الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / مخالفة النظام العام / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / علاقة النظام العام ببطلان حكم التحكيم الإدارى

  • الاسم

    عبدالرزاق هاني عبدالرزاق المحتسب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    591
  • رقم الصفحة

    339

التفاصيل طباعة نسخ

علاقة النظام العام ببطلان حكم التحكيم الإدارى

   وتبرز اهمية فكرة النظـام الـعـام سـواءاً الداخلي أو الخارجي عنـدما يتعارض النظام العام مع حكم تحكيمي يمس بالمصالح العليا للدولة سواءاً المصالح السياسية أو الاقتصادية أو الإجتماعية، وهذا التعارض بطبيعة الحال نتيجته الطعن في حكم التحكيم بالبطلان أو رفض الأعتراف بالحكم وتنفيذه خصوصاً الأحكام الإدارية لما لها في خصوصية وتنظيم قانوني خاص.

  الا ان هذا الامر في حقيقته يعد من المعيقات أمام التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعـات فـي العقود الإداريـة بعيـداً عـن احكام القضـاء التقليدي خصوصاً انه يتم اللجوء الى التحكيم بناءاً على إتفاق بين أطراف العقد، إلا ان النظام العام من جهة أخرى يعتبر صمام الأمان بيد القاضي الوطني لحماية المبادئ والمصالح العليا في المجتمع من القوانين الأجنبية. 

   وفي هذا الصدد لابد من الإشارة الى ان قواعد النظام العام هي : قواعد تُعبر دائماً عن النظام العام في دولة معينة أو القواعد القانونية المشتركة بين مجموعة من الدول، حيث أنه لا يتصور وجود قواعد نظام عام دولي لعدم وجود جهة تستطيع وضع من مثل هذه القواعد.

  نصت اتفاقية نيويورك والخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية للعام ١٩٥٨ في المـادة ٢/٥/ب علـى انـه يـجـوز للسلطات المختصـة فـي البلـد المطلوب إليها الإعتراف وتنفيذ حكم التحكيم ان ترفض ذلك ان تبين لها ان الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه يحتوى على ما يخالف النظام العام في بلد التنفيذ.

  واستناداً الى هذا النص يمكننا القول بان مخالفة النظام العام والذي من أسباب دعوى البطلان هو مخالفة النظام العام في دولة التنفيذ، فلا أهمية لتحديد مدلول النظام العام بالنسبة للقانون الواجب التطبيق أو مكان التحكيم أو جنسية المحكمين أو مخالفة النظام العام الدولي، خصوصاً في ظل عدم وجود اي ضابط قانوني للتفرقة بين النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي، فبينما تسعى كل دولة الى حماية مصالحها بما تفرضه من نصوص آمرة تتعلق بمصلحتها العليا سواءاً الاقتصادية أو الأجتماعية او السياسية فان النظام العام الدولي يسعى الى حماية المصالح الفردية للطرف الأجنبي، مع ضرورة الملاحظة ان القضاء المصري لا يعتبر النصوص الأمرة مرادفة للنظام العام فلا يعتبر كل نص أمر يتعلق بالنظام العام وأنما فقط تلك النصوص التي تتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع.

  كما يجب ملاحظة ان بطلان حكم التحكيم في العقود الإداية بسبب مخالفة النظام العام يفترض وقوع مخالفة لأحكام النظام العام في قضاء حكم التحكيم ذاته، بمعنى ان يكون الحكم الذي توصلت إليه هيئة التحكيم في موضوع النزاع مخالفاً للنظام العام، وهذا أستقر عليه القضاء الفرنسي استناداً الى نص المادة 6/١٤٨٤ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي بان يكون حكم التحكيم الذي توصلت إليه محكمة التحكيم يتعارض مع النظام العام ذاته.

   الا ان السؤال المطروح هنا هل يمكننا رفع دعوى ببطلان حكم التحكيم لمخالفته النظام العام في حال بني الحكم على غش أو تزوير؟ خصوصاً ان المشرع المصري والأردني لم ينصا على هذه الحالة في الحالات الواردة على - سبيل الحصر في قانونين التحكيم، كما ان الاتفاقيات الدولية لم تعالج هذا الأمر ايضاً، إضافة الى ذلك فأن القوانين الوطنية والإتفاقيات الدولية لم تجز الطعن في حكم التحكيم بأي طريقة أخرى إلا بدعوى البطلان.

    من المتفق عليـه فقهياً إمكانيـة الطعـن بالبطلان في حكـم الصادر بناءاً على غش أو تزوير، إلا أن الفقه اختلف في الأساس الذي تستند إليـه دعـوى البطلان، فذهب جانب مـن الفقـه الى ضرورة تفسير حـالات التحكيم البطلان الواردة على سبيل الحصر بالتفسير الواسع، وبالتالي يمكن الطعن في حكم التحكيم الإداري حسب نص المادة 1/53/ج من قانون التحكيم المصري بإعتبار ان هذا الأمر يشكل إخلالاً بحق الدفاع.

   بينما ذهب آخر الى ان الحكم التحكيمي المبني على غش او تزوير يتم الطعن فيه استناداً للمادة ٢/٥٣ اي بسبب مخالفة قواعد النظام العام في مصر شريطة ان يكشف هذا الغش أو التزوير قبل إنقضاء ميعاد الطعن، ويمكن كذلك التمسك بالغش والتزوير اثناء نظر الدعوى وقبل صدور الحكم، اما اذا انتهى ميعاد دعوى البطلان او رفعت الدعوى وصدر حكم فيها فلا تقبل دعوى البطلان بسبب الغش ويصبح حكم التحكيم بمنأى عن اي طعن، وهو ما يحتاج الى تدخل تشريعي للوصـول الـى حـل وهـذا مـا يجب على المشرع المصري والأردني فعله لتجنب القصور التشريعي هنا.

  وتجدر الإشارة هنا الى ان المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان تستطيع العمل بفكرة بطلان الحكم التحكيمي جزئياً، بمعنى ان تحكم بالبطلان الجزئي أي إبطال الجزء المخالف للنظام العام فقط دون إبطال الحكم كاملاً. ولكن هل يحقق النظام العام بصورته السابقة المزايا المرجوه من اللجوء الى التحكيم في العقود الإدارية الدولية؟ وهل يسهم جذب الاستثمارات وإستدامة عمل المرافق العامة؟ 

  في الحقيقية أن واقع الحال يختلف في العقود الإدارية الدولية والتي غالباً ما تكون عقود تجارية، أن تطور واقع الحياة التجارية الدولية استدعي فعلياً من الدول إعادة النظر بمفهوم النظام العام، خصوصاً ان دور الدولة تغير ولم تعد دولة حارسة وإنما أصبحت دولة متدخلة لها العديد من الأنشطة في المجـال الإقتصـادي وتمارس الأعمال التجارية وتسعى لجذب الاستثمارات والمستثمرين وعقد العقود الدولية لاستدامة العمل في المرافق العامة ولتأمين حاجاتها الأساسية، مما حتم على الدول تعديل معظم قوانينها الوطنية بما يتوافق مع متطلبات التجارة الدولية، والتخلـي عـن القيود المفروضـة علـى العمليات التجارية وخاصة في العقود الإدارية، وقبول اللجوء الى التحكيم لحل المنازعات الناشئة.

   لذلك يرى بعض الفقه وبحق ان النظام العام وأن تعددت مسمياته فهو يتعلق بالتجارة الدولية وأنه يشكل الجانب الأمر والذي لا يجوز للعاملين في التجارة الدولية مخالفة أحكامه سواءاً من حيث أختيارهم للقانون الواجب التطبيق على علاقتهم أو من حيث الموضوع، وبالتالي لابد من إعطاء النظام العام تفسيراً ضيقاً ومحدوداً وان يقتصر الأمر على النظام العام الدولي المتعلق في التجارة الدولية لصعوبة وجود نظام عام دولي يحكم جميع الدول نظراً لعدم وجود جهة مخولة قانوناً بوضع قواعد هذا النظام ان سلمنا بوجوده.

   الا ان الدور الرئيسي في تحديد مخالفة الحكم التحكيمي الدولي للنظام العام هو من اختصاص القاضي الوطني، ويجب على القاضي مراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنيـة التـي أتفقت على ضرورة مطابقة حكـم التحكيم الدولي للنظام العام لغايات الإعتراف به وتنفيذه، إلا أنها اختلفت في تحديد مضمونه وتركت الأمر لسلطة القاضي التقديرية، ولكن لا بد من معرفة المحكمة المختصة في نظر دعوى البطلان وخصوصاً في أحكـام من هي التحكيم الدولية وهذا ما سنقوم بتوضيحه في الفرع الثاني من هذا المطلب.