الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / مخالفة النظام العام / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تطبيق المحكم الدولي لعادات وأعراف التجارة الدولية / فكرة النظام العام وأثرها على تنفيذ احكام التحكيم

  • الاسم

    أحمد حسنى سيد محمد
  • تاريخ النشر

    2013-01-01
  • عدد الصفحات

    382
  • رقم الصفحة

    255

التفاصيل طباعة نسخ

فكرة النظام العام وأثرها على تنفيذ احكام التحكيم

   وقد عرف البعض قواعد النظام العام أنها "هي القواعد التي يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد.

   وقد عرفتها محكمة النقض المصرية بأنها القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصلحة الأفراد.

   في ضوء ما سبق يتضح لنا أن التعريفات السابقة للنظام العام غير كافية لتحديد هذه الفكرة تحديدا منضبطا، لأن فكرة النظام العام فكرة نسبية معيارية تختلف باختلاف الزمان والمكان فهي تختلف من دولة إلى أخرى وتختلف أيضا في نفس الدولة باختلاف الزمان. ففي مصر كان شرط الدفع بالذهب جائزا قبل سنة ١٩١٤ إلى أن أصدر المشرع في ذلك العام قانونا يفرض السعر الإلزامي للعملة الورقية فأصبح شرط الدفع بالذهب مخالفا للنظام العام، ولكن القضاء المصري ظل مع ذلك غير مستقر في هذا الشأن بالنسبة للمعاملات الخارجية إلى أن صدر في سنة 1935 قانون تفسيري يقضي ببطلان شرط الذهب في المعاملات الدولية والداخلية على حد سواء.

توثيق هذا الكاتب

وفي رأيي أن قواعد النظام العام هي "تلك القواعد التي تهدف إلى المحافظة على هوية المجتمع وسماته العامة، وترمي إلى تحقيق المصلحة العامة في كافة مجالاته".

 

    والتعريف السابق لقواعد النظام العام تعتبر محاولة لبيان الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها مثل هذه القواعد. فإننا نعتقد وبحق في أن مثل هذه القواعد حينما وضعت داخل التشريعات إنما كانت تستهدف المحافظة على أصول ثابتة داخل المجتمع، وتعتبر هذه الأصول أو الثوابت هي المعبرة عن هوية هذا المجتمع وخلفيته، وقد تكون هذه القواعد والأصول مستمدة من مرجعية دينية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.

   فليس بالضرورة أن تكون هذه القواعد مستمدة من خلفيات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فقط كما هو موضح في التعريفات السابقة، ولكن أيضا فإن الخلفيات الدينية تعتبر في مجتمعات معينة هي أكثر الخلفيات تأصيلاً وثبوتاً داخل تلك المجتمعات ومثال هذه المجتمعات هي مجتمعاتنا الشرقية.

   وفي الحقيقة أن وضع تعريف عام وشامل لفكرة النظام العام تجتمع تحته مظلته كافة الدول والأنظمة الداخلية، هو أمر من الصعوبة بمكان ذلك لأن تلك القواعد تختلف باختلاف المكان التي قررت من أجله، بل يمكننا القول أنها تختلف من زمان إلى زمان آخر في بلد واحد أو دولة واحدة.

  وتعتبر من تلك القواعد في النظام القانوني المصري "تلك القواعد المتعلقة بالحريات العامة كحرية العقيدة وحرية الرأي، أيضا القواعد القانونية المتعلقة بالأهلية وتحديد الأهلية القانونية للأفراد في الدولة، كذلك بعض القواعد المتعلقة بالجوانب الاقتصادية للدولة والتي تؤثر بشكل أو بآخر بالكيان الاقتصادي للدولة. أيضا بعض الجوانب أو القواعد الرئيسية المستمدة من الشرائع السماوية كإجازة تعدد الزوجات عند المسلمين وعدم إجازة ذلك عند المسيحيين كل على حسب ما تقرره شريعته أيضا مسائل المواريث وما تقرره الشريعة في ذلك.

   ومن أمثلة تلك القواعد في فرنسا مثلاً فإن مسألة تعدد الزوجات هناك . مخالفة للنظام العام الفرنسي، وأيضا تحريم الطلاق بين الأزواج فإن ذلك يعتبر مخالفا أيضا للنظام العام الفرنسي.

   أما عن الجزاء الذي يترتب على مخالفة تصرف من التصرفات القانونية والذي يكون مخالفا لقواعد النظام العام في البلد الذي أبرم فيه ذلك التصرف. فإن هذا التصرف سوف يكون باطلاً بطلانا مطلقا لمخالفته لقواعد النظام العام ذلك البلد .. وإذا ما عرض هذا التصرف على القاضي فإنه يستطيع أن يقضي به من تلقاء نفسه ... دون أن يقوم أحد بإثارته أمامه وفي ذلك الحين يعتبر القاضي أمينا على المصلحة العامة للمجتمع.

   وفي الحقيقة أن تلك النتيجة تتسق والطابع الداخلي للمنازعات الناشئة داخل مجتمع واحد وبين أفراده .. حيث أن أفراد ذلك المجتمع عليهم أن يراعوا تلك القواعد الثابتة والراسخة داخل مجتمعهم سيما وأن علمهم بها أمر مؤكد بل أنها وفي الواقع تعبر عن أمور أصولية ثابتة الجذور وتتصل بكافة أفراد هذا المجتمع.

    ولكن الأمر على خلاف ذلك تماما بالنسبة لنظام التحكيم الدولي والأحكام الصادرة من هيئاته وبالأخص بالنسبة لأحكامه الصادرة في شأن من شئون التجارة الدولية، ذلك لأن مثل هذه الأحكام إنما تصدر في أجواء دولية بعيدة كل البعد عن أجواء مثل هذه المجتمعات ولا تعلم شيئا عن تلك القيود والسمات العامة والخاصة للمجتمع المراد تنفيذ حكم هيئة التحكيم فيه.

  وحقيقة أن ذلك الأمر – أمر إحاطة الأطراف بقواعد النظام العام لكافة الدول - من الصعوبة بمكان، بل يجب أن نقول أنه مستحيل استحالة مطلقة أن يكون الأطراف على علم تام بمثل هذه القواعد في كافة الدول ذلك لأنه وببساطة أن – وكما ذكرنا سابقا - قواعد النظام العام تختلف من دولة لأخرى ومن زمان إلى آخر، فالمباح هنا محرم هناك والعكس صحيح.

    وفي الواقع أن هذه المسألة من الأهمية بمكان حيث أنها تتعلق بفاعلية ونفاذ أحكام التحكيم الصادرة من الهيئات التحكيمية بشأن من شئون التجارة الدولية – فمن المعلوم أن هذه العقود قد تتعلق بأكثر من نظام قانوني واحد وتتعدد هذه الأنظمة بحسب كل عقد على حده وقد تصل إلى عدة أنظمة قانونية في آن واحد.

   وعلى ذلك فإنه حينما يثور نزاع يتعلق بعقد من هذه العقود ويتم عرض هذا النزاع على التحكيم باعتباره النظام القضائي لعلاقات وعقود التجارة الدولية طبقا لاتفاق سابق فهل يستطيع المحكم في هذه الحالة أن يحافظ على كافة قواعد النظام العام المقررة في كل هذه القوانين الداخلية؟ هذا في حالة لو سلمنا بعمله بها كلية وهذا أمر في حقيقته شديد الصعوبة بل قل إنه مستحيل.

 

    وفي الحقيقة أن القول بغير ذلك قد يعرض حكم التحكيم إلى الموت المحقق ذلك لأن المحكم وهو بصدد نظره للنزاع لا يعلم الدولة التي سيؤول إليها أمر تنفيذ حكم التحكيم على وجه التحديد. وفي نفس الوقت قول ذلك أي القول بضرورة إحاطة المحكم علما بكافة قوانين الدول المرتبطة بالعقد مثار النزاع – يعد عبثا وذلك في الحقيقة لأنه لا يوجد شخص في العالم محاط علما بكافة قوانين الدول.

   وأيضا القول أنه باستطاعة المحكم أن يتطلع على كافة القوانين التي ترتبط بالعقد محل النزاع المعروض عليه... أمر غير عملي ذلك لأن مثل هذا العمل سوف يفقد نظام التحكيم أحد ميزاته الأساسية وهي سرعة الفصل في النزاع المعروض على هيئة التحكيم ذلك لأن هذا العمل سوف يستغرق وقتا طويلاً من المحكم الدولي ... وجهد في حقيقة الواقع وهو في غنى عنه.

   ونظرا لأن الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم في منازعات تخص عقود التجارة الدولية تعتبر وبحق أحكاما دولية فإنه وبالضرورة سوف يتدخل القاضي الوطني في دولة التنفيذ لإصدار أمر يتضمن ذلك الحكم ذلك لأنه وطبقا لكافة التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية فإنه لا يجوز تنفيذ تلك الأحكام إلا بصدور ذلك الأمر من الجهه صاحبة الولاية المختصة. وذلك لمراقبة هذا الحكم والوقوف على مدى صلاحية التنفيذ وموافقته لقوانين ذلك البلد ونظامه العام أم لا.

   وعلى ذلك فلو صدر حكم تحكيم متعلق بعقد من عقود التجارة الدولية . وكان هذا الحكم قد صدر بناء على استخدام حلولاً مستنبطة من قانون موضوعي تابع لدولة غربية مثل الولايات المتحدة مثلاً. وكان هذا الحكم فيه ما يخالف النظام العام لدولة التنفيذ ولتكن جمهورية مصر العربية فإنه ومن المستحيل إذن تنفيذ ذلك الحكم وذلك طبقا لما ورد ذكره من الرقابة القضائية على مثل هذه الأحكام الصادرة من الهيئات التحكيمية الدولية. وطبقا لنصوص القوانين التي تفرض حظرا على تطبيق مثل هذه الأحكام التي تخالف قواعد النظام العام المقررة في هذه الدولة.

 

   وفي الحقيقة أن للدول مصالح اقتصادية تدفعهم إلى تشجيع التحكيم عن طريق تخفيف الرقابة القضائية على أحكام المحكمين. فمن ناحية يعد التحكيم عاملا هاما لتدعيم التجارة الدولية والتي تعتمد عليها الدول لمساندة أنشطتها الاقتصادية ومساعدة شركاتها في ظل عصر العولمة، ومن ناحية ثانية للدول مصالح اقتصادية في أن تضحي مقرا مضيفا للتحكيم الدولي والاستثمارات الأجنبية بل وتتنافس الدول بشدة في هذين المضارين. ومن ثم، باتت الليبرالية تفرض نفسها على الدول فيما يتعلق باحترام نهائية حكم التحكيم Finality of awards وتمتعها بقوة الأمر المقضي به.