إن معظم الأنظمة القانونية للدول تشتمل على قواعد خاصة تسمى قواعد النظام العامة التي بدورها تحقق المصلحة العامة وتحمي المصالح الاقتصادية والاجتماعية والدينية للمجتمع من التجاوزات التي قد تلحقها هيئة التحكيم عند اختيارها للقانون واجب التطبيق على النزاع، سواء تعلق بقاعدة موضوعية أم إجرائية. وتعد سداً منيعاً لتنفيذ أي قرار تحكيمي أجنبي أو وطني يخالفها.
أما إذا اختار الأطراف قانوناً أجنبيا لتطبيقه على النزاع، فإنهم يختارون قانوناً آخر له نظامه العام الذي قد يختلف عن النظام العام للقانون الوطني، ففكرة النظام العام فكرة متغيرة تختلف من مجتمع لآخر، ومن زمن إلى زمن آخر في نفس المجتمع وفق التغيرات و التطورات التي تفرض نفسها داخل المجتمعات حيث نجد أن الأنظمة القانونية للدول تشتمل على قواعد خاصة تسمى قواعد النظام العام الداخلي وهدفها تحقيق المصلحة العامة للدولة وحماية كيان المجتمع لهذا نجد أن النظام العام يختلف من دولة إلى أخرى حسب مصلحتها الوطنية.
فكل عمل إرادي أو اتفاق يخالف هذه القواعد يكون مصيره البطلان، فالكثير من التشريعات عند صياغة القواعد القانونية الآمرة تقص على عدم جواز الاتفاق على ما يخالفها، أو على بطلان هذا الاتفاق أو عدم جواز التنازل عما تقرره من حقوق. لهذا نجد أن كثيرًا من تشريعات الدول قد نصت على عدم جواز التحكيم فيما لا يجوز التصرف فيه، وعدم جواز التحكيم فيما لا يجوز الصلح فيه المادة 11 من قانون التحكيم المصري)، وجميع المسائل المتعلقة بالنظام العام المادة 53 من قانون التحكيم المصري). (والمادة الأولى من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي، حيث نصت على أنه لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح كالحدود واللعان بين الزوجين وكل ما هو متعلق بالنظام العام).
بمنع التحكيم في كافة المسائل التي تمس النظام العام فقررت أن موضوع النزاع المعلن في مشارطة التحكيم قد فرض على المحكمين البحث عن التطبيق الصحيح لنص اللائحة الداخلية لشركة محاصاه على اعتبار أن هذه اللائحة كانت مخالفة للنظام العام، فإن مشارطة التحكيم كانت باطلة بالتطبيق للمادة (2060) من القانون المدني الفرنسي التي تمنع التحكيم في كافة المسائل التي تمس النظام العام وبعد أن تم الطعن بالنقض رفضت الدائرة التجارية بمحكمة النقض الطعن وقررت في ذلك أن محكمة الاستئناف أحسنت تطبيق القانون .
اما مسائل الأحوال الشخصية التي تتعلق بحالة الأشخاص وأهليتهم والولاية عليهم ومسائل الزواج والطلاق والنسب والحضانة، فقد تم إبعادها عن مجال التحكيم، وبالتالي لا يجوز التحكيم بشأنها.
أما المسائل المتعلقة بالجرائم والعقوبات، فإن قضاء الدولة وحده يملك حق الفصل فيها، كونها تتعلق بالنظام العام، فلا يجوز التحكيم في أي موضوع متعلق بالجرائم وإلا كان البطلان مصيره ويلاحظ أن كلا المشرعين المصري والأردني قد أفردا حكماً خاصاً لهذه الحالة، حيث نصت المادة (2/53) من قانون التحكيم المصري على أنه "وتقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية . ونصت المادة (49) ب) من قانون التحكيم الأردني على أن تقضي المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم فيما تضمن ما يخالف النظام العام في المملكة أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها .
وأعتقد أن هذه الحالة جاءت مفردة وليست ضمن التعداد الذي عدده النص من المادة (53 / 1) كون هذا البطلان مطلقاً وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها دون حاجة إلى إثارة هذا الدفع من قبل الخصم، فإذا كان الحكم يتضمن أي مخالفة للنظام العام في مصر أو الأردن فإن حكم التحكيم يتعرض للبطلان .