ومفاد هذه الفكرة أن مجموع المصالح العليا للمجتمع تسمو وتعلو على المصالح الفردية، أي تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
فالمنازعات الناشئة عن الروابط القانونية التي تكون الدولة والأشخاص القانونية العامة طرفا فيها - ومن بينها منازعات العقود الإدارية - تتعلق بالنظام العام، على اعتبار أن الدولة والأشخاص القانونية العامة يستخدمون السلطة العامة في علاقاتهم القانونية، وذلك لتحقيق المصلحة العامة، مما ينبغي عدم جواز حسم هذا النوع من المنازعات عن طريق التحكيم، نظرا لأن التحكيم غير جائز في المسائل المتعلقة بالنظام العام.
ولقد أخذ مجلس الدولة الفرنسي بفكرة النظام العام لحظر لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم في منازعات العقود الإدارية، وذلك بالفتوى الصادرة من الجمعية العامة لمجلس الدولة بخصوص عقد إنشاء مدينة ملاهي في فرنسا بين إحدى المحافظات الفرنسية وشركة والت ديزني الأمريكية.
ولقد حسم مجلس الدولة الفرنسي الخلاف الذي ثار بين الفقه حول امتداد مبدأ الحظر على المؤسسات العامة الصناعية والتجارية، بأن أكد عدم جواز لجوء هذه المؤسسات إلى التحكيم لحسم منازعات عقودها الإدارية. حيث قرر في حكمه الشهير الصادر في 13 ديسمبر 1957 بهيئة دوائره مجتمعة، في قضية الشركة الوطنية لبيع الفوائض ما يلي: «أن الشركة المذكورة منشأة عامة، وأنه بمقتضى مزج أحكام المادتين 83و 1004 من مجموعة قوانين الإجراءات المدنية لا يجوز للمنشأة العامة إجراء اتفاق تحكيم إلا إذا سمح لها بذلك خصيصا نص تشريعي، وأنه لا القانون ولا أي نص من نفس الدرجة قد سمح للشركة الوطنية لبيع الفوائض بإجراء مصالحة أو اتفاق تحكيم، وأنه إذا كانت الشركة المعنية منشأة ذات صفة تجارية، فإن هذا الظرف لا ينزع عنها صفة منشأة عامة التي ينشأ عنها الحظر المشار إليه آنفا»..
وفي سنة 1991 شجعت السيدة (Madame Edith Cresson) رئيسة مجلس الوزراء آنذاك مشروع النمو وزيادة طرق تسوية النزاعات مثل المصالحة والوساطة والتحكيم، مما أدى إلى قيام الجمعية العمومية بمجلس الدولة الفرنسي بتقديم تقرير للحكومة في فبراير ۱۹۹۳ بشأن وسائل حسم المنازعات الإدارية البديلة للقضاء، وأهمها التوفيق والصلح والتحكيم .
ولقد جاء في التقرير اقتراحات في هذا الشأن، يهمنا منها الآتي:-
اقترح مجلس الدولة الفرنسي توسيع مجال اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات الإدارية، وخاصة منازعات العقود الإدارية.
أجاز مجلس الدولة الفرنسي للقاضي الإداري، بصدد بحث كل حالة على حدة، تحديد مدى جواز اللجوء للتحكيم لحسم النزاع الناشئ عن عقد من العقود الإدارية التي تتعلق بالتجارة الدولية.
اقترح مجلس الدولة الفرنسي على الحكومة الفرنسية إصدار تشريع يخول لمجلس الوزراء السماح للمؤسسات العامة بالاتفاق على اللجوء للتحكيم من أجل حسم أي نزاع تكون طرفا فيه.
کرر مجلس الدولة الفرنسي تأييده اللجوء للتحكيم في عقود الأشغال العامة والتوريد لتصفية النفقات الناشئة عنها، وفقا لما ينص عليه القانون الصادر بتاريخ 17 أبريل 1906.
أوصى مجلس الدولة الفرنسي بلجوء المجتمعات المحلية إلى التحكيم في شأن العقود التي سمح لها القانون رقم 6 فبراير لسنة ۱۹۹۲ بإبرامها مع مؤسسات أجنبية.