يستخدم بعض الفقه مصطلح النظام العام الدولي بجانب مصطلح النظام العام الداخلي، وذلك للتعبير عن الدور المختلف الذي يلعبه النظام العام في مجال العلاقات الوطنية المحض، ومجال العلاقات التي تحتوي على عنصر أجنبي.
ويرى البعض أن مفهوم فكرة النظام العام الدولي تقوم على أساس مجموعة من الأصول والمبادئ العامة التي تفرضها القيم الإنسانية العالمية، والتي يفرضها التعايش المشترك بين المجتمعات، وهذه القيم أو الأصول تتسع لتشمل مبدأ حرية التعاقد، والقوة الملزمة للعقد، ومبدأ عدم جواز إساءة استعمال الحق ومبدأ حسن النية في تنفيذ العقود، ومبدأ إبطال الغش، ومبدأ عدم جواز الإثراء بلا سبب وغيرها من المبادئ التي كانت تفرض وجودها في غالبية التشريعات للدول.
ويرى أيضا بعض الفقه أن محاولة التفرقة بين القواعد المتعلقة بالنظام العام الداخلي، وتلك المتعلقة بالنظام العام الدولي، هي محاولة لإهدار القيم الدينية والاقتصادية للشعوب وتقدمها، أمام تطلعات العولمة التي تسعى إلى طمس هوية الدول النامية، حتى يظل التحكيم كما بدا قاصرا على الدول الكبرى، كي تكون هي الخصم والحكم في علاقاتها التجارية مع الدول النامية، التي سعت لحماية مصالحها بإعادة تقنين نصوص قوانينها الداخلية، سعيا لإيجاد موطئ قدم لها على ساحة التحكيم التجاري الدولي، حماية لمصالحها الوطنية - ويضيف - بأنه لا يوجد ضابط قانوني للتفرقة في مجال المعاملات التجارية الدولية النظام العام الداخلي وبين النظام العام الدولي، سوى كونها ستارا أريد به سيطرة الدول الرأسمالية على دول العالم الثالث.
وفي ذات الاتجاه يرى بعض الفقه أنه من غير المقبول "محاولة افتعال تفرقة مصطنعة بين النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي في ميدان المعاملات
الاقتصادية، فالنظام العام يصطبغ دائما بصبغة وطنية، لا يصح تجاهلها تحت ستار فكرة غامضة- تتوسل بها الدول المتقدمة لإهدار مصالح الدول النامية، استنادا إلى عدم تعلق نصوصها الوطنية الآمرة بالنظام العام الدولي الذي يعلو على النظام العام الداخلي... ولن يتسنى القول بوجود نظام عام دولي حقيقي إلا عندما تتلاشى هذه الهوة التي تفصل بين دول العالم المتقدم والدول النامية".
وفي المقابل ينادي جانب من الفقه بالتفرقة بين النظام العام الدولي والداخلي، والأخذ بعين الاعتبار النظام العام الدولي عندما نكون بصدد حكم تحكيم دولي.
وذهب البعض إلى القول بأنه ليس كل حكم يتعلق بالنظام العام في التطبيق الداخلي للنصوص، هو بالضرورة كذلك على الصعيد الدولي أو التطبيق الدولي، وذلك بالنظر إلى طبيعة الاختلاف بين النظم القانونية والاجتماعية بين الدول.
ومن هنا فان هنالك نظامين عاميين: النظام العام الداخلي، والنظام العام الدولي، والحكم التحكيمي الدولي يبطل إذا خالف النظام العام الدولي، ولا يبطل حتما إذا خالف النظام العام الداخلي، أما الحكم التحكيمي الداخلي فيبطله النظام العام الداخلي، ولا حاجة لإدخال النظام العام الدولي في الموضوع، لأن ما يتضمنه النظام العام الداخلي لا شأن له بأحكام النظام العام الدولي
والآن أي نوع من القواعد التي يجب على المحكم مراعاتها عند الفصل عن النزاع، قواعد النظام العام الداخلي أو الدولي؟ .
لاشك إن المحكم عندما يفصل في أي نزاع لابد من أن يأخذ بعين الاعتبار قواعد النظام العام للدولة التي سوف ينفذ فيها ذلك الحكم.
ولذلك فإنه من الضروري ألا يتضمن قرار التحكيم ما يتعارض مع قواعد النظام العام في البلد المراد تنفيذ الحكم فيه، وهذا ما يدعو المحكم أن يأخذ بنظر الاعتبار عند إصداره لقراره بمبدأ احترم قواعد النظام العام الداخلي، مع قواعد النظام العام السائد في التعامل التجاري الدولي، فإذا ما وقع تعارض أو مخالفة لهذه القواعد، فإن ذلك يؤدي إلى إبطال الحكم، وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها دون حاجة لتمسك الخصم بالبطلان.
ومن كل ما تقدم، يتضح لنا بأنه يبقى للقاضي الوطني الدور الأخير في التحقق من عدم مخالفة حكم التحكيم للنظام العام، باعتبار أن القضاء هو صمام الأمان الأخير للمجتمع للمحافظة على هويته وحماية مقدراته، بما يعني أن للقاضي مطلق تقدير مدى تعارض حكم التحكيم مع الأسس والمبادئ القائم عليها النظام القانوني المصري، فالقاضي له أن يأمر بالتنفيذ من عدمه، وفق قناعته بعدم تعارض حكم التحكيم مع الأسس والمبادئ القائم عليها النظام القانوني المصري..
ويصف البعض القضاء المصري بأنه قضاء مرن متفتح ومتفهم لطبيعة التعامل التجاري الدولي، إذ أنه لم يتوسع في مدلول النظام العام ليشتمل مخالفة كل نص آمر، وإنما قصر ذلك على ما يتعلق بالمصلحة العليا للبلاد.
وتتحقق المخالفة الإجرائية للنظام العام متى كانت إجراءات إصدار هذا الحكم لم تلتزم بالمبادئ الإجرائية الأساسية في القانون المصري، كاحترام حقوق الدفاع، أو المواجهة بين الخصوم، بينما المخالفة الموضوعية للنظام العام بأن يكون منطوق الحكم التحكيمي يحرم أو يجيز أمرا يناهض النظام العام.