاكم الأمريكية على نفس النهج الذى كانت قد إتبعته سلفاً محكمــة النقض الإيطالية، وكان ذلك بمناسبة إجراءات تنفيذ عرضت لها في عام ٢٠٠٢ في قضية Joseph Walker and Co. v Oceanic Fats and Oil(S) Pte ، حيث كان طرف أمريكي قد أبرم عقداً لبيع شحنة من القطن مع إحدى الشركات الصينية، والتي طلبت إليه - وبعد تلقيها للشحنة الأولي - إرجاء الشحنات الأُخري، كما لم تقم بسداد قيمة الشحنة المرسلة، وعندئذ لجأ البائع إلى إتخاذ إجراءات التحكيم التي تداعت بينهما حتى صدر الحكم لصالحه.

  وفي مرحلة التنفيذ دفع المدعى عليه بعدة دفوع، كان من بينها : أن الشخص الذي وقع علي العقد يفتقر إلى سُلطة التصرف نيابةً عنه، وقد رفضت محكمة ولاية كولومبيا الإبتدائية مُراجعــــة الوقائع أو المسائل القانونية التي استندت إليها هيئة التحكيم فى حكمها وأمرت بالتالى بالتنفيذ، إلا أنه يُمكن الإستدلال من الأسباب التي عولت عليها المحكمة أنها قد أخذت في إعتبارها أن مسألة إنعدام التفويض تندرج ضمن حالات السبب المتعلق بعدم الأهلية المنصوص عليه في الشطر الأول من المادة الخامسة (۱)(أ) من الإتفاقية.

   وعلى خلاف ذلك، قضت محكمة النقض السورية بأنه ليس لمدير الشركة أن يقبل بالتحكيم دون تفويض خاص صريح أو ضمنى، وإلا كان التحكيم باطلاً، ولكن هذا البطلان يزول نتيجة أعمال لاحقة، يُستنتج منها أن الشركة علمت بالتحكيم، ووافقت عليه

   بيد أن المحكمة العليا الأسبانية قد ذهبت إلى أبعد من ذلك حين تبنت فى قضية Union de Cooperativas Agrícolas Epis-Centre (France) v. La Palentina

(Spain) تفسيراً أوسع لمفهوم الأهلية، حيث مايزت المحكمة بين الأهلية بمعناها الضيق والتي يحكمها القانون الشخصي، والتمثيل القانوني الذى تحكمه اللوائح الداخلية في الكيان المعنوى والتمثيل العقدى الذي يحكمه قانون المكان الذي تُمارس به سُلطاته ، وعلى الرغم من أن المحكمة قد أمرت بالتنفيذ رافضةً بذلك الدفع بعدم الأهلية الذي كان قد آثــاره المدعى عليه لعجزه عن إثباته إلا أنها خلصت مع ذلك إلي أن المفاهيم الثلاثة تندرج ضمن نطاق عدم الأهلية.

  وعلى الجانب الآخر، وفي قضية تتلخص وقائعها في أن المدعى كان قد نازع أمام محكمة مدينة موسكو فى أن هيئة التحكيم قد قضت بعدم إختصاصها بالنظر في النزاع الذي نشأ بين الطرفين لعدم وجود إتفاق بينهما، فأكدت المحكمة فى حكمها الصادر بتاريخ ١٩٩٤/١٢/١٣، على حق هيئة التحكيم بموجب المادة (١/١٦) من القانون النموذجى للتحكيم لعام ١٩٨٥، في أن تفصل في إختصاصها ووجدت المحكمة أن هيئة التحكيم قد أجرت فحصاً شاملاً لمسألة ما إذا كان يوجد إتفاق تحكيم بين الطرفين بشأن إجراء النظر فى المنازعات – من عدمه -، وكانت هيئة التحكيم قد وجدت أنه في الوقت الذي أبرم فيه العقد الذى نشأ حوله النزاع، وورد فيه شرط التحكيم، لم يكن الشخص الذى وقع العقد بالنيابة عن المدعى عليه يملك السُلطات اللازمة لذلك، ولذلك أيدت المحكمة حكم هيئة التحكيم المتضمن عدم وجود إتفاق تحكيم مكتوب بين الطرفين

(۲) التمثيل العقدى 

   الأصل أن يعمد إلى إبرام اتفاق التحكيم الشخص صاحب المصلحة المباشرة فيه، إلا أنه يجوز لهذا الشخص أن يوكل شخصاً آخر سلطة إبرام إتفاق التحكيم باسمه ولحسابه بموجب عقد وكالة يسمح له بذلك، ويشترط القانون المقارن ضرورة أن تكون الوكالة بالتحكيم وكالة خاصة، ومن

   وفي ذات الإتجاه جرى نص المادة ۷۰۱(۱) من القانون المدنى المصرى على أن: "الوكالة الواردة في ألفاظ عامة لاتخصيص فيها حتى لنوع العمل القانوني الحاصل فيه التوكيل، لاتخــــول الوكيل صفة فى أعمال الإدارة"، وبذات المفهوم جاء نص المادة ۷۰۲ (۱) مـــن ذات القانون مؤكداً . على أنه: "لابد من وكالة خاصة فى كُل عمل ليس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص في ... الصلح والإقرار والتحكيم..." ، وكذلك نص المادة (٧٦) من قانون المرافعات المصرى الذى أشار إلى أنه: "لايصح بغير تفويض خاص الإقرار بالحق المدعى به، ولا التنازل عنه ولا الصلح ولا التحكيم فيه ..".

   وعلى هذا الأساس، يُمكن أن نواجه الحالة التي يجوز فيها التوكيل في إبرام إتفاق التحكيم بالنسبة للتمثيل العقدي، في الفرض الذى يكون فيه الشخص أهلاً لإبرام إتفاق التحكيم، سواء بصورة مباشرة بالنسبة للشخص الطبيعي أو بصورة غير مباشرة عن طريق المفوض بالتوقيع عنــــه، بالنسبة للشخص المعنوى، ولكن بدلاً من أن يقوم أي منهما بالتوقيع على الإتفاق مباشرة يوكــــل شخصاً آخر بهذا التوقيع، ولذلك، فإن الوكالة بالتحكيم تثير إشكالات تتعلق بتفسير عبـــارات الوكالة بالنسبة لسُلطة الوكيل وصلاحياته في إبرام إتفاق التحكيم.

  ومن هذا القبيل، فقد رفضت المحكمة العليا اليونانية في قضية ... on Agrimpex SA. .J.F.Braun&Sons Inc التنفيذ لعدم الإلتزام بالفقرة (۲) بالمادة الثانية، حيث إرتأت أن إتفاق التحكيم الذي أبرمه الوكيل لا يعد صحيحاً إستناداً إلى أنه لم يتلق تفويضاً كتابياً من موکله (المدعى عليه لإبرام الاتفاق نيابة عنه، وقد استندت المحكمة فى ذلك إلي أن القانون الوطنى اليوناني يشترط صياغة توكيل بخصوص التصرف المراد القيام به، وأضافت أن عدم وجود توكيل كتابي لإبرام إتفاق التحكيم نيايةً عن الموكل كان من الممكن تداركه إذا ماكان الموكل قد حضر أمام المحكمين وشارك في الإجراءات دون إبداء أي تحفظ وهو مالم يتحقق في القضية المعروضة.

   وفى قضية أخرى، حيث تم توكيل شخص بإجراء الترتيبات الضرورية لإستئجار سفينة، ولم يكن التوكيل يتضمن التصريح للتوكيل بالإتفاق على التحكيم فيما ينشأ من منازعــــات حــول مُشارطة إيجار السفينة، إلا أن الوكيل وقع على مُشارطة الإيجار التي كانت تتضمن شرط التحكيم، وفيما بعد طعن الموكل بأن الوكالة لاتخول الوكيل الإتفاق على التحكيم.

   فقضت محكمة تمييز دبي، بأنه في الوكالة الخاصة، ليس للوكيل سوى مباشرة الأمور المعينــــة فيها، ومايتصل بها من توابع ضرورية تقتضيها طبيعة التصرفات والعرف الجارى، فلايجوز الخروج عن حدود هذا التفويض، وعليه فإن الإتفاق على التحكيم لايدخل في حدود الوكالة، ولايعتبر من التوابع الضرورية لتنفيذها، فالمنازعات التي تتعلق بتأجير السفينة، لايتطلب الأمر بالنسبة لهـا ضرورة الإلتجاء إلى طريق التحكيم، ولايُغير من الأمر شيئاً كون الوكيل الذي وقع إتفاق التحكيم هو مدير الشركة، ذلك أن عمل المدير، يقتصر أصلاً على أعمال الإدارة، وما يقتضيه ذلك مـــــن تصرفات تتفق وغرض الشركة، دون أن تمتد إلى غيرها من الأعمال التى تتجاوز غرضها أو تتعارض معها، ومنها الإتفاق على التحكيم لأن الإتفاق عليه يعنى التنازل عن رفع الدعوى إلى قضاء الدولة، وهو ما يُعرض الحق التنازع عليه للخطر، إلا إذا كان عقد وكالته في إدارة الشركة يتسع لمثل هذه التصرفات ، وعلى نحو مماثل، إشترطت محكمة التمييز اللبنانية، وجوب توافر الوكالة الخاصة عندما قضت بأن: "اللجوء إلى المحاكم لا يستلزم كاللجوء إلى التحكيم وكالة خاصة».

   وعلى خلاف ذلك، رفضت محكمة استئناف باريس في قضية Bargues Agro Industries A v. Young Pecan Company الدفع المبدى من شركة Bargues بـــأن مدير إدارة المبيعات لديها وممثلها القانونى الذى قام بالتوقيع على تأكيد أمر الشراء مــن شــركة Young ، يُمكنه أن يوقع فقط أوامر البيع أو الشراء، لكنه لايمكن أن يتجاوز ذلك إلى إلزامها بالتحكيم، في ضوء أنه لايملك توكيلاً خاصاً لهذا الغرض، بما يبطل معه شرط التحكيم الوارد في تأكيد أمر الشراء.

   وقررت المحكمة أنه وفقاً للشرط الموضوعى الوارد فى قانون التحكيم الدولى الفرنسي .. تكفى نية الأطراف للتحقق من سريان إتفاق التحكيم، دون حاجة لإستيفاء الشروط المتعلقة بالشكل الواردة في القانون الداخلى الفرنسي، لإستقلال شرط التحكيم فى هذه الحالـة عــن النصوص الداخلية تماماً، وبالتالي فلايتم تقييم إنعدام أهلية الممثل القانوني للشركة في ظل هذا القانون، بل يتم ذلك مُباشرةً بواسطة المحكمة عند قيامها بنظر وقائع القضية، من أجل التحقق مما إذا كـــان الطرف الآخر كان يعتقد بشكل قانونى وبحسن نية بتوافر هذه السلطة.

   ووجدت المحكمة أن التوقيع على شرط التحكيم فى التجارة الدولية – عندما يكون التحكيم هو الوسيلة المعتادة لتسوية المنازعات الناشئة عنها - يُعد تصرفاً من قبيل الإدارة العادية، ومن ثم، يُعد توقيع المدير المذكور مُلزماً لشركة Bargues ، ولذلك، أيدت المحكمة القرار الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، ورفضت الطعن بالبطلان.

   وبالمثل، وفى إحدى القضايا، قضت محكمة التمييز اللبنانية فى حكم قديم لها صدر في عــام ١٩٦٤ ، بأن : "وكالة السيد... إلى والدته هي وكالة عامة وشاملة ورد فيها التحكيم والصلح والصرف والإسقاط والإبراء والإقرار وهى تعطى الوكيل الحقوق التي يتطلبها التحكيم المطلق، ولو لم تشر صراحةً إلى التحكيم المطلق، إذ يجب تفسير نية المتعاقدين من روح العقد وجميع مندرجاته.

   وفي قضية أُخرى، كان عقد وكالة المحامى فيها ينص في عبارات عامة على جواز التحكيم بغير تخصيص، فقضت محكمة إستئناف ،بيروت بأن الوكالة صحيحة لغايات المحاكمة التحكيمية، وعلى نحو مُشابه تقريباً، قضت محكمة التمييز الأردنية، بأن الوكالة العامة التى تخــــول الوكيـــل صراحة بالتحكيم، تخوله أيضاً إبرام إتفاق تحكيم .

  وفي رأينا، أن هناك أسباب عملية تقتضى توسيع نطاق مفهوم الأهليـــة المنصوص عليه في الإتفاقية، بحيث يشمل الفروض المتعلقة بكل من حالتي التمثيل القانوني والعقدى، إذ أنه لا يوجد في إطار أسس رفض التنفيذ الواردة فى المادة الخامسة من الإتفاقية حلاً لمعالجة الإشكاليات المتعلقة بهذه الفروض، على الرغم مما قد تؤدى إليه من تأثير علي الطبيعة الملزمة لإتفاق التحكيم، وبالتالي على شرعية دعوي التحكيم، وعلى الحكم الصادر فيها. –

حيث أن المشكلة الرئيسية في الحالات التي يشملها مفهوم الأهلية تتمثل في أن التمثيل العقدى - الذي يحكمه مبدأ سريان قانون المكان يتعارض مع حقيقة أن تقدير توافر الأهلية – من عدمه - وفقاً لإتفاقية نيويورك، يكون خاضعاً للقانون الواجب التطبيق علي الأطراف "القانون المنطبــــق عليهم" ، وهو ماقد يفضي إلى عدم إتساق الحلول القضائية فى هذا الصدد "

ثانياً : الوقت الذى تتحدد فيه عدم أهلية الطرف في التحكيم:

    من المستقر عليه أن العبرة فى تحديد أهلية الشخص الطبيعى هى فى وقت إبرام إتفاق التحكيم، وليس قبله أو بعده " ، إذ أن أهلية هذا الشخص تحديداً قد تتأثر من وقت لآخر بما قد يعرض لها من ظروف فالشخص الطبيعى قد يكون ناقص الأهلية قبل إبرام الاتفاق إلا أنها تكون إكتملت إليه عند إبرامه، ثم يُصاب بأحد عوارضها بما يجعله بعدها عديم الأهلية، ففى هذه الحالة، يكون الإتفاق صحيحاً، حتى ولو استمر إنعدام الأهلية لحين إقامة الدعوى بطلب فض النزاع  الناشيء عن هذا الإتفاق، وحتى صدور الحكم فيها ، ومع ذلك، فلا تُشير إتفاقية نيويورك صراحة الي اللحظة الحاسمة التي ينطبق فيها علي أحد الأطراف وصف عدم الأهلية» وفقاً للمادة الخامسة  (۱) (أ) من الإتفاقية.

  ومع الأخذ في الإعتبار النطاق المحدود للدفع بعدم الأهلية في إطار الإتفاقية، من حيث إستبعاد التمثيل القانوني بشكل غير صحيح للشخص عديم الأهلية في إجراءات التحكيم كأساس للمنازعة في تنفيذ حكم التحكيم، والتركيز علي صحة إتفاق التحكيم، بمعني ضرورة أن يتمتع كُلّ طــرف وفقاً للإتفاقية بالأهلية اللازمة وقت إبرام الإتفاق بقصد الحد من الطعون المتعلقة بالأهلية في الحالات التي يمكن أن تؤثر على الأطراف عند إبرام إتفاق التحكيم.

   وكذلك إشارة المادة المذكورة – وإن لم يكن بشكل قاطع - إلي ”أطراف إتفاق التحكيم“ وليس إلي أطراف إجراءات التحكيم، فإن تحديد الوقت الذي تتحدد فيه عدم أهلية الطرف في التحكيم على الرغم من هذا، كان ذلك مع محلاً لحكمين متعارضين صادرين من المحاكم الأمريكية في دعويين تتعلقان بأطراف في دعويي إفلاس، وتدور كلتاهما حول تصفية شركتي تأمين.

   ففي القضية الأولى، وهى قضية James P. Corcoran et al v. AIG .Multilines Syndicate, Inc قررت المحكمة العليا في ولاية نيويورك، أنه علماً بصيغة الفعل الدالة على زمن الماضي المستخدمة في المادة الخامسة (۱)(أ) الإتفاقية .. فلابد أن تتحقـــق عـــدم الأهلية لحظة إبرام العقد، ومن ثم فلا تعد إجراءات التصفية اللاحقة الخاصة بأحد الأطراف ذات أهمية في ضوء الإتفاقية.

   وفي القضية الثانية، وهي قضية James P. Corcoran et al v. Ardra Insurance Co. Ltd. (Bermuda) and Richard A. and Jeanne S DiLoreto إنتهت محكمة أُخرى (القسم الإستئنافى بالمحكمة العليا بذات دائرة الإختصاص إلي حكــم مُغـــاير تماماً، حيث قررت أنه إذا أبرم أحد الأطراف إتفاق تحكيم صحيح وخضع للتصفية فيما بعد فإن النزاع يُعد غير قابل للتحكيم فيه، وخلصت المحكمة في إستخلاص فاسد إلى أن المكلفين بصياغة الإتفاقية كانوا يهدفون إلي ضمان تمثيل كلا الطرفين علي النحو الصحيح أثناء إجراءات التحكيم، وذلك على الرغم من تبنى واضعى إتفاقية نيويورك لنهج جديد يختلف عن سابقتها.

القانون الواجب التطبيق على الأهلية

   يقتضي إعمال أثر الدفع بعدم الأهلية وفقاً لنص المادة الخامسة (۱) (أ) من الإتفاقية، أن يكون أطراف إتفاق التحكيم المنصوص عليه فى المادة الثانية عديمي الأهلية في ظل القانون الذي ينطبق عليهم، إلا أن معني المصطلح الأخير لايعد واضحاً بشكل كاف لتعيين هذا القانون، في ضوء أن المادة المذكورة قد خلت من ثمة إشارة إلي كيفية تحديد القانون الواجب التطبيق علي الأهلية، وهو ما يُثير بعض الصعوبات فيما يتعلق بتفسيره .

أولاً: منهج القانون الشخصي

   إذا كانت الأهلية كقاعدة عامة تتعلق بالإتفاق على التحكيم، إلا أنها لاتخضع للقانون الذى يحكم هذا الإتفاق، إذ أنه من المستقر عليه وفقاً لقواعد القانون الدولى الخاص والرأى الراجح في الفقه خضوع الأهلية للقانون الشخصى للطرف المتعاقد ، حيث أن القانون الواجب التطبيق عليها لا يتغير بتغير مُختلف أنواع العقود التى يُبرمها الأطراف، كما أنها لا تخضع لقانون القاضي باعتبارها ليست من مسائل الإجراءات وإنما تُعتبر مسألة موضوعية يحكمها قانون الجنسية.

   على أن القول بذلك لا يحسم الأمر فى مجال تنازع القوانين حيث أن هناك إختلاف في شأن تحديد القانون الشخصى فى مُختلف الأنظمة القانونية، فمنها من يأخذ بمعيار الجنسية كما هو الحال في القانونين الفرنسي والمصرى وفى أغلب القوانين  المستقاة من النظام اللاتيني على نحو ما هو سائد فى معظم الأنظمة القانونية الأوروبية ومُعظم دول الشرق الأوسط.

  كما قيل في تبرير الأخذ بمعيار قانون موطن الشخص بأنه معيار يُراعى مصلحة الشخص المغترب الذى يترك دولته، ويهاجر إلى دولة أُخرى، بحيث يسهل التعرف على قانون الدولة التى يقيم على أراضيها، كما أن مُراعاة مصلحة الغير ممن يتعامل مع هذا الأجنبي، تقتضى تغليب قانون الموطن على قانون الجنسية وهو ما يُبرر الخروج على معيار الجنسية فى الدول التي تعتد بالجنسية في حالة الجهل المغتفر بأحكام قانون جنسية صاحب الشأن.

   ومع ذلك، لم يحسم واضعي الإتفاقية مسألة كيفية تحديد القانون الساري علي أحد أطراف الإتفاق - والذي يُشار إليه بـ ”القانون الشخصي“، لمعرفة نقص أهليته من عدمه، بل تركوا الباب مفتوحاً بالنسبة لكيفية تحديد هذا القانون، لتحديده لاحقاً من خلال إعمال قواعد تنازع القوانين أمام المحكمة التي تنظر طلب الإعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه.

  وبالتالي فإن المحكمة التي ترفض تنفيذ حكم التحكيم علي أساس أن أحد الأطراف – علــي سبيل المثال كان عديم الأهلية وفقاً لقانون المكان الذي أبرم به الإتفاق تكــــون قــــد أخلـــت بالإتفاقية، بينما إذا استندت – بدلاً من ذلك – إلي قانون موطن أحد الأطراف، فإن الوضع هنا يكون صحيحاً وكذلك الحال، إذا كان الشخص الذي أبرم اتفاق التحكيم يعد وفقاً لقانون الدولة الذي ينتمى بجنسيته كامل الأهلية، فإن إتفاق التحكيم يعتبر سليماً ومنتجاً لآثاره، أما إذا كان الشخص الذي أبرم إتفاق التحكيم، يُعد وفقاً لقانون جنسيته فاقد الأهلية أو ناقصها، فإن حكم التحكيم الصادر بناء على هذا الإتفاق يكون قابلاً للطعن فيه بالبطلان.

  وهذا التباين في أحكام قواعد التنازع التي يتحدد وفقاً لها القانون الواجب التطبيـق علـــى الأهلية من شأنه أن يُثير إشكاليات عدة عند إختلاف الدول التى سيُنفذ فيها حكم التحكيم، حيث سيتغير بالتأكيد تقدير هذه الأهلية من بلد لآخر، أى أنها ستختلف بحسب المكان الذي يوجد فيه مال الشخص الصادر ضده حكم التحكيم ؟

   وقد تجلى ذلك الوضع - على نحو ما تقدم بيانه – في الحكم الصادر من . محكمة إستئناف باريس في قضية Bomar ، حيث أقر هذا الحكم بأهلية المؤسسة التونسية للأعمال البترولية للتحكيم إستناداً إلى قانونها الشخصى، وذلك على خلاف الحكم الصادر في قضية SanCarlo  والذي قضى بأن مسألة الأهلية للتحكيم تخضع للقانون الواجب التطبيق على إتفاق التحكيم، وخلافاً للحكم الصادر من محكمة النقض الفرنسية في قضية Galakis ، والذى تبنى قاعدة مادية مفادها أن حظر اللجوء إلى التحكيم الوارد فى المادة ٢٠٦٠ من القانون المدنى الفرنسي، لايمكن إعماله بصدد العقود الدولية لحاجات التجارة الدولية وطبقاً لعاداتها، وبمعنى آخر، فقد إعتمدت المحكمة منهجية التنازع لتقرير الحل الذى خلصت إليه، ولم تعتمد القاعدة المادية الخاصة بأهلية الدولة وسائر الأشخاص الإعتباريين والمستخلصة من الحكم الصادر في القضية الأخيرة.

   وقد لاحظت محكمة النقض المصرية، أن الإتفاقية قد جعلت المرجع في إنعدام إتفاق التحكيم أو عدم صحته، فيما عدا الأهلية، للقانون الذى إختاره الأطراف ليحكم إتفاقهم على التحكيم ذاته، أو ليحكم العقد الأصلى الوارد إتفاق التحكيم فى إطاره، أو إلى قانون البلد الذي صدر فيه الحكم عند عدم وجود هذا الإختيار، وذلك وفقاً لقاعدة إسناد موحدة دولياً تكفل لهذا القانون وحده دون غيره الإختصاص بحكم الإتفاق التحكيمى فى كل ما يتصل بالشروط الموضوعية اللازمة لوجوده وصحته وترتيبه لآثاره، فيما عدا الأهلية، التي تخضع للقانون الشخصى لطرف التحكيم الذي يدور البحث حول إكتمال أو نقصان أهليته وقت إبرام اتفاق التحكيم، أو العقد الأصلى المتضمن شرط التحكيم.

   بيد أن الأمر في رأينا قد يزداد صعوبة عندما نلحظ أن هناك بعض الدول كالولايات المتحدة، التي لا يوجد لديها قانون شخصى مُحدد يسري علي أهلية التعاقد، لكنها تحسم هذه المسألة طبقاً لقانون محل إبرام العقد أو القانون الساري علي العقد، ولذلك فإن التساؤل المطروح يدور حول ما إذا كانت عبارة: "طبقاً للقانون الذى ينطبق عليهم تسود علي قواعد التنازع المعمول بها في هذه الدول وتلزمها بتحديد قانون شخصي لتحقيق الهدف من نص المادة الخامسة (۱) (أ) .

 إلا أنه من المسلم به عدم ضرورة ذلك، فقد قطعت العبارة الواردة في المادة الخامسة (1)(أ) نصف الطريق إلي قواعد التنازع طالما أنه من المفترض أن يتم تحديد القانون الشخصي بموجب قواعد التنازع المعمول بها في قانون المحكمة، وفي ضوء أن هذه العبارة لم تقدم قواعد تنازع كاملة، وبالتالي فإنها لا تكفل طريقة موحدة لتحديد القانون الواجب التطبيق على الأهلية، ولذلك فإنه يجوز لطريق القياس، إستبدال قواعد التنازع الكاملة في قانون محاكم الدول التي لا توجد بمــا قـاعـدة لتحديد القانون الشخصي بقواعد التنازع الناقصة بالمادة الخامسة (١) (أ).

ثانياً : منهج قانون القاضي:

 هناك منهج آخر يُعد أقل تعقيداً لتفسير كلمة عليهم الواردة في المادة الخامسة (١)(أ)، يتمثل في الأخذ في الإعتبار أن هذه الكلمة تُشير إلي القانون الذي يسري علــي مسألة أهليــة الأطراف وفقاً للقواعد السارية أمام القاضى المعروض عليه النزاع  سواء تلك الواردة في القانون الشخصي أم لا .

   ويمكن أن يكون هذا المنهج أفضل من الناحية العملية لأسباب مختلفة : لأنه يتلافي في المقام الأول الأوضاع الخاصة ببعض الدول التي قد لا يكون لديها قانون شخصي، أو حيث لا تحكم الأهلية مبادئ من هذا القبيل، كما يُعد هذا المنهج أكثر إستيعاباً للإختلافات القائمة نتيجة تنوع الثقافات القانونية بين الدول التي التزمت بالإتفاقية، وأكثر إنسجاماً مع الهدف المتمثل في تحقيــق عالمية الإتفاقية والذى كان كامنا وراء إنشاءها .

  فقد يقوم المشرع مثلا بوضع قواعد موضوعية تتعلق بالعلاقات الخاصة الدولية، من قبيل ذلك قانون التجارة الدولية الصادر فى دولة تشيكوسلوفاكيا فى ٤ ديسمبر سنة ١٩٦٣ ، والتي تعتبر مواده بمثابة قواعد موضوعية تتعلق بعقود التجارة الدولية كما قد يقوم القضاء بإرساء بعض القواعد الموضوعية التي تتعلق بعلاقات التجارة الدولية من قبيل ذلك قاعدة التنازع التي ورد النص عليها في المادتين ۸۳ ، ۱۰۰٤ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي السابق، والتى تقضى بحرمان الدولة من الخضوع للتحكيم في الدعاوى التي تكون الدولة طرفاً بها.

   وهناك مسألة أخري قد يترتب عليها عواقب هامة في الواقع العملي، هــــى أن القواعــــد الموضوعية التي تستبعد أو تحد من إمكانية قيام الأطراف العامة بالتمسك بعدم أهليتها – مثل تلك التي  تبنتها سويسرا وأسبانيا - قد تكون غير مُجدية في ضوء تطبيق المادة الخامسة (۱)(أ) من  الإتفاقية، إذا ما أخذنا في الإعتبار أن الإتفاقية تشتمل علي قاعدة تنازع بما قد يسفر عن تطبيق قانون الدولة التي تتبعها الهيئات العامة المعنية في النزاع  .

   وقد تبنى القانون المدنى المصرى فى الفقرة الأولى من المادة (۱۱) منه هذا الحل بالنسبة للتصرفات المالية التي تعقد فى مصر وتترتب آثارها فيها، كما أخذت به كذلك مُعاهدة . روما الخاصة بالإلتزامات التعاقدية لسنة ۱۹۸۰ في المادة (۱۱) منها، حيث أنه لا يجوز وفقاً لهذه المادة لأى من المتعاقدين أن يحتج في مواجهة المتعاقد الآخر بنقص أهليته الناتج عن القانون الواجب التطبيق حسب قواعـــــد الإسناد، فيما لو كان كامل الأهلية حسب قانون محل الإبرام، مالم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم لحظة إبرام العقد أنه غير ذى أهلية، أو أن عدم علمه بذلك كان راجعاً إلى إهماله .

   أن الطرف الصادر ضده حكم التحكيم هو الذي يحق إبداء الدفع بعدم الأهلية، باعتبار أن الحكـــم ببطلان الإتفاق نسبياً إنما شرع لمصلحته، وليس للمصلحة العامة ولا لمصلحة المتعاقد الآخر.

  ففى قضية  Bomar Oil N.V. (Neth. Antilles v. Entreprise (Tunisienne d'Activités Petrolières - ETAP (Tunisia - سالفة الإشارة - طعنت الشركة Bomar على حكم التحكيم بالبطلان أمام محكمة استئناف باريس لعدة أسباب، من بينها: أن المؤسسة التونسية للأعمال البترولية .E.T.A.P لم تستحصل على موافقة وزارة الإقتصاد التونسية، والملاحظ فى هذه القضية أن مسألة إنعدام أهلية الشخص العام أو حصوله على الترخيص أو الموافقة لم تثر من قبله، وإنما من قبل خصمه، مع أن السائد هو أن يعمد الشخص العام المتعاقد إلى إثارة مسألة عدم أهليته.

   وقد أكدت محكمة النقض الإيطالية على هذا التفسير، وذلك في قضية Société Arabe des Engrais Phosphates et Azotes v. Gemanco– سالفة الإشارة – ففي أثناء إجراءات التحكيم أمام غرفة التجارة الدولية بباريس دفعت الشركتين التونسيتين ببطلان الإجراءات نظراً لأنه لا يجوز لهما في ظل القانون التونسى إبرام إتفاق تحكيم، في حين أكد المحتكم الإيطالي Gemanco على تمتعهما بالأهلية.

   إلا أن هيئة التحكيم رفضت هذا الدفع، وأصدرت حكماً لصالح الشركتين التونسيتين، اللتين سعيتا للتنفيذ على الشركة الإيطالية أمام محاكم Bari بايطاليا فدفعت الشركة الإيطالية بعدم أهلية الشركتين التونسيتين، إلا أن محكمة إستئناف Bari أو المحكمة العليا الإيطالية في أحكامهما، لم تعتبر أن سلوك المدعى عليه في إجراءات التنفيذ وهي شركة Gemanco يُعد بهذا الدفع، مناقضاً لموقفها السابق“ .

   ويعكس موقف أطراف التحكيم فى هذه القضية بلاريب جانباً من الجوانب المثيرة للجدل في الإتفاقية، باعتبارها تسمح - بشكل مُباشر - للطرف الذى يُعد رضاءه في إتفاق التحكيم صحيحاً التنصل من محجة هذا الإتفاق على حساب مصلحة الطرف الآخر فى التمسك بأثر هذا الإتفاق.

   وعلى نحو مشابه، كانت محكمة إستئناف بيروت قد قضت قديماً ، بأن: "... حالات بطلان عقد التحكيم لعلة أساسية تخضع مبدئياً لقواعد القانون العام، مثال ذلك أن البطلان الناجم عن فقدان أهلية أحد الفريقين لا يستطيع إلا فاقد الأهلية أن يتذرع ،به غير أنه يتحتم على الفريق الآخر أن يُثير أمر فُقدان الأهلية هذه فى الفترة التى تنقضى بين توقيع عقد التحكيم وبين صدور قرار المحكمين، لأنه لا يجبر أحد على مُتابعة دعوى ضد فاقد أهلية، وهكذا تكون الحال عندما يكون عقد التحكيم قد وقعه وكيل لا يملك الصلاحية اللازمة“.

   وعلى خلاف هذا الإتجاه قضت محكمة النقض المصرية أن الحق فى التمسك ببطلان إتفاق التحكيم، أو حكم التحكيم المترتب عليه لنقص أهلية المحتكمين إنما هو مقرر لمصلحة ناقــــصـي الأهلية، وليس لخصوم هؤلاء الحق فى التمسك به .

   كما ذهبت ذات المحكمة فى حكم آخر ،قديم، إلى أن بطلان مُشارطة التحكيم لنقص أهلية أحد العاقدين هو بطلان نسبى لا يتمسك به إلا ناقص الأهلية، حيث قررت أن التحكيم هـو بـنص المادتين ۷۰۲، ۷۰۳ من قانون المرافعات مُشارطة بين مُتعاقدين أي إتفاق علي إلتزامات متبادلة بالترول علي حكم المحكمين وبطلان المشارطات لعدم الأهلية هو بحكم المادتين ١٣١، ١٣٢ مـــن القانون المدني بطلان نسبي إلي عديم الأهلية، فلا يجوز لذى الأهلية التمسك به

الخلاصة :

   في ضوء السوابق القضائية المتعددة، يُعد السبب المتعلق بعدم الأهلية أحد أهم الجوانب المثيرة للجدل في الإتفاقية لما يطرحه من تساؤلات عدة يتسم بعضُها بالأهمية الشديدة، في ضوء الغموض وعدم التحديد الذي صاحب صياغة هذا السبب من أسباب رفض الإعتراف والتنفيذ، مما جاءت معه التطبيقات القضائية له غير متناغمة، وتعكس تضارباً حاداً فى التأويلات والتفسيرات، وقــــد تجلت آثار ذلك بالتبعية على أحكام التحكيم، وعلى تفسيرات المحاكم الوطنية لهذا السبب.

   ولذلك، ينبغى إذا وضعت إتفاقية جديدة للإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، إعادة صياغة هذا السبب ليكون أكثر وضوحاً وإتساقاً مع العصر الراهن، والوعي المتزايد بأهميــــة التحكيم كآلية لتسوية منازعات التجارة الدولية، بحيث يتضمن تعريفاً لمفهوم الأهلية، ونطاق عدم أهلية أحد أطراف إتفاق التحكيم، وأن يشمل كذلك توضيحاً للقانون الواجب التطبيق عليها، والظروف الأساسية الأُخري التي يُمكن من خلالها إثارة وإعمال هذا الدفع، والطرف الذي يحق له إبداءه، ضماناً للقضاء علي إمكانية تنصل أحد الأطراف من محجة إتفاق التحكيم علي حساب مصلحة الطرف الآخر عديم الأهلية.