الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / مخالفة النظام العام / الكتب / دور القاضي في التحكيم التجاري الدولي دراسة مقارنة / إذا خالف الحكم التحكيمي قاعدة من قواعد النظام العام

  • الاسم

    المحامي الدكتور/ عامر فتحي البطاينة
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    75

التفاصيل طباعة نسخ

إذا خالف الحكم التحكيمي قاعدة من قواعد النظام العام :

إذا ربطنا هذه الأسباب الواردة في القانون الفرنسي عن قوانين أخرى مشابهة له وطبيعة التحكيم نجد أن الكثير من ه الأسباب ترتبط في الأساس الاتفاقي للتحكيم وبعضها الآخر. أسباب البطلان يعود إلى الطبيعة القضائية لحكم المحكمين المراجع أشبعتها درساً وتعليلاً وتعليقاً ويكفي الرجوع إليها. ولا نرى ضرورة لعرض تفاصيل هذه الأسباب إذ أن الكثير

مدى إنسجام نظرية البطلان مع اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي؟!

في ختام هذا العرض لا بد من أن يطرح السؤال حول مدي انسجام نظرية البطلان بكل المعطيات التي سبق العرض لها من اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي؟ سيما وأن غاية هذا اللجوء كما بات معروفاً - التعجيل في مسألة حل النزاع حول منازع تجارية لا تحتمل التأخير بين تجار هاجسهم الوحيد تدوير رؤوس أموالهم واستثمارها، ومن بينها بالطبع ما ينتج عن العملية التحكيمي من مردود تجاري نقدي أو أرزاق مختلفة يحكم بها لأحد الطرفين ومن المعروف - قانوناً - أن دعوى البطلان تقام أما المحكمة الابتدائية المختصة أصلاً بنظر النزاع الذي كان موضوع يسقط الحق في إقامتها إلا للتحكيم ويترتب على ذلك أنه ليس لها ميعاد معين تُرفع فيه، فلا التقادم الطويل، ويسقط الحق في رفع دعوى البطلان بنشوء الحق فيه بالتنازل عن البطلان صراحة أو ضمناً كما لو أقدم المحكوم عليه بتنفيذ الحكم التحكيمي باختياره مباشرة، وهو خيار لا يتعلق بالنظام العام بحيث لا يحق للمحكمة الابتدائية المطلوب منها التنفيذ إثارته عفواً. وهنا يطرح السؤال المكمّل للسؤال السابق حول مدى سلطة محكمة البداية في الفصل بأساس موضوع النزاع في حالة بطلان حكم المحكمين؟

لقد حسم القانون الفرنسي الجواب بالإيجاب وبنص واضح في المادة ١٤٨٥ من قانون أصول المحاكمات الجديد، وهو يرمي إلى الإسراع بالإجراءات في حالة إبطال الحكم التحكيمي، بإعفاء الأطراف من العودة مرة ثانية أمام هيئة تحكيمية جديدة مع كل لاجراءات المؤخرة بالضرورة للحكم الجديد، ومثل هذا النص كان ولا يزال محل جدال بين الفقهاء بصورة عامة، فالبعض يأسف على أن تكون محكمة الاستئناف ملزمة أحياناً بالفصل في الموضوع في ظروف تتطلب سرعة فائقة وحول منازعات لم يعرض مثلها أمامها .

في حين أن نفس المحكمة بهيئة أخرى اعتبرت أن الإدعاء صحة شرط التحكيم لا يشكل عقبة تحول دون التصدي بعدم وفقاً لنص المادة ١٤٨٥ فرنسي، أياً كان للموضوع سبب الإبطال وأنه يجب عليها التدخل لإعمال هذه المادة، وأن تفصل في الموضوع وفي حدود مهمة المحكم.

الأنسب برأينا يمكن أن يكون في تكريس الاستقلال للتحكيم القضائي وبالتالي إعفاء محكمة الاستئناف من القواعد المقررة في المحاكم العادية، ويتم ذلك بإخضاع الدعوى لمجموعة المبادىء المنصوص عنها مثلاً في المادة ١٤٦٠ أصول محاكمات جديد) فرنسي واجبة التطبيق على خصومة التحكيم، الأمر الذي يكفل الإحترام للإرادة المبدئية للخصوم، وبإخضاع النزاع لإجراءات التحكيم وليس للإجراءات القضائية، وكل ذلك لتجنّب البطء الموجود أمام هيئة تحكيم جديدة.

تجاه هذه الصعوبات، إن الآراء تبدو متجهة ضد بلورة النزاع الذي ينتج من الأخذ بالاعتبار اتفاق التحكيم، ما يعني أنه يتوجب الإنتباه إلى تطور النزاع منذ أن يعهد بالمهمة للمحكم، ما يعني أيضاً أن محكمة الإستئناف (أي المحكمة المختصة) عليها أن تفصل في تم مناقشته أمام المحكم، وبصورة عامة أيضاً، يمكن لمحكمة الاستئناف الفصل في الطلبات والدفوع المطروحة أمامها بواسطة الخصوم، وبالسرعة الممكنة.

وما نقترحه هنا هو إمكانية الحدّ من حالة الطعن بالبطلان المبني على تجاوز المحكّم حدود مهمته؛ إذ يخشى أن يؤدي استخدامه إلى أن يجاوز القضاء الرسمي حدود سلطته ويعيد النظر في موضوع الحكم التحكيمي في أساسه كما ويراقب مدى احترام المحكم للقانون بالمعنى الحصري والضيق.

وهو أمر كانت قد تنبهت له محكمة استئناف باريس بقولها: إن جحود إرادة الأطراف ليس وجهاً للطعن لمن يريد الإحتجاج به لأن عدم احترام المحكمين للإشتراطات الإجرائية لا تحرمه من إمكانية التمسك بحقوقه ومن إخباره بأوجه دفاع الخصم وهذا ما هناك ما يمنع كذلك محكمة التمييز الفرنسية حيث قضت بأنه ليس المحكمين من أن يطبقوا على الدفع بالبطلان المثار القاعدة الواردة في المادة ١١٤ أصول مدنية فرنسي) والتي تنص الضرر الناجم عن عدم المشروعية . على أن البطلان لا يمكن النطق به إلا بعد تكليف الخصم بإثبات

- هذا بالمطلق، فماذا عن الأسباب الرئيسية التي تعرض القرار التحكيمي للبطلان أمام المحاكم الوطنية؟ وهل بالإمكان إزالة أو التخفيف من وطأة هذه الاسباب لتمرير العملية التحكيمية التي نظمها وقبل بها المشترع الوطني بالذات؟!

لن يكون سهلاً الدخول في تفاصيل كل الأسباب وكذلك في طرح محاولات جريئة تقرّب العمل التحكيمي من السلطة القضائية، كما لن يكون سهلاً إقناع الحكومات المعنية» بما نحاول أن نقرأه أو نشرحه في ضوء معطيات أصبحت بديهية لا بل تشكل الأمر الواقع الذي لا يمكن إنكاره والذي أصبح قائماً بوضوح علي ظاهرة دولية كاسحة ألا وهي ظاهرة العولمة، والتي أخذت وتبعاً لعناصر تكوينها الإقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي في الدخول ببساطة وبمنطق علمي هام عالم صياغة العمل التشريعي وبالطبع التأثير في القرارات القضائية الرسمية وبوضوح أكثر في تنامي وتعاظم أهمية القرارات التحكيمية الدولية في المجال التجاري!

خاتمة

لا يوجد - برأينا - أية شكوك حول الإنقسام الحاد، بين من يناصر تسهيل وتشجيع العمل التحكيمي وعدم عرقلته في مبدئه وإجراءاته وأحكامه، ومن يتشدد في ذلك، وللفريقين أسبابه وتعليلاته ولا نجد مبرراً لتكرار ما قلناه وقاله البعض قبلنا حول ذلك.

ولعله من المفيد لا بل من المنطقي أن نذهب مذهباً وسطاً بحيث لا نرى مبرراً لتعقيد عمل الهيئات التحكيمية بحجج تتمحور في معظمها حول مبدأ سلطان وسيادة القضاء في الدولة المعنية تجاه صلاحيات أعطاها القانون الوطني بالذات من خلال مواد قانون تجارة أو حتى بتشريع خاص للأعمال التحكيمية واعتراف واضح بأحكام المحكّمين بحيث أن جلب الشاهد مثلاً (بالنسبة إلينا) أمام هيئة تحكيم وعن طريق الجهات الرسمية المختصة، لا يعني انتقاصاً من هيبة السلطة القضائية؛ إذ أن خطوة كهذه تفعل عمل المحكم وتعجل بإنهاء العمل التحكيمي؛ وإلا نكون قد وصلنا إلى ما يناقض مبور وجود التحكيم سواء من الناحية العملية أم التشريعية... وإذا أردنا إيضاح وجهة نظرنا، فإن منطلقها هو في تحديد سلطات المحكم. 

ذلك أن تلك السلطات لا تخرج عن كونها تتعاطى في إجراءات التحكيم.

- سير اجراءات التحكيم

- سلطة الإثبات وتقدير الأدلة والقرائن موضوع النزاع. 

- اختيار القانون واجب التطبيق.

- بالنسبة إلى إجراءات التحكيم يجب أن تتوافر للمحكم السلطات الكافية للبدء بالإجراءات التمهيدية في كل المجالات غير المخالفة للقانون أو للنظام العام والآداب العامة، إضافة بالطبع إلى إدارة الجلسات وتحديد المواعيد وسبلها ووسائلها ومضاعفاتها. مع إعطائه الإمكانية المعقولة لاتخاذ تدابير مؤقتة وإجراءات تحفظية وبالتعاون - أحياناً . مع السلطات القضائية المختصة. - وبالنسبة إلى سلطة المحكم في مجال الإثبات، يجب منحه الإمكانية للإطلاع على مختلف القيود والوثائق والمستندات في أصلها أو بنسخ عنها، مع سماع الشهود وما يترتب من جزاءات على عدم حضورهم مثلاً المادة ۱/۷۷۹) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني كذلك الاستعانة بالخبراء دون التقيد بجدولهم الرسمي.

- أما بالنسبة إلى سلطة المحكّم في اختيار القانون واجب التطبيق، فيجب التفريق بين حالة القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم وذلك الواجب التطبيق على موضوع النزاع. ففي الحالة الأولى، يجب مراعاة الطابع الإتفاقي للمحكمين، بالنظر إلى القواعد التي تحكم سير المنازعة في تحكيم الحالات الخاصة. وللمحكم هنا سلطته في اختيار أو إكمال القواعد الإجرائية لسير المنازعة بما يتناسب مع إنهائها.

وفي الحالة الثانية؛ يجب مراعاة الطابع الإتفاقي للمحكمين في تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ومنح المحكم السلطة الإستنسابية الأوسع في ذلك بالنظر لمعرفته بخبايا النزاع، خاصة إذا لم يتم اتفاق الأطراف على القانون أو أنه تم في ضوء قانون غير ملائم وغير منتج لحل النزاع، ولا شيء يمنع أن يتم هذا الإختيار

في ظل نصوص الإتفاقيات الدولية وقواعد التحكيم الدولي... من كل ما صار عرضه يلاحظ أن معظم قوانين واتفاقيات منح المحكم التحكيم سواء الوطنية أو المؤسساتية أو الدولية تكاد تجمع على سلطات معينة وواسعة في بعض الأحيان، وتوجب عليه التزامات وتقيده بإجراءات مشابهة وموحدة وإن كانت تختلف في صياغة أحكامها، وهذا التقارب بين أنظمة التحكيم المختلفة يدل دلالة واضحة على مدى أهمية التحكيم في عالمنا المعاصر مما بأن يوحي ن توحيد تلك القواعد بات قريبا وخاصة في ظل إجراء العولمة التي أخذت تتطور تطوراً واضحاً نحو مثل هذا التوحيد وسواء كان الوصول إليه عفواً أو إلزامياً....