التنفيذ / مخالفة النظام العام / الكتب / الوجيز في شرح نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية / حالات البطلان المتعلقة بمخالفة الشريعة الإسلامية الغراء والنظام العام
حالات البطلان المتعلقة بمخالفة الشريعة الإسلامية الغراء والنظام العام
نصت المادة الخمسون (فقرة 2 من النظام على أنه: "2) تقضي المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والنظام العام في المملكة، أو ما اتفق عليه طرفا التحكيم، أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب هذا النظام".)
ويلاحظ أن المنظم بعد أن عدد في الفقرة (1) من هذه المادة حالات البطلان على سبيل الحصر، أضاف في الفقرة (ح) أسباباً عامة ومرنة، إلى درجة أنه قد تدخل بعض الأسباب الواردة بالفقرة (1) من ضمنها، فإذا كانت الحالة التي على أساس توافرها تم رفع دعوى البطلان من ضمن الحالات الواردة في الفقرة (1)، ثم تبين للمحكمة عدم صحة ذلك، ووجدت أسبابا تخالف الشريعة الإسلامية الغراء، أو النظام العام، أو اتفاق الخصوم، أو أن الموضوع لا يجوز التحكيم فيه، فإنها تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها، وحتى لو لم يدفع المدعي بهذا السبب، وهذا يقتضی۔ - طبعا - أن يكون هناك بالفعل دعوى قائمة لتحقيق سلطة المحكمة.
1) مخالفة الشريعة الإسلامية:
تنص المادة الأولى من نظام المرافعات الشرعية على أن: "تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة".
وقد قررت المادة السابعة من نظام الحكم أنه: "يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وهما الحاکمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة".
كما أكدت المادة الثامنة والأربعون من نظام الحكم على أن: "تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة".
وعلى ذلك، فإن قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في مجملها المصدر الأساسي لكافة الأنظمة المعمول بها في المملكة.
وتأكد ذلك ما ورد في حيثيات حكم لدائرة الاستئناف التجارية ، من أنه " ..... و بما أن العقد قد نص على كيفية معالجة الأعمال التي تم تنفيذها وأن هناك تقارير تم اعتمادها من قبل الطرفين لأيام العمل الزائدة عن وقت العقد فتكون ذمة المدعى عليها مشغولة شرعاً بمستحقات المدعي إلى أن يثبت خلاف ذلك، فالقاعدة الشرعية في ذلك أن الأصل براءة ذمة المدعى عليها وقد ارتفع بموجب ما قرره العقد المتفق عليه والتقارير المعتمدة من الطرفين، خلافاً لما أوردته هيئة التحكيم في أسباب حكمها من أن الأصل براءة الذمة، في هذه الحالة الأمر الذي تنتهي معه دائرة الاستئناف إلى القضاء ببطلان حكم التحكيم لمخالفته أحكام الشريعة ."
جاء في الأمر السامي البرقي الموجه أصله إلى معالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء الموافقة على المحضر الصادر من هيئة الخبراء بمجلس الوزراء برقم: (497)، بتاريخ 16/ 9/ 1433، والمتضمن بیان معنى النظام العام بأنه: "هو القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية المستندة إلى نصوص الكتاب والسنة".
تعرف اللائحة التنفيذية لنظام التنفيذ في المادة (11/ 3) منه، على أن المقصود بالنظام العام هو أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
ولقد ساهم الفقه والقضاء المقارن في توضيح فكرة النظام العام بأنها تلك القواعد التي تتعلق بالمصالح العليا في المجتمع، والتي تحقق له الحماية اللازمة لاستقراره واستمراره، / وتحقيق العدالة لأفراده.
- والنظام العام بهذا المفهوم قد يضيق ويتسع حسب الوقت والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في المجتمع، وبصورة عامة، فمعيار النظام العام هو المصلحة العامة، وهي في المملكة العربية السعودية: المحافظة على الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية الغراء لحفظها، والتي يقوم عليها المجتمع؛ وهي: حماية الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل.
إذن متى يكون حكم التحكيم متضمناً مخالفة للنظام العام؟
تقرير أن حكماً ما يتضمن مخالفة النظام العام هو من إطلاقات السلطة التقديرية للمحكمة المختصة، ومن الصعوبة بمكان حصر الحالات التي يكون فيها حكم التحكيم متضمناً مخالفة للنظام العام؛ لأنها فكرة مرنة، و معیار نسبي، ولكن الفقه اجتهاد في ذكر بعض الحالات، على سبيل المثال وليس الحصر، التي لا يجوز التحكيم فيها في المملكة؛ لارتباطها بالنظام العام: ومنها:
- كل ما يخالف الشريعة الإسلامية الغراء.
- الأنظمة الجزائية.
- التنظيم القضائي ومخاصمة ورد القضاة.
- القواعد الدستورية والحريات العامة.
- مسائل الأحوال الشخصية .
- النظم المالية والإدارية .
- المنازعات المتعلقة بالفائدة الربوية.
- منازعات نزع الملكية والجنسية .
ويجب على من يعمل في مجال التحكيم في المملكة العربية السعودية، أو من كان حكمه . سينقذ فيها؛ أن يحرص على أن يجب حكمه ما يخالف النظام العام؛ لأن مصيره عدم التنفيذ؛ حيث قضت المحكمة الإدارية بالرياض" في الدعوى المقدمة من المدعية بطلب تذييل الحكم الصادر من مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي في القضية رقم (27 / س / 27-4-2009 ) بالصيغة التنفيذية داخل المملكة العربية السعودية؛ بعدم قبول طلب المدعية لمخالفة هذا الحكم للنظام العام في المملكة العربية السعودية؛ من خلال مخالفة مبدأ المواجهة؛ إذ إن المدعى عليه لم يمثل تمثيلاً صحيحاً في الدعوى التحكيمية، ومخالفة قواعد الاختصاص؛ إذ إن التوكيل لم يصدر من كتابات العدل المختصة بإصداره، فلا يصلح هذا الحكم للتنفيذ في المملكة.
وقضت المحكمة في حكمها أن التوكيل المقدم في الدعوى "لم يراع فيه ما يجب في التوكيل القضائي من وجوب استكمال التواقيع والأختام بين سفارة البلد الذي صدرت منه، البلد الذي يراد التحاكم فيه، علاوة على أنه لم يصدر من الجهة ذات الاختصاص بالتوكيل الإنابة) في المملكة العربية السعودية؛ وهي كتابات العدل، كما أن المدعى عليه لم يبلغ بهذه الدعوى على أساس أنه مدعى عليه أصالة في الدعوى، إنها بلغ بصفته المدير العام للقناة، ليتم سماع الدعوى على القناة، وبذلك فإنه لا يصدق على هذه الحالة أنه تم تبليغ المدعى عليه قبل صدور الحكم في مواجهته ... هذا الحكم مخالف للنظام العام في المملكة العربية السعودية، وبالتالي عدم صلاحيته للتنفيذ ... حکمت الدائرة بعدم قبول طلب المدعية تنفيذ الحكم التحكيمي ...".
مخالفة ما اتفق عليه الأطراف:
نص النظام على وجوب أن تقضي المحكمة التي ترفع إليها دعوى البطلان - من تلقاء نفسها . إذا خالف الحكم "ما اتفق عليه طرفا التحكيم".
ويمكن أن ينصرف المقصود بالمخالفة إلى مخالفة القواعد الإجرائية التي اتفق طرفا التحكيم على تطبيقها على موضوع النزاع، فمخالفة القواعد الموضوعية تناولتها الفقرة (2) من المادة الخمسين، والتي نصت على: "تقضي المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها بطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والنظام العام في المملكة، أو ما اتفق عليه أطراف التحكيم، أو إذا وجد أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم بموجب هذا النظام".
فالنظام لا ينص على ذات السبب في ذات المادة، وقد تتدخل اللائحة التنفيذية وتضيف توضيحا حول المقصود بمخالفة ما اتفق عليه الأطراف.
فمثلاً مخالفة الميعاد الذي اتفق الأطراف على أن يصدر الحكم خلاله، أو الاتفاق على إنهاء إجراءات التحكيم، واختيار المكان واللغة ... إلخ، ولا شك في أن مسلك النظام من شأنه إعلاء إرادة أطراف التحكيم، وبسط نفوذهما على التحكيم.
وهذا ما ورد في حيثيات حكم لدائرة الاستئناف التجارية ، من أنه " ..... وبما أن العقد قد نص على كيفية معالجة الأعمال التي تم تنفيذها وأن هناك تقارير تم اعتمادها من قبل الطرفين لأيام العمل الزائدة عن وقت العقد فتکون ذمة المدعى عليها مشغولة شرعا بمستحقات المدعي إلى أن يثبت خلاف ذلك، فالقاعدة الشرعية في ذلك أن الأصل براءة ذمة المدعي عليها، وقد ارتفع بموجب ما قرره العقد المتفق عليه والتقارير المعتمدة من الطرفين، خلافا لما أوردته هيئة التحكيم في أسباب حكمها من أن الأصل براءة الذمة في هذه الحالة، الأمر الذي تنتهي معه دائرة الاستئناف إلى القضاء ببطلان حكم التحكيم لمخالفته ما اتفق عليه طرفا التحكيم."
وسلطة الأطراف ليست مطلقة في الاتفاق على الإجراءات الواجبة الاتباع، وإنها مقيدة بعدم مخالفتها لأحكام الشريعة، كما أشارت إلى ذلك المادة الخامسة والعشرين (فقرة 1): "لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات ... بشرط عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء".
المخالفة بسبب عدم قابلية موضوع النزاع للتحكيم:
فقد ذكرت الفقرة (2) من المادة الخمسين، أن المحكمة المختصة تحكم من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم، إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب هذا النظام.
في حين إن النظام خلا من إشارة صريحة لهذه المواضيع (كما في نظام التحكيم السابق)، عدا ما ورد في ذات الفقرة (2) من أن يكون الموضوع مخالفا للشريعة الإسلامية الغراء وللنظام العام.
والذي نراه أن مقصود المنظم ينصرف إلى المواضيع التي لا يجوز التحكيم فيها لذاتها، ولمخالفتها الأنظمة المرعية في الدولة - وليس نظام التحكيم - بشكل عام.
فلا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز الصلح فيها، أو التي فيها مخالفة للشريعة الإسلامية الغراء وللنظام العام، أو للأنظمة المرعية، فهي من العمومية بحيث تدخل جميع الأسباب والحالات - التي سبق شرحها - من ضمنها.
ولعله من المناسب أن تتدخل اللائحة التنفيذية المزمع إصدارها في تحديد المقصود بعبارة "بموجب هذا النظام".
فإذا لم تتوافر أي حالة من الحالات التي أوردتها المادة الخمسين على سبيل الحصر. فإن المحكمة ستقضي حتما برفض الدعوى وتأكيدا لذلك قضت دائرة الاستئناف التجارية في حكم لها » برفض دعوى البطلان حيث جاء في حيثيات حكمها".......... وبما أن نظام التحكيم قد حدد وعلى سبيل الحصر الأحوال التي تقبل فيها دعوى بطلان حكم التحكيم ، وبها أن ما ورد في دعوى البطلان المائلة لا يندرج شئ منه ولا ينطبق عليه أي حالة من تلك الأحوال وبما أن جميع ذلك قد تمت المرافعة فيه أمام هيئة التحكيم وفصل فيه حكم التحكيم وبما أن نظام التحكيم قد نص على أن تنظر المحكمة المختصة في دعوى البطلان في الحالات المشار إليها دون أن يكون لها فحص الوقائع و موضوع النزاع ...................... وبناء عليه فإن دائرة الاستئناف تنتهي إلى رفض دعوى البطلان. "
وهذا منهج محمود من القضاء بعدم التوسع في تفسير أسباب حالات البطلان ، وإغلاق الباب على من يريد العودة إلى القضاء من الباب الخلفي بعد أن خسر في التحكيم.