الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / مخالفة النظام العام / الكتب / بطلان حكم المحكم / مخالفة حكم التحكيم للنظام العام

  • الاسم

    د. إبراهيم رضوان الجغبير
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    دار الثقافة للنشر والتوزيع
  • عدد الصفحات

    255
  • رقم الصفحة

    229

التفاصيل طباعة نسخ

إن معظم الأنظمة القانونية للدول تشتمل على قواعد خاصة تسمى قواعد النظام العامة التي بدورها تحقق المصلحة العامة. وتحمي المصالح الاقتصادية والاجتماعية والدينية للمجتمع من التجاوزات التي قد تلحقها هيئة التحكيم عند اختيارها للقانون واجب التطبيق على النزاع، سواء تعلق بقاعدة موضوعية أم إجرائية. وتعد سدا منيعا التنفيذ أي قرار تحكيمي أجنبي أو وطني يخالفها.

أما إذا اختار الأطراف قانوناً أجنبياً لتطبيقه على النزاع. فإنهم يختارون قانوناً آخر له نظامه العام الذي قد يختلف عن النظام العام للقانون الوطني، ففكرة النظام العام فكرة متغيرة تختلف من مجتمع لآخر. ومن زمن إلى زمن آخرین نفس المجتمع. وفق التغيرات و التطورات التي تفرض نفسها داخل المجتمعات. حيث نجد أن الأنظمة القانونية للدول تشتمل على قواعد خاصة تسمى قواعد النظام العام الداخلي وهدفها تحقيق المصلحة العامة للدولة وحماية كيان المجتمع.

المطلب الأول: مفهوم النظام العام الداخلي في حكم التحكيم 

تعد فكرة النظام العام من الأفكار الأساسية في علم القانون بصفة عامة حيث يقترن استخدام مصطلح النظام العام في القانون الداخلي بكافة فروعه المختلفة بالكلام عن القواعد القانونية الآمرة التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها. فالنظام العام يعد قيدا على سلطان الإرادة.

وقد اتخذ المشرع المصري من النظام العام معياراً للتفرقة بين القواعد الآمرة والقواعد المفسرة ولكنه لم يضع تعريفاً له، وقد حاول الفقه تعريف فكرة النظام العام حيث يرى بعض الفقهاء أن القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة، سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، تتعلق بنظام المجتمع الأعلى، وتعلو على مصلحة الأفراد) ويرى البعض الآخر أن فكرة النظام العام الداخلي في دولة ما، مجموعة الأصول والقيم التي تشكل كيانها المعنوي، وترسم صورة الحياة الإنسانية المثلى فيها ، وحركتها نحو تحقيق أهدافها ، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو خلقية، وهي بهذه المثابة مبادئ وقيم تفرض نفسها على مختلف أنواع المعاملات القانونية في الدولة وجودا وأثرا، غالبا في صورة قواعد قانونية آمرة تحكم هذه العلاقة.

هذا ونجد أن محكمة النقض الفرنسية قد أيدت ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف في حكم لها بمنع التحكيم في كافة المسائل التي تمس النظام العام، فقررت أن موضوع النزاع المعلن في مشارطة التحكيم قد فرض على المحكمين البحث.

وبخصوص الضابط المنصوص عليه في المادة (1004) من قانون المرافعات الفرنسي بشأن منع إخضاع القضايا الخاصة بالنظام العام للتحكيم، لا يعني أن يستبعد من مجال التحكيم كل عمل ينطوي على طابع النظام العام. إلا أنه حينما يخالف حكم التحكيم مبدأ النظام العام. وينتهك بصورة مباشرة هذا المبدأ، فإن النتيجة المترتبة على ذلك هي بطلان مشارطة التحكيم.

أما المسائل المتعلقة بالجرائم والعقوبات، فإن قضاء الدولة وحده يملك حق الفصل فيها، كونها تتعلق بالنظام العام، فلا يجوز التحكيم في أي موضوع متعلق بالجرائم وإلا كان البطلان مصيره. 

ويلاحظ أن كلا المشرعين المصري والأردني قد أفرداً حكماً خاصاً لهذه

الحالة، حيث نصت المادة (2/53) من قانون التحكيم المصري على أنه: "وتقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية". ونصت المادة (49/ب) من قانون التحكيم الأردني على أن: "تقضي المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم فيما تضمن ما يخالف النظام العام في المملكة أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها". 

ما المطلب الثاني : مفهوم النظام العام الدولي في حكم التحكيم . 

أما مفهوم فكرة النظام العام الدولي. فهي تقوم على أساس مجموعة من الأصول والمبادئ العامة التي تفرضها القيم الإنسانية العالمية، والتي يفرضها التعايش المشترك بين المجتمعات

وهذه القيم أو الأصول تتسع لتشمل مبدأ حرية التعاقد. والقوة الملزمة للعقد، ومبدأ عدم جواز إساءة استعمال الحق. ومبدأ حسن النية في تنفيذ العقود ، ومبدأ إبطال الغش، ومبدأ عدم جواز الإثراء بلا سبب، وغيرها من المبادئ التي كانت تفرض وجودها في غالبية التشريعات للدول.

كما هو الشأن في حماية الآثار باعتبارها تراثاً للبشرية، وفي حماية البيئة من مخاطر التلوث باعتبارها إطاراً عاماً مشتركا للبشرية، وفي مكافحة المخدرات، ومكافحة الإرهاب

أما النظام العام الدولي في مجال الإجراءات فهو يتمثل في الأصول العامة أو المبادئ الأساسية في التقاضي التي لا يتصور تحقيق العدالة دون الالتزام بها.

ومبدأ المواجهة بين الخصوم، بأن يتاح لكل خصم تقديم دفاعه في مواجهة الطرف الآخر، وإتاحة الفرصة لاطلاع الخصوم عليها، وكذلك في مجال مناقشة الشهود. فلا يجوز مناقشة شاهد في غياب أحد الأطراف ما لم يكن قد أعلن بموعد الجلسة... وغيرها من المبادئ العامة التي تدخل في مجال الإجراءات وقد سبق التحدث عنها في موضع سابق

لا شك أن المحكم عندما يفصل في أي نزاع. لابد من الأخذ بقواعد النظام العام الدولي إذ إن مخالفة هذه القواعد من قبل الأطراف عند تعاقدهم قد يؤدي إلى بطلان العقد موضوع النزاع, وكذلك على المحكم أن يأخذ بعين الاعتبار عند إصدار حكم التحكيم قواعد النظام العام للدولة التي سوف ينفذ فيها ذلك الحكم. إذ إن عدم احترام تلك القواعد سيؤدي إلى رفض الاعتراف بالحكم وبالتالي عدم تنفيذه. وهذا ما أقرته بعض النظم القانونية والاتفاقيات الدولية.

وكذلك تناولت اتفاقية نيويورك ذلك في المادة الخامسة منها (البند الثاني الفقرة ب) حيث نصت على أنه: "يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف وتنفيذ حكم المحكمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبين لها أن في الاعتراف بحكم المحكمين أو تنفيذه ما يخالف النظام العام في هذا البلد.

انقسم الفقه في الإجابة عن هذا التساؤل إلى فريقين:

 فريق قام بالتفريق بين النظام العام الداخلي في مصر والنظام العام الدولي الخاص. ذلك أن فكرة النظام العام في القانون الداخلي تهدف إلى ضمان عدم الخروج الإرادي عن أحكام القواعد القانونية الآمرة, أما في مجال القانون الدولي الخاص فإن فكرة النظام العام تهدف أساساً إلى استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي أشارت قواعد الإسناد باختصاصه.

ويرى أنصار هذا الاتجاه أن فكرة النظام العام في التحكيم الدولي أضيق نطاقاً من فكرة النظام العام في التحكيم الداخلي. وبناء عليه فليست كل قاعدة آمرة تتعلق بالنظام العام في التحكيم الداخلي تعتبر من النظام العام في المعاملات الدولية ،

ويرى الباحث أن المشرع المصري عند وضعه لقانون التحكيم، قد قرر أنها تسري على كل من التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي. كما يتضح من نصوص المواد (1 – 3) من ذات القانون، وبالتالي فإن فكرة النظام العام يقصد بها فكرة النظام العام الداخلي في مصر، والنظام العام في القانون الدولي حسب الأحوال فيما إذا كنا بصدد تحكيم داخلي أم تحكيم دولي. وبالتالي فإن ما قصده المشرع هو النظام العام في مصر مقررة ذلك صراحة في المادة (2/53) من ذات القانون عند ذكره وإذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية " فلو كان المشرع يقصد النظام العام في القانون الدولي لذكر ذلك.

وخلاصة القول إنه من الضروري ألا يتضمن قرار التحكيم ما يتعارض مع قواعد النظام العام في البلد المراد تنفيذ الحكم فيه، وهذا ما يدعو المحكم أن يأخذ بنظر الاعتبار عند إصداره لقراره بمبدأ احترام قواعد النظام العام الداخلي مع قواعد النظام العام السائد في التعامل التجاري الدولي، فإذا ما وقع تعارض أو مخالفة لهذه القواعد. فإن ذلك يؤدي إلى إبطال الحكم، وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها دون حاجة لتمسك الخصم بالبطلان.