الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / مخالفة النظام العام / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / علاقة النظام العام بالتحكيم 

  • الاسم

    عبدالرزاق هاني عبدالرزاق المحتسب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    591
  • رقم الصفحة

    475

التفاصيل طباعة نسخ

علاقة النظام العام بالتحكيم 

   كما يجب الإشارة أيضا إلى أن النظام العام يتدخل في جميع مراحل عملية التحكيم، سواء الداخلي أو الدولي، فقد يحدث مخالفة أو انتهاك للنظام العام عند الاتفاق على التحكيم، او عند تشكيل هيئة التحكيم، أو في الحكم التحكيمي ذاته سواءا منطوقه أم أسبابه، أو في الحل الموضوعي الذي حسم به النزاع. علما بأن قاعدة احترام إجراءات وحكم التحكيم للنظام العام، تثار أمام هيئة التحكيم وتخضع لرقابة قاضي البطلان و قاضي التنفيذ.

  ونظرا لأن أحكام القانون الإداري تتعلق بالمصلحة العامة للمجتمع والمصالح العليا والجوهرية في مختلف مناحي الحياه، فأن هذه المصالح ترافق العمل الإداري، مما يجعل من القواعد الناظمة للعمل الإداري بما في في ذلك القواعد التي تنظم العقود الإدارية قواعد مرتبطة بالنظام العام، أي أنها تتصف بصفة النظام العام لأسباب عديدة من اهمها أن هذه القواعد تكفل حماية المصلحة العامة بعد الموازنة بين المصالح المختلفة.

وعند ربط النظام العام بالتحكيم فانه لابد من التأكيد على أن يتم الفصل في المنازعات الإدارية الخاضعة للتحكيم بما يتفق مع مصالح المجتمع، وان لا يترك هذا الفصل لمن لا يستطيع أن يحقق المصلحة العامة")، وهذا بطبيعة الحال يعني أنه لابد من أن يفصل القضاء الوطني المختص في هذه المنازعات لأنه هو الأقدر على تحقيق المصلحة العامة، وان ترك الأمر للتحكيم يعني إمكانية تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة سواءا أكان العقد عقداً داخلياً او خارجياً.

  وبناءاً عليه فأنه للثقه بالتحكيم وقدرته على تحقيق المصلحة الوطنية أثر كبير على تحديد المقصود بالمسائل المتصلة بالنظام العام، فكلما زادت الثقة بالتحكيم وقدرته على تحقيق المصلحة الوطنية كلما قل معها تأثير النظام العام على حكم التحكيم.

  وتجدر الاشارة هنا إلى إعمال فكرة النظام العام في التحكيم الدولي تختلف عنها في القانون الوطني، ففكرة النظام العام اضيق نطاقا في التحكيم الدولي منها بالتحكيم الوطني، كما ويعتبر النظام العام من الأسباب الرئيسية التي يستند إليها بعض الفقه لمنع اللجوء الى التحكيم في المنازعات العقدية والتي يكون أحد اطرافها الدولة أو أحد مؤسساتها المعنوية العامة، فإذا كانت قواعد توزيع الاختصاص القضائي من القواعد المتصلة بالنظام العام، فإن القواعد التي تحكم الروابط القانونية التي تكون الدولة او احد اشخاصها المعنوية العامة طرفا فيها ومن ضمنها العقود الإدارية قواعد تتعلق بالنظام العام، مما يعني انه لا يجوز اللجوء إلى التحكيم في هذا النوع من المنازعات على اعتبار أن العقد الإداري يهدف الى تحقيق الصالح العام.

ولا بد الإشارة هنا إلى اختلاف الفقه حول العلاقة بين النظام العام والتحكيم وأثر النظام العام على التحكيم وعلى النحو التالي:

الأتجاه الأول : يرى بضرورة استبعاد النزاعات المتعلقة بالنظام العام من نطاق التحكم، وهذا الاتجاه يرى أن القواعد الآمرة هي نفسها قواعد النظام العام على اعتبار أن القواعد الآمرة تدل في مظهرها على ارتباطها بالنظام العام، كما أن ظاهر النصوص التشريعية تحظر التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام، وهو ما ايدته بعض أحكام القضاء الفرنسي حيث ذهب الى انه يكفي أن يتعلق النزاع بتفسير او تطبيق نص من النصوص اله الامرة حتى يكون النزاع غير قابل للتحكيم على اعتبار ان اللجوء الى التحكيم يبتعد عن ما قصده المشرع أساسا عندما وضع قواعد آمرة لتنظيم المسألة.

  الاتجاه الثاني : استند انصار هذا الاتجاه على الانتقادات التي وجهت اللاتجاه الأول، ومنها انه لم يوضح العلاقة او الرابط بين النظام العام والقواعد الأمره وعدم جواز التحكيم، كما أنه لم يقدم اي تفسير قانوني مقنع حول هذه العلاقة، كما أن الاعتماد على ظاهر النصوص القانونية يؤدي بالعادة الى نتائج غير منطقيه وتتنافى مع التفسير القانوني السليم.

   لذلك حاول هذا الاتجاه التقليل من اهمية الربط بين النظام العام والقواعد الآمرة والتحكيم، مما دفع بعض الفقه الى القول بأن وجود رابط بين التحكيم وقاعدة آمرة تتصل بالنظام العام لا تكفي للقول بعدم إمكانية اللجوء التحكيم، بل لابد ان يكون الهدف من اتفاق التحكيم مخالفة قواعد النظام بطريقة مباشرة، وهذا الاتجاه تبنته محمكة استئناف القاهرة في أحد أحكامها .

الاتجاه الثالث : يرى انصار هذا الاتجاه انه لابد من فصل فكرة النظام العام عن التحكيم، اي معاملة التحكيم كما القضاء بحيث يمكن للمحكم أن ينظر في المنازعات التي تتعلق بالنظام العام سواء أكان محل العقد مخالفة للنظام العام أو لم يخالفه، ولكن تبقى رقابة القضاء اللاحقة لصدور الحكم و رقابة قاضي التنفيذ قبل إصدار أمر التنفيذ قائمة، مما يعني انه من الممكن ابطال الحكم الذي يتضمن ما يخالف قواعد النظام العام.

 

ووفق هذا الاتجاه فأن علاقة التحكيم بالنظام العام لا تظهر إلا بعد صدور حكم التحكيم، ولا يمكن أن تثار اثناء عملية التحكيم، فمن الممكن أن تتم عملية التحكيم في المنازعات العقدية المختلفة دون ان تثار فكرة النظام العام أو مخالفة القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام لحين صدور الحكم، وبعد صدور الحكم والمطالبة بالتنفيذ وفي محاولة لإفلات المحكوم عليه من تنفيذ حكم التحكيم يتجه الى الدفع بمخالفة الحكم التحكيمي للنظام العام.

ولقد اشارت اتفاقية نيويورك الى حالات رفض تنفيذ الحكم التحكيمي من قبل المحكمة ذاتها ومن دون حاجة الى تمسك الطرف المحكوم ضده بها حيث نصت المادة (۲/5) منها على انه " يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب اليها الاعتراف وتنفيذ حكم المحكمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبين لها: 

 أ- أن قانون ذلك البلد لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم . ب – أن في الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه ما يخالف النظام العام في هذا البلد".

   ويلاحظ أن اثبات أي من هاتين الحالتين لا يقع على عاتق أي من أطراف التحكيم وإنما يدخل ضمن مهام المحكمة المطلوب منها تنفيذ حكم التحكيم غير الوطني، وبالتالي تعتبر مخالفة الحكم للنظام العام هو سبب من أسباب رفض التنفيذ وفقا لاتفاقية نيويورك حيث يمكن رفض الاعتراف بحكم التحكيم او تنفيذه إذا تبين أن في ذلك الاعتراف أو التنفيذ ما يخالف النظام العام في البلد المطلوب فيه التنفيذ، إذا فالعبرة هي بمخالفة الحكم للنظام العام الداخلي في دولة التنفيذ كما هو واضح من نص تلك المادة وليس النظام العام الدولي.

   ولكننا نعتقد أن جوهر عملية التحكيم تكمن في القدرة على تنفيذ الحكم التحكيمي بعد صدوره، فما هي فائدة التحكيم اذا كان من الممكن ابطال حكم التحكيم بعد صدوره لمخالفة القواعد الآمرة المرتبطة بالنظام العام، خصوصا أن هذه القواعد وجدت أساسأ لحماية النظام العام في الدولة.

   حتى وان كان من الممكن اللجوء الى التحكيم في حل المنازعات العقدية إلا أن الحكم الناتج عن عملية التحكيم يجب الا يخالف قواعد النظام العام على اعتبار أن هذه القواعد ترتبط بالقيم الجوهرية والعليا والمصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة، وإن كان من الممكن اللجوء الى التحكيم لحل المنازعات العقدية فأن المشكلة الحقيقية تكمن في تنفيذ هذا الحكم حيث انه من الممكن أبطال الحكم اذا تضمن ما يخالف أحكام النظام العام في دولة التنفيذ.

   ولكن هل ينطبق الأمر ذاته على التحكيم في العقود الإدارية؟ خصوصا أن التحكيم في العقود الإدارية يتصادم بشكل مباشر مع قواعد النظام العام كون القواعد القانونية التي تنظيم هذا النوع من العقود هي قواعد تتصل بالنظام العام، وهل يؤثر النظام العام على إمكانية اللجوء الى التحكيم في العقود الإدارية.