الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / مخالفة النظام العام / الكتب / سلطة القضاء إزاء خصومة التحكيم / المنازعات التي لا يجوز فيها التحكيم لأنها مخالفة للنظام العام

  • الاسم

    د. فهيمة أحمد علي القماري
  • تاريخ النشر

    2017-01-01
  • اسم دار النشر

    دار الكتب والدرسات العربية
  • عدد الصفحات

    287
  • رقم الصفحة

    38

التفاصيل طباعة نسخ

المنازعات التي لا يجوز فيها التحكيم لأنها مخالفة للنظام العام : 

1- بالنسبة للقانون النموذجي للتحكيم  : 

   الذي أصدرته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ( يونسترال ) عام 1985، حيث تنص المادة (34/ب) على أن من بين أسباب الطعن في أحكام التحكيم بالبطلان أن يكون " موضوع التراع لا يقبل التسوية بالتحكيم وفقا لقانون الدولة أو أن يكون حكم التحكيم متعارضا مع السياسة العامة لهذه الدولة (النظام العام) .

    بالإضافة إلى ذلك فقد أجاز القانون النموذجي لنفس الأسباب رفض الإعتراف بحكم التحكيم الأجنبي أو الأمر بتنفيذه في المادة (36/ب) منه .

  وفيما يلي الصياغات التي اتبعتها الدول العربية التي اعتمدت القانون النموذجي :

بالنسبة للقانون المصري للتحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم (27) لسنة 1994 .

   فقد نصت المادة (11) منه على أنه " لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح " كما أنه نص أيضا فى المادة (2/53) على أنه تقضى المحكمة التي تنظر بطلان حكم التحكيم ببطلانه إذا تضمن ما يخالف النظام العام، ونصت المادة (58) منه على عدم قبول طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في مصر .

  وبالنسبة للقانون العماني للتحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (47) لسنة 1997 فإن الصياغات الخاصة بالمواد (11)، (53/ب) و (58) فإنها تتطابق تماما مع مثيلاتها في القانون المصري . 

   وبالنسبة للقانون الأردني الصادر بالقانون رقم (31) لسنة 2001 : تنص المادة (9) منه على أنه " لا يجوز التحكيم فى المسائل التي لا يجوز فيها الصلح " كمـا أنـــه تنص المادة (49/ب) على أنه " تقضى المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم فيما تضمن ما يخالف النظام العام أو إذا وجدت أن موضوع التراع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها " . 

   وأيضا تتضمن مجلة التحكيم التونسية الصادرة بالقانون رقم (42) لسنة 1993 : في الفصل (7) منها تفصيلا للمسائل التي لا يجوز التحكيم فيها فتنص على أنه لا يجوز التحكيم في " 1- المسائل المتعلقة بالنظام العام 2- فى المسائل المتعلقة بالجنسية 3- في المنازعات المتعلقة بالحالة الشخصية باستثناء الخلافات المالية الناشئة عنها 4- في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح 5 - فى المنازعات المتعلقة بالدولة والمؤسسات العامة ذات الصبغة الإدارية والجماعات المحلية إلا إذا كانت هذه المنازعات ناتجة عن علاقات دولية اقتصادية كانت أو تجارية أو مالية وينظمها الباب الثالث من هذه المجلة" 

  وينص الفصل (42) من المجلة السابقة أيضا على جواز طلب إبطال حكم التحكيم " إذا خرق قاعدة من قواعد النظام العام " ، كما أنه ينص فى الفصل (78) ثانيا مـــن الباب الثالث من المجلة والخاص بالتحكيم الدولي على جواز الطعن في حكم التحكيم بالبطلان إذا رأت المحكمة أنه يخالف النظام العام فى مفهوم القانون الدولي الخاص " ، وينص الفصل (8) من المجلة على أنه يجوز رفض الإعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه إذا رأت المحكمة مخالفته للنظام العام " في مفهوم القانون الدولي الخاص " .

2- بالنسبة للقوانين التي تأثرت بالقانون الفرنسي : 

   من هذه القوانين قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني الجديد المعدل بالمرسوم الإشتراعى لعام 1983 على أنه " العقد التحكيمي عقد بموجبه يتفق الأطراف فيـــه على حل نزاع قابل للصلح ناشئ بينهم عن طريق تحكيم شخص أو عدة أشخاص " ، كما أجازت المادة (800) من نفس القانون أن الطعن فى حكم التحكيم بالبطلان إذا خالف قاعدة تتعلق بالنظام العام . 

   وبالنسبة لموريتانيا عددت المادة (8) من القانون رقم (6) لسنة 2000 الصادر في 2000/1/18 بإصدار مدونة التحكيم ما لا يجوز فيه التحكيم بأنه " 1 – في المسائل المتعلقة بالنظام العام -2 فى المنازعات المتعلقة بالجنسية -3 في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية التي لا تخضع للتحكيم الوارد فى هذه المدونة باستثناء الخلافات المالية الناشئة عنها -4 في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح -5 في المنازعات المتعلقة بالدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية إلا إذا كانت هذه المنازعات ناتجة عن علاقات دولية ذات طابع اقتصادي أو تجارى أو مالي كتلك المنظمة بالفصل الثالث من هذه المدونة " غير أن لكل الأشخاص أن يلجأوا إلى التحكيم في كافة الحقوق التي لهم حرية التصرف فيها "، كما أجازت المادة (4/38) منه الطعن على حكم التحكيم بالإلغاء " إذا كان المحكم قد خرق قاعدة من قواعد النظام العام " . 

   وبالنسبة للجزائر فإنه تنص المادة (442) من قانون الإجراءات المدنية الجزائري المعدل بالمرسوم التشريعي رقم (9) لسنة 1993 على ما يأتي :

   " يجوز لكل شخص أن يطلب التحكيم فى حقوق له مطلق التصرف فيها ولا يجوز التحكيم في الإلتزام بالنفقة ولا في حقوق الإرث والحقوق المتعلقة بالمسكن والملبس ولا في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو حالة الأشخاص أو أهليتهم . ولا يجوز للأشخاص المعنويين التابعين للقانون العام أن يطلبوا التحكيم ما عدا في علاقاتهم التجارية الدولية " بالإضافة إلى ذلك فقد أضافت المادة (458/ح) مكرر 23 استئناف القرار الذي يسمح بالإعتراف أو تنفيذ الحكم التحكيمي " إذا كان الإعتراف أو التنفيذ مخالفا للنظام العام الدولي " وأجازت المادة (458) مكرر 25 الطعن بالبطلان في القرارات التحكيمية الصادرة فى الجزائر فى مجال التحكيم الدولي في الحالة السابقة. 

3- وبالنسبة للوضع فى الدول التي طبقت أحكام الشريعة الإسلامية : 

   نجد أن نظام التحكيم السعودي الصادر بالأمر الملكي رقم 7/12 عام 1403 هجرية الموافق 1983/4/25 ينص فى المادة (2) منه على أنه " لا يقبل التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ولا يصح الإتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف " كما تنص المادة (3) منه على أنه " لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء للتحكيم لفض منازعاتها مع الآخرين إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء ويجوز بقرار من مجلس الوزراء تعديل هذا الحكم " 

   كما نصت المادة (1) من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم المذكورة الصادرة رقم 8 لسنة 1405 هجرية الموافق 27 مايو 1985 على أنه " لا يجوز في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح كالحدود واللعان بين الزوجين وكل ما هو متعلق بالنظام العام " .

   وبالنسبة لجمهورية اليمن فقد عددت المادة (5) من القرار الجمهوري بالقانون رقم (22) لسنة 1992 بشأن التحكيم ما لا يجوز التحكيم فيه بأنه :

   " أ - الحدود واللعان وفسخ عقود النكاح ب - رد القضاة ومخاصمتهم جــ - المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ جبرا د- سائر المسائل التي لا يجوز فيها الصلح هـ - كعمل يتعلق بالنظام العام " كما أجازت المادة (53) (ز) طلب إبطال حكم التحكيم إذا خالف الشريعة الإسلامية أو النظام العام .

4- وأيضا هناك بعض التشريعات التي فتحت المجال واسعا أمام المنازعات التي يجوز التحكيم فيها وذلك عن طريق وضع صياغة شديدة المرونة إذ أنها تتحدث عن المنازعات التي تقبل التحكيم مثال ذلك التشريع السويسري حيث نص في المادة (177) منه بأنها

" 1- كل نزاع له طبيعة مالية يمكن أن يحال إلى التحكيم 2- إذا كان أحد الأطراف فى التحكيم دولة أو شركة مملوكة من الدولة أو مؤسسة تخضع لرقابة الدولة، فلا يمكن لهذا الطرف أن يدلى بقانونه الخاص ليحتج على إمكانية إحالة التراع للتحكيم أو عدم أهليته لأن يكون طرفا في التحكيم .

5- أيضا تتجه بعض الدول إلى حظر الإلتجاء إلى التحكيم في منازعات الإستثمار في أقاليمها :

   ويمثل السماح بالتحكيم فى هذه المنازعات بالنسبة لهم تدخلا في سياساتهم الداخلية ونتيجة لهذا الإتجاه رفضت بعض الدول الإنضمام إلى اتفاقية البنك الدولي الخاصة بإنشاء المركز الدولي لحسم منازعات الإستثمار ( أكسيد) .

  ويتم التعبير عن هذا الإتجاه بمبدأ كالفو Calvo Doctrine والذي يقوم علـــى مبدأين أساسين هما: 

   المبدأ الأول : هو حق كل دولة في رفض أي تدخل أجنبي في استثمار مصادرها الطبيعية أو الإستثمار على أراضيها .

    المبدأ الثاني : وهو ينص على أنه لا ينبغي منح الأجانب أي استثناءات أو امتیازات في هذا الشأن .

   وقد تضمنت الإتفاقية التي تم التوقيع عليها في كاراتاجينا بكولومبيا في ديسمبر 1970 هذين المبدأين ونصت المادة (24) منها على أن الدول الأعضاء في هذه الإتفاقية لن يضمنوا لأي مستثمر أجنبي أي معاملة مميزة عن المستثمر الوطني، كمـا نصت أيضا المادة (51) من هذه الإتفاقية على أنه لا يجوز أن يتضمن أي تشريع أو قرار بشأن الإستثمار أو نقل التكنولوجيا أي شرط لسحب اختصاص القضاء مـــن نظر المنازعات التي تتعلق بهما أو يخضع الدول الأعضاء لقرارات المستثمرين . 

    وقد وقع على هذه الإتفاقية عدد من دول أمريكا اللاتينية ، إلا أنه على الرغم من ذلك فإنه يوجد هناك اتجاهات عكسية أخذت طريقها فى البلاد نظرا للحاجة الماسة للإستثمار ونتيجة للأزمات الإقتصادية .

   بالإضافة إلى ذلك فإنه يوجد فى هذا المجال مجموعة من الدول السبعة والسبعين في نطاق الأمم المتحدة فى مواجهة الدول الصناعية الكبرى قد عبرت عن أملها في حظر اتفاقيات التحكيم فى معاملات نقل التكنولوجيا .

   وقد كانت الدول الاشتراكية تجتاح فيما سبق معارضة انتشار التحكيم في الإستثمارات والتجارة الدولية بدعوى أنه فرض عدالة الأغنياء الذي يتمكن فيــه الطرف الأقوى اقتصاديا من إبرام الإتفاق الذي يحقق مصالحه في هذا الشأن .

   ومما لاشك فيه أن الإتجاهات المعارضة للتحكيم تراجعت بقوة في السنوات الأخيرة تحت وطأة عدة عوامل منها الحاجة الماسة للإستثمار الأجنبي، فضلا عـــن اختيار قواعد التحكيم المتوازنة التي تضمن حقوق الطرف المضيف للإستثمار أو الأضعف اقتصاديًا.

 هذا كله بالإضافة إلى أن طبيعة المنازعات الإقتصادية تتأبى على طول وتعــــدد وعدم بساطة إجراءات التقاضي وخاصة فى ضوء التطورات الجديدة ونتيجة للثورة التكنولوجية الهائلة إذ يتضمن التحكيم مجموعة من الحريات للأطراف الصياغة أسلوب حسم المنازعة بسرعة ومرونة وهو ما توجبه طبيعة المنازعات . 

   ويلاحظ من خلال الصياغات السابقة أنها جميعها تترك المجال الأكبر للقضاء لتحديد ما يجوز التحكيم فيه، وما لا يجوز وذلك وفقا لكل حالة على حدة وفى ضوء المعايير والحدود التي وضعها المشرع في كل دولة على حدة وليس في قانون التحكيم وحده فقط ولكن فى التشريعات الأخرى التي تتناول موضوعات معينة يتم حظر التحكيم فى منازعاتها . أما بالنسبة للقانون الذي يسرى على اتفاق التحكيم وقانون مكان التحكيم بالإضافة إلى القانون الذي يسرى على تنفيذ حكم التحكيم .

ومن خلال استعراض أحكام القانون المقارن يتضح لنا أنه :

1- لا يجوز الإتفاق على التحكيم في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية للإنسان وقد عرفتها محكمة النقض المصرية بأنها " مجموعة ما يتميز به الإنسان عن غيره مـــن الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثرا قانونيا في حياته الإجتماعية ككونه ذكرا أو أنثى وكونه زوجا أو مطلقا أو أبا أو ابنا شرعيا أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سنه أو عته أو جنون وكونه مطلق الأهلية أو مقيد بسبب مـــن أسبابها القانونية "، وتشمل هذه المسائل أيضا مسائل الميراث والوصية والحضانة والنفقة .

2- تتسم حدود وطوائف المنازعات غير القابلة للتحكيم في القانون المقارن أحيانا بعدم اليقين، وتتغاير الدول وتختلف ليس فقط فى الحدود التي تسمح فيها لطوائف من المنازعات بحسمها بواسطة التحكيم، ولكنها تختلف أيضا في أسلوب وطريقة تحديد هذه المنازعات ووضع الحدود بين ما يجوز التحكيم فيه من المنازعات، ومــــا يكون الفصل فيه من اختصاص محاكم الدولة وحدها .

  وتتجه البلاد التي تقع في مجموعة بلاد القانون المكتوب بوجه عام إلى تحديد طوائف المنازعات التي تستثنى من الفصل فيها بطريق التحكيم في تشريعاتها وإن اتسم هذا التحديد فى كثير من الأحوال فى هذه البلاد بعدم القطع إذ كثيرا ما تخرج طوائف أخرى من المنازعات التي لم ينص صراحة على عدم جواز التحكيم فيها من دائرة ما يجوز التحكيم فيه . وهكذا يظل للقضاء دوره الأساسي والحاسم في وضع الحدود والفواصل في هذه المسائل .

  أما في بلاد القانون غير المكتوب فإن تحديد طوائف هذه المنازعات يترك لمحاكم الدولة، ويسود فى هذه البلاد الشعور فى كثير من الأحيان بعدم اليقين بالنسبة للحدود الفاصلة بدقة بين ما يجوز التحكيم فيه وما لا يجوز .

   والخلاصة : أنه يمكن القول بوجه عام بأن طوائف المنازعات التي لا يجوز التحكيم فيها تتشابه حدودها فى كثير من الأحيان في معظم بلاد القانون المكتوب أو بلاد القانون غير المكتوب، وإن بقيت حدودها غير متسمة باليقين. 

كما أن بعض الدول تخرج عن الإتجاه العام السائد بالنسبة لما يجوز التحكيم فيه وذلك لظروفها الخاصة وتخرج من دائرة حسم المنازعات بطريق التحكيم المنازعات التي تتعلق بالنظام العام وهى تختلف فى كل دولة عن الأخرى على نحو ما سبقت الإشارة إليه.