أبرمت الشركة الفرنسية OTV والتي كانت ترغب في المشاركة في ظل أفضل الشروط في مناقصة دعت إليها السلطات الجزائرية من أجل دراسة وتنفيذ مجموعة الأجهزة بغرض تدعيم مدينة الجزائر عام ١٩٨٠، مع شركة Hilmarton اتفاق تتعهد في هذه الشركة الأخيرة بمهمة تقديم الاستشارات الاقتصادية والضرائبية وتقوم بالتنسيق في النطاق الإداري بين المشاركين على تنفيذ المشروع وذلك مقابل مبلغ حدد بـ ٤٪ من القيمة الإجمالية للصفقة.
ولقد نص في العقد على تطبيق أعمال أحكام القانون السويسري ونص أيضاً على أن جميع المنازعات الناشئة عن العقد سيتم الفصل فيها وفقاً للتحكيم ووفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس والذي يعقد جلساته في جنيف ووفقاً لأحكام مقاطعة جنيف.
ولقد نص في العقد على شرط واقف إذ لا يبدأ سريان أحكامه إلا من لحظة عقد شركة OTV على عقد توريد الأجهزة التي تتنافس هذه الشركة في المناقصة للفوز به. ولما كان هذا الشرط المذكور قد تحقق في عام ۱۹۸۳، فإن شركة Hilmarton حصلت عام ١٩٨٤ على مبلغ يعادل تقريباً نصف الأتعاب لها من شركة OTV ولقد رفضت شركة OTV أن تدفع النصف الأخر المتبقي الذي طالبت به شركة Hilmarton في العام التالي.
ويعزو سبب هذا الرفض إلى الأخطاء التي ارتكبتها شركة Hilmarton كمبدأ عام بالمخالفة للعقد الذي يربط بينها وبين OTV والذي أدى إلى خلق مصاعب متعددة للشركة مع عملائها. ولقد أدت التدخلات المتنوعة من قبل شركة OTV إلى تحاشي بعض هذه المصاعب عن طريق دفع المقابل الضروري الذي يتعين أخته في الحسبان من أجل تعديل العقد بين OTV وHilmarton.
وعلى الرغم من قبول شركة Hilmarton كمبدأ عام، أن يؤخذ بعين الاعتبار المبالغ التي قامت شركة OTV بدفعها إلى الممثلين المحليين، فإن الأطراف لم تتوصل إلى حل للخلاف الناشئ بينهم، ولذلك قامت شركة Hilmarton بإعمال شرط التحكيم وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية والذي عينت محكماً محامياً في جنيف. ولقد تمسكت الشركة المدعى عليها ببطلان العقد لمخالفته القانون الجزائري الصادر في ١١ فبراير ۱۹۷۸ والخاص باحتكار الدولة الجزائرية لقطاع التجارة الخارجية، والذي يحظر اللجوء إلى الوسطاء والسماسرة.
ولقد أصدر المحكم حكمه في ١٩ أغسطس ۱۹۸۸، ولقد لاحظ أولاً أنه لا يوجد أدنى أثر لتنفيذ فعلي للعقد محل المنازعة بواسطة Hilmarton وللمهمة الملقاة على عاتقها كمستشار منسق لتلك المهمة المستخلصة من العقد الموقع عام ١٩٨٠.
ولقد استخلص المحكم من التصريحات والأقوال التي أدليت أمامه والمتعارضة أحياناً أن شركة Hilmarton مارست نشاطاً قريباً من نشاط الاستخبارات التجارية والتي تتسم بطابع سري والشبيه بالتجسس الاقتصادي. وبهذه المثابة فإن المهمة الملقاة على عاتق شركة Hilmarton تلخص في ممارسة النفوذ لدى السلطات الجزائرية، من أجل تفصيل العرض المقدم من شركة OTV على العروض الأخرى المنافسة، وذلك مقابل مبالغ يتم دفعها لهذه السلطات. ولقد حرص المحكم على يشير إلى أنه على الرغم من وجود بعض القرائن المقلقة، فإنه من غير الثابت قيام شركة Hilmarton فعلاً بتقديم الرشاوى للسلطات الجزائرية.
ولقد ذهب المحكم إلى أن العقد المبرم بين كل من شركتي OTV وHilmarton يخالف القانون الجزائري الصادر في ۱۱ فبراير ۱۹۷۸ والذي يحارب استغلال النفوذ، وهو هدف يتفق فيه القانون الجزائري مع غالبية القوانين الأوروبية، وبهذه المثابة فإن العقد محل المنازعة يخالف النظام العام العابر للدول L'ordre public transnational ويخالف الآداب العامة وفقاً للقانون السويسري الذي يحكم العقد Lex contractus.
والواقع أن حكم التحكيم المذكور قد لقي مصيرين مختلفين. فمن ناحية قامت الشركة Hilmarton بالطعن بالبطلان على هذا الحكم أمام المحاكم السويسرية زاعمة أنه حكم يتسم بالتحكم arbitraire وفقاً لمفهوم المادة ٣٦ - ف من concordat inter contonal والتي كانت واجبة التطبيق، إذ أن القانون الدولي الخاص السويسري الجديد لم يكن قد دخل بعد في مرحلة النفاذ، إذ بدأ العمل به ابتداء من أول يناير ۱۹۸۹.
ولقد حاز هذا الطعن قبولاً لدى محكمة جنيف، وأصدرت قضاءها بإلغاء حكم التحكيم ولقد أبدت المحكمة الفيدرالية السويسرية هذا القضاء عندما طعن فيه أمامها من قبل شركة OTV.
وإذا كان هذا هو المصير الأول الذي واجهه حكم التحكيم المذكور في سويسرا فإنه في فرنسا أصدر رئيس المحكمة الجزئية في ٢٧ فبراير ١٩٩٠ الأمر بتنفيذه، وفي ۱۹ ديسمبر ۱۹۹1، أيدت محكمة استئناف باريس هذا الأمر.
وما يعنينا في هذا الشأن هو التعرض للمصير الأول الذي لاقاه حكم التحكيم المذكور، والمتمثل في البطلان الذي قضى به القضاء السويسري. فما هو الأساس الذي بني عليه هذا القضاء بطلان حكم التحكيم؟
اسباب بطلان حكم التحكيم الصادر في قضية Hilmarton
اسست محكمة جنيف قضاءها بطلان حكم التحكيم المذكور أعلاه بناء على نص المادة ٣٦ - ف من قانون التحكيم السويسري والتي تنص على أنه" يمكن الطعن على حكم التحكيم بالبطلان إذا كان متسماً بالتحكمية وذلك إذا قام على تقرير يخالف الواقع على نحو ما هو ثابت في الأوراق أو إذا كان يشكل مخالفة واضحة للقانون أو العدالة".
إذ ذهب القضاء السويسري إلى أن المحكم قد خالف مخالفة واضحة القانون السويسري المختار من قبل الأطراف بتقريره أن الاتفاق القائم بينهم غير أخلاقي إعمالاً لنص المادة ٢٠ فقرة 1 من قانون الالتزامات السويسري. وللوصول إلى هذه النتيجة، فإن القضاء السويسري ذهب إلى إعادة تكييف الوقائع التي سبق للمحكم تكييفها. ولقد سبق أن أشرنا إلى أن المحكم لاحظ أنه لم يثبت رسمياً وبشكل قاطع أن شركة Hilmarton قامت بتقديم الرشوة إلى السلطات الجزائرية وذلك على الرغم من عدم نقص القرائن الدالة على ذلك في واقعة الحال. فعلاوة على إخفاء العملية الحقيقة المتفق عليها بين الأطراف خلف اتفاق المساعدة القانونية والضرائبية، فإن المقابل المرتفع جداً بالإضافة إلى طرق حساب هذا المقابل المستحق لشركة Hilmarton، والتي تعد بصفة عامة قرائن على وجود الفساد، فإن حكم التحكيم تضمن أيضاً شهادة أحد الشهود التي تقطع بأن الخدمات المقدمة من قبل شركة Hilmarton للأشخاص المعنية الجزائرية لم تكن فوق الشبهات.
ولقد ضرب القضاء السويسري بكل هذه القرائن عرض الحائط، واستند ما ذكره المحكم من أية رشوة لم يتم تقديمها، لينتهي إلى تبرئة شركة Hilmarton من كل ذلك.
وبعرضنا لحالة الطعن بالبطلان على حكم التحكيم بالنظر لمخالفة هذا الأخير الفكرة النظام العام في القانون المصري تكون قد انتهينا من عرضنا الحالات البطلان التي أوردها المشرع المصري.
ولعل السؤال يتبادر إلى الذهن هو الآتي: ألا يمكن الطعن على حكم التحكيم أمام القضاء المصري هذه الأسباب الواردة في القانون المصري على سبيل الحصر أنه الطعن فيه غير طريق الطعن بالبطلان؟