التنفيذ / مخالفة النظام العام / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تنفيذ حكم التحكيم في القانون المصري 27لنسة 1994 واتفاقيتي نيويورك 1958 وواشنطن 1965م / عدم مخالفة حكم التحكيم للنظام العام
تبرز فكرة النظام العام عندما يحدث اصطداما بين حكم التحكيم إذا كان يمس الأسس التي يقوم عليها كيان المجتمع والتي قد تكون عائقا يمنع تنفيذ حكم التحكيم كليا أو جزئيا أو قد يؤدى إلى عرقلة الوصول إلى الغاية التي تبتغيها الأطراف المعنية في سرعة فصل المنازعات.
وقد استقر المشرع المصرى على أن أحكام التحكيم لا تقبل الطعن فيها باي طريق من طرق الطعن وإنها فقط مقيده بما لا يخالف النظام العام، وبناء عليه فإنه لا يجوز الأمر بتنفيذ هذه الأحكام إلا بعد التحقق من عدم مخالفتها للنظام العام الأمر الذي معه أصبح بين الفقه والقضاء وضع إطراء قانونيا وفقهيا يمكن من خلاله التوفيق بين اعتبارات النظام العام وأحكام التحكيم.
إن فكرة النظام العام فكرة مرنة تستعصى بطبيعتها على التحديد ويمكن القول بأن النظام العام هو مجموعة المصالح الأساسية التي يقوم عليها كيان المجتمع ، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، فقواعد النظام العام هي تلك التي يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، ويراد بالمصلحة العامة هنا كل ما يتعلق بالنظام الأساسي للمجتمع بحيث يرجح على كل مصلحة فرديه ، ومن ثم وجب على جميع أفراد المجتمع أن يحترموا كل ما يتعلق بالنظام العام حتى لو كان في ذلك تضحية بمصالحهم الخاصة ، فإذا هم خرجوا على هذا النظام باتفاق خاص عد هذا الاتفاق باطلا .
وفكرة النظام العام بشقيها ( النظام العام والآداب ) فكرة نسبية متطورة ، إذ تختلف هذه الفكرة من بيئة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر ، فكثير من ضروب التعامل التي كانت تعتبر صحيحة إلى عهد قريب أصبحت اليوم مخالفة للنظام العام في ظل التنظيمات الحديثة التي تدخل فيها الشارع بنصوص أمره لا يجوز مخالفتها وبناء على ذلك فإن فكرة النظام العام تضيق وتتسع تبعا للأفكار السائدة في المجتمع . لذا فهي تنحصر في أضيق الحدود في ظل المذاهب الفردية التي شرف في الاعتداد بحرية الفرد وتغفل الصالح العام .
ومن هذا المنطلق فقواعد قانون المرافعات التي تتعلق بالنظام العام هي التي تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة ولو كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع وتعلو على مصلحة الفرد ، هذه المصلحة التي يتعين على الأفراد احترامها وعدم مخالفتها حتى لو كان ذلك بمقتضى اتفاق بينهم .
فكرة النظام العام في القانون المصرى :
لقد أوضح المشرع المصرى فكرة النظام العام حيث جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدنى المصرى ما يلي : " يلاحظ أن فكرة النظام العام فكرة مرنه جدا وقد بلغ من أمر مرونتها أن عمد التقنين الألماني إلى إغفال النص عليها عند صياغة المادة (138) فعلى أثر مناقشات هامة عنيفة جرت بوجه خاص في مجلس الريستاج انتهى الأمر بنصوص مختلفة جاء فيها ذكر العقد مخالفا للآداب والنظام العام.
وكان الاعتقاد السائد أن نظرية النظام العام تنطوي على فكرة عامة مجردة تترتب عليها نتائج بالغة الخطورة من بينها أن القاضي ربما أعطى لنفسه الحق أن يتخذ من النظـام العـام نظريـة فلسفية أو دينية يبنيها على مجموعة المبادئ الدستورية أو على سياسة التشريع العامـة أو على رأيـه الخـاص فـي المسائل الاجتماعية أو الفلسفية الأخلاقية أو الدينية . لذا فقد دافع الحزب الاشتراكي الألماني بكل قوته عن النص المقرر لفكرة النظام العام ، وكان يرمى من ذلك إلى اعتبارات كل عقد لا يتفق مع مبادئ حماية الطبقة العاملة مخالفا للنظام العام على أن هذه النتائج بذاتها هي التي جعلت غالبية أعضاء الريستاج تنفر من النص المقرر للنظام العام ومن كل معيار نظري ، وترغب في وضع معيار عملی بحت قوامه العرف والمبادئ المستفادة من الآداب العامة
عرف الفقه مصطلح النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي للتعبير عن الدور الذي يلعبه النظام العام في مجال العلاقات الوطنية ومجال العلاقات التي تحتوى على عنصر أجنبي .
فحيث تكون العلاقة وطنية من جميع عناصرها فإن النظام العام يكون له طابع وطني بحث وتكون غايته المحافظة على القواعد الأمرة التي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها وتكون غايته إبطال جميع التصرفات والاتفاقات التي تخالف القواعد الآمرة .
وعندما تتضمن العلاقة عصرا أجنبيا فإن النظام العام يقوم بدور مختلف حيث لا تكون غايته إيطال الاتفاقيات التي تخالف القواعد الآمرة في القانون الداخلي وإنما تكون غايته مجرد استبعاد ما يفضي إليه تطبيق القانون الأجنبي المقرر تطبيقه بالاتفاق بين أطراف العلاقة أو الامتناع عن تنفيذ الحكم الأجنبي الذي يرغب صاحب الشأن في تنفيذه في مجال السلطات الإقليمية للقانون الوطني إذا افتقد هذا الحكم الأجنبي شرط من الشروط الجوهرية التي تعد متعلقة بالنظام العـام فـي مصـر وذلـك مـن أجـل السماح بتنفيذه بمعرفة السلطات المصرية المختصة.
من هنا يمكن القول بأن اختلاف الدور الذي يلعبه النظام العام في كل مجال يسمح بالقول بان كل مفهوم له مجال متميز ومختلف عن الآخر ، ذلك لأنه ليس كل ما يخالف النظام العام الداخلي يعد مخالفا للنظام العام الدولي والعكس صحيح ، بمعنى أن كل ما يخالف النظام العام الدولي قد لا يشكل مخالفة النظام العام الداخلي حيث أن الواقع يشهد أن بعض الدول لديها تشريعات وطنية تهدف إلى تحقيق مصالحها الخاصة ومع ذلك تتعارض هذه المصالح مع قواعد يمكن أن يطلق عليها ما يخالف النظام العام الدولي ، ومن ثم تتعرض هذه الدول لضغوط شديدة من الدول المهيمنة على دفة تسيير النظام العالمي بهدف التخلص من المفاهيم الوطنية والاستجابة إلى نداءات التطور المفروض في الخارج مسايرة وانصياعا لمفهوم النظام العام العالمي .
ويلعب النظام العام دورا بارزا وهام في مجال نظرية تنازع القوانين حيث بعد عائقا أمام تطبيق القانون الأجنبي واجب التطبيق بموجب قواعد الإسناد الوطنية ، وأنه حيث يكون هناك مجال لتدخل مفهوم النظام العام في مجال تنازع القوانين فإنه يتعين براءة إعمال قواعد الإسناد التي تشير إلى القانون واجب التطبيق على العلاقة محل البحث ثم يتعين أن يكون هذا القانون قانونا أجنبيا . وهنـا فـإن فكرة النظام العام في مجال تنازع القوانين يتسم بوظيفتين أساسيتين إحداهما سلبية والأخرى إيجابية ، وذلك على النحو التالي :
1 - الوظيفة السلبية: هي مجرد استبعاد الأحكام الأجنبية المتعارضة مع الأسس والمفاهيم الجوهرية في دولة القاضي وهذا ما أكدته محكمة النقض بقولها : " أنه لا يمكن استبعاد القانون الواجب التطبيق وفقا للمادة ٢٨ من القانون المدنى إلا في حالة مخالفتـه للنظـام العـام المصـرى أو مخالفتـه الأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية أو مخالفته للأخلاق أو المساس بالمصلحة العامـة بالمجتمع .
وللنظام العام أيضا دور في مجال الاختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الأحكام حيث يلعب دورا بارزا وفعالا في مجال الاختصاص القضائي الدولي حيث يقوم هذا الدور على مفهوم ضـرورة توفير الاحترام والفاعليـة لـحـالات اختصاص المحاكم المصرية المقررة بموجب إرادة المشرع صراحة في المادة ٢٩٨ مرافعات إذ تنص على أنه : " لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق مما يأتي:
- أن محاكم الجمهورية مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر
- ۲
4 - أن الحكم أو الأمر لا يتعارض مع حكم أو أمر سبق صدوره من
محاكم الجمهورية ولا يتضمن ما يخالف النظام العام والآداب فيها . كما نص المشرع المصري في عجز المادة 300 مرافعات على أنه : " لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق من توافر الشروط المطلوبة لرسمية السند ...
ومن خلوه مما يخالف النظام العام أو الآداب في الجمهورية " . وبذلك يتضح أن المشرع المصرى يعتبر أن حالات اختصاص المحاكم
المصرية تمثل تحديدا حصريا متعلقا بالنظام العام ، وعليه فلا يجوز السماح بتنفيذ حكم أجنبى إذا تبين صدور هذا الحكم في منازعة تدخل في اختصاص المحاكم المصرية .
٢- الوظيفـة الإيجابيـة : تكمـن الوظيفة الإيجابيـة للنظـام العـام فـي عنـد الاختصاص التشريعي للقانون الوطني ، والحقيقة أن هناك تلازم بين الوظيفين الإيجابية والسلبية حيث أن استبعاد القانون الأجنبي واجب التطبيق يقتضى البحث عن قانون آخر لحكم النزاع ولا يوجد أفضل من قانون القاضي ليتولى هذه المهمة. وهنا ينبغي ملاحظة أن مفهوم النظام العام الداخلي في مصر شئ وحالات اختصاص المحاكم المصرية شئ آخر ، حيث أن المشرع المصرى قد قام بتعداد الكثير من الحالات في قانون المرافعات التي تحدد اختصاص المحاكم المصرية ونجد من بعض هذه الحالات مسائل لا تتعلق بالنظام العام الدقيق لأنها لا تمس مصالح وأسس جوهرية للمجتمع مثل نص م 300 من قانون المرافعات التي تنص على أنه : " اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأختي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في الجمهورية وذلك إذا كانت الدعوى متعلقة بالتزام نشأ أو نفذ أو كان واجبا تنفيذه في مصر.
لذا ينبغي ملاحظة اتجاه نية المشرع الوطني إلى توفير الحماية الفعالة لحالات اختصاص المحاكم المصرية وتوفير هذه الحماية يقتضى منع المحاكم الأجنبية من انتزاع الاختصاص من المحاكم المصرية فإذا لم يتم ذلك وقامت
محكمة أجنبية بالتعدى على الاختصاص القضائي المقرر للمحاكم المصرية فإنه يتعين أن يكون هناك جزاء يجب إعماله إزاء هذه المخالفة أو التعدى وهذا الجزاء يكون رفض تنفيذ الحكم الأجنبـي الـذي صدر في منازعة كانت داخلـه فـي اختصاص المحاكم المصرية ولو لم يكن هناك حكما متعارضا مع النظام العام بالمعنى الدقيق في مصر .
وقد لا يكون الحكم الأجنبي قد تعدى على اختصاص المحاكم المصرية مع ذلك يمكن رفض تنفيذه أيضا ، وذلك إذا كان متعارضا مع الأسس والمصالح الجوهرية للمجتمع المصري والتي تعد متعلقة بالنظام العام .
ويتضح مما تقدم أن النظام العام بالمعنى الدقيق شئ وتقدير واحترام اختصاص المحاكم المصرية شئ آخر ، وهذا الأمر يقترض مخالفة الحكم للنظام العام فيما قضى به هذا الحكم ، ومثال ذلك أن يخالف الحكم قاعدة موضوعية من قواعد النظام العام في القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع كما لو كان الحكم بإلزام أحد الخصوم بفوائد أكثر من تلك التي يحددها القانون تحديدا متعلقا بالنظام العام ، أو أن يكون الحكم قد صدر على خلاف حكم آخر سابق حائز لحجية الأمر المقضى حيث أن الحجية القضائية قاعدة إجرائية متعلقة بالنظام العام
ويعتقد الباحث أنه حتى بعد تلاشي هذه الهوة والذي يتصور معها وقوع التصادم ، فلا يمكن تغليب هذه الفكرة – النظام العام الدولي – حتى لا تتلاشى فكرة النظام العام الداخلي الذي يحدد هوية وكيان الدولة والذي يمكن تصوره هو التوازن بين الفكرتين في إطار يغلب فكرة النظام العام الداخلي عند اللزوم . وعودة إلى بدء فإذا تعلق الأمر بقواعد أمرة تمس النظام العام الداخلي فإن المحكم لا يمكنه التحرر منها حتى لو كان مفوضا بإجراء تسوية وفقا لقواعد العدالة ، ولا نجد بأسا في هذا المقام من قبول هذه التفرقة بين الأطراف وتلك التي تهدف إلى حماية المصلحة العامة ، فالأولى يمكن فيها للمحكم بالتفويض الخروج عليها باعتباره أصبح يملك ما يملكه الأطراف ، وإذا كان لهؤلاء التنازل عن الحماية المقررة لهم فالمحكم يملك تجاهل النصوص التي تخولهم هذه الحماية ، ومثال ذلك غض النظر عن التمسك بالتقادم الذي أكسب أحد الأطراف حقا أصبح عنصرا في ذمته المالية . أما إذا تعلق الأمر بتنازل أحد الأطراف عن التمسك بالتقادم الذي لم تكتمل مدته ، فإن المحكم لا يمكنه إقرار هذا التنازل لتعلق الأمر بحق لا يملكه الأطراف.
تبرز فكرة النظام العام عندما تصطدم بحكم تحكيم يمس الأسس والمصالح الأساسية التي يقوم عليها كيان المجتمع وهنا تكون المشكلة سواء كان التحكيم وطنيا أو أجنبيا ، حيث يؤدي ذلك إلى عدم ومنع تنفيذ حكم التحكيم كليا أو جزئيا أو يؤدى إلى عرقلة الوصول إلى الغاية التي يبتغيها الأطراف وهي اللجوء إلى التحكيم كطريق أسرع لحل المنازعات .
وقد انتهج المشرع المصرى نهج مختلف عن المشرع الفرنسي في معالجة هذا الأمر حيث كان المشرع الفرنسي قد فرق بين التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي فحظر طرق الطعن ولم يسمح إلا بطلب البطلان أو منع التنفيذ وذلك في مجال التحكيم الدولي أما في مجال التحكيم الداخلي فلا يصح أن توضع أحكام التحكيم في وضع يسمو على أحكام القضاء بحيث تصبح محصنة لذا فإن التحكيم الداخلي يقبل الطعن بالاستئناف حتى لو كان المحكم مفوضا بالحكم وفقا لقواعد العدالة والإنصاف .
بينما أرسى المشرع المصرى مبدأ عدم جواز الطعن في حكم التحكيم باي طريق من طرق الطعن العادية فكان طبيعي أن يفتح الباب أمام المحكوم ضده لرفع دعوى لا يطلب فيها إعادة نظر موضوع النزاع وإنما يطلب فحسب الحكم ببطلان حكم التحكيم ، حيث أرسي المشرع المصرى ذلك في المواد (٥٢ ، 53 ، 54 تحكيم مصرى ) إذ حدد المشرع الأسباب التي يجب توافرها لرفع دعوى البطلان لعل من أهمها - في رأي الباحث - بطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في مصر ، وتثور فكرة النظام العام أيضا عند طلب تنفيذ حكم
التحكيم حيث اشترط القانون المصري في المادة (٢/٥٨ تحكيم ) أنه لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقا لأحكام هذا القانون إلا بعد التحقق بأنه لا يخالف النظام العام في مصر