وهذه القيم أو الأصول تتسع لتشمل مبدأ حرية التعاقد والقوة الملزمة للعقد، ومبدأ عدم جواز إساءة استعمال الحق ومبدأ حسن النية في تنفيذ العقود ومبدأ إبطال الغش ومبدأ عدم جواز الإثراء بلا سبب وغيرها من المبادئ التي كانت تفرض وجودها في غالبية التشريعات للدول.
ومن أهمها مبدأ المساواة بين الأطراف حيث تقتضي العدالة أن تسمح لكل طرف بعرض دعواه يعامل طرفاً التحكيم على قدم المساواة وتهيأ لكل منهما فرصة متكافئة وكاملة لعرض دعواه المادة 26 من قانون التحكيم المصري والمادة 25 من قانون التحكيم الأردني).
ومبدأ المواجهة بين الخصوم بأن يتاح لكل خصم تقديم دفاعه في مواجهة الطرف الآخر، وإتاحة الفرصة لاطلاع الخصوم عليها، وكذلك في مجال مناقشة الشهود. فلا يجوز مناقشة شاهد في غياب أحد الأطراف ما لم يكن قد أعلن بموعد الجلسة ... وغيرها من المبادئ العامة التي تدخل في مجال الإجراءات وقد سبق التحدث عنها في موضع سابق.
والآن أي نوع من القواعد يجب على المحكم مراعاتها عند الفصل في النزاع قواعد النظام العام الداخلي أو الدولي؟
لا شك أن المحكم عندما يفصل في أي نزاع لابد من الأخذ بقواعد النظام العام الدولي إذ إن مخالفة هذه القواعد من قبل الأطراف عند تعاقدهم قد يؤدي إلى بطلان العقد موضوع النزاع وكذلك على المحكم أن يأخذ بعين الاعتبار عند إصدار حكم التحكيم قواعد النظام العام للدولة التي سوف ينفذ فيها ذلك الحكم .
فقد ورد في المادة (34) الفقرة (ب) من القانون النموذجي والتي تنص على الغاء حكم التحكيم إذا كان يتعارض مع السياسة العامة لهذه الدولة أي الدولة المطلوب
تنفيذ الحكم فيها. وكذلك تناولت اتفاقية نيويورك ذلك في المادة الخامسة منها البند الثاني الفقرة (ب) حيث نصت على أنه: "يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف وتنفيذ حكم المحكمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبين لها أن في الاعتراف بحكم المحكمين أو تنفيذه ما يخالف النظام العام في هذا البلد.
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا قصد المشرع المصري من فكرة النظام العام مخالفة النظام العام الداخلي أم فكرة النظام العام الدولي المتعارف على إعمالها في إطار العلاقات الدولية الخاصة؟
ففكرة النظام العام فكرة متطورة ومرنة تتغير من زمان إلى زمان آخر. في حين أنكر اتجاه آخر هذا الاصطلاح مبعدين هذه التفرقة أصلاً من الأساس، فلا أهمية في نظرهم لما يسمى فكرة النظام العام الدولي) التي يراد بها طمس الهوية القومية للدول المراد تنفيذ الحكم فيها وبصفة خاصة الدول النامية ويرى الباحث أن المشرع المصري عند وضعه لقانون التحكيم قد قرر أنها تسري على كل من التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي كما يتضح من نصوص المواد (31) من ذات القانون، وبالتالي فإن فكرة النظام العام يقصد بها فكرة النظام العام الداخلي في مصر والنظام العام في القانون الدولي حسب الأحوال فيما إذا كنا بصدد تحكيم داخلي أم تحكيم دولي وبالتالي فإن ما قصده المشرع هو النظام العام في مصر مقرراً ذلك صراحة في المادة (2/53) من ذات القانون عند ذكره وإذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية " فلو كان المشرع يقصد النظام العام في القانون الدولي لذكر ذلك.
وخلاصة القول إنه من الضروري الا يتضمن قرار التحكيم ما يتعارض مع قواعد النظام العام في البلد المراد تنفيذ الحكم فيه، وهذا ما يدعو المحكم أن يأخذ بنظر الاعتبار عند إصداره القراره بمبدأ احترام قواعد النظام العام الداخلي مع قواعد النظام العام السائد في التعامل التجاري الدولي فإذا ما وقع تعارض أو مخالفة لهذه القواعد، فإن ذلك يؤدي إلى إبطال الحكم، وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها دون حاجة لتمسك الخصم بالبطلان .