الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / مخالفة النظام العام / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / الطعن ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    529
  • رقم الصفحة

    477

التفاصيل طباعة نسخ

الطعن ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية

تنص او تقضي من المادة ٥٣ - ٢ من قانون التحكيم المصري على أنه " وتقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية".

   وأول ما يلاحظ على هذه المادة أنها تعطي للمحكمة التي تنظر دعوى البطلان، وهي محكمة الاستئناف في أن تقضي من تلقاء نفسها بالبطلان إذا كان الحكم يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية، وذلك حتى إذا كانت دعوى البطلان المرفوعة أمامها، تستند على سبب آخر من الأسباب الواردة في المادة ٥۳ - ۱ بفقراتها المتعددة، وحتى لو كان هذا السبب المدعى به غير متحقق في واقعة الحال. فيحق للمحكمة أن تقضي بطلان حكم التحكيم لمخالفته للنظام العام في مصر، استناداً إلى هذا السبب وحدة.

ومما يلاحظ على هذه المادة أيضاً أنها أشارت إلى فكرة النظام العام فهل يقصد بذلك أن أي مخالفة للنظام العام الداخلي في مصر تؤدي إلى إهدار حكم التحكيم أم أن فكرة النظام العام يقصد بها فكرة النظام العام الدولي المتعارف علي إعمالها في إطار العلاقات الخاصة الدولية وليس مجرد فكرة النظام العام الداخلي؟

يبدو لنا أن عدم ذكر النصوص التي من ذكر المشرع المصري للفظ الدولي بجانب فكرة النظام العام ترجع إلى أن قانون التحكيم المصري الجديد لا يعالج فقط التحكيم التجاري الدولي، ولكنه يسري أيضاً على التحكيم الداخلي، دون تفرقة بين النصوص التي تخص كل من النوعين من أنواع التحكيم، ولعل هذه من أبرز الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى هذا القانون الذي كان حري به أن يقرر لكل من النوعين من انواع التحكيم، القواعد الخاصة والذاتية به. وفي ضوء هذه الحقيقة فإنه يبدو من المفهوم عدم إقران المشرع المصري لفكرة النظام العام بلفظ الدولي.

ويقترب من نص المادة ٥٣ - ٢ من قانون التحكيم المصري الجديد من نص المادة ١٥٠٢ - ٥ من قانون المرافعات الفرنسي الجديد إذ تنص المادة المذكورة من قانون المرافعات الفرنسي الجديد والمصاغة أصلاً لتنظيم الرقابة على إصدار الأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي على أنه يرفض الاعتراف بالأحكام التحكيمية أو تنفيذها إذا كانت مخالفة للنظام العام الدولي. والإحالة إلى هذا النص من قبل المادة ١٥٠٤ الخاصة بحالات بطلان الحكم التحكيمي تتضمن أن الحكم التحكيمي الصادر في فرنسا يمكن القضاء ببطلانه إذا كان مخالفاً للنظام العام الدولي، وفقاً للمفهوم المتعارف على هذه الفكرة في إطار القانون الدولي الخاص.

ولعله مما تجدر الإشارة إليه أن مفهوم النظام العام الذي يتعين إخضاع الحكم التحكيمي لرقابته هو ذلك القائم وقت ممارسة الرقابة على الحكم. والقاعدة المماثلة لهذا المبدأ والتي تنطبق على الأحكام الأجنبية يطلق عليها مبدأ وقتية النظام العام. ومن هنا فإنه قد يحدث أن يكون الحكم التحكيمي متوافقاً مع المفهوم الوطني للنظام العام الدولي لحظة صدوره بينما يعتبر ضد النظام العام في اللحظة التي يطلب فيها إصدار الأمر بتنفيذه.

ومطابقة الحكم التحكيمي النظام العام الدولي تعني بحث مطابقة هذا الحكم من ناحية الإجراءات وأيضاً من ناحية الموضوع.

 ويتحقق التعارض بين حكم التحكيم والنظام العام في مصر في صورتين:

 الصورة الأولى: يكون مصدر التعارض مع النظام العام نابعاً من الإجراءات التي أتُبعت في إصدار حكم التحكيم وانتهاكها لحقوق الدفاع.

 سبق أن أشرنا إلى أن المشرع المصري قد جعل من عدم احترام حقوقي الدفاع وعدم احترام مبدأ المواجهة والمساواة بين الأطراف سبباً من أسباب الطعن عليه بالبطلان. ونص في المادة ٢٦ من قانون التحكيم على أنه: " یُعامل طرفا التحكيم على قدم المساواة ويُهيأ لكل منهما فرصة متكافئة وكاملة لعرض دعواه" ومن هنا فإن أي مساس بهذه المبادئ بعد سبباً موجباً للبطلان في حالة تمسك أحد الأطراف به.

ومع ذلك فإنه إذا لم يتمسك أحد الأطراف بانتهاك أي من هذه المبادئ. فإن محكمة الاستئناف يمكنها أن تقضي ببطلان حكم التحكيم لانتهاكه هذه المبادئ المتقدمة والتي تعد من صميم فكرة النظام العام الإجرائي في مصر.

 ويذهب الفقه الفرنسي إلى أنه لا يمكن للنظام القانوني الفرنسي أن يعترف بفعالية أي حكم تحكيمي صدر وفقاً لإجراءات لم تحترم المقتضيات الأساسية للعدالة، وأولى هذه المقتضيات احترام حقوق الدفاع أو مبدأ المواجهة بين الأطراف. ولقد جعل القانون الفرنسي من هذه المسائل سبباً مستقلاً للبطلان أو رفض إصدار الأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي. ومن هنا فإنه لا يوجد مجال إلى الإشارة إلى هذه المسائل على اعتبار أنها متصلة بالنظام العام وذلك على الرغم من أن الأحكام القضائية تشير دائماً إلى اتصال هذه المبادئ بالنظام العام الدولي.

على عكس ما تقدم، فإن مبدأ المساواة بين الأطراف والذي لم يكرسه القانون الفرنسي کسبب مستقل للطعن بالبطلان يمكن ارتكازه على فكرة النظام العام. ولقد كرست محكمة النقض الفرنسية هذا المبدأ في حكمها الصادر في قضية Ducto.

ويذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى أن هذا المبدأ لا يتعين الأخذ به في مادي وآلي، فهو لا يعني على عكس ما يقول به بعض المدعين، إنه يجب أن تتاح الفرصة الزمنية المتساوية لكل من الأطراف في أن يعد كل منهم وثائقه، وأن يترك لكل طرف فترة زمنية متساوية بشكل مطلق في أن يقدم دفاعه الشفهي. إذ أنه يكفي لتحقق احترام مبدأ المساواة بين الأطراف أن التوازن العام الأطراف يكون قد تم احترامه وأن يكون كل طرف قد أتيحت له الفرصة ليعرض وجهة نظره وحججه.

 وعلى العكس من ذلك، فإن مبدأ المساواة بين الأطراف يفترض أن تكون الفرصة قد تهيأت لكل طرف في أن يعين محكمه.

أما الصورة الثانية التي يتحقق فيها التعارض بين حكم التحكيم والنظام العام في مصر فيها تتعلق بتعارض مضمون هذا الحكم مع فكرة النظام العام.

ولكي يكون الحكم التحكيمي محلاً للقضاء ببطلانه أو رفض إصدار الأمر بتنفيذه فإنه يجب أن يصطدم هذا الحكم في النتيجة المادية الملموسة التي يرتبها، لحظة قيام القاضي بفحصه، مع المبادئ الأساسية السائدة في القانون الوطني ولمطبقة في إطار العلاقات الدولية.

وإعمالاً لهذا النظر يذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى تأكيد أن الحكم التحكيمي القائم على أساس التفرقة العنصرية أو التفرقة الدينية والحكم التحكيمي الذي يرفض إبطال الاتفاق المتحصل بناء على الرشوة، أو الحكم التحكيمي الذي يتعارض مع السياسة الاقتصادية، لا يمكن أن يتمتع بأية فعالية في النظام القانوني الفرنسي.

ويؤكد جانب من الفقه الفرنسي على أن بطلان الحكم التحكيمي أو رفض إصدار الأمر بتنفيذه القائم على هذا الأساس يظل مع ذلك من المسائل التي تعرض بشكل نادر في الواقع العملي.

ولقد أيدت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ٨ مارس ۱۹۸۸ محكمة استئناف باريس فيما ذهبت إليه هذه الأخيرة من القضاء ببطلان حكم تحكيمي لإغفاله ترتيب الأثر القانوني الناجم عن الإفلاس من عدم قدرة الدائنين على اتخاذ الإجراءات الانفرادية. وفي ۱۵ مارس ۱۹۸۸ قامت محكمة النقض الفرنسية بنقض الحكم الذي أيد إصدار الأمر بتنفيذ حكم تحكيمي، الذي رتب على الشروط التعاقدية المعدلة لصحة المدفوعات التعويضية التي تمنح إلى المستوردين من أجل المحافظة على التوازن الاقتصادي.

ولعله من أهم المسائل التي تتعارض مع النظام العام الدولي وفقاً للمفهوم السائد في العديد من القول وليس وفقاً لمفهوم النظام العام الدولي في فرنسا أو مصر مشكلة الفساد والرشوة. ولإيضاح كيفية طرح هذه المشكلة في الإطار العملي فإننا سنعرض لجانب من الأحكام التي أثارت وما زالت تثير الكثير من الجدل ليس فقط على الصعيد الفقهي وإنما أيضا بين المحاكم الوطنية للعديد الدول المعنية.

حكم محكمة استئناف باريس الصادر في 10 سبتمبر ۱۹۹۳ في قضية شركة Alsthom ضد شركة Westman

في 11 ديسمبر ۱۹۸۵ أبرمت الشركة الفرنسية Turbines Alsthom والتي كانت ترغب في المشاركة المناقصة الخاصة بمشروع بتروكيميائي Arak والذي كان المقاول فيه شركة إيرانية، عقداً الشركة الإنجليزية Westman بهدف تسهيل اختيارها المسبق في المشروع. ولقد حددت مهمة شركة Westman في العقد المذكور في عبارات فضفاضة حيث حدد دورها بأن تقدم لشركة Alsthom أكبر قدر ممكن من المعلومات وأن تمدها بالمقترحات وكل النصائح المفيدة من أجل الفوز بالتعاقد في أفضل شروط ممكنة وأن تقدم أيضاً لها كل المساعدة التي يتوقع تقديمها.

وبالمقابل لهذه الالتزامات الواقعة على شركة Westman، فإنه كان من الطبيعي أن ينص على أن تتلقى شركة Westman عمولة يتم تحديدها بشكل لاحق من خلال اتفاق جديد يبرم بین الأطراف، شريطة أن تغطي هذه العمولة كل النفقات أيا كانت طبيعتها والتي تم إنفاقها بواسطة هذه الشركة.

 ولقد نص أيضاً على أن هذه العمولة لن تكون مستحقة، سواء بشكل كلي أو جزئي، إلا إذا تم رسو العطاء على شركة Alsthom في المدة المحددة. ولما كان هذا الشرط الأخير قد تحقق نظراً لإبرام شركة  Alsthom في 12 مارس ۱۹۸۹ لعقد توريد توربينات الغاز مع المشروع المذكور، فإن شركة Westman طالبت شركة Alsthom بالوفاء بالعمولة التي يتضمنها العقد المبرم بينهما والحق في الحصول عليها والتي حددتها أولاً بمبلغ %٦ ثم بعد ذلك مبلغ  %۳ من مجموع المبالغ التي سيتم دفعها لشركة Alsthom بواسطة المشروع.

ونظرا لرفض شركة Alsthom دفع العمولة المتفق عليها فإن شركة Westman شرعت في اتخاذ إجراءات التحكيم أمام غرفة التجارة الدولية في باريس إعمالا لشرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بينهما، والذي ينص على أن كل منازعة تنشأ عن هذا الاتفاق يتم حسمها بشكل نهائي وفقاً لقواعد المصالحة والتحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس بواسطة ثلاثة محكمين يتم تعيينهم وفقاً لقواعدها. ولقد قبلت شركة Alsthom المشاركة في التحكيم.

ولقد تمسكت شركة Alsthom أمام محكمة التحكيم بشكل أصلي العقد محل المنازعة يتعين القضاء ببطلانه بسبب عدم مشروعية سببه. فالمهمة الحقيقية التي كان منوطاً بشركة Westman القيام بها تتلخص في کل الوسائل من أجل التأثير على المقاول في اختياره لمن ترسو عليه المناقصة. واحتياطياً ادعت شركة Alsthom أن شركة Westman لم تمارس أي نشاط وبالتالي فإنه يحق لها المطالبة بأية مبالغ أياً ما كانت بناءً على العقد الذي لم تقم بتنفيذه.

والواقع أن هذه الطلبات التي تمسكت بها شركة Alsthom لم تجد أي صدى لها أمام هيئة التحكيم التي انتهت في حكمها الصادر في ۲۱ مارس ۱۹۹۲ إلى القضاء بأن شركة Alsthom ملزمة بدفع عمولة الشركة Wetman تقدر بنسبة 4% من قيمة الصفقة المبرمة بينها وبين الشركة صاحبة المشروع.

ولقد قامت شركة Alsthom، التي أصبحت تسمى الشركة الأوروبية GAS Turbin نتيجة للتغيير الذي لحق باسمها، بالطعن بالبطلان على حکم التحكيم المذكور أمام محكمة استئناف باريس طبقاً لنص المادة ۱۵۰۲ – ۰،۵ ١٥٤ من قانون المرافعات الفرنسي الجديد، والتي تعطي الحق للقضاء الفرنسي بالحكم بالبطلان على حكم التحكيم إذا خالف النظام العام الدولي.

ولتأييد الطعن بالبطلان ذهبت الشركة المذكورة إلى أن تنفيذ هذا الحكم يتعارض مع النظام العام الدولي إذ أنه يعترف بآثار عقد سببه ومحله منصباً على استغلال النفوذ وتقديم الرشوة ويعترف بالغش والتدليس الذي قامت به شركة Westman والذي ظهرت إدانتها به في مواجهة محكمة التحكيم وشركة EGT أثناء إجراءات التحكيم.

ولقد تعرضت محكمة استئناف باريس لكل من الحجج المذكورة التي استندت إليها شركة.T.E.G. لتأكيد ادعائها بطلب بطلان حكم التحكيم الصادر في ۲۱ مارس ۱۹۹۲.

ولقد ذهبت محكمة استئناف باريس إلى رفض الشق الأول الذي تمسكت به شركة. T.E.G القائم على بطلان العقد المبرم في11 ديسمبر 1985، باعتبارها عقداً ينصب محله وسببه على استغلال النفوذ وتقديم الرشوة، وبناء على ذلك الرفض قررت عدم مخالفة حكم التحكيم الذي قضى بصحة هذا العقد وترتيبه لآثاره لفكرة النظام العام الدولي في فرنسا.

ولقد سببت محكمة استئناف باريس قضائها المتقدم بأن استغلال النفوذ المدعى بممارسته لا يوجد أدنى دليل عليه في الأوراق المقدمة من الأطراف ولم يتم إثباته.

ولقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي وبحق عند تعليقه على هذا الحكم إلى القول بأنه وعلى الرغم من عدم الرغبة في وصف هذا القضاء المتقدم في التناقض بين أسبابه، إذ قررت محكمة استئناف باريس من جهة، أن ممارسة استغلال النفوذ لم يتم إثباته وقررت من جهة أخرى، أن محل العقد ينصب على السماح لأحد الأطراف بأن يتمشى مع العادات المحلية ويكون دوره قاصراً على تذليل العقبات نظراً لغياب المعايير الموضوعية المحددة لاختيار الأشخاص المتقدمة في عروض المزايدات أو المناقصات. فمجرد الإشارة إلى هذه الأعراف دون تحديد مضمونها، لا يساهم مطلقاً في إزالة الغموض الذي يحيط بطبيعة المهمة المخولة إلى شركة Westman.

وفي ضوء ذلك، فإنه يبدو أن القرينة العامة المقول بها، بمطابقة الاتفاق وتمشيه مع النظام العام الدولي ليست في محلها، إذ تكذبها في حقيقة الأمر المعطيات الواقعية والتجربة. في تقرير أعدته لجنة غرفة التجارة الدولية بباريس عام ١٩٧٧ حول انتشار الفساد في المعاملات التجارية لاحظت أن الفساد يعد ظاهرة عامة في بعض الدول على نحو أصبح يشكل مظهراً من مظاهر الحياة فيها لا تملك السلطة العامة لا الوسائل ولا الإرادة السياسية لقهره.

ويسود المشروعات الاقتصادية الأوروبية في مجموعها، اعتقاد كامل بأن الغالبية العظمى من دول العالم الثالث إن لم تكن كلها، لا يقوم تحقيق أي مشروع اقتصادي فيها دون مساعدة أو حماية من قبل بعض الأشخاص الذين يشكلون شركة من الوسطاء تمتهن الاحتيال والفساد، يتعين الاستعانة بهم دفعاً للضرر وجلباً للمكاسب.

ولا يمكن محاربة هذه العادات السيئة المتخلفة في إطار التجارة الدولية، والتي يعد المتعاقد المحلي هو الضحية الأولى لممارستها، إذ لم تطبق من أجل تقدير صحة العقد، الذي يساهم في ازدهار هذه الممارسات، قواعد تهدف إلى القضاء عليها.

ويذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى القول بأنه إذا كان استغلال النفوذ يمثل حالياً عادة حقيقية من عادات التجارة الدولية، فإنه لن يكون فقط مشروعاً من الضروري اعتبار أن عقوداً مثل عقود الوكالة أو المساعدة أو الاستشارات التي تبرم في إطار العلاقات التجارية الدولية تتمشى مع هذه العادات، في كل حالة تهدف فيها هذه العقود إلى تشجيع التعاقد، سواء من قبل شخص عام أو شركة وطنية أو شركة مختلطة. وفي هذا الفرض فإنه لا يوجد إضرار بالعدالة، لأنه لن يكون من الصعوبة بمكان على وسيط أو على مقدم الخدمات والذي يطالب بعده ملايين كمقابل لما أداه من عمل على أن يثبت بوضوح طبيعة سبب هذا المقابل، إذا تم الإقرار به أما إذا لم يقم الشخص بالإقرار بهذا المقابل أو عجز عن إثبات سببه، فإنه يبدو من المقبول اعتبار العقد مخالفاً للنظام العام الدولي.

والواقع أنه كان يتعين على محكمة استئناف باريس أن تكون لديها الجرأة الكافية لتقضي ببطلان العقد المبرم بين شركة Westman وشركة Alsthon لعدم مشروعية سببه ومحله، وبالتالي تقضي ببطلان حكم التحكيم، إلا أنها، بدلاً من أن تسلك هذا المسلك قررت بطلان حكم التحكيم بناءً على سبب اخر وهو الغش والتدليس الذي وقع من شركة Westman أثناء إجراءات التحكيم وهو الثاني الذي كانت شركة EGT قد تمسكت به أمام محكمة استئناف باريس للطعن بالبطلان.

فمن أجل أن تبرر شركة Westman طلباتها أمام هيئة التحكيم قدمت الشركة المذكورة أوراقاً تفيد إنفاقها لمبالغ محددة من أجل تنفيذ العقد المتنازع عليه. ولقد ثبت أثناء إجراءات التحكيم أن هذه الأوراق مصطنعة ولا تتفق مع الواقع، ولقد ذهبت محكمة استئناف باريس إلى أن هذا الغش الذي ارتكبته شركة Westman أثناء إجراءات التحكيم كان له تأثير حاسم على تقدير محكمة التحكيم لمبلغ العمولة المستحقة للشركة. ومن هنا فإن نصوص حكم التحكيم المتعلقة بهذا الشأن تعد مخالفة للنظام العام الدولي ويتعين إبطالها إعمالا لنص المادتين ٦٥٠٢- ٥ و١٥٠٤ من قانون المرافعات المدنية الفرنسي.

وإذا كان قضاء محكمة استئناف باريس المتقدم لم يقم بالحكم ببطلان حكم التحكيم، بالنظر إلى عدم مشروعية العقد لعدم مشروعية سببه ومحله، لاعتقاد محكمة استئناف باريس أن العقد المطعون عليه بعدم المشروعية يعد عقداً صحيحاً طالما لم يثبت الطرف المتمسك بعدم المشروعية الأدلة التي تؤيد هذا الزعم، فإنها ذلك انتهت إلى إبطال حكم التحكيم المطعون عليه بالبطلان أمامها بشكل جزئي لسبب الغش الذي مارسته الشركة أثناء إجراءات التحكيم. وبذلك تكون محكمة استئناف باريس قد اتخذت موقفاً يفهم منه أنه إذا توافرت أمامها القرائن والأدلة على ثبوت الفساد أو تقديم الرشوة، فإنها ما كانت تتوانى عن إبطال حكم التحكيم لمخالفته النظام العام في فرنسا، لأن الاعتراف به يعني الاعتراف بآثار عقد يهدف إلى تسهيل استغلال النفوذ وتقديم الرشوة. ونظراً لعدم توافر هذه الأدلة والقرائن، فإنها فضلت بدلاً من أن تبطل حكم التحكيم استناداً إلى سبب لا يوجد دليل كاف على تحققه أبطلت حكم التحكيم بناءً على سبب آخر تضافرت الحجج والقرائن على ثبوته.

وإذا كان قضاء محكمة استئناف باريس يدين الفساد والرشوة لمخالفتهم للنظام العام الدولي في فرنسا وإن كانت هذه الإدانة قد ظهرت في واقعة الحال بشكل ضمني فإن القضاء السويسري الذي سنعرض له الآن قد يُستخلص منه نتيجة مخالفة للنتيجة المتقدمة أو بمعنى آخر يفهم من ثناياه أنه يشجع الفساد والرشوة، بشكل صريح.

119