إن أهم ما يستوجب النظر عن إبطال حكم المحكم إذا ما عرض على القاضي، هو مخالفة الحكم النظام العام الشرعي، فالأحكام الشرعية التي يطبقها المحكم على النزاع، قد يأخذها بصورة مباشرة من دليل شرعي تفصيلي، كنص آية كريمة، أو حديث شريف، وقد يستنبطها باجتهاده المبني على القياس، فالحكم الشرعي الذي يستقيه المحكم من المصادر الشرعية من كتاب أو سنة أو إجتهاد.
أولا: مفهوم الأبطال: -
والإبطال لغة يعني إفساد الشيء وإزالته، حقا كان ذلك الشيء أو باطلاً، قال الله تعالى: " ليحق الحق ويبطل الباطل " (سورة الأنفال: الآية 8)، وشرعاً: الحكم على الشيء بالبطلان، سواء وجد صحيحاً ثم طرأ عليه سبب البطلان، أو وجد وجوداً حسياً لا شرعياً، فالأول كما لو انعقدت الصلاة صحيحة ثم طرأ عليها ما يبطلها، والثاني كما لو عقد على إحدى المحرمات عليه على التأييد.
والبطلان في المعاملات يختلف فيها تعريف الحنفية عن غيرهم، فهو عند الحنفية: أن تقع على وجه غير مشروع بأصله ولا بوصفه، وينشأ عن البطلان تخلف الأحكام كلها عن التصرفات، وخروجها عن كونها أسبابا مفيدة لتلك الأحكام التي تترتب عليها، فبطلان المعاملة لا يوصل إلى المقصود الدنيوي أصلا، لأن آثارها لا تترتب عليها، وتعريف البطلان عند غير الحنفية هو تعريف الفساد بعينه، وهو: أن تقع المعاملة على وجه غير مشروع بأصله أو بوصفه أو بهما.
1. إبطال الحكم أم فسخه:
يعبر الفقهاء أحيانا في المسألة الواحدة تارة بالإبطال، وتارة بالفسخ، غير أن الإبطال يحدث أثناء قيام التصرف وبعده، وكما يحصل في العقود والتصرفات يحدث في العبادة، أما الفسخ فإنه يكون غالبا في العقود والتصرفات.
2- إبطال الحكم أم إفساده:
يأتي التفريق بين الإبطال والإفساد تفريعا على التفرقة بين الباطل والفاسد، يرى المالكية والشافعية والحنابلة أنه لا فرق بين البطلان والفساد في التصرفات، سواء أكان ذلك في العبادات، كالصلاة مع ترك ركن من أركانها، أو شرط من شروطها، أم كان ذلك في النكاح، كالعقد على إحدى المحارم، أم كان في المعاوضات، كبيع الميتة والدم، والشراء بالخمر، والبيع المشتمل على الربا، فكل من البطلان والفساد يوصف به الفعل الذي يقع على خلاف ما طلبه الشارع، ومن أجل هذه المخالفة لم يعتبره، ولم يرتب عليه أي أثر من الآثار التي تترتب على الفعل الصحيح، أما الحنفية فإنهم - على المشهور عندهم، وهو المعتمد - يوافقون الجمهور في أن البطلان والفساد مترادفان بالنسبة للعبادات، أما بالنسبة للمعاملات، فإنهم يخالفون الجمهور، فيفرقون بينهما، ويجعلون للفساد معني يخالف معنی البطلان، ويقوم هذا التفريق على أساس التمييز بين أصل العقد ووصفه، فأصل العقد هو أركانه وشرائط إنعقاده، من أهلية العاقد ومحلية المعقود عليه وغيرهما، كالإيجاب والقبول.
والسبب في هذا الإختلاف بين الجمهور والحنفية، يرجع إلى اختلاف هؤلاء الفقهاء في أثر النهي إذا توجه إلى وصف من أوصاف العمل اللازمة له، كالنهي عن البيع المشتمل على الربا أو شرط فاسد، فالجمهور يقولون: إنه يقتضي بطلان كل من الوصف والأصل، كأثر النهي المتوجه إلى ذات الفعل وحقيقته، ويطلقون على الفعل المنهي عنه لوصف لازم له إسم الفاسد أو الباطل، ولا يرتبون عليه أي أثر من الآثار المقصودة منه، ولهذا كان البيع المشتمل على الربا، أو على شرط فاسد، أو نحو هذا من قبيل الباطل عندهم أو الفاسد، والحنفية يقولون: إنه يقتضي بطلان الوصف فقط، أما أصل العمل فهو باق على مشروعيته بخلاف النهي المتوجه إلى ذات الفعل وحقيقته.
، ويطلقون على الفعل المنهي عنه لوصف لازم له اسم
3- إبطال الحكم أم إسقاطه:
الإسقاط فيه رفع لحق ثابت، وفي الإبطال منع لقيلم الحق أو الإلتزام، وقد يثي كل من الإبطال والإسقاط بمعنى واحد أحيانا في كلام الفقهاء، كقولهم: الوقف لا يبطل بالإبطال، وقولهم أسقطت الخيار أو أبطلته، ومن ثم يمكننا القول إبطال حكم المحكمين أوقع من إسقاطه.
4. إبطال الحكم أم إختلاله:
- الإختلال لغة مصدر اختل، وأصله يكون من الخلل، وهو الفساد والوهن في الرأي والأمر، كأنه ترك منه موضع لم يبرم ولا أحكم، ومن هنا فإن الإختلال إما حسي وإما معنوي، فالحسي نحو إختلال الجدار والبناء، والمعنوي بمعنى الفقر والحاجة، والإختلال في إصطلاح الفقهاء لا يبعد عن المعنى اللغوي المذكور.
ثانياً: إبطال حكم المحكم إذ صدر مخالفاً للقران الكريم
وإبطال الحكم والحال كذلك في تحكيم الأحوال الشخصية تحكيم الشقاق لمخالفته نصة من القرآن الكريم الذي هو المصدر الأول للأحكام الشرعية ، كنقض الحكم بالفرقة قبل إتمام مرات اللعان، فإذا طلق الحاكم (القاضي) وقد لاعن كل من الزوجين ثلاث مرات، ففي نفاذ حكمه ونقضه قولان: أحدهما النفاذ وعدم النقض وهو قول الحنفية، وأدلتهم في ذلك أن من أتي بالثلاث فقد أتي بالأكثر وتكرار اللعان للتغليظ ومعنى التغليظ أن يحصل بأكثر كلمات اللعان، والقول الثاني النقض وهو قول الشافعية.